
اغرس فسيلتك.. وإن قامت القيامة

دعوةٌ للعمل والبناء رغم الدمار والخذلان
في الحديث الصحيح: "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها"،
هذا التوجيه النبوي العجيب لا يُقاس بالمنطق المادي، بل يُربّينا على منطق الإيمان: أن تزرع الأمل ولو في أحلك اللحظات، وأن تواصل العمل وإن بدا أن لا غدَ بعد اليوم.
في زمن تُهدم فيه البيوت فوق رؤوس أهلها، وتُغلق فيه أبواب السياسة، وتُخنق فيه المجتمعات، وتُحاصر فيه الأرزاق، ويُشوَّه التعليم؛ يبقى السؤال: هل لا زال لزرع الفسيلة معنى؟
نعم… بل هو الآن أولى من أي وقت مضى.
أولًا: الفسيلة الدينية – ازرع الإيمان ولو من تحت الركام
-
علِّم أبناءك القرآن تحت الضوء الشحيح، فالنور يبدأ من القلب.
-
ذكّر نفسك ومن حولك أن الصلاة في وقتها هي بناء داخلي لا تقصفه الطائرات.
-
أسِّس مشروعًا صغيرًا لتحفيظ سورة أو شرح دعاء – حتى عبر واتساب أو في غرفة منزلك.
-
واجه خطاب اليأس والتكفير والإحباط بخطاب يقوي العزيمة ويوقظ المعنى: "إن الله معنا".
اقتراح: تأسيس مجموعة الأمل القرآنية في كل حيّ أو مدينة، لتحفيظ ولو آية واحدة أسبوعيًا للأطفال أو الكبار.
ثانيًا: الفسيلة السياسية – لا تترك الميدان فارغًا للطغاة
-
تكلم، اكتب، انشر، شارك.. فالصمت تواطؤ.
-
طالب نواب البرلمان في بلدك أو بلد إقامتك بمواقف ضد الإبادة والحصار.
-
شارك في الحملات الرقمية والإعلامية التي تكشف الظلم وتفضح الاحتلال.
-
اربِ الجيل الجديد على الوعي السياسي المقاوم، لا على الهروب أو الحياد.
اقتراح: إنشاء منتدى الوعي السياسي الإسلامي يقدم نشرات شهرية توعوية وندوات مفتوحة في المساجد والمراكز.
ثالثًا: الفسيلة الاجتماعية – حافظ على نسيجك ولو بخيط
-
لا تهجر جارك، لا تسب المختلف عنك، لا ترَ الآخر خصمًا بل فرصة للحوار.
-
افعل خيرًا، وابدأ من بيتك: ستر فقير، إكرام يتيم، تسوية خلاف.
-
كن جسرًا بين المهاجرين والشعوب الأوروبية، لا جدارًا بينهم.
-
كوِّن لجنة أحياء تنشر التكافل لا التحزب.
اقتراح: تأسيس لجنة الجار أولى في كل مسجد أو مركز، تهدف إلى دعم الأسر المتضررة والتواصل مع الجيران الأوروبيين بإحسان ووعي.
رابعًا: الفسيلة الاقتصادية – أنفق ولو درهمًا
-
استثمر مالك في مشروع نافع، لا في مزيد من الاستهلاك.
-
ادعم مبادرات الإنتاج المحلي، وقاوم التبعية الاقتصادية.
-
بادر إلى إنشاء صناديق وقف مجتمعية، تديرها مؤسسات موثوقة بشفافية.
-
علِّم أبناءك مهارات المال الحلال، بدل الغرق في الربا والاستهلاك القهري.
اقتراح: إطلاق مشروع يورو المقاومة، وهو اشتراك أسبوعي رمزي لدعم أسر غزة المحاصرة أو الطلاب الفلسطينيين في الخارج.
خامسًا: الفسيلة التعليمية – علِّم جيلك ولا تيأس
-
افتح بيتك ليكون مدرسة ثانية.
-
لا تعتمد على المدارس فقط، بل اغرس في ولدك حب العلم والتفكير الحر.
-
علِّموا أبناءكم تاريخ الأمة بلا تزوير، وفقه الواقع بلا سطحية، واللغة العربية بلا خجل.
-
التعليم اليوم هو ساحة المقاومة الأولى.
اقتراح: إنشاء نادي القراءة المقاومة للأطفال واليافعين، يربطهم بقضيتهم ويحرّر عقولهم من التغريب.
في عصر الاستسلام والتخاذل، أن تغرس فسيلتك هو عملٌ بطولي.
زرعُ الفسيلة ليس مشروعًا ماديًا فقط، بل هو منهج حياة: أن تعيش بالأمل، تعمل بالوعي، تصبر على الطريق، وتوقن أن ما تزرعه اليوم – سيؤتي أكله ولو بعد حين.
فلا تنتظر الساعة كي تُعلن نهاية دورك، بل اجعل قيامها بدايةً لغرسك.
حفظكم الله جميعًا، وبارك فيكم، ورفع قدركم.
- الكلمات الدلالية
- بأقلام الأئمة
د. يونس محمد صالح الزلاوي