أيّ علاقة بين ولاء المسلم الأوروبيّ لوطنه وولائه لأمّته؟

الشيخ الهادي بريك

الشيخ الهادي بريك

مقدّمة:

ازدواجية الولاء – سيما بالنسبة للمسلم – يشوبه معطيان مهمّان جديران بحسن الفهم:

١- حال ازدواجية الولاء لم تكن في التاريخ الإسلاميّ حالًا غالبة عامّة. إلاّ قليلا في الزمان والمكان. كانت الحالة الأولى مع الوجود المسلم في الحبشة بقيادة (جعفر الطيّار). وهي حالة نموذجية بسبب أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام أقرّها لتغدو سنّة تشريعية مسنونة في حقلها. ولكن سرعان ما بسط الإسلام سلطانه السياديّ على آماد واسعة في الزمان والمكان. بما جعل المسلمين هم من يستقبلون غيرهم على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.

ولذا يمكن أن تعثر اليوم على عشرات المؤلّفات التي تبحث وضع غير المسلمين في المجتمع الإسلاميّ. ولا تكاد تعثر على بحوث في وضع المسلمين في مجتمع غير إسلاميّ إلاّ قليلا من الإنتاج المتأخّر. والمفهوم من هذا هو أنّ ازدواجية الولاء بالنسبة للمسلم مازالت حالا بكرا – أو شبه بكر – بما يقتضي مزيدا من تعميق البحوث فيها.

في هذه الأيام مثلا تنبض الأرض كلّها تقريبا بوقع (طوفان الأقصى) وتداعياته وليس كلّ مسلمي الغرب على وعي مناسب لحسن إدارة ولائهم المزدوج بين أوطانهم الأصلية (أوروبا مثلا) وأمّتهم سيما أنّ الأمر متعلّق بمحكم قرآنيّ جعلته سورة الإسراء المكية لها مفتاحا.

٢- المعطى الثاني هو حدّة الحشد الإعلاميّ الغربيّ (الأمريكيّ والأوروبيّ بصفة خاصّة) ضدّ الوجود المسلم الغربيّ. وربّما بشكل غير مسبوق في معالجة (قضية فلسطين). في ألمانيا مثلا تطالب أحزاب كبرى وتيّارات (إسلاموفوبية) وناشطون إعلاميون بإضافة فقرة جديدة في قانون الجنسية – الذي أقرّته الحكومة الائتلافية منذ أسابيع (وينتظر عرضه على البرلمان قبل نهاية هذا العام 2023) – يلتزم بمقتضاها المجنّس الجديد بدولة إسرائيل. كما تنادي أصوات أخرى بسنّ تضييقات على منح الإقامة. ويجري كلّ ذلك في مناخ محموم يذكّرني بما عشته لحما ودما قبل أزيد من عقدين كاملين بمناسبة كارثة 11سبتمبر 2001.

تحرير المشكلة :

إدارة ولاء مزدوج (سيما بين المسلم وحضارة قائمة فلسفيا على نفي الآخر وقتله أو استرقاقه مثل الحضارة الغربية السَائدة) ليس نزهة كما يظنّ كثيرون ممّن يقرؤون عن ازدواجية الولاء في بطون الكتب. إدارة ولاء مزدوج عملية تتطلّب علما دينيا ومعرفة فكرية ووعيا بتجارب التاريخ وتعاونا وتكافلا. كما تتطلّب كدحا عمليا ومزاولة ميدانية. ثمّ صبرا ومصابرة وحسن تحليل للأوضاع وأيلولاتها الممكنة.

ذلك أنّ كثيرا ممّن يرزحون تحت ضريبة الولاء المزدوج في أيامنا هذه – سيما حيث تحتدّ العداوة ضدّ الإسلام في أوروبا – لا يفتؤون يطرحون السؤال التّقليديّ الذي لا يبرحهم حتّى يتلبّسهم من جديد وهو سؤال البقاء في أوروبا أو الهجرة إلى ملاذ في الأرض أقلّ أذى. هذا السؤال يعاود النّاس اليوم بضراوة بسبب (طوفان الأقصى) وأصدائه الإعلامية في أوروبا. ومن ذا فإنّ الولاء المزدوج مشكلة حقيقية. لا وهمية. سيما عندما يكون الاصطدام بين الإسلاموفوبيا الأوروبية و المقاومة في الأرض المحتلة.

حتّى تلاميذ المدارس في ألمانيا مثلا يتعرّض بعضهم من بعض معلّميهم إلى أسئلة سياسية. قبل أيام كانت المشكلة هي المثلية الجنسية التي يتعبّأ لها كثيرون في ألمانيا (النازية تاريخا) والتي تجعلها بعض الولايات مقرّرا دراسيا لتلاميذ لم يبلغوا سنّ الحنث أصلا. وهكذا تزدحم التحديات وتكتظّ. وتتكافل الأسباب التي تجعل من الوجود المسلم الأوروبيّ في دائرة الاستهداف. وليس كلّ النّاس يعالج ذلك معالجة ترعى ضريبة الهوية المزدوجة.

وليس هناك ما يكفي من المحاضن (لا فكريا ولا تربويا) التي تعالج هذه التحديات. وما أقدم عليه تونسيّ في (بروكسل) قبل أسابيع من قتل مواطنين سويديين بمناسبة مباراة كرة قدم ليس مأمونًا عدم تكرّره. ذلك أنّ تداعيات (طوفان الأقصى) أوروبيا كفيلة باستعادة (داعش) لتكون حماقاتها كافية لشنّ حرب ضارية ضدّ الوجود المسلم الأوروبيّ. نحن أمام كارثة شبيهة جدّا بكارثة سبتمبر 2001.

من مشتركات الولاءين :

لولائنا المزدوج (ولاء أوروبيّ وولاء عقديّ) مشتركات علينا رعايتها وعدم استبعادها مهما إشتدّت الأزمات وإدلهمّت الحالكات. من تلك المشتركات الجديرة بالاعتصام بها :

أ- تغليب الموقف الحقوقيّ والممارسة الإنسانية قولا وعملا وبالاشتراك مع كلّ الفعاليات التي تنضمّ إلى مثل هذا الحراك. تغليب ذلك على الولاء الدينيّ. وكلّ تأطير لقضيتنا في فضائها الصّحيح – أنّها قضية تحرّر وطنيّ – هو مسار صحيح وفي الإتّجاه الصّحيح.

ب- أولوية المطلب الإنسانيّ إغاثيا لأجل إنقاذ الجوعى والظمأى والخوفى وتأمين الأبرياء من النساء والأطفال والمسنّين. هذه أولوية تكسب اليوم في المجتمعات الأوروبية مساحات جديدة مهمّة.

ج- أولوية إيقاف الحرب لإيقاف النّزيف البشريّ وشلاّلات الدماء.

د- التعاون المثابر والجادّ لأجل قطع أيّ توظيف جديد لـ(داعش) وما في حكمها.

بقلم الشيخ: الهادي بريك

اقرأ أيضًا: المقاومة ليست حزبية والمعركة ليست دينية