الدعوة والدعاة في رمضان
الحمد لله حمدا كثيرا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا.
إن الدعاة إلى الله هم الشموع التي تضيء للناس طريق الهدى والخير، وأطباء القلوب والنفوس، وهم قلب الأمة النابض ووعيها المستنير.
والدعوة إلى الله من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله، ولذلك اختار الله للقيام بها صفوة الخلق وأحبهم إليه وهم الأنبياء والمرسلون، وأقربُ الناس إليه تعالى بعدهم أمثلُهم بهم طريقة وأشبههم بهم سلوكًا في العلم والعمل، قال سبحانه: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت/33).
لقد أكرمنا الله ببلوغ شهر رمضان، نسأله تعالى أن يبارك لنا فيه، وأن يوفقنا لصيامه وقيامه، وأن يتقبل منا صالح العمل، وأن يجعل أوله لنا رحمة، ووسطه لنا مغفرة، وآخره عتقا لنا من النار.
شهر رمضان الكريم شهر مليء بالخيرات والبركات والنفحات، التي ينبغي لنا أن ننهل منها ونستزيد؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله؛ فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم، وأن يُؤَمِّن روعاتكم».
شهر رمضان موسم عظيم من مواسم أهل الإيمان، وخير وضعه الله بين يدي عباده، ويسّر لهم أسباب نواله واغتنامه، ليتقربوا إلى ربهم بما يحبه ويرضاه، وليغتنموا هذه الفرصة الثمينة في الدعوة إلى الله وفعل الخيرات.
وفي طليعة من يجب عليهم الاستزادة من خيرات رمضان وبركاته هم الدعاة إلى الله؛ حيث إنهم طليعة الأمة ومُثُلها العليا، وهكذا يجب أن يكونوا.
واستزادة الدعاة من خيرات رمضان إنما تكون على عدة مستويات:
فعلى المستوى الشخصي ينبغي على الدعاة أن يهتموا بأنفسهم، ويحسنوا الاستفادة من الفرص الثمينة والمنح الربانية في رمضان، ومن ثم يدلوا أفراد الأمة عليها.
والدعاة إلى الله أولى الناس ببذل الجهد من أجل تزكية نفوسهم وتطهيرها من الذنوب والعيوب ليكونوا في مستوى هذا المقام العظيم الذي أكرمهم الله به، وشعار الدعوة الإسلامية: (أصلح نفسك وادع غيرك)، والدعوة بالحال أعظم من الدعوة بالمقال.
رمضان فرصة لمجاهدة النفس والتحرر من الأهواء والعادات السيئة، وإعادة ترتيب وتنظيم أوقاتنا لنستغلها بصورة أكمل لتحقيق أفضل النتائج في أبواب الخير.. نتعلم فيها كيف نتقرب إلى الله بصالح العمل تحقيقا لمعاني التقوى والاستقامة. نتعلم فيها كيف نكون أكثر إحسانا للخلق ورحمة بهم. فعلينا جميعا أن نستغل هذه الفرصة المباركة لإحداث تغيير إيجابي في حياتنا ولتزكية نفوسنا بالتقوى والعمل الصالح.
وعلى المستوى العام يجب عليهم الحركة والتأثير الفعال في المجتمع، مستغلين الأجواء الإيمانية في رمضان، وإقبال القلوب على الخير والعبادة.
فمن فقه الدعاة أن يحسنوا استغلال المواسم والمناسبات الخاصة للقيام بواجبهم الدعوي، وشهر رمضان يتميز على غيره من الشهور بسمات وفضائل تجعل المجال الدعوي فيه مفتوحا أمام الدعاة، حيث تكون القلوب ألين، والنفوس أكثر استعدادا لتقبل النصح والتذكير. فعلينا أيها الأحباب أن نحرص على تحضير البرامج الدعوية المناسبة لهذا الشهر الكريم، مستعملين في ذلك أفضل الوسائل المناسبة لواقع البلد.
والداعية مطالَب بتطوير قدراته دائماً ليحسن توصيل رسالته إلى الآخرين؛ إذ لم يعد يجدي أن ينتظر الداعي في مسجده أو مركزه ليأتيه الناس فيبلغهم دعوة ربهم، بل صار من اللازم أن يتوجه هو إليهم عبر الوسائل الحديثة التي توصل رسالته إلى عدد أكبر من الناس.
إنّ العالم اليومَ أحوجُ ما يكونُ إلى الإسلام ومبادئه، فلنستشعرْ عِظَمَ المسئولية وثِقَلَ الأمانة، ولنتابع الطريقَ مستعينين بالصبر والعبادة، متوكلين على الله، متعاونين مع كلّ الصادقين، متجاوزين كلّ الصعوبات والعقبات، ولن يتحقّق لنا ذلك إلاّ أن نكونَ مسلمين ربانيين حقّاً، فمجرّدُ الانتماء دونَ أن يصدّقَه العمل، لا يُغني من الحقّ شيئا.
وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يبارك لنا في رمضان، وأن يوفقنا فيه لصالح الأعمال، وأن يتقبل منا جهدنا على ما فيه من ضعف وعيوب، وأن يغفر لنا أجمعين.
بقلم الشيخ: عبد المجيد نوّار
- الكلمات الدلالية
- رمضان
الأستاذ عبد المجيد نوّار