احذر أن يمتزج إيمانك بالظلم
فالأمن والهداية نتيجة طبيعية لنقاوة الإيمان وطهره، وهي بين أيدينا ونحن من نصنعها، فكل ترقّي ذاتي وجماعي يجعل من العدل نقيض الظلم هو السائد،
يقول الحق تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82).
ذهبت أغلب الروايات إلى أن المراد بالظلم هنا الشرك، لقرينة الحديث النبوي الشريف عند نزول هذه الآية. ولكن البعض توسّع، ومن ألطف ما ورد، ما ذكره القاضي عياض رحمه الله تعالى "الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه، ثم استعمل في كل عسف" ثم يقول " والأظهر من مفهومه إطلاقه في العسف والتعدي والعدول عن الحق في غير الكفر".
وكتوجيه تربوي، فإن حياة المؤمن، رغم صدق إيمانه وحرصه، فلا يخلو الأمر من نقصان واضطراب وتعثّر، ويعتري النفس ضعفا أمام الشدائد والصعوبات، وتضطرب الرؤى والتقدير مما يسقطها في ظلم نفسها وظلم غيرها.
وهذه الآية إنما هي تذكير وجرس يرن في آذان المؤمنين: احذروا الظلم. احذروا أن تظلموا أهليكم وأنفسكم وذويكم ومن حولكم!.
فهو يقرع آذاننا ليكون إيماننا خالصا لوجهه الكريم ولا تشوبه شائبة مما يُنقصه ويخدش صورته.
فالتعدي على حقوق الناس ظلم، والحديث في أعراضهم ظلم، وتعطيل قوى الانتاج ظلم، والركون إلى الظلم ظلم، وتشويه القيم ظلم، والتقصير المتعمّد في أداء الأمانة ظلم. فكل ما فيه عسف ظلم.
وكلّما تحرّرت النفس من هذه الالتباسات، كانت أنقى وأجمل وأكثر فاعلية وإنتاجية، والإيمان بطبعه نقي وجميل وقوة فعل وزيادة في الانتاجية. وإذا حاد الإيمان عن ذلك، فما عقلنا الإيمان، وما ذقنا حلاوته، ولا تمتّعنا بفيوضه وأنواره.
فالأمن والهداية نتيجة طبيعية لنقاوة الإيمان وطهره، وهي بين أيدينا ونحن من نصنعها، فكل ترقّي ذاتي وجماعي يجعل من العدل نقيض الظلم هو السائد، نكون قد حقّقنا مقاصد الإيمان وجعلنا من الإيمان وسيلة أمن وهداية، وما عداها فقد انحرفنا بالإيمان وذلك هو الظلم الحقيقي، ونتيجته لا أمن ولا هداية. وتتحول حياتنا إلى ظلم وظلام.
- الكلمات الدلالية
الأستاذ إبراهيم بلكيلاني