حول العدوان الصهيوني الغاشم على غزة | خطبة جمعة

الحمد لله ولي المتقين وناصر المستضعفين وقاهر الجبارين

وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده نصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، لا إلاه إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

وأشهد أن إمامنا وقدوتنا وسيدنا محمداً رسول الله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين.  

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} سورة آل عمران:102-103

للأسبوع الثاني على التوالي، تستمر الإبادة الصهيونية المتوحشة لقطاع غزة من غير تمييز بين صغير وكبير، أو كنيسة ومسجد، بل تم قصف وتدمير المستشفى المعمداني على رؤوس المرضى والعوائل اللاجئة إليه، كل ذلك يتم بخذلان عربي وتواطئ أوروبي وقيادة أمريكية مباشرة.

إنه سقوط قيمي أخلاقي مدوّ للأنظمة الغربية بمواثيقها ومنظماتها وشعاراتها الجوفاء.

إنهم يكذبون بكل وقاحة، ويقلبون الحقائق بكل صفاقة، ادّعَوا أن الفلسطينيين قطعوا رؤوس الأطفال واغتصبوا النساء، ثم تبين كذبهم، وهم يتجاهلون المجازر الصهيونية المروعة رغم أنها موثقة بالصوت والصورة.

قرابة 5000 شهيد اكثرهم أطفال قطعت أوصالهم وفصلت رؤوسهم عن أجسادهم، بل ان الآلاف مازالوا جثثا تحت الأنقاض لا يمتلك الأهالي وسائل إخراجهم.  

عشرات العائلات محيت من السجلات وأحياء بأكملها أزيلت على بكرة أبيها.

تبكي الحنيفيةُ البيضاءُ مِن أسفٍ.            كما بكى لفراقِ الإلفِ هَيمانُ

عَـلى دِيـارٍ مِـنَ الإِسلامِ خالِيَةٍ.             قَـد أَقـفَرَتْ وَلَها بالكُفرِ عُمرانُ

حتى المحاريبُ تبكي وَهْيَ جامدةٌ.         حتى المنابرُ تَرثي وهْيَ عِيدانُ

كمْ يستغيثُ بنا المستضعفونَ وهُمْ.         قتلى وأسرى فما يهتزُّ إنسانُ

ما ذا التقاطعُ في الإسلامِ بينكمُ.           وأنتمُ يا عبادَ الله إخوانُ

ألا نفوسٌ أبيَّاتٌ لها هممٌ.                 أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ

لمِثلِ هذا يذوبُ القلبُ من كمدٍ.      إنْ كانَ في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ

منطق القوة لا قوة المنطق

بالإضافة إلى انكشاف كذب الشعارات التي يدعيها العالم الذي يدعي التحضر، من حريات وحقوق الإنسان، فإن هذه الأزمة أكدت أيضا أن اللغة الوحيدة التي تتحكم في الصراعات والعلاقات عموما هي القوة، ففي هذا العالم المنافق فإن الاحترام الذي تستحقه هو بمقدار ما تملكه من قوة. فالعالم محكوم بمنطق القوة وليس بقوة المنطق، وهذا الواقع لا يمكن التعامل معه إلا بالتوجيه القرآني الداعي إلى الأخذ بأسباب القوة للدفاع عن الحق، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (60الانفال)

وقديما قال الشاعر: ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه …  يهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم

بل أحياء عند ربهم يرزقون

أيها الإخوة المؤمنون لا شك ان قتل الأطفال الرضع وهدم المساجد والمستشفيات، وإزهاق أرواح الآلاف من الأبرياء، لا شك ان ذلك يدمي قلوبنا ولكن لا يجب أن يدفع ذلك إلى اليأس والقنوط أو إلى خذلان المسلمين المستضعفين في فلسطين، مهما كانت التضحيات فإنها لا تخرج عن سنن الله في الابتلاء وضريبة الدفاع عن الحق والعدل والمقدسات.

وإن مما يخفف المصاب أن ضحايا العدوان الصهيوني شهداء عند الله تعالى، فهم في الحقيقة أحياء، قال الله تعالى: { وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ۞ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( آل عمران173 )

أيها الأحبة، إن الشهيد مصدر عز وفخار لقومه ينير لهم درب العزة والحرية والكرامة، ويتنزل به نصر الله وبركاته 

أما الجدير بالشفقة هو من يرضى بحياة الذل والهوان، كما يقول الشاعر

ولا يُقيم على ضيمٍ يُراد به *** إلَّا الأذلانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتَدُ

هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برُمَّتِه *** وذا يُشَجُّ فلا يَرثِي له أحدُ

الموت حق وهو مصير كل حي لا محالة،

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره              تعددت الأسباب والموت واحد

وإن كانت غزة قد شيعت آلاف الضحايا، في معركة الصمود والكرامة، فان تركيا شيعت عشرات الله في الزلزال المدمر، وبعدها مراكش في المغرب، ودرنة في ليبيا، بل ان يد الغدر طالت طفلا صغيرا ب24 طعنة في أمريكا، تلك هي سنة الله في خلقه يسوق الموت لمن يشاء متى يشاء أين يشاء كيف يشاء، لكن المهم هو آن يحيى الإنسان على طاعة  وأن يموت من أحل هدف سام وغاية نبيلة، ان يموت في صف عباده المؤمنين ومن أجل الهدف الذي يرتضيه الله تعالى.

وقد بين الله تعالى  هذا المشهد بوضوح في أكثر من موضع، وبين تداعياته وأبعاده كما في قوله تعالى في سورة آل عمران { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿139﴾ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴿140﴾ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴿141﴾ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴿142﴾ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴿143﴾ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴿144﴾ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ۗ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴿145﴾ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴿146﴾ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴿147﴾ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿148﴾}

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم

أيها المؤمنون والمؤمنات إن آصرة الأخوة وواجب الوقوف مع الحق ونصرة المظلوم تحتم علينا   الوقوف إلى جانب إخواننا المظلومين المقهورين، رغم ما نراه من مظاهر التضييق والتهديد لأي موقف يناصر المستضعفين في غزة. كثير من بلدان أوروبا تتنكر لقيمها في حرية التعبير وحقوق الإنسان لكن لا أحد يمكن أن يمنعنا في التعبير عن موقفنا في كنف احترام الآخر والتزام القوانين.

لذلك هبوا وجدوا في نصرة إخوانكم بالمظاهرات والدعوات والصدقات،

ولا تستصغروا أي جهد ولا تحقروا أي عمل في سبيل ذلك.

قال تعالى: إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، ‏وقال: وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71].

وقال عليه الصلاة والسلام: ((‏المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))، وقال أيضا ((مثل المؤمنين في توادهم ‏وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له ‏سائر الجسد بالسهر والحمى))، وقال أيضا ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) ـ أي لا يتخلى عنه وقت الشدائد ـ

الدعاء   

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة