بدل تعويق الحج لأجل (غزة) تعجيل الزكاة
من مظاهر تديّننا المشوّه تواتر الدّعوات إلى إلغاء فريضة الحجّ لهذا العام تكافلًا مع ضحايا القصف الصهيونيّ. وبذلك يصل أعداء الإسلام إلى مبتغاهم بأيسر طريق. إذ يعمد المسلمون بأنفسهم إلى هجران الكعبة الشريفة. والحقّ أنّ صلاح القلب عاطفة جيّاشة فحسب دون عقل رشيد حصيف منضبط بالعلم لا ينشئ أجيالا مسلمة متوازنة التّكوين. وممّا يغري النّاس بهذا الدعوات علّة ساقطة سافلة يسوقها الدّاعون إلى تعويق الحجّ.
وهو قولهم أنّ أهل غزّة أولى بأموال الحجّ من المملكة السعودية. وهي مقابلة فاسدة. حتّى لو امتلأنا يقينا أنّ المملكة السعودية تبذّر أموال الحجّ فيما يغضب الله سبحانه فإنّ طريق الإصلاح ليس تعويق المبنى الخامس من مباني الإسلام (ركن الحجّ الذي لا تزيد عنه الصلاة والصيام والزكاة ركنية).
طريق الإصلاح هنا هو انتقاد سياسة المملكة. ولكنّا غير مسؤولين مطلقًا على تصريف المملكة لميزانيتها. ولا أظنّ أنّ المملكة تخصّص لأموال الحجّ صندوقًا خاصّا ثمّ تتعمّد صرفها فيما يغضب الله. لا أزكّيها. ولكنّي شرعًا لست مسؤولا عن مالي سوى في موضعين لا ثالث لهما: آخر نقطة لكسب المال وأوّل نقطة لصرفه. وما قبل ذلك وبعده فلست مكلّفًا. ولو كلّفت ما أحصيت شيئا من ذلك. لم التعنّت إذن؟ هل كان (عليه الصلاة والسلام) يضمن سلامة الشعير الذي اقترضه من يهوديّ أنّه كسبه من طريق حلال؟ طبعًا لا.
وهل كان يضمن (عليه الصلاة والسلام) أن ينفق المشرك - الذي اتّخذه دليلًا في طريق الهجرة - ماله في مسلك غير محرّم؟ طبعا لا. كلاهما كافر. ولو كان علينا المبالغة في مثل هذه التحرّيات الرعناء لسأل (عليه الصلاة والسلام) اليهوديّ كيف كسب شعيره أو الذي استأجره في رحلة الهجرة كيف ينفق ماله.
هذه إذن دعوة ساقطة لا يشفع فيها أنّ أصحابها ناصحون طيّبون. حتّى الذين أفتوا أميرهم بالاغتسال فلمّا اغتسل مات كانوا ناصحين وطيّبين. ولكنّهم سمعوا منه (عليه الصلاة والسلام) من الدّعاء عليهم توبيخا وتقريعا ما لم تشفع لهم فيه طيبتهم.
أيّ فرحة نسوقها إلى أعداء الإسلام وهم يرون بأمّ أعينهم بيت الله الذي جعله سبحانه للنّاس قياما خاويا حزينًا لا يطوف به طائف ولا يسعى في مناسكه ساعٍ؟
البديل هو تقديم الزكاة.
تكافلنا مع إخواننا الذين يؤدّون ضريبة التّحرّر الباهظة وكالة عنّا جميعا هو فريضة إسلامية وضرورة واقعية. بل نحن لا نتكافل معهم. إنَّما نتعاون جميعًا على قضيتنا المركزية الأمّ. فلا هم أحقّ بالأقصى. ولا نحن في غنى عن تحرير أولى القبلتين.
تقديم الزّكاة - سيما زكاة المال - مشروع. وجاءت به السنة الصحيحة تلبية لحاجات عاجلة أو ضرورات قاهرة. ولو قامت فينا اليوم مؤسسات - ولو مؤقتة بهذا الغرض - لجمع الزكاة تقديما وعلى أوسع نطاق ممكن لكان ذلك خيرًا من دعوات الجهلى بتعويق الحجّ.
لا نعوّق حجّ بيت الله الحرام. سيما لمن لم يسبق له ذلك. وفي الآن نفسه نرتب جهدنا لأجل تخصيص أكثر ما يمكن من زكاة المسلمين إلى (غزّة). ولا نعدم وسيلة لإيصالها مهما احلولكت الظلمات وتدجّج العدوّ بوسائل المراقبة. ما وقع إلى حدّ الآن وبعد شهر كامل من القصف لا يحتاج إلى إعادة إعمار فحسب. إنّما النّاس هناك جوعى وظمأى وخوفى وعريٌ. بل إنّ المقاومة ذاتها لجديرة كلّ الجدارة بزكاة أموال المسلمين. كيف لا وهي تقاوم الدنيا كلّها شرقًا وغربًا؟
ربّما لا تجد في مصارف الزكاة الثمانية مصرفا واحدا إلاّ وله أهل في (غزّة). هناك الفقراء والمساكين والغارمون. مصرف الرّقاب نفسه كما حقّق الدكتور علي القره داغي في حقيبته الاقتصادية الجامعة (12جزء) يشمل بوجه ما تحرير الأسير. أمّا مصرف (في سبيل الله) فهو متمحّض بالكلية لتمويل المقاومة دون الأقصى صنو البيت الحرام الذي يدعو المغرورون إلى تعويقه.
هل تقوم فينا ثلّة تحضّ المسلمين من خلال الأئمة والدعاة في الأرض كلّها على جمع الزكاة لرمز العزّة (غزّة)؟ لو قامت فينا لاستجاب لدعوتها كلّ مسلم ومسلمة ممّن يدعون في كلّ سجدة لأهل (غزّة) ومقاومتهم بالنّصر. لا بدّ لهذا المشروع من راحلة إذ (النّاس كإبل مائة لا تكاد تجد فيهم راحلة). ولا بدّ للنّاس من أئمّة ودعاة وزعماء يحضّون على الخير.
الشيخ: الهادي بريك
اقرأ أيضًا: طوفان الأقصى ومعجزة الإيمان
- الكلمات الدلالية
الشيخ الهادي بريك