
من لم يخذلونا زمزية بين شواظ وسهم ومجاهد

من لم يخذلونا
زمزية بين شواظ وسهم ومجاهد
ليلٌ حالك يلفّ غزة، بين القصف والركام، يجلس مجاهد من أهلها وقد بقي معه "عبوة الشواظ" و"سهم خمسة"، في لحظةٍ روحية يتخيّل أن الحديد ينطق وأن الفولاذ يتكلّم.
الشواظ (خافتًا لكنه ثابت): يا رفيق السهم، كم من يدٍ صافحت ثم انسحبت، وكم من لسانٍ وعد ثم انقلب، لكننا بقينا هنا، لم نبرح مكاننا، نحن مع المجاهد لا نفارقه.
السهم: نعم، لقد تفرّق عنه كثير من الناس، وما بقي إلا الصادقون، أمّا نحن فكنّا معه حيث يقف، نحمل سره ونصدّق عزمه. ألسنا نحن وأمثالنا صورةً من قوله تعالى:
{ إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ } [آل عمران: 160].
المجاهد (مبتسمًا رغم جراحه): صدقتم يا رفيقَي الطريق، البشر قد يخذلون؛ يرفعون الشعارات ثم يتنصّلون، لكنكم لم تتركوني يومًا. أنتم لم تعرفوا الخيانة، بل كنتم عهدًا صادقًا، تُجسّدون قول النبي ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضًا" (متفق عليه).
الشواظ (بفخر): لسنا سوى جماد، لكنك أنت من نفخت فينا الروح بإيمانك، فصرنا معك لسانًا لا يخون، وسيفًا لا يلين.
السهم: وهكذا كانت أخوّتنا معك يا مجاهد؛ ليست مجرد معدنٍ في يدك، بل عهدٌ في سبيل الله، نتذكّر معه قول الله تعالى:
{ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ } [محمد: 35].
المجاهد (رافعًا رأسه): هنا الفرق يا صحبتي؛ من خذلونا تركونا في الميدان وحدنا، خانوا عهد الأخوّة، ورضوا بالدَّعة. أمّا من لم يخذلونا، فهم أنتم ومن على شاكلتكم؛ رفقاء الصدق، تثبتون معنا في أحلك اللحظات، وتُطبّقون معنى الحديث: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" (رواه البخاري).
الشواظ والسهم معًا: إذن نحن وإيّاك يا مجاهد قصةٌ واحدة، لا يفرّق بيننا زمان ولا مكان. هم خذلوك، ونحن بقينا معك.
المجاهد (بصوت يملؤه يقين): نعم، ما دمنا على هذه الأرض، ومعنا الله قبل كل شيء، ومعنا أنتم – وإن كنتم حديدًا أو ذخيرة (من شواظ أو سهم) – لكنكم رموزٌ للوفاء والثبات، تُبرزون الفرق بين من خذل الأمة بالشعارات والتخاذل، ومن لم يخذلها، وإن كان جمادًا في يدي.
فالوفاء ليس في كثرة الكلام، بل في الصدق والصمود، كما قال تعالى:
{ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا } [الأحزاب: 23].
وبالسداد والتوفيق.
✍️ د. يونس محمد صالح
- الكلمات الدلالية
- بأقلام الأئمة
د. يونس محمد صالح الزلاوي