
كيف نحقق الآمال ونتجاوز العقبات؟

إن تحقيق الآمال، وبلوغ الغايات، وإحراز النجاحات، وتبوأ المقامات، وإنجاز الأهداف، والوصول للحياة المطمئنة، تتطلب من أصحابها الوضوح والحزم والعزم في إدارة الحياة الروحية والمادية، وارتياد آفاق الكمال الأخلاقي والتألق النفسي والتأنق الروحي، والعلو إلى المعالي والترفع عن السفاسف.
فكم ضاعت الأوقات وفنيت الأموال وتبددت الجهود وتعبت الأفكار في غير موضعها وزمانها.
إنَّ العمر قصير والزاد قليل، وحتى نبلغ مطالب الدنيا والآخرة علينا أن لا ننشغل بغير ما خُلقنا له، ولا ننصرف عن غايتنا ولا نترك فرصة لشتات القلب وضياع الفكر.
وقد ورد عن الصالحين حكمة عظيمة يندرج تحتها ما لا تحصيه العبارة وهى قولهم: "ملتفت لا يصل".
وقد وجدتُ شاهدها في القرآن الكريم في مواضع كثيرة.
ونقف هنا حول بعض مواطن الالتفات الذي يصرفنا ويشتت قلوبنا عن الغاية الكبيرة.
1- لا تدخل في معارك جانبية
قال تعالى:
خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ سورة الأعراف: 199].
وقال تعالى:
فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) [سورة الحجر].
وقال تعالى:
وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [ سورة الفرقان: 63 ].
وقال جل وعلا:
وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [ سورة الفرقان: 72 ].
فلا تدع أحداً يسوقك إلى معركة ليست معركتك، لا تهتم بمن يتحدث عنك في غيبتك وانظر أنت إلى نفسك، واشتغل بإصلاحها، لا تنظر إلى عيوب غيرك وفتش عن عيوبك، فإن السعيد من عكف على قلبه وأصلحه، وإلى نفسه فزكاها، وعُمره فشغله بالأعمال الصالحة.
هناك قُطاع الطرق الذي يسرقون وقتك ويصرفونك عن الطريق ويدخلونك إلى خياراتهم فكن على طريق الحق ولا تلتفت إلى إليهم وامض إلى طريق الحق والعمل.
كما قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا [ سورة الأحزاب: 48].
- هناك من ينتقدك ليهدمك فخذ من النقد فرصة للارتقاء والتطوير.
- هناك من يهاجمك ليعطلك ويرميك بحجارة الحسد والحقد فالتقط حجارته وشيد منها قصراً مُنيفا.
- هناك من يشغلك بالفروع والجدليات التي تضيع العمر وتثير الأحقاد فانشغل بالأصول وجمع القلوب على القضايا الجامعة للأمة والوطن.
- لن تتوقف الحملات المغرضة المشككة في الإسلام وكتابه وسنته وأحكامه فليكن عملنا البناء والتكوين والرد الهادئ الاستراتيجي وليس المؤقت.
- التفت للجانب المضيء من كل شر أو سوء وانظر إلى حال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا عبادَ اللهِ انظُروا كيف يصرِفُ اللهُ عنِّي شَتْمَهم ولَعْنَهم -يعني قُرَيشًا-ـ قالوا: كيف ذلك يا رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-؟ قال: يشتُمونَ مُذَمَّمًا ويلعَنونَ مُذَمَّمًا وأنا مُحمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-."
2 - لا تصارع على الدنيا
حب الحياة والسبق في الدنيا مشروع ومطلوب ومنسجم مع الفطرة ورغبات النفوس والطباع السليمة غير أن المذموم منها، كثرة التحديق إليها على نحو يجعلها الغاية والمنتهى، وهى لا تصلح أن تكون مستقراُ ومستودعاً.
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [ سورة الحجر 88 ].
وجاء في موضع آخر:
وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ [ سورة طه: 131 ].
إن التفات القلب إلى الدنيا يصرفه عن جنات النعيم ودار المقامة الخالية من الأكدار والهموم والغموم والأحزان
لذلك قال تعالى: ورزق ربك خير وأبقى.
مُلك الآخرة خير وأبقى من سلطان الدنيا.
سعادة الآخرة خير وأبقى.
عوض الآخرة للمصابين والشهداء في غزة وفلسطين خير وأبقى.
إن أشرف سباق وأعظم منافسة حين يكون في حيازة الفضائل وتقديم العون وطلب العلوم النافعة والتقرب من الله بجلائل الأعمال، ثم إنه يورث المودة في القلوب ويشحذ العزيمة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا حسدَ إلا على اثنتينِ رجلٌ آتاه اللهُ مالًا فهو ينفقُ منه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ورجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فهو يقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ. رواه البخاري ومسلم
وقد قيل: من نافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
3- لا تلتفت إلى علو الباطل فهو زاهق
حين ننظر إلى حال أهلنا في غزة وفلسطين وما يقوم به الاحتلال من إبادة كاملة لغزة وتهجير لأهلها وقتل للأطفال والنساء مع صمت العالم وخذلان الأنظمة العربية وتواطؤ بعضها ينتاب القلب حزن عميق ويخيم على النفوس حالة من اليأس، لكن من يقرأ القرآن الكريم وينظر في تاريخ الإنسانية يؤمن أن أضعف حالات الباطل حين يعلو ويمارس اقسى درجات الظلم والطغيان حينها يجب أن نوقن من قلوبنا أنه هالك زائل لا محالة.
وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [ سورة هود: 102 ].
فلا تلفت لغير الله ناصرا ومعبنا وتلك آيات الله تعالى
فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 118]، وقوله عز وجل: ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 8]، وقوله تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]
،وقوله عز من قائل: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]
وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ ﴾ [سبأ: 49].
لن تعلو راية الباطل فكن موقنا ولن يبقى أثره بعد هزيمته، سيذهب جفاء كما قال ربنا جل وعلا
النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ [ سورة الرعد: 17 ].
التفت إلى قلبك هل ما زال على الحق أم تزحزح عنه؟
قيل للإمام أحمد بن حنبل أيام المحنة: يا أبا عبد الله: ألا ترى الحق كيف ظهر عليه الباطل؟ فقال: كلا ! إن ظهور الباطل على الحق أن تنتقل القلوبُ من الهدى إلى الضلالة! وقلوبنا بعدُ لازمةٌ للحق.
ونحن قلوبنا مع غزة وفلسطين رغم الخذلان الكبير والألم العظيم.
قلوبنا لازمة للقدس والأقصى وفلسطين وجميع قضايا الحق والحرية ولن نحيد بحول الله وقوته.
والحمد لله رب العالمين.
- الكلمات الدلالية
- غزة
الشيخ طه عامر