
خطبة جمعة | المسلمون في الغرب وحراسة القِيَم

خطبة الجمعة بمسجد المهاجرين – بون – ألمانيا
26 سبتمبر 2025م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:
فإن المهمة الكبرى للمسلمين في الغرب، مع استمرار حرب الإبادة الجماعية والتهجير والتطهير العرقي لأهلنا وإخواننا في غزة، هي حراسة القِيَم؛ في مقدمة تلك القِيَم: قيمة العدل، والحرية، وصيانة العهود والمواثيق، وحقوق الإنسان.
وهي قِيَم مشتركة في كل الأديان، وهي سبب رئيس في نهضة وقيام الحضارة الغربية، والانحراف عنها أو تقويضها وهدمها يعني هدم حضارة الغرب وقرب أفولها. وأهم ما يعجل بأفول الحضارات وسقوط الأمم هو السقوط القِيَمي والقبول أو دعم الظلم والقتل والتوحش، كما يحدث من كثير من الساسة والدول الغربية الآن.
وقد قال الرئيس البوسني السابق علي عزت بيجوفيتش:
"كل قوة في هذا الكون تبدأ بثبات أخلاقي، وكل هزيمة تبدأ بانهيار أخلاقي."
فالأمر ليس كما يبدو ظاهرًا من أن معيار النصر أو الهزيمة هو بقدر ما تملك من قوة، وتسفك من دماء، وتدمر من بنيان؛ بل معياره الأدق بقدر ثباتك الأخلاقي، خاصة في أوقات الحروب والصراعات.
وعلى هذا قامت حضارة الإسلام؛ فكانت الأخلاق والقِيَم أصلًا أصيلًا وركنًا ركينًا من أركانها.
الإسلام ومكارم الأخلاق
فقد أخرج الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
"لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثُ النبيِّ ﷺ بمَكَّةَ، قالَ لأَخِيهِ: ارْكَبْ إلى هذا الوَادِي، فَاعْلَمْ لي عِلْمَ هذا الرَّجُلِ الذي يَزْعُمُ أنَّهُ يَأْتِيهِ الخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، فَاسْمَعْ مِن قَوْلِهِ، ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الآخَرُ حتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، وَسَمِعَ مِن قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى أَبِي ذَرٍّ، فَقالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بمَكَارِمِ الأخْلَاقِ."
مهمة المسلمين في الغرب
المسلمون في الغرب، مهمتهم الكبرى في هذه الحرب الظالمة الطويلة، هي حراسة القِيَم من التآكل أو الانقراض، أو السير عكسها، مع استمرار الانهيار القِيَمي والأخلاقي في الغرب كما يحدث الآن منذ بداية الحرب.
والمسلمون في حراستهم للقِيَم – من عدل وحرية وكرامة وحق في الحياة والوطن – ينطلقون من أمرين:
-
المواطنة: حب الخير لأوطانهم الأوروبية، وحرصهم عليها، وخوفهم من أن تتحول من قمة الحضارة إلى قمة التخلف، بوقوفهم خلف القتل والتوحش والإبادة الجماعية لشعب أعزل.
-
فهم الدين والانتماء للأمة: فديننا يفرض علينا نصرة المظلوم ومؤازرته. قال تعالى:
﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ [الأنفال: 72].
وقال النبي ﷺ:
"المسلمُ أخو المسلمِ، لا يظلِمُه ولا يُسلِمُه، مَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ بها عنه كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومَن ستَر مسلمًا ستَره اللهُ يومَ القيامةِ." (رواه البخاري).
قيمة العدل
النبي ﷺ يؤكد في الحديث الصحيح أن شأن أي أمة لا يعلو إذا كان الضعيف لا يستطيع المطالبة بحقه:
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
"جاءَ أعرابيٌّ إلى النبي ﷺ يتقاضاهُ دَينًا كانَ عليْهِ، فاشتدَّ عليهِ، فقالَ: أحرِّجُ عليكَ إلَّا قضَيتَني. فانتَهرهُ أصحابُهُ، فقالوا: ويحكَ تدري من تُكلِّم؟ قال: إنِّي أطلبُ حقِّي. فقال ﷺ: هلَّا معَ صاحبِ الحقِّ كنتُم؟ ثم أرسلَ إلى خَولةَ بنتِ قيسٍ فقالَ لَها: إن كانَ عندَكِ تمرٌ فأقرِضينا حتَّى يأتيَنا تمرُنا فنقضِيَك. فأقرضَته، فقضى الأعرابيَّ وأطعمهُ، فقالَ: أوفيتَ أوفى اللَّهُ لَكَ. فقال ﷺ: أولئِكَ خيارُ النَّاسِ، إنَّهُ لا قُدِّست أُمَّةٌ لا يأخذُ الضَّعيفُ فيها حقَّهُ غيرَ متَعتَعٍ." (رواه ابن ماجة بسند صحيح).
معالم دور المسلمين في الغرب في حراسة القِيَم
-
العدل والإنصاف.
-
تثمين المبادرات والانضمام إليها.
-
الاستعداد للتضحية والعمل النوعي المستدام.
-
إحياء وتفعيل الأخوة الإنسانية.
-
الوعي والمشاركة والعقوبة السياسية.
ختام
اللهم كن لأهلنا وإخواننا في غزة والسودان وكل مكان وليًّا ونصيرًا، وسندًا ومعينًا، اللهم أنجِ المستضعفين من المؤمنين، وعليك بالملأ من الظالمين، وسلّم الساعين لإغاثة المحاصرين.
والحمد لله رب العالمين.
- الكلمات الدلالية
- خطبة الجمعة
إدارة الإعلام