حول العدوان الصهيوني الغاشم على غزة | خطبة جمعة

الحمد لله ولي المتقين وناصر المستضعفين وقاهر الجبارين

وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده نصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، لا إلاه إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

وأشهد أن إمامنا وقدوتنا وسيدنا محمداً رسول الله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ونصح الأمة وكشف الغمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين. 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} سورة آل عمران:102-103

أيها المؤمنون أعزّي نفسي وإياكم في هذا المصاب الجلل الذي أصاب أهلنا في فلسطين، أعزّي نفسي وإياكم في عشرات الآلاف من القتلى والمردومين تحت الأنقاض والمعاقين والجرحى، أعزّي نفسي واياكم في آلاف الأطفال الذي تحولوا الي أشلاء. 

أعزى نفسي واياكم في أحياء مسحت ومدن هجرت وعائلات أبيدت وصوامع وبيع وصلوات ومساجد دمرت.

أعزّي نفسي واياكم في مستشفيات قصفت وأخري قد نفد منها الدواء والماء والكهرباء

صور تنهد لها الجبال وتبكي لها الرجال. 

صورة صرخات النساء والأطفال تحت الأنقاض ولا مجيب ولا قدرة لأحد على الإنقاذ أو مد يد المساعدة إلى أن تخمد أنفاسهم وتصعد أرواحهم إلى بارئها تشكو له ظلم البعيد وخذلان القريب.

صورة الأب يخرج يبحث عما يسد به جوع أطفاله ويرجع فيجدهم قد حولتهم الطائرات الصهيونية إلى أشلاء.

صورة ذلك الأب الذي ينبش التراب بأظفاره ويزيل الأنقاض بيديه العاريتين الضعيفتين عله يجد آثرا لابنه الرضيع أو ابنته الصغيرة. 

صورة نساء غزة الحرائر وهن ينمن بكامل لباسهن الشرعي حتى يشيّعن مستورات طاهرات.

صور الرضيع الذي أخرج من تحت الأنقاض ولم يبق أحد من عائلته ولم يتعرف عليه أحد.

صورة الزوجين وهما يكتبان على أجساد أطفالهما أسماءهم كاملة حتى إذا قضوا تحت القصف لا يدفنون مجهولي الهوية، لم يعد الآباء يخشون على أطفالهم الموت بل يخشون عليهم قسوة الموت وفتك آلة الحرب وأن تذهب ملامحهم فيدفنوا مجهولين.

حَـتّى المَحاريبُ تَبكي وَهيَ جامِدَةٌ      حَـتّى الـمَنابِرُ تَـبكي وَهيَ عيدَانُ

لمثل هذا يذوب القلب من كمد             إن كان في القلب سلام وإيمان 

ولكن ما هو أجدر آن أعزّي نفسي وإياكم به هو أخوتنا الضائعة وعزائمنا الخائرة ونخوتنا البائدة ونفوسنا الميتة. 

أعزي نفسي وإياكم بأمة الملياري مسلم تعبث بها حفنة من الصهاينة الجبناء

أعزي نفسي وإياكم في هذه الشعوب المغلوبة على أمرها وهذه الأنظمة التي باعت دينها وأمتها وقضيتها. 

أعزي نفسي وإياكم بقلب مكلوم ونفس يعتصرها الألم ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله تعالي ولا نيأس من روح الله ولا نشك لحظة أن الأمور كلها بيده يقلبها كيف يشاء والابتلاء سنة الله في عباده المؤمنين والعاقبة للمتقين.

غير أن هذه المآسي كلها لا تخفي بعض الحقائق من غزة أرض العزة: 

أولها: أنه لا طريق للعز والشرف لهذه الأمة إلا عبر الأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية، وأن المصدر الأساسي لامتلاك هذه القوة هو الإسلام عماد هذه الأمة وقوامها. لقد ناضلت هذه الأمة تحت رايات متعدد فلم تزدد إلا ذلًا وهوانًا، رفعت شعارات الاشتراكية والقومية والبعثية والوطنية فلم يزدها ذلك إلا خبالًا. ولكن عندما يتوفر الإيمان والإعداد فإن أساطير الجيش الذي لا يقهر والجدر التي لا تخترق تتهاوى كبيت من ورق.

ثانيها: إن هذا العُدوان قد بين وحشية هذا الكيان الصهيوني وافتقاره إلى أي بعد إنساني أو أخلاقي، قد يفكر بعض البسطاء أن الفلسطينيين قد جلبوا لأنفسهم هذا الدمار، وهي دعاية قديمة لمعسكر النفاق كما بينها القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ{ (156) وهؤلاء المنافقون لن يعجبهم شيء أبداً، فلو سكت الفلسطينيون اتهموهم بأنهم  باعوا القضية، وان تحركوا اتهموهم بأنهم جلبوا الويلات لأنفسهم. 

مع أن الكيان الصهيوني لا يحتاج لمبرر لمجازره، تاريخ الكيان الصهيوني حافل بالمجازر من قبل تاريخ نشأته لى اليوم، وأنتم ترون أن الضفة لم تشهد مقاومة وتحكمها سلطة مطبعة منسقة مع قوات الاحتلال وانظروا الانتهاكات الصهيونية فيها، لن أذكركم ب٧٠٠ ألف مستوطن يحتلون الأرض وينكلون بأهلها أو بالانتهاكات المتكررة للأقصى الحبيب تمهيدا لهدمه وإزالته ولكن أذكركم بحادثة يندى لها الجبين وينفطر منها قلب المؤمن عندما اقتحم الجنود منزلا وعرَّوا ٦ نساء بالكامل وأمروهن بالتجول أمامهم، وهن عراة بالكامل!؟ فمن يلوم مسلمًا بعد اليوم من أن ينتفض من أجل دينه وعرضه؟ أي طعم لحياة من تعرضت أمه أو أخته أو زوجه لمثل هذه الإهانة؟ يحدثنا التاريخ أن المعتصم استنفر الأمة كلها وسيّر جيشا من ٩٠ ألفاً إلى عمورية وفتحها، عندما أهينت امرأة مسلمة فيها فنادت وا معتصماه.

للأسف الشديد، لا يوجد معتصم اليوم، فقدَ قادةُ الأمة اليوم من أصحاب الفخامة والجلالة والسعادة، النخوة والرجولة، تتناهى إليهم آهات الثكالى وصرخات الأيامى، وتتراءى لهم مشاهد الأشلاء من الأطفال والنساء وانتهاك أعراض المسلمات ولا يحركون ساكنا، لا نرى بأسهم سوى في شعوبهم المستضعفة. 

غير أن الله أبى إلا أن يكون في هذه الأمة في كل عصر ومصر {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (الأحزاب 23)

وقد خص النبي أكناف بيت المقدس بخيرة هؤلاء المؤمنين فقال: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس) (أحمد والطبراني)

الحقيقة الثالثة هي ذلك الإيمان والصبر واليقين الذي أظهره أهل غزة، يواجهون كل ذلك الدمار والدماء والأشلاء بالتسبيح والتكبير والتهليل، صغارا وكبارا، يُشَيّع وائل أهله ويقول معليش، ويعلم الأطباء والممرضون  وعمال الإغاثة بمقتل أبنائهم وأزواجهم وآبائهم فيسترجعون ويكبرون، معليش، ويواصلون القيام بواجبهم في خدمة الضحايا والتخفيف عنهم.

فأربعوا على أنفسكم أيها المتباكون فإنما أنتم أمام نموذج من جيل النصر والتمكين. 

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة