حب الذات.. السلوك الإبليسي الخطير
يقول الحق تبارك وتعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }(الأعراف: 12)
جُبلت النفوس على حبّ الذات، فتراها تتباهى بما عندها من فضائل، وتنزلق أحيانًا إلى العُجب والتكبّر، وتستمرئ بعض السلوك الهدّام للذات قبل الغير، فتصدر الأحكام جزافاً على الغير لاعتقاد راسخ فيها أنها خير من الجميع.
وتبلغ بها نرجسيتها حتى لا ترى إلا نفسها في هذا الوجود من يملك أقفال الحق والحقيقة، فلا علم إلا ما تقوله، ولا حكم إلا ما تصدره، ولا قول إلا قولها. ومن هنا كانت مصائب النفوس والجماعات والمجتمعات والأمم، فهي تتّبع سلوك ابليس، وقوله، وخطاه، الذي حجب عنه حقيقة الفضل، وجعله يسكن إلى ظنونه النرجسية.
وعندما ننظر في واقعنا نرى عِظَم خطر وآثار هذا السلوك (الابليسي) على المجتمعات، حتى تحوّلت معه الحوارات إلى صمم، لا يسمع الواحد منّا إلا صدى نفسه. وذلك لمعتقد فاسد شرع به ابليس، واقتفينا أثره، وجعل كل واحد منا صورته، وجوهره، وعلمه هي مادة التفضيل
يقول الفخر الرازي
" أن من كانت مادته أفضل فصورته أفضل، فهذا محل النزاع والبحث. لأنه لما كانت الفضيلة عطية من الله ابتداء لم يلزم من فضيلة المادة فضيلة الصورة، فـالفضيلة لا تحصل إلا بفضل الله تعالى لا بسبب فضيلة الأصل والجوهر، وأيضا التكليف إنما يتناول الحي بعد انتهائه إلى حد كمال العقل، فالمعتبر بما انتهى إليه لا بما خلق منه، وأيضا فالفضل إنما يكون بالأعمال وما يتصل بها لا بسبب المادة".
فلا عبرة بالأصل ولا بالنسب الحزبي أو الفكري، إنما العبرة بما انتهى إليه من سلوك وممارسة وعمل وإنجاز تفيد المجتمع و الإنسانية. وكل من يقدّم عُجبه، فهو يقتفي السلوك غير القويم، وآثاره على نفسه وغيره كأثر معصية ابليس.
فهل نعي خطر عقلية "أنا خير منه" ونتخفّف من حِملها و وزرها الذي يثقل كاهل مجتمعاتنا. فلا حوار ولا تعاون ولا تنسيق تحت سقف هذه العقلية، بل هو الوهم الذي نتلهّى به.
- الكلمات الدلالية
الأستاذ إبراهيم بلكيلاني