مختارات نبوية | الزنا يذهب بالإيمان
الحديث السابع: الزنا يذهب بالإيمان
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» سنن أبي داود (4/ 222) بسند صحيح.
المعنى العام للحديث
حرم الإسلام الزنا وعده من أكبر الكبائر والفواحش؛ لأنه يضر بكلية حفظ النسل أو النسب والعرض كما يعود على مقصد الاستخلاف وتعمير الأرض بالإبطال، وأوجب عقوبة حدية دنيوية على فاعله، وكثيرا ما يقف الناس عند العقوبة الحسية ويغفلون عن العقوبة الأخطر منها وهي العقوبة المعنوية القلبية التي يشرحها هذا الحديث وهي خروج الإيمان بالوقوع في الزنا وهي عقوبة أشد خطرا من العقوبة الحسية الحدية فماذا يبقى للإنسان بعد خروج نور الإيمان من قلبه، أو نفي الإيمان أصلا عنه كما في الحديث الآخر: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، قال أبو سعيد: قلت وكيف يكون يا رسول الله؟ قال: "يخرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه" مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (3/ 1190).
وتفسيرات العلماء لنفي الإيمان عن الزاني أو خروجه منه مخيفة مرعبة فمنهم من قال: المراد نفي كمال الإيمان؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: "منْ قَالَ لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق"، وقيل أنه بمعصيته يكون منافقا نفاق معصية، وقيل: أي ليس بمستحضر فِي حالة تلبسه بالكبيرة جلال منْ آمن به، فهو كناية عن الغفلة، التي جلبتها له غلبة الشهوة، وقيل: عدم الأمان منْ عذاب الله، وقيل: يُسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه، قَالَ عكرمة: قلت لابن عباس: كيف يُنزع منه الإيمان؟ قَالَ: هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه، هكذا. ثم شبك بين أصابعه، وقيل: يخرج منه نور الإيمان، وقيل: يخرج منه الحياء أي أنه وقت الزنا لا يستحي منْ الله؛ لأنه لو استحى منه، وهو يَعرف أنه مشاهد حاله، لم يرتكب الفاحشة، ولو أن العبد تذكر واحدة من هذه المعاني واستحضرها لما أقدم على الفاحشة المحرمها فأنى لعبد أن لا يستحي من مولاه، أو أن يكون منافقا بالمعصية، أو أن يطفئ نور الإيمان في قلبه فتظلم دنياه وآخرته.
ومعنى كان عليه كالظلة أي: السحابة شبه الإيمان بالسحابة لسرعة حركتها ذهابا وعودة، وما يترتب عليه من نزول المطر والخير والشمس أو منعه، فذهاب نور الإيمان بالزنا يكون سريعا كالسحابة وعودته بالتوبة والإقلاع كذلك.
رسائل الحديث
- الزنا من أكبر الكبائر وأعظم الفواحش وعقوبته المعنوية في الدنيا أعظم من عقوبته الحسية.
- انطفاء نور الإيمان في القلب بالزنا أخطر عقوبة لصاحبها فمن أظلم قلبه أظلمت حياته وحرم التوفيق للطاعة وكان أقرب إلى الفواحش والمعاصي الأخرى.
- من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فتح لهم باب التوبة والرحمة فمن تاب من الزنا عاد نور الإيمان إلى قلبه.
- على المسلم الأوروبي أن يتجنب المسالك الموصلة للزنا وأن يحفظ إيمانه بحسن صلته بربه، وبصحبة صالحة تذكره بالله، وأن يعجل الإحصان والتعفف.
- يجب أن يكون الخوف على كمال الإيمان بتجنب فاحشة الزنا أعظم من الخوف من العقوبة الحدية الدنيوية التي إن وقعت سيزول ألمها بعد حين ويبقى ألم القلب لا يزول إلا بتوبة صادقة للمولى الجليل.
بقلم الدكتور: خالد حنفي.
- الكلمات الدلالية
د. خالد حنفي