المقاومة ليست حزبية والمعركة ليست دينية

الشيخ الهادي بريك

الشيخ الهادي بريك

مقدّمة:
(طوفان الأقصى) معركة محكومة – ككلّ معركة – بعوامل مختلفة. بعضها يغذّيها وبعضها الآخر يؤخرها. هي جولة عاصفة جديدة من حيث نوعها. ولكنّها ليست الأخيرة. معارك زماننا يتكافل فيها سلاحان لا يغني أحدهما عن الآخر. السلاح الماديّ بكلّ صوره. وهذا متروك لأهل المقاومة ورجالها. السلاح الذي هو بأيدينا هو السلاح الإعلاميّ. وخاصّة مساهمة في تغيير موازين القوى الفكرية والثقافية في السّاحة الغربية (وخاصّة الأوروبية والأمريكية بسبب الاشتراك الفعليّ لهاتين الدّائرتين في هذه القضية بكلّ جولاتها ومعاركها منذ مؤتمر “بازل 1897”).

ربّما لا يقدّر هذا حقّ قدره من لا يستوطن الغرب من الأحرار والعرب والمسلمين. ذلك أنّ الحكومات الغربية تحسب ألف حساب وحساب للرّأي العامّ داخلها. وكلّ ضغط شعبيّ – بل حتّى نخبويّ – يمكن أن يساهم في تعديل السياسة حيال أيّ قضية بنسبة عالية.

قوّة المقاومة في عدم تحزّبها.
المقاومة واعية بذلك كلّ الوعي. (حماس) في وثيقتها الرّسمية قبل سنوات طويلات أوضحت علاقتها بحركة الإخوان المسلمين بما يتناسب مع ما كان مطروحا في تلك الأيام حول الاعتراف بحدود 1967. اليوم وفي غمرة الحرب المفتوحة ضدّ غزّة ينقضّ حمقى كثيرون ضاقت بهم كلّ سبيل فلم يجدوا غير باب واحد يرضون به غرورهم ليؤكّدوا الانتماء الحزبيّ لعماد المقاومة الأكبر (حماس). مثل هذا الغباء يقدّم لعدوّ المقاومة وخصومها هدية بالمجّان. إذ يضيّقون مساحات التّعاطف مع هذه القضية التحريرية العادلة. وليست هي عادلة سوى بسبب هويتها التحريرية.

وليس بسبب انتمائها الحزبيّ أو الطّائفيّ أو المذهبيّ. العدوّ والخصم هما من يؤكّد ذلك الارتباط الحزبيّ. ألم يعلم هؤلاء أنّ محمّدا نفسه – صلّى الله عليه وسلم – لم يتردّد في استيعاب الآخر (وهو يهوديّ إسرائيليّ) في أوّل مشروع سياسيّ له في المدينة؟ لمَ فعل ذلك؟ لأنّ المعركة في تلك الأيام مازالت مع الجبهة العربية. وبمثل ذلك تحالف في (الحديبية) مع قبيلة عربية مشركة (خزاعة). والغرض نفسه وهو : تشتيت الصفّ المعادي وتعويق فعالياته. ذلك هو منطق المعارك الكبرى. وقبل ذلك وبعده فإن (حماس) نفسها هي من أعلن في وثيقة رسمية مراجعتها لذلك الانتماء الحزبيّ.

وقوّتها كذلك في عدم تديين القضية.

أولئك الأغبياء أنفسهم هم الذين يؤكّدون الصفة الدينية للمقاومة ولمعاركها التحريرية وجولاتها. لفرط أنّ بضاعتهم الفكرية مزجاة فإنّهم لا يميّزون بين مختلف مركّبات أيّ هوية. عدم تديين القضية (قضية تحرير فلسطين) لا يعني عدم تحكيم الإسلام في توجيه القضية وتغذيتها بما يناسبها. إنّما يعني ذلك عدم الطّرق على ذلك الانتماء الدينيّ بغرض كسب أكثر ما يمكن من عوامل الفوز وأكبر ما يمكن من الأنصار والأصدقاء ولو ظرفيا وجزئيا. بأيّ حقّ إذن يتحالف عليه الصلاة والسلام مرّات مع غير المسلمين؟ وبأيّ حقّ إذن يستجير هو نفسه بمشركين لدرء أذى مشركين مثلهم؟

خطاب المعركة له أهله.
بمثل هذا الخطاب الغبيّ (المقاومة إخوانية والمعركة دينية) فإنّنا نخسر مساحات مهمّة جدا في الأرض كان يمكن تحييدها على الأقلّ. ومن لا يقيم وزنا سواء لموازين القوى المنخرمة كلّ انخرام أو لرأي عامّ غربيّ ضاغط في أيّ اتجاه كان فإنّه ممّن يسيء إلى المقاومة وهو يظنّ أنّه يحسن صنعا. ومن لا يقدّر الحرب الإعلامية حقّ قدرها فالمطلوب منه لجم لسانه وإغماد قلمه. (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). القول الخير لا مناص له من عقل ناضج راشد.

ولا يكفي فيه قلب طيّب. ومن ذلك كذلك أنّ خطاب المعركة يستبعد الحساسيات الطائفية. المحور الشيعيّ اليوم – وهو أحببنا أم كرهنا عماد محور المقاومة – هو محور حاسم في هذه المعركة وتداعيات (طوفان الأقصى). وليس من المناسبة مطلقا ولا من الحكمة أبدا الانقضاض على مكوّنات ذلك المحور سواء كان دولة (إيران) او حزبا (حزب الله). خطاب المعركة هو : الغفلة عمّا وقع في سوريا قبل سنوات من ادم ذلك المحور الشيعيّ.

خلاصة:
بخطاب راشد ناضج يستوعب الآخر ويكسبه إلى صفّه يمكن لنا أن نكون مقاومين جنبا إلى جنب مع المقاومين على الأرض. وذلك بنزع الانتماءات كلّها عن قضيتنا. إلاّ ولاء لقيمة التّحرّر التي يساندها حتّى الخصم الذي يخشى صداما مع مواثيق دولية محكّمة. وليست (حماس) نكرة ولا جديدة حتّى نؤكّد صفتها الدينية أو الحزبية.

الشيخ: الهادي بريك

اقرأ أيضًا: مسلمو أوروبا وطوفان الأقصى: أي موقف وأي دور