Posted on Leave a comment

أسرار الصيام | للإمام حامد الغزالي

الحمد لله الذي أعظم  على عباده المنة ، بما دفع عنهم كيد الشيطان وفنه ، ورد أمله وخيب ظنه ، إذ جعل الصوم حصنا لأوليائه وجنة ، وفتح لهم به أبواب الجنة ، وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة ، وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة ، والصلاة على محمد قائد الخلق ، وممهد السنة ، وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد : فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : (( الصوم نصف الصبر ))[1] وبمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : (( الصبر نصف الإيمان ))[2] ثم هو متميز بخاصية النسبة إلى الله تعالى من بين سائر الأركان إذ قال الله تعالى فيما حكاه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم : (( كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام ، فإنه لي وأنا أجزي به ))[3] وقد قال الله تعالى : ﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (الزمر : 10)) والصوم نصف الصبر فقد جاوز ثوابه قانون التقدير والحساب وناهيك في معرفة فضله قوله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك يقول الله عز وجل إنما يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجلي فالصوم لي وأنا أجزي به ))[4] وقال صلى الله عليه وسلم : (( للجنة باب يقال له الريال لا يدخله إلا الصائمون وهو موعود بلقاء الله تعالى في جزء صومه ))[5] وقال صلى الله عليه وسلم : (( للصائم فرحتان : فرحة عند إفطاره ، وفرحة عند لقاء ربه ))[6] وقال صلى الله عليه وسلم : (( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم ))[7] وقال صلى الله عليه وسلم : (( نوم الصائم عبادة ))[8] وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ونادى مناد يا باغي الخير هلم ويا باغي الشر أقصر ))[9] وقال وكيع في قوله تعالى : ﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية (الحاقة : 24) هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب ، وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال : (( إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته لأجلي المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي ))[10] وقال صلى الله عليه وسلم في الصائم : (( يقول الله عز وجل : انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي ))[11] وقيل في قوله تعالى : ﴿ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (السجدة : 17)  قيل كان عملهم الصيام لأنه قال : ﴿ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (الزمر : 10) فيفرغ للصائم جزاؤه إفراغا ويجازف جزافا فلا يدخل تحت وهم وتقدير ، وجدير بأن يكون كذلك ؛ لأن الصوم إنما كان له ومشرفا بالنسبة إليه وإن كانت العبادات كلها له كما شرف البيت بالنسبة إلى نفسه والأرض كلها له لمعنيين أحدهما : أن الصوم كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ، وجميع أعمال الطاعات بمشهد من الخلق ومرأى ، والصوم لا يراه إلا الله عز وجل فإنه عمل في الباطن بالصبر المجرد . والثاني : أنه قهر لعدو الله عز وجل فإن وسيلة الشيطان لعنه الله الشهوات ، وإنما تقوى الشهوات بالأكل والشرب ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع ))[12] ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها : (( داومي قرع باب الجنة ، قالت : بماذا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : بالجوع ))[13] وسيأتي فضل الجوع في كتاب شره الطعام ، وعلاجه من ربع المهلكات . فلما كان الصوم على الخصوص قمعا للشيطان وسدا لمسالكه وتضييقا لمجاريه استحق التخصيص بالنسبة إلى الله عز وجل ففي قمع عدو الله نصرة لله سبحانه وناصر الله تعالى موقوف على النصرة له قال الله تعالى : ﴿ إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (محمد : 7) فالبداية بالجهد من العبد والجزاء بالهداية من الله عز وجل ، ولذلك قال تعالى : ﴿ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا (العنكبوت : 69)  وقال تعالى : ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم(الرعد : 11)  وإنما التغير تكثير الشهوات فهي مرتع الشياطين ومرعاهم فما دامت مخصبة لم ينقطع ترددهم وما داموا يترددون لم ينكشف للعبد جلال الله سبحانه وكان محجوبا عن لقائه ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات ))[14] فمن هذا الوجه صار الصوم باب العبادة وصار جنة وإذا عظمت فضيلته إلى هذا الحد فلا بد من بيان شروطه الظاهرة والباطنة بذكر أركانه وسننه وشروطه الباطنة ونبين ذلك بثلاثة فصول .

الفصل الأول : في الواجبات والسنن الظاهرة واللوازم بإفساده

أما الواجبات الظاهرة فستة

( الأول ) : مراقبة أول شهر رمضان وذلك برؤية الهلال فإن غم فاستكمال ثلاثين يوما من شعبان ونعني بالرؤية العلم  ” ويحصل ذلك بقول عدل واحد ” ولا يثبت هلال شوال إلا بقول عدلين احتياطا للعبادة ومن سمع عدلا ووثق بقوله وغلب على ظنه صدقه لزمه الصوم وإن لم يقض القاضي به فليتبع كل عبد في عبادته موجب ظنه ، وإذا رؤي الهلال ببلدة ولم ير بأخرى وكان بينهما أقل من مرحلتين وجب الصوم على الكل ، وإن كان أكثر كان لكل بلدة حكمها ولا يتعدى الوجوب . ( الثاني ) : النية : ولا بد لكل ليلة من نية مبيتة معينة جازمة فلو نوى أن يصوم شهر رمضان دفعة واحدة لم يكفه ، وهو الذي عنينا بقولنا ” كل ليلة ” ولو نوى بالنهار لم يجزه صوم رمضان ولا صوم الفرض إلا التطوع وهو الذي عنينا بقولنا ” مبيتة ” ولو نوى الصوم مطلقا أو الفرض مطلقا لم يجزه حتى ينوي فريضة الله عز وجل صوم رمضان ولو نوى ليلة الشك أن يصوم غدا إن كان من رمضان لم يجزه فإنها ليست جازمة إلا أن تستند نيته إلى قول شاهد عدل ، واحتمال غلط العدل أو كذبه لايبطل الجزم أو يستند إلى استصحاب حال كالشك في الليلة الأخيرة من رمضان ، فذلك لا يمنع جزم النية أو يستند إلى اجتهاد كالمحبوس في المطمورة إذا غلب على ظنه دخول رمضان باجتهاده فشكه لا يمنعه من النية . ومهما كان شاكا ليلة الشك لم ينفعه جزمه النية باللسان فإن النية محلها القلب . ولا يتصور فيه جزم القصد مع الشك كما لو قال في وسط رمضان أصوم غدا إن كان من رمضان فإن ذلك لايضره لأنه ترديد لفظ ومحل النية لا يتصور فيه تردد ، بل هو قاطع بأنه من رمضان ، ومن نوى ليلا ثم أكل لم تفسد نيته ، ولو نوت امرأة في الحيض ثم طهرت قبل الفجر صح صومها . ( الثالث ) : الإمساك عن إيصال شيء إلى الجوف عمدا مع ذكر الصوم فيفسد صومه بالأكل والشرب والسعوط والحقنة ، ولا يفسد بالفصد والحجامةوالاكتحال ، وإدخال الميل في الأذن والإحليل إلا أن يقطر فيه ما يبلغ المثانة وما يصل بغير قصد من غبار الطريق أو ذبابة تسبق إلى جوفه أو ما يسبق إلى جوفه في المضمضة ، فلا يفطر إلا إذا بالغ في المضمضة فيفطر لأنه مقصر وهو الذي أردنا بقولنا ” عمدا ” فأما ذكر الصوم فأردنا به الاحتراز عن الناسي فإنه لايفطر ، أما من أكل عامدا في طرفي النهار ثم ظهر له أنه أكل نهارا بالتحقيق فعليه القضاء وإن بقى على حكم ظنه واجتهاده فلا قضاء عليه ولا ينبغي أن يأكل في طرفى النهار إلا بنظر واجتهاد . ( الرابع ) : الإمساك عن الجماع وحده مغيب الحشفة ، وإن جامع ناسيا لم يفطر ، وإن جامع ليلا أو احتلم فأصبح جنبا لم يفطر ، وإن طلع الفجر وهو مخالط أهله فنزع في الحال صح صومه ، فإن صبر فسد ولزمته الكفارة . ( الخامس ) : الإمساك عن الاستمناء ؛ وهو إخراج المني قصدا بجماع أو بغير جماع فإن ذلك يفطر ولا يفطر بقبلة زوجته ولا بمضاجعتها ما لم ينزل ، لكن يكره ذلك إلا أن يكون شيخا أو مالكا لإربه ، فلا بأس بالتقبيل وتركه أولى . وإذا كان يخاف من التقبيل أن ينزل فقبل وسبق المني أفطر لتقصيره . ( السادس ) : الإمساك عن إخراج القيء فالاستقاء يفسد الصوم وإن ذرعه القيء لم يفسد صومه ، وإذا ابتلع نخامة من حلقه أو صدره لم يفسد صومه رخصة لعموم البلوى به إلا أن يبتلعه بعد وصوله إلى فيه فإنه يفطر عند ذلك .

وأما لوازم الإفطار فأربعة

القضاء والكفارة والفدية وإمساك بقية النهار تشبيها بالصائمين ؛ أما القضاء : فوجوبه عام على كل مسلم مكلف ترك الصوم بعذر أو بغير عذر ، فالحائض تقضي الصوم وكذا المرتد . وأما الكافر والصبي والمجنون فلا قضاء عليهم ولا يشترط التتابع في قضاء رمضان ولكن يقضي كيف شاء متفرقا ومجموعا . وأما الكفارة : فلا تجب إلا بالجماع ، وأما الاستمناء والأكل والشرب وما عدا الجماع لا يجب به كفارة فالكفارة عتق رقبة فإن أعسر فصوم شهرين متتابعين وإن عجز فإطعام ستين مسكينا مدا مدا . وأما إمساك بقية النهار : فيجب على من عصى بالفطر أو قصر فيه . ولا يجب على الحائض إذا طهرت إمساك بقية نهارها ، ولا على المسافر إذا قدم مفطرا من سفر بلغ مرحلتين . ويجب الإمساك إذا شهد بالهلال عدل واحد يوم الشك ، والصوم في السفر أفضل من الفطر إلا إذا لم يطق ولا يفطر يوم يخرج وكان مقيما في أوله ولا يوم يقدم إذا قدم صائما . وأما الفدية : فتجب على الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفا على ولديهما ، لكل يوم مد حنطة لمسكين واحد مع القضاء والشيخ الهرم ، إذا لم يصم تصدق عن كل يوم مدا . وأما السنن فست : تأخير السحور ، وتعجيل الفطر بالتمر أو الماء قبل الصلاة ، وترك السواك بعد الزوال ، والجود في شهر رمضان لما سبق من فضائله في الزكاة ، ومدارسة القرآن ، والاعتكاف في المسجد لا سيما في العشر الأخير فهو عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش وشد المئزر ودأب وأدأب أهله ))[15] أي : أداموا النصب في العبادة إذ فيها ليلة القدر والأغلب أنها في أوتارها وأشبه الأوتار ليلة إحدى وثلاث وخمس وسبع ، والتتابع في هذا الاعتكاف أولى فإن نذر اعتكافا متتابعا ، أو نواه انقطع تتابعه بالخروج منغير ضرورة ، كما لو خرج لعيادة أو شهادة أو جنازة أو زيارة أو تجديد طهارة ، وإن خرج لقضاء الحاجة لم ينقطع ، وله أن يتوضأ في البيت ولا ينبغي أن يعرج على شغل آخر (( كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ولا يسأل عن المريض إلا مارا ))[16] ويقطع التتابع بالجماع ولا ينقطع بالتقبيل ، ولا بأس في المسجد بالطيب وعقد النكاح وبالأكل والنوم وغسل اليد في الطست فكل ذلك قد يحتاج إليه في التتابع ، ولا ينقطع التتابع بخروج بعض بدنه (( كان صلى الله عليه وسلم يدني رأسه فترجله عائشة رضي الله عنها وهي في الحجرة ))[17] ومهما خرج المعتكف لقضاء حاجته فإذا عاد ينبغي أن يستأنف النية إلا إذا كان قد نوى أولا عشرة أيام مثلا ، والأفضل مع ذلك التجديد .

الفصل الثاني : في أسرار الصوم وشروطه الباطنة

 اعلم أن الصوم ثلاث درجات : صوم العموم ، وصوم الخصوص ، وصوم خصوص الخصوص . وأما صوم العموم : فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله . وأما صوم الخصوص : فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام . وأما صوم خصوص الخصوص : فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية ، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله عز وجل واليوم الآخر وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين ، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا حتى قال أرباب القلوب : من تحركت همته بالتصرف في نهاره لتدبير ما يفطر عليه كتبت عليه خطيئة ، فإن ذلك من قلة الوثوق بفضل الله عز وجل وقلة اليقين برزقه الموعود ، وهذه رتبة الأنبياء والصديقين والمقربين ولا يطول النظر في تفصيلها قولا ولكن في تحقيقها عملا ، فإنه إقبال بكنه الهمة على الله عز وجل وانصراف عن غير الله سبحانه وتلبس بمعنى قوله عز وجل : ﴿ قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون (الأنعام : 91) وأما صوم الخصوص : وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور : ( الأول ) : غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل ، قال صلى الله عليه وسلم : (( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس لعنه الله ، فمن تركها خوفا من الله آتاه الله عز وجل إيمانا يجد حلاوته في قلبه ))[18] وروى جابر عن أنس عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( خمس يفطرن الصائم : الكذب والغيبة والنميمة واليمين الكاذبة والنظر بشهوة ))[19] . ( الثاني ) : حفظ اللسان عن الهذبان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء ، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان ، وقد قال سفيان : الغيبة تفسد الصوم رواه بشر بن الحارث عنه ، وروى ليث عن مجاهد : خصلتان يفسدان الصيام : الغيبة والكذب . وقال صلى الله عليه وسلم : (( إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم ))[20] وجاء في الخبر : أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهدهما الجوع والعطش من آخر النهار حتى كادتا أن تتلفا فبعثتا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذناه في الإفطار فأرسل إليهما قدحا وقال صلى الله عليه وسلم : (( قل لهما قيئا فيه ما أكلتما )) فقاءت إحداهما نصفه دما عبيطا ولحما غريضا ، وقاءت الأخرى مثل ذلك حتى ملأتاه فعجب الناس من ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : (( هاتان صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله تعالى عليهما قعدت إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يغتابان الناس فهذا ما أكلتا من لحومهم ))[21] ( الثالث ) : كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى : ﴿ سماعون للكذب أكالون للسحت (المائدة : 42) وقال عز وجل : ﴿ لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت (المائدة : 63) ، فالسكوت على الغيبة حرام وقال تعالى : ﴿ إنكم إذا مثلهم (النساء : 140) ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( المغتاب والمستمع شريكان في الإثم ))[22] . ( الرابع ) : كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره ، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار ، فلا معنى للصوم وهو الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام فمثال هذا الصائم مثال من يبني قصرا ويهدم مصرا ، فإن الطعام الحلال إنما يضر بكثرته لا بنوعه ، فالصوم لتقليله ، وتارك الاستكثار من الدواء خوفا من ضرره إذا عدل إلى تناول السم كان سفيها ، والحرام سم مهلك للدين ، والحلال دواء ينفع قليله ويضر كثيره . وقصد الصوم تقليله وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش ))[23] فقيل هو الذي يفطر على الحرام ، وقيل هو الذي يمسك عن الطعام الحلال ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام ، وقيل هو الذي لا يحفظ جوارحه عن الآثام . ( الخامس ) : أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال . وكيف يستفاد من الصوم قهر عدو الله وكسر الشهوة إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره ، وربما يزيد عليه في ألوان الطعام ؟ حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ، ومعلوم أن مقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى . وإذا دفعت المعدة من ضحوة نهار إلى العشاء حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها ، فروح الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلا فلم ينتفع بصومه . بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوى فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدرا من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده فعسى الشيطان أن لا يحوم على قلبه فينظر إلى ملكوت السماء ، وليلة القدر عبارة عن الليلة التي ينكشف فيها شيء من الملكوت وهو المراد بقوله تعالى : ﴿ إنا أنزلناه في ليلة القدر (القدر : 1) ومن جعل بين قلبه وبين صدره مخلاة من الطعام فهو عنه محجوب ، ومن أخلى معدته فلا يكفيه ذلك لرفع الحجاب ما لم يخل همته عن غير الله عز وجل وذلك هو الأمر كله . ومبدأ جميع ذلك تقليل الطعام ، وسيأتي له مزيد بيان في كتاب الأطعمة إن شاء الله عز وجل . ( السادس ) : أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين ؟ أو يرد عليه فهو من الممقوتين ؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغمنها فقد روى عن الحسن بن أبي الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال : إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون ، أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي : كان سرور المقبول يشغله عن اللعب وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك . وعن الأحنف بن قيس أنه قيل له : إنك شيخ كبير ، وإن الصيام يضعفك ، فقال : إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه . فهذه هي المعاني الباطنة في الصوم .

فإن قلت : فمن اقتصر على كف شهوة البطن والفرج وترك هذه المعاني ، فقد قال الفقهاء : صومه صحيح فما معناه ؟ فاعلم أن فقهاء الظاهر يثبتون شروط الظاهر بأدلة هي أضعف من هذه الأدلة التي أوردناها في هذه الشروط الباطنة لا سيما الغيبة وأمثالها ، ولكن ليس إلى فقهاء الظاهر من التكليفات إلا ما يتيسر على عموم الغافلين المقبلين على الدنيا الدخول تحته . فأما علماء الآخرة فيعنون بالصحة القبول وبالقبول الوصول إلى المقصود . ويفهمون أن المقصود من الصوم التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية ، والاقتداء بالملائكة في الكف عن الشهوات بحسب الإمكان فإنهم منزهون عن الشهوات ، والإنسان رتبته فوق رتبة البهائم لقدرته بنور العقل على كسر شهوته ودون رتبة الملائكة لاستيلاء الشهوات عليه وكونه مبتلى بمجاهدتها ، فكلما انهمك في الشهوات انحط إلى أسفل السافلين والتحق بغمار البهائم ، وكلما قمع الشهوات ارتفع إلى أعلى عليين والتحق بأفق الملائكة ، والملائكة مقربون من الله عز وجل والذي يقتدى بهم ويتشبه بأخلاقهم يقرب من الله عز وجل كقربهم ، فإن الشبيه من القريب قريب ، وليس القريب ثم بالمكان بل بالصفات ، وإذا كان هذا سر الصوم عند أرباب الألباب وأصحاب القلوب فأي جدوى لتأخير أكلة وجمع أكلتين عند العشاء مع الإنهماك في الشهوات الآخر طول النهار ؟ ولو كان لمثله جدوى فأي معنى لقوله صلى الله عليه وسلم : (( كم من صائم ليس له من صومه إلا الجوع والعطش )) ولهذا قال أبو الدرداء : يا حبذا نوم الأكياس وفطرهم كيف لا يعيبون صوم الحمقى وسهرهم ، ولذرة من ذوي يقين وتقوى أفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغتربين . ولذلك قال بعض العلماء : كم من صائم مفطر وكم من مفطر صائم . والمفطر الصائم هو الذي يحفظ جوارحه عن الآثام ويأكل ويشرب ، والصائم المفطر هو الذي يجوع ويعطش ويطلق جوارحه . ومن فهم معنى الصوم وسره علم أن مثل من كف عن الأكل والجماع وأفطر بمخالطة الآثام كمن مسح على عضو من أعضائه في الوضوء ثلاث مرات فقد وافق في الظاهر العدد إلا أنه ترك المهم وهو الغسل فصلاته مردودة عليه بجهله ، ومثل من أفطر بالأكل وصام بجوارحه عن المكاره كمن غسل أعضاؤه مرة مرة فصلاته متقبلة إن شاء الله لإحكامه الأصل وإن ترك الفضل . ومثل من جمع بينهما كمن غسل كل عضو ثلاث مرات فجمع بين الأصل والفضل وهو الكمال ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته ))[24]ولما تلا قوله عز وجل : ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها (النساء : 58)  وضع يده على سمعه وبصره فقال : (( السمع أمانة والبصر أمانة ))[25] ولولا أنه من أمانات الصوم لما قال صلى الله عليه وسلم : (( فليقل إني صائم )) أي : إني أودعت لساني لأحفظه فكيف أطلقه بجوابك ؟ فإذن قد ظهر أن لكل عبادة ظاهرا وباطناوقشرا ولبا ولقشرها درجات ولكل درجة طبقات فإليك الخيرة الآن في أن تقنع بالقشر عن اللباب أو تتحيز إلى غمار أرباب الألباب.

الفصل الثالث : في التطوع بالصيام وترتيب الأوراد فيه

اعلم أن استحباب الصوم يتأكد في الأيام الفاضلة وفواضل الأيام بعضها يوجد في كل سنة وبعضها يوجد في كل شهر وبعضها في كل أسبوع ، أما في السنة بعد أيام رمضان فيوم عرفة ويوم عاشوراء والعشر الأول من ذي الحجة والعشر الأول من المحرم ، وجميع الأشهر الحرم مظان الصوم وهي أوقات فاضلة (( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر صوم شعبان حتى كان يظن أنه في رمضان ))[26] ، وفي الخبر (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ))[27] وقال صلى الله عليه وسلم : (( صوم يوم من شهر حرام أفضل من ثلاثين من غيره وصوم يوم من رمضان أفضل من ثلاثين من شهر حرام ))[28] وفي الحديث : (( من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له بكل يوم عبادة تسعمائة عام ))[29] وفي الخبر (( إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان ))[30] ولهذا يستحب أن يفطر قبل رمضان أياما فإن وصل شعبان برمضان فجائز ([31] ) فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة وفصل مرارا كثيرة ( [32] ) ولا يجوز أن يقصد استقبال رمضان بيومين أو ثلاثة إلا أن يوافق وردا له وكره بعض الصحابة أن يصام رجب كله حتى لا يضاهي بشهر رمضان فالأشهر الفاضلة : ذو الحجة والمحرم ورجب وشعبان . والأشهر الحرم : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب . واحد فرد وثلاثة سرد ، وأفضلها ذو الحجة لأن فيه الحج والأيام المعلومات والمعدودات وذو القعدة من الأشهر الحرم وهو من أشهر الحج . وشوال من أشهر الحج وليس من الحرم ، والمحرم ورجب ليسا من أشهر الحج ، وفي الخبر (( ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله عز وجل من أيام عشر ذي الحجة إن صوم يوم منه يعدل صيام سنة وقيام ليلة منه تعدل قيام ليلة القدر ، قيل : ولا الجهاد في سبيل الله تعالى ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا من عقر جواده وأهريق دمه ))[33] وأما ما يتكرر في الشهر : فأول الشهر وأوسطه وآخره ووسطه الأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وأما في الأسبوع : فالإثنين والخميس والجمعة فهذه هي الأيام الفاضلة فيستحب فيها الصيام وتكثير الخيرات لتضاعف أجورها ببركة هذه الأوقات . وأما صوم الدهر : فإنه شامل للكل وزيادة وللسالكين فيه طرق فمنهم من كره ذلك إذ وردت أخبار تدل على كراهته ، والصحيح أنه إنما يكره لشيئين : أحدهما : أن لا يفطر في العيدين وأيام التشريق فهو الدهر كله ([34]) والآخر أن يرغب عن السنة في الإفطار ويجعل الصوم حجرا على نفسه مع أن الله سبحانه يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ، فإذا لم يكن شيء من ذلك ورأى صلاح نفسه في صوم الدهر فليفعل ذلك ، فقد فعله جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم . وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو موسى الأشعري : (( من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم وعقد تسعين ))[35] ومعناه : لم يكن له فيها موضع ، ودونه درجة أخرى وهو صوم نصف الدهر بأن يصوم يوما ويفطر يوما وذلك أشد على النفس وأقوى في قهرها ، وقد ورد في فضله أخبار كثيرة لأن العبد فيه بين صوم يوم وشكر يوم ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا وكنوز الأرض فرددتها وقلت : أجوع يوما وأشبع يوما ، أحمدك إذا شبعت وأتضرع إليك إذا جعت ))[36] وقال صلى الله عليه وسلم : (( أفضل الصيام صوم أخي داود ، كان يصوم ويفطر يوما ))[37] ومن ذلك (( منازلته صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في الصوم وهو يقول : إني أطيق أكثر من ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم صم يوما وأفطر يوما ، فقال : إني أريد أفضل من ذلك ، قال صلى الله عليه وسلم : لا أفضل من ذلك ))[38] وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان ([39]) بل كان يفطر منه ومن لا يقدر على صوم نصف الدهر فلا بأس بثلثه ، وهو أن يصوم ويفطر يومين ، وإذا صام ثلاثة من من أول الشهر ، وثلاثة من الوسط ، وثلاثة من الآخر فهو ثلث ، وواقع في الأوقات الفاضلة وإن صام الإثنين والخميس والجمعة فهو قريب من الثلث وإذا ظهرت أوقات الفضيلة فالكمال في أن يفهم الإنسان معنى الصوم وأن مقصوده تصفية القلب وتفريغ الهم لله عز وجل . والفقيه بدقائق الباطن ينظر إلى أحواله فقد يقتضي حاله دوام الصوم وقد يقتضي دوام الفطر وقد يقتضي مزج الإفطار بالصوم . وإذا فهم المعنى وتحقق حده في سلوك طريق الآخرة بمراقبة القلب لم يخف عليه صلاح قلبه وذلك لا يوجب ترتيبا مستمرا . ولذلك روي أنه صلى الله عليه وسلم (( كان يصوم حتى يقال لا يفطر ، ويفطر حتى يقال لا يصوم ، وينام حتى يقال لا يقوم ، ويقوم حتى يقال لا ينام ))[40] وكان ذلك بحسب ما ينكشف له بنور النبوة من القيام بحقوق الأوقات . وقد كره العلماء أن يوالي بين الإفطار أكثر من أربعة أيام تقديرا بيوم العيد وأيام التشريق ، وذكروا أن ذلك يقسي القلب ، ويولد رديء العادات ويفتح أبواب الشهوات ، ولعمري هو كذلك في حق أكثر الخلق لا سيما من يأكل في اليوم والليل مرتين . فهذا ما أردنا ذكره من ترتيب الصوم المتطوع به . والله أعلم بالصواب .

تم كتاب (( أسرار الصوم  )) والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم ، على جميع نعمه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وكرم وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء . يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب (( أسرار الحج )) والله المعين لا رب غيره وما توفيقي إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.


1 حديث (( الصوم نصف الصبر )) أخرجه الترمذي وحسنه من حديث رجل من بني سليم وابن ماجه من حديث أبي هريرة .

2 حديث (( الصبر نصف الإيمان )) أخرجه أبو نعيم في الحلية ، والخطيب في التاريخ من حديث ابن مسعود بسند حسن .

3 حديث ((كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم ..الحديث )) أخرجاه من حديث أبي هريرة .

4 حديث (( والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم ..الحديث)) أخرجاه من حديثه وهو بعض الذي قبله .

5 حديث (( للجنة باب يقال له الريان ..الحديث )) أخرجاه من حديث سهل بن سعد .

6 حديث (( للصائم فرحتان ..الحديث )) أخرجاه من حديث أبي هريرة .

7 حديث (( لكل شيء باب وباب العبادة الصوم)) أخرجه ابن المبارك في الزهد ، ومن طريقه أبو الشيخ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف .

8 حديث (( نوم الصائم عبادة )) رويناه في أمالي ابن منده من رواية ابن المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر بسند ضعيف ولعله عبد الله بن عمرو فإنهم لم يذكروا لابن المغيرة رواية إلا عنه ، ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث عبد الله بن أبي أوفى ، وفيه سليمان بن عمرو النخعي أحد الكذابين .

9 حديث (( إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة))  أخرجه الترمذي وقال : غريب . وابن ماجه والحاكم وصححه على شرطهما من حديث أبي هريرة ، وصحح البخاري وقفه على مجاهد وأصله متفق عليه دون قوله ((ونادى مناد)).

10 حديث (( إن الله تعالى يباهي ملائكته بالشاب العابد فيقول أيها الشاب التارك شهوته ..الحديث )) أخرجه ابن عدي من حديث ابن مسعود بسند ضعيف .

11 حديث (( يقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ترك شهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي )) .

12 حديث (( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ..الحديث))  متفق عليه من حديث صفية دون قوله (( فضيقوا مجاريه بالجوع )).

13 حديث (( قال لعائشة : داومي قرع باب الجنة ..الحديث )) لم أجد له أصلا .

14 حديث (( لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم ..الحديث)) أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بنحوه .

15 حديث (( كان إذا دخل العشر الأواخر طوى الفراش ..الحديث)) متفق عليه من حديث عائشة بلفظ (( أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر )) .

16 حديث (( كان لا يخرج إلا لحاجة ولا يسأل عن المريض إلا مارا )) متفق على الشطر الأول من حديث عائشة ، والشطر الثاني رواه أبو داود بنحوه بسند لين .

17 حديث (( كان يدني رأسه لعائشة )) متفق عليه من حديثها .

18 حديث (( النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ..الحديث )) أخرجه الحاكم وصحح إسناده من حديث حذيفة .

19 حديث جابر عن أنس (( خمس يفطرن الصائم ..الحديث )) أخرجه الأزدي في الضعفاء من رواية جابان عن أنس وقوله جابر تصحيف قال أبو حاتم الرازي هذا كذاب {ذكره الألباني في الضعيفة (1065) }.

20 حديث (( الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما ..الحديث )) أخرجاه من حديث أبي هريرة .

21 حديث (( إن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..الحديث)) في الغيبة للصائم أخرجه أحمد من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث بسند فيه مجهول .

22 حديث (( المغتاب والمستمع شريكان في الإثم )) غريب ، وللطبراني من حديث ابن عمر بسند ضعيف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة وعن الاستماع إلى الغيبة .

23 حديث (( كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش )) أخرجه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة {صحيح الجامع (3490)}.

24  حديث (( إنما الصوم أمانة فليحفظ أحدكم أمانته )) أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث ابن مسعود في حديث في الأمانة والصوم وإسناده حسن .

25  حديث (( لما تلا قوله تعالى ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وضع يده على سمعه وبصره وقال : السمع أمانة والبصر أمانة )) أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة دون قوله (( السمع أمانة )) .

26  حديث (( كان يكثر صيام شعبان ..الحديث )) متفق عليه من حديث عائشة .

27  حديث (( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم )) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة . لأنه ابتداء السنة فبناؤها على الخير أحب وأرجى لدوام بركته .

28  حديث (( صوم يوم من شهر حرام أفضل من صوم ثلاثين ..الحديث )) لم أجده هكذا وفي المعجم الصغير للطبراني من حديث ابن عباس (( من صام يوما من المحرم فله بكل يوم ثلاثون يوما )) .

29  حديث (( من صام ثلاثة أيام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت ..الحديث )) أخرجه الأزدي في الضعفاء من حديث أنس .

30  حديث (( إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى رمضان )) أخرجه الأربعة من حديث أبي هريرة وابن حبان في صحيحه عنه (( إذا كان النصف من شعبان فأفطروا حتى يجيء رمضان))  وصححه الترمذي .

31 حديث (( وصل شعبان برمضان مرة )) أخرجه الأربعة من حديث أم سلمة (( لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان )) وأخرج أبو داود والنسائي نحوه من حديث عائشة .

32 حديث (( فصل شعبان من رمضان مرارا )) أخرجه أبو داود من حديث عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام )) وأخرجه الدارقطني وقال : إسناده صحيح ، والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين .

33  حديث (( ما من أيام العمل فيهن أفضل وأحب إلى الله من عشر ذي الحجة ..الحديث )) أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي هريرة دون قوله (( قيل : ولا الجهاد ..الخ )) وعند البخاري من حديث ابن عباس (( ما العمل في أيام أفضل من العمل في هذا العشر ، قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء )) .

34 الأحاديث الدالة على كراهة صيام الدهر أخرجها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو وفي حديث لابن ماجه (( لا صام من صام الأبد )) ولمسلم من حديث أبي قتادة (( قيل : يا رسول الله كيف بمن صام الدهر ؟ قال : لا صام ولا أفطر )) وأخرج النسائي نحوه من حديث عبد الله بن عمر وعمران بن حصين وعبد الله بن الشخير .

35  حديث أبي موسى الأشعري (( من صام الدهر كله ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين )) أخرجه أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان وحسنه أبو علي الطوسي .

36  حديث (( عرضت علي مفاتيح خزائن الدنيا ..الحديث )) أخرجه الترمذي من حديث أبي أمامة بلفظ ((عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا )) وقال : حسن .

37  حديث (( أفضل الصيام صوم أخي داود ..الحديث )) أخرجاه من حديث عبد الله بن عمر .

38  حديث (( منازلته لعبد الله بن عمر وقوله صلى الله عليه وسلم : صم يوما وأفطر يوما ..الحديث )) أخرجاه من حديثه .

29 حديث (( ما صام شهرا كاملا قط إلا رمضان )) أخرجاه من حديث عائشة .

40  حديث (( كان يصوم حتى يقال لا يفطر ..الحديث)) أخرجاه من حديث عائشة وابن عباس دون ذكر (( القيام والنوم )) والبخاري من حديث أنس (( كان يفطر من الشهر حتى يظن أن لا يصوم منه شيئا ، ويصوم حتى يظن أن لا يفطر منه شيئا ، وكان لا تشاه تراه من الليل مصليا إلا رأيته ولا نائما إلا رأيته )) .  

الإمام/ حامد الغزالي

Posted on Leave a comment

الصوم والأمن والسلم المجتمعي

أخرج البخاري ومسلم واللفظ له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ رِوَايَةً، قَالَ: ” إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ، إِنِّي صَائِمٌ “

وفي رواية: “وَإِنْ شَتَمَهُ إِنْسَانٌ فَلَا يُكَلِّمْهُ” وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: “فَإِنْ سَابَّكَ أَحَدٌ فَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فاجلس” وعند التِّرْمِذِيّ: “فَإِنْ جَهِلَ عَلَى أَحَدِكُمْ جَاهِلٌ وَهُوَ صَائِمٌ”.

لغة الحديث: 

الرَّفَثِ: بِفَتْحِ الْفَاءِ وكسرها قال النووي: وَهُوَ السُّخْفُ وَفَاحِشُ الْكَلَامِ.

وَالْجَهْلُ: قَرِيبٌ مِنَ الرَّفَثِ وَهُوَ خِلَافُ الْحِكْمَةِ وَخِلَافُ الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.

المعنى العام للحديث:

يرشدنا هذا الحديث الرائع المتكلم عن الصائم وما يتعلق بضوابط صومه وكيفية أدائه على الوجه الأتم، كيف أن الصوم ليس عبادة مجردة آلية تتعلق بالله تعالى فقط؛ بل إن له قيما وأخلاقا تفرزها هذه العبادة تتعلق بالمسلم في معاملاته بين أهله وبين إخوانه، إن هذا الحديث القليل المباني العظيم المعاني ليدلنا على أمر مهم ينطلق من ربط العبادات بالقيم والأخلاق نشأة واستمرارا ليدهشنا في فهم مقاصد العبادات وإدراك جمال فرضيتها، ما يدفعنا لحب ديننا ولحمد ربنا وشكره أن أكرمنا بمثل هذا العبادات قربة له وارتقاء بإنسانيتنا، ولينقل المسلم من دائرة المادة في تقديم العبادة وأدائها إلى تفعيل روحانياتها وتحقيق أجوائها وكيفية معايشتها، التي توضح جمال الفرض وقوة الركن.

الأمن والسلم في القرآن الكريم:

قد تنوع عرض القرآن الكريم لقضية الأمن والسلم المجتمعي بكثير من الآيات المباشرة في بيانها والدالة على ذلك بمضمونها، وهذا التنوع منه ما يتعلق بالمكان ومنه ما يتعلق بالعباد على اختلاف مشاربهم وعقيدتهم، ومنه ما يتعلق بالعبادات من هذا قوله تعالى

(رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا)، (ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ).

والآيات في هذا الشأن كثيرة وعظيمة وتعددها يؤكد هذه القضية فالأمن رفيق في كل شيء في تعاليم الإسلام مناديا به مكانا وعبادة ومعاملة وعبادا، وليأتي أيضا الصوم يؤسس جزءا من منظومة الأمن والسلم المجتمعي ربطا للعبادات والأركان الدينية بالقيم المجتمعية.

العبادات والأمن المجتمعي:

جاءت الشريعة الإسلامية في أركانها وفرائضها لربط العبادات جميعها بالأخلاق وفي الصدارة منها هذه الرؤية التي تحدث عنها حديث الصوم.

فالعقيدة: وهي الركن الأول المتمثل في الشهادتين في ثناياها وفهمها اعلان لحالة المعتقد المسلم بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وهذا لا يخرج معلنها من دائرة الاتباع إلى دائرة الاعتداء أبدا كما يقول البعض أو يظن بل إن من تمام المعتقد تقديم سوق الأمن مع الشهادة لمن خالف ما لم يكن منه اعتداء أو بغي والأدلة على هذه كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى منها قوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (الكهف: ٢٩).

وقوله تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِﱠ (آل عمران: ٢٠)، وقوله تعالى:  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﱠ (آل عمران: ٦٤)

 وقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (108فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ (109) (الأنبياء: ١٠٧ – ١٠٩).

فجميع الآيات تؤكد أهمية توافر الأمن وتحقيقه من خلال المعتقد الركن الأول من الإسلام.

الصلاة: فقد جاءت في أركانها الأساسية “التسليم” وهو دلالة نشر السلام من المصلي وإعلانه لمن يراه ويسمعه أن صلاته التي هي علاقة بين العبد وربه تدفعه أيضا إلى نشر السلام تذكيرا لنفسه وتأمينا للمقبل عليه كما أن الله تعالى أكد على مقاصدها فهي ناهية عن الفحشاء والمنكر ومعينة على الصبر الذي يصيب المسلم وكل ذلك من تأكيد الأمن وعدم خروج مؤديها عن إطارها الأخلاقي والقيمي، قال تعالى يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) (لقمان: ١٧ – ١٨)، وقوله تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (العنكبوت: ٤٥).

الزكاة: فقد جاءت الزكاة تؤكد من مقاصدها نشرا للأمن والسلم المجتمعي بل إن إخراجها وتوزيعها في أصنافها يوقف كثيرا من جرائم المال والسرقات والغصب، كما أنها تنقض كل مرض قلبي دافع إلى تكدير هذا السلم المجتمعي من تحاسد وبغضاء وحقد وكبر، وغير ذلك مما يعد من أولويات تحقيق السلامة والأمن المجتمعي، فالحقوق إذا أوديت على وجهها فستقل معها معدلات الجريمة والطبقية المهيجة على تكدير هذا الأمن وإضعافه ولذلك جعل الله تعالى أخذ الزكاة وتأديتها منوطا بهذا الأمر حيث قال سبحانه

الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: ٢٦٢)، وقال تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (آل عمران: ١٣٤)، وقال تعالى: أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) (القصص: ٥٤ – ٥٥).

والحج: أيضا من شرائط اداه ضبط النفس وسوق الأمن والسلم المجتمعي بل يجتمع مع الصوم في نفس التوجيه الرباني والنبوي لا رفث ولا فسوق، كما أن الحج يدفع الجدل الذي هو أول مظان هذا التكدير ودافع كبير من دوافع الكراهية وعدم الأمن، وكل هذا تأكيدا على أن جميع العبادات دعت إلى هذا المن والسلم مع المجتمع، قال تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: ١٩٧)

وكل ما سبق يؤكد القضية التي دعا إليها الحديث والتي ينبغي أن تكون جزء من تكوين شخصية المسلم في أي زمان ومكان يذهب إليه أو يوجد فيه.

دلائل الأمن والسلم هذا في الحديث:

  • في الحديث بيان لأهمية الصيام في تهذيب الأخلاق وتوطين القيم.
  • في الحديث تأكيد على ان العبادة الروحية والبدنية من أهم مقاصدها إرساء الأمن والسلم بين الناس في المجتمعات.
  • والحديث أيضا تأكيد أهمية مراعاة أجواء العبادات التي تخرجها في أفضل أداء من العبد لمولاه.
  • وفيه التأكيد على ان الصوم ليس فقط صوما للجوارح عن شهوات البطن والفرج، بل صوم جميع الأركان عن كل ما يضيع جمال فطرتها وتعاليم ربها وخالقها، وهو تأكيد عن صوم النفس عن الدنيا وتقييد دخولها فيما يفسد مزاجها ويضيع جمالها.  
  • التأكيد على طبيعة المجتمعات وأن فيها الصالح والطالح المسالم والمعتدي ومع ذلك فالصوم دافع لتقليل ذلك أفرادا وسلوكا.
  • فيه تعميق الفهم بلفت الانتباه إلى عدم تضييع العبادة بما يدخل عليها من نزغات الشيطان والإنسان، فيخسر المسلم من ثوابها ويفقد من جمال تعايشها وثمراتها.
  • الحديث قاعدة أساسية في كيفية ضبط السلوك وتقليل التنازع والصوم من أساسيات ذلك.
  • في الحديث إعلان المرء بصومه تعريفا وردءا مما يساعد في نشر العبادة والدخول في تفعيلها وكذلك يساعد في إعادة القيم والأخلاق وتخفيف حدة الاعتداء قال النووي: “وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ جَهْرًا يَسْمَعُهُ الشَّاتِمُ وَالْمُقَاتِلُ فَيَنْزَجِرَ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يَقُولُهُ بِلِسَانِهِ بَلْ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ لِيَمْنَعَهَا مِنْ مُشَاتَمَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَمُقَابَلَتِهِ وَيَحْرِصُ صَوْمَهُ عَنِ الْمُكَدِّرَاتِ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ كَانَ حَسَنًا” (شرح مسلم للنووي 8/ 29).
  • وفيه أيضا من قواعد إرساء الأمن عدم معاملة المسيء بنفس معاملته من باب قوله تعالى : ” واعرض عن الجاهلين ” قال ابن حجر: ” فَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُعَامِلُهُ بِمِثْلِ عَمَلِهِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ ” فتح الباري 4/ 105.
  • وفي الحديث تذكير الإنسان نفسه بعبادته بمخاطبة نفسه دفعا للذنوب قد يقبل عليها أو تمزيق جهد في تحصيل طاعة من الطاعات، مما يعينه على استكمال عبادته والوصول لغايته.
  • وفي الحديث أن إرساء الأمن والسلم المجتمعي يبدأ منك أنت بعدم الرد والتذكير بالأجر وإمرار الموقف.
  • في الحديث أن إرساء الأمن والسلم المجتمعي يبدأ من حفظ اللسان فلا وجود لفحش الكلام ولا لغلظ القول المفضي إلى ما هو أكثر منه.
  • –         وفيه إن الصوم مدعاة إلى التعقل ومورث للحكمة وإصابة القول والعقل.
  • وفي إحدى روايات الحديث “وَإِنْ كُنْتَ قَائِمًا فاجلس” دعوة لتغيير الهيئة دفعا للغضب وجمعا لأسباب ضبط النفس لعدم خسران الصوم.
  • وأخيرا هذا الحديث في نافلة الصوم فكيف بفريضته بل إن هذا أدعى وتأكيده الحضوري موجود في أيام رمضان.

ما يتعلق بالواقع الأوربي: الحديث من هذه الزاوية يؤكد ويرسخ ثلاث نقاط مهمة.

  • التعريف بالصوم من هذه الناحية التي جاءت بها الشريعة وأكدها حديث رسول الله ﷺ وخاصة للآخر الذي لا يفقه من معاني الصوم إلا الشدة – في وجهة نظره – بالامتناع عن الطعام والشراب وشهوة الفرج.
  • التأكيد على تفعيل هذا الحديث في جميع مناحي الحياة في شهر رمضان في العمل والجوار والشارع والمواصلات العامة والتعامل اليومي الذي يؤكد التزام الصائم بتعاليم دينه ونبيه ﷺ.
  • الكلام مع أبناء الوجود الإسلامي في الغرب عن الصوم من هذه الناحية تحبيبا وتعريفا

تحياتي

الدكتور: أحمد طه

Posted on Leave a comment

رمضان واللقاءات المثمرة | سنة نبوية في واقع أوربي مُلِح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ﷺ وبعد:

أيام قليلة ورياح الشهر الكريم تنثر عبقها المفعم بأعمال البر والخير على الأمة الإسلامية، التي يتسارع الناس لاغتنامه ويتسابقون لحصد جوائزه، كل واحد يبحث عن مدخل جديد يدخل به على الشهر الكريم في مجلسه وسلطانه، بنية جديدة وبقول حسن وبفعل محمود، لعله يظفر به أجرا ويناله تغيرا وتحسينا ويدخره شفاعة ودفاعا غدا؛ كما روى أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيُشفَّعان»

ومن خلال هذا المقال أطرح سنة نبوية فريدة في بيان أحد أبواب الدخول على هذا الشهر والتعامل الكريم معه أقامها النبي الأمينﷺ مع الأمين جبريل عليه السلام في ثنايا الأعمال الثابتة المهمة التي فعلها النبي ﷺ في رمضان (اللقاءات المثمرة في رمضان)

فعند البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»

هذا الحديث منهجية رائعة في هدي نبوي فريد يمثل في حقيقة الأمر سنة مهجورة قل من بلتفت إليها أو يفعلها ودلالاته العظيمة تكمن في النقاط التالية:

أولا: أفراد اللقاء: كيف لمجلس يجتمع فيه الرسولين رسول السماء جبريل عليه السلام  مع  رسول الله في أرضه محمد ﷺ؟!؛ أعظم الملائكة مع أعظم البشر، لقاء يجمع القدوات والأسوة الحسنة والطهر الكامل، هو أشبه باجتماع معقود بين العالمين بين أهل السماء ممثلا في رئيسهم وأهل الأرض ممثلا في نبيهم ﷺ ، كما أنه اجتماع المعلم والموجه جبريل عليه السلام بالمتعلم القائد رسول الله ﷺ، والشاهد في هذا أن كلما سمى أفراد اللقاء طهرا وكلما تواجد أفراده دينا كلما كان لقاءا عظيما لا تحصى ثمرته المادية والمعنوية وكلما كتب له القبول وطرد عنه الأفول

ثانيا: زمن اللقاء: أنه في رمضان أعظم الشهور عند الله وأجلها في المنزلة الشهر الذي وضعت فيه من الامتيازات ما ليس في غيره، واستصحب أجواء إيمانية لا تكون في غيره، وشرف بنزول أشرف الكلام وأعتمد فريضة وركنا لأهل الإسلام، كما أنه في الليل مناط السكون ومنبت الإخلاص ومغيب الرياء، وفي وقت نزول الملك إلى عباده، فاختيار الزمن مهم في اللقاءات المثمرة للوصول لأفضل وعي وإدراك وتحقق نشاط، والخلوص بأعلى الفوائد والنتائج، فكيف بانعقاد واجتماع فيه على تجديد عهد أو استذكار علم أو تغيير نفس أو ارتباط بمنهج أو انتقال بحال، إنه مهم والالتفات إليه دائما موجه

ثالثا: مدة اللقاء: أما مدة اللقاء فهو لقاء مستمر كل ليلة كما جاء في الحديث: ” وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ” لقاء طويل مهم لشرف موضوعه وممتد لاغتنام جوائزه، ومتجدد لاستكمال أعماله لا عجلة فيه ولا مزاحمة عليه ولا شواغل تصرف المجتمعين عنه، كلما طالت مدته جنى أفراده من جميل ثمرته

رابعا: موضوع اللقاء وفكرته: إنه اللقاء على مدارسة القرآن الكريم على أفضل اجتماع وأحسن استماع، اجتماع يجمع التلاوة ، والتدبر ، والتعليم ، والبيان، والتذكير، ويؤسس لمنهجية التدارس حول القرآن نقرأ فنقف ونستفهم ونسأل ونمرر على القلوب والحياة آيات رب الأرض والسموات، نستوقف النفس سؤلا فيه عند كل آية إقبالا أم إدبارا، تفعيلا أم هجرا، يطرح الأفكار ويخاطب العقل، ويعالج الخلل، ويستكمل النقص، مدارسة لا تجعل القرآن دقلا ولا قراءته هذّا، أنه كلام الله ومنهجه لأمته الذي جاء يشمل حياة الإنسان جميعا من ترسيخ عقيدة، وتعديل أنماط وسلوك، وتصويب عقل ، وتبصرة وعي، وبناء حضارة ، وتفعيل حضور على كافة أصعدة المسلم حضاريا وسياسيا وفكريا واقتصاديا كيف لا يكون الأمر فيه كذلك وما زالت الأقلام التي تكتب عنه وتستخلص منه مع كل ما كتبته لم تتجاوز رطوبة شاطئه فضلا عن ولوج لججه وأمواجه.

خامسا: ثمرة اللقاء: إنه الانطلاق والانتقال إلى أعلى درجات الأداء الحياتي من الإنسان في مجالاته المتنوعة في تعبده وعلاقاته وإحساسه وتعميره تامل وصف عبد الله بن عباس لفعل رسول الله ﷺ “وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ” كيف لا وقد خرج من لقائه المثمر بمزيد همة وعمل ودوافع لتصل بالمرء إلى حالة خاصة في الإنتاج والابداع والسرعة والحركة المحمودة المجودة

رأينا ذلك في كثير من لقاءات النبي ﷺ بأصحابه كلما دارسهم كتاب الله وذكرهم بهم كيف كانت هذه المدارسات مفعلة ومهيجة لأعمال كثيرة تأمل كيف أثمرت يوما كوماتين عظيمتين أمام النبي من مال وطعام وثياب في حديث المضريين، وكيف أثمرت بستان أبي طلحة وبيرحاء، وكيف دفعت عثمان بتجهيز جيش بأكمله، كل ذلك من ثمرة هذه اللقاءات المثمرة وتفعيل واختصاصها بمدارسة القرآن العظيم

وعلى صعيد الواقع الأوربي: الذي يكسوه استوحاش البعد والفرقة والغربة والذي تعتركه المادية القاحلة فإن هذه السنة العظيمة في رمضان من أهم ما ينبغي الحرص عليها بين أبناء الوجود الإسلامي بل لربما أعلنت من خلال هذا المقال على مشروع تفعله المراكز الإسلامية يسمى مشروع “المدارسات القرآنية في الأيام والليالي الرمضانية”  فيجتمع الناس اثنين أو جماعات في محاولة لتفعيل هذه السنة فيتدارس كل اثنين القرآن وردا واستظهارا وتدبرا ومعايشة ووجبا عمليا يخرجان به ويتعهدان بعضهما كل يوم في تنفيذه وغير ذلك كثير مما يحتاج المسلمون هنا للخروج بأفضل نسخه رمضانية منهم قدموها على مدار عمرهم 

 وأخيرا أقول إن في الحديث سنن مهمة: فاللقاء على القرآن في كل ليالي رمضان سنة، تخصيص الاجتماع بالمدارسة سنة، والتقاء رموز الأمة وعلمائها فيه سنة، وتبادل الأدوار بين الجميع في التدبر والمدارسة سنة، وتفعيل اللقاء بمعقبات الأعمال الصالحة سنة، فلا تترك أمر فعله نبيك واجتماعا أقامه الوحي الأمين معه، تقبل الله منا صالح العمال وجعلنا من اهل الإخلاص والقبول    

تحياتي

بقلم الدكتور/ أحمد طه

       

                    

Posted on Leave a comment

بيان الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء حول تحديد بداية شهر رمضان وشوال لعام 1444 هـ – 2023 م

بيان الأمانة العامة للمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث

“ حول تحديد بداية شهري رمضان وشوال لعام 1444هـ- 2023م”

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين …… وبعد

فإن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تنتهز هذه الأيام المباركة لتدعو المسلمين قاطبة إلى الاعتصام بحبل الله تعالى ووحدة الصف ولمِّ الشمل متذكرين قول الله تعالى:

”وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا……. الأية” 103 آل عمران .

كما نسأل الله تعالى أن يتقبَّل من الجميع صيامهم وصلاتهم وصالح أعمالهم، وأن يجعل هذه الأيام المباركات خيراً، وبركة لعباده فى الأرض.” إنه ولىّ ذلك والقادر عليه” .

وتنتهز الأمانة العامة هذه الفرصة لتعلن بخصوص هلال شهري رمضان وشوال للعام الهجري 1444هـ 2023م وحسب مقررات الدورة الأولى للجنة التقويم الهجري الموحد المنعقدة في مدينة استانبول في الفترة ما بين (26-29 ) ذي الحجة 1389هـ الموافق لـ (27-30) تشرين الثاني/نوفمبر 1978م ، وبناء على ما أكده المجلس الفقهي الدولي في قراره رقم (18) في مؤتمره الثالث لعام 1986م، وحسب الشروط التي تبناها المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث في قراره الذي اتخذه في دورته العادية التاسعة عشرة في الفترة 8-12 رجب 1430هـ الموافق 30 حزيران – 4 تموز (يوليو) 2009م، وكذلك ما صدر عن الندوة العلمية التى انعقدت بباريس في الفترة 12-13 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 4 و 5 فبراير 2012م وكان موضوعها: “بداية الشهور الهجرية والتقويم الهجري” حيث حضرها ثلة من علماء الفقه والفلك وقدمت فيها عدة بحوث ودراسات فقهية وفلكية، وكذلك ما صدر عن المؤتمر العالمي لإثبات الشهور القمرية بين علماء الشريعة والحساب الفلكي الذي عقده المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 19-21 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 11-13 شباط/فبراير 2012م وشارك فيه عدد كبير من الفقهاء والعلماء الفلكيين، وما صدر حديثا عن مؤتمر توحيد التقويم الهجري الدولي الذى انعقد فى استانبول في الفترة 21 – 23 شعبان 1437ه الموافق 28 – 30 مايو 2016م، وشارك فيه أكثر من سبعين دولة ممثلة في عدد من وزارات الأوقاف، ودور الإفتاء، والعلماء، والفقهاء، والفلكيين، بالإضافة إلى ممثلي معظم المجامع والمجالس الفقهية في العالم، والتي أقرت مجموعة من المبادئ والمعايير الأساسية ومن أهمها: أن الأصل في وجوب صيام رمضان هو دخول الشهر وإثبات ذلك بوسيلة قطعية، وأن الحساب الفلكي العلمي يخبرنا مسبقا وبشكل قطعي عن توقيت الرؤية الصحيحة، ولا يمكن أن يعارض تحققها، وأنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لعموم الخطاب: ” صُومُوا لرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لِرُؤيَته” متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون». أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
وبناء على ذلك تعلن الأمانة العامة التالي:
أن الحسابات الفلكية الدقيقة بالنسبة لهلال شهر رمضان لعام 1444هـ تؤكد أن الاقتران سيكون على الساعة 17 و 23 دقيقة حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم الثلاثاء (21) مارس/آذار2023م الموافق 29 شعبان 1444هـ أي ما يوافق الساعة 20:32 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.
ومن المستحيل رؤية الهلال قبل غروب شمس يوم 29 شعبان 1444هـ في أي منطقة من المعمورة، ويكون يوم الأربعاء22 مارس/آذار الموافق 30 شعبان 1444هـ هو المتمِّم لشهر شعبان.
وعليه: يمكن رؤية الهلال 30 من شعبان 1444هـ تقريبا في جميع بقاع المعمورة بعد غروب الشمس. وبهذا:

سيكون أول شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ
بإذن الله تعالى يوم الخميس الموافق (23) مارس/ آذار2023م.

وبالنسبة لـ هلال شهر شوال لعام 1444هـ – 2023م

فإن الحسابات الفلكية الدقيقة لهلال شهر شوال لعام 1444هـ تؤكد أن الإقتران سيكون على الساعة 04:13 حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم الخميس (20) إبريل/نيسان 2023م الموافق 29 رمضان 1444هـ أي ما يوافق الساعة 07:13 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.
وعليه، يمكن رؤيته يوم الخميس (20) إبريل / نيسان( بالعين المجردة في أمريكا الشمالية والجزء الشمالي والأوسط من أمريكا الجنوبية في حالة صفاء الغلاف الجوي وباستخدام التليسكوب، وفي غرب كل من إفريقيا وأوروبا بالتليسكوب وأجهزة الرصد.

وبهذا سيكون شهر رمضان تسعا وعشرين يوما بإذن الله تعالى .

ويكون أول شهر شوال (عيد الفطر المبارك) لعام 1444هـ .

بإذن الله تعالى يوم الجمعة الموافق( 21 ) إبريل/ نيسان 2023 م.

سائلين الله تعالى أن يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك وهم في خير وبركة.

ونهيب بالمسلمين التضرع إلى الله لكشف الضر والكربات، وكل مكروه وسوء عن العالم أجمع، وأن يحيا في سلام وطمأنينة وسكينة.
تقبل الله منا ومنكم صالح العمل

وكل عام وأنتم بخير.

والحمد لله رب العالمين

الأمانة العامة – دبلن

Posted on Leave a comment

نحو خطاب رمضاني أنسب لأوضاعنا

مقدّمة

ما إن يهلّ رمضان حتّى تمتلئ المساجد باللّيل والنّهار فتهفو الأفئدة إلى سماع خطيب أو واعظ بآذان واعية. هذه المناسبة الفريدة اليتيمة في كلّ عام ما ينبغي للأئمّة والمشتغلين في هذا الحقل إلاّ حسن اهتبالها. كثير من المسلمين لا يرتادون مسجدا عدا في رمضان. وكثير منهم لا يبالون بحديث خطيب أو واعظ إلاّ في ظلال رمضان. كأن الله سبحانه يسوق إلينا عباده في هذا الموسم الرّحمانيّ الأعظم وعلينا حسن سياستهم بما يثبّتهم على دينهم ويقرّبهم من ربّهم. حتّى معدّلات اعتناق الإسلام لا ترتفع عدا في هذا الموسم. وهل يملك الخطباء والأئمّة عدا الخطاب؟ أليس بالكلمة وحدها انتقلت شعوب وأمم من الظّلمات إلى النّور. هنا يتميّز الخطيب الماهر والواعظ الباهر. هذا سوق الخطاب الإسلاميّ بامتياز شديد. كيف ننتقي من ركام مثل الجبال من العلوم الدّينية والمعارف الإسلامية ما به يتجدّد التّديّن في قلوب النّاس. كيف نتكافل على صناعة رواحل عدول بالتّعبير النّبويّ وليس ببّغاوات يحسنون التّقليد الأعمى. كيف نتعاون على جعل النّاس في إثر حبر الأمّة (إبن عبّاس) الذي قال أنّ ما أوتيه من علم كان بلسان سؤول وفؤاد عقول. كيف يكون للمسلمة في خطابنا حظّ يجعل منها مسلمة اليوم. ومثلها الشّابّ. بل الشّاب الأوربي. والفتاة الأوروبية. كيف نجعل الإسلام لدى هؤلاء جميعا دينا مفهوما قريبا منهم. كيف نصنع من أولئك دعاة وليس عبئا. كلّ ذلك لا يكون إلاّ بمنهاج يؤطّر شرعة. أو بميزان يكفل كتابا. أو بحكمة تغذّي علما. ملء الرّؤوس بالعلم أمر يسير. ولكنّه لا يصنع رجالا ونساء إيجابيين جامعين بين العلم الشّرعيّ والموقف الشّرعيّ. فيما يأتي من كلمات أحاول تلمّس معالم خطاب رمضانيّ أنسب لزماننا ومكاننا

تلازم الحكم مع الحكمة

يجدر بالإمام ذكر الحكمة من كلّ حكم يعرض له في حديثه. إلاّ أن يكون ذلك في حقل عقديّ أو تعبّديّ محض. حتّى هذه يمكن استخلاص الحكمة البالغة منها جملة لا تفصيلا. لماذا نصوم؟ يتعرّض صائمون كثيرون اليوم وصائمات في أوربا إلى همز ولمز من زملائهم بسبب صيامهم. وكثير منهم لا يجد ما ينبس به. هذا موقف سلبيّ. ليس مطلوبا منك اليوم في أوروبا الثّبات على دينك فحسب. بل مطلوب منك أن تسوق بعلم وحكمة ما به يهدي الله سبحانه من شاء إليه. قال سبحانه (لعلّكم تتّقون). وقال كذلك (ولعلّكم تشكرون). كيف ذلك؟ يحتاج إلى تفصيل. ولكنّه في الأثناء ذكر حكما أخرى عظمى منها: اليسر (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). ولماذا نصوم شهرا قمريا لا شمسيا؟ ولماذا لا تصوم الحائض والنّفساء؟ ومثلها المسافر والمريض؟

ولماذا نصوم نهارا وليس ليلا؟ هذه الأسئلة لم تكن تقضّ مضاجع الأسلاف. ولكنّها اليوم تتردّد على ألسنة النّاس كثيرا. وهذا تطوّر مهمّ. وقد أعدّت له الشّريعة ما يناسبه. كيف تريد من أوروبيّ أن يهتدي على يديك وأنت أعجز من أن تسوق له حكمة واحدة من حكم صومك أو صلاتك أو طوافك أو إيمانك أو انتهائك عن هذا أو إقبالك على ذاك؟ ليس هذا ترفا. كلاّ. بل هو ثوب الدّعوة القشيب ورداؤها الحريريّ الجميل

الإفتاء دوما بالأيسر وليس بالأحوط

أكثر النّاس إبلاء بالإفتاء هم الأئمة المباشرون. خاصّة خطباء الجمعة. يعسر جدّا اليوم أن تكون إماما خطيبا ـ سيما في أوروبا ـ دون أن تتزوّد بحدود قصوى من الفقه. النّاس لا يميّزون بين واعظ وخطيب وعالم وفقيه وحافظ. كلّ من يتقدّم الصّفوف في المساجد هو عالم يستفتى عندهم. ومازال فقه التّيسير فينا خاضعا لما لا يسرّ. عند أكثرنا يجب تجنّبه لأنّه يوقع صورة الإمام في عيون النّاس من عليائها إلى أسفل سافلين. أو يجرئ النّاس على الدّين. محاذير الحياة لا نهاية لها. عبادة الصّيام بصفة خاصّة أحاطها القرآن الكريم بكلّ وجوه اليسر. لم يكن هذا أبدا البتّة في غيرها في الكتاب كلّه. واقعنا لا يناسبه الأحوط بل الأيسر. بل هي سنّة حتّى في واقعه هو عليه السّلام. ألم ينقل عنه الأصحاب أنّه ما خيّر بين أمرين إلاّ اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. حتّى لو ثبتت رواية (أوسطهما) فإنّ الوسطية هي اليسر. واليسر لا يكون إلاّ وسطيّ الهوى. هذا المسلم الجديد لا يجدي معه عدا التّيسير. ماذا لو حرصنا على رواية الحديث المتّفق عليه في شأن الرّجل الذي وقع على امرأته في رمضان. وكيف أفتاه عليه السّلام وكيف أمّن له هو بنفسه الكفّارة. وكيف ضحك حتى بدت نواجذه إذ آلت الكفّارة إلى بطن الرّجل؟ بعضنا يتجنّب ذكرها وهي من المتّفق عليه. لماذا؟ لأنّه يخشى على صورته في عيون النّاس. لو نتقدم قليلا على هذا الدّرب المحبط لأفضى بنا إلى أنّه عليه السّلام ما كان ينبغي له أن يكون بهذه المرونة واليسر. من هنا تنشأ النّطفة الأولى للغلوّ الملعون

كلّ المذاهب لنا مذهب في أوروبا

معلوم أنّ المقلّد لا مذهب له. وأنّ مذهبه هو مذهب من يفتيه. ومعلوم أنّ المذاهب غير محصورة بعدد محدّد. حتّى لو قلت أنّها ثمانية بها تتعبّد الأمّة اليوم ربّها سبحانه فإنّ الاجتهادات المندرسة من زمن الصّحابة ومن بعدهم حتّى أيّامنا هذه لا يأتي عليها عدّ ولا حصر. لا محلّ هنا للقول بإنّ الانتقاء من المذاهب والاجتهادات أمر غير محمود. هو كذلك عندما يكون للتّشهّي وإتّباع الأهواء. المفتي النّاجح هو من يلتقط الرّأي الأنسب للواقعة يغشاها زمانها ومكانها وحالها وعرفها. كشأن القبلة التي جازت للشّيخ ولم تجز للشّابّ. وشأن توبة القاتل التي جازت لقاتل ولم تجز لمقدم على القتل. تلك هي الشّريعة التي تريد توفير العلاج وليس محاسبة النّاس. لو أفتيت النّاس على مذهب الإمام مالك في أوروبا فإنّه عليك إفتاءهم بكراهة صيام الأيّام السّت من شوّال. كلّ المذاهب ما علمنا منها وما لم نعلم إنّما هي صيدلية عظمى كبرى تختزن ما لا يعدّ ولا يحصى من الأدوية والمراهم. ولكنّ الصّيدليّ الماهر هو الذي يختار الأنسب منها لتلك الحالة بذاتها. كلّه فقه مستنبط من شريعة واحدة. ليس هناك داء ينخر أمّتنا مثل داء التعصّب لمذهب ما أو تيّار ما أو حزب ما أو حتّى صحابيّ ما. وربّ قول مهجور متروك مغمور يصلح أن يكون علاجا لعارضة جديدة أو قديمة جدّت في أوروبا

مذهب البخاريّ أولى بنا هنا

نقل أهل العلم أنّ مذهب الإمام البخاريّ (وهو محدّث فقيه في الآن ذاته) يقوم في مفطّرات الصّائم على أسّ أنّ الفطر ممّا يدخل وليس ممّا يخرج. وأنّ ما يدخل نفسه لا يفطر حتّى يكون غذاء معتادا للنّاس ويكون دخوله من المنفذ المعتاد. وهو هنا يقترب من المنهج المالكيّ الذي يعتدّ كثيرا بالعرف والمعروف والعادة. قد يكون الصّائم مشتغلا في مصانع أغذية ويكون طيلة يومه مغمورا بريح الأكل وربّما رذاذه. وقد يكون المريض يتناول حقنا عن طريق الأوردة. أو مريضا بالرّبو فيحتاج في كلّ ساعة تقريبا إلى ترطيب حلقه بذلك البخار المعروف. وقد يتناول حقنا في دبره أو قطرات في عينيه أو أنفه أو أذنيه. ومن قاء غلبة ورجع بعضه إلى جوفه بأيّ حقّ نحكم عليه بالفطر. وهل هناك من يقيء اختيارا. الله أعلم. وأحوال أخرى كثيرة تجعل من الإمام ييسّر على النّاس بمذهب الإمام البخاريّ

صرف النّاس عن الجدل العقيم حول دخول الشّهر

قد نختلف في هذا العام كذلك كما كان شأننا دوما في تحديد دخول رمضان أو شوّال. الأفضل عندي أن يتولّى الإمام شرح الوسائل الثّلاث التي جعلها عليه السّلام لتحديد دخول أيّ شهر قمريّ. كلّها في أحاديث صحيحة. وبعضها في حديث واحد حتّى لو اختلفت رواياته أو طرقه. نحن نعلم سبب المشكلة التي فرّقت الأمة ومازالت عقودا طويلة. ليس لها أيّ سبب دينيّ. كيف يفرّق الدّين النّاس؟ لم لا نعود إلى ما كتب الشّيخ المدني قبل عقود في هذا الشّأن. وغيره من أساطين العلم. كثير منّا يستحي أن يعلن الحديث نفسه للنّاس. يخشى أن يوصم أنّه ضدّ الرّؤية. وضدّ السنّة. من تأخذه هنا لومة أيّ لائم فيقدّم خشية النّاس على خشية ربّ النّاس ليس جديرا بالإمامة. فمن لم يستطع جرأة أو علما أن يشرح للنّاس أصل المسألة من الدّين والحديث فلا يعفى من مسؤولية صرف النّاس عن كلّ جدل عقيم لا يزيد الصّف إلاّ تمزّقا. ومثل ذلك حول زكاة الفطر تقديما وتأخيرا أو عينا أو نقدا. ولكنّ لا مناص من بيان الحكمة من كلّ ذلك حتّى تبرز للنّاس عظمة هذا الدّين وجانبه العمليّ المعقول. بعض المسلمين مازالوا يعدّون الدّين عقوبات إلهية حلّت بهم. لماذا؟ لأنّهم لا يدركون الحكمة من هذا التّكليف أو ذاك النّهي

كلّ الإمساكيات مشروعة

في كلّ رمضان جديد لا بدّ أن يرد على الإمام هذا السّؤال: نحن في مدينة واحدة وللفلانيين إمساكيتهم وللآخرين إمساكيتهم. والفارق بينهما سيما في تحديد الإمساك زمن السّحر يصل إلى نصف ساعة وأكثر وأقلّ. ليس كلّ من يسأل يريد أن يعلم. بعضهم رسالته هي أنّ الإمام عاجز أو جبان. وبعضهم رسالته أنّ الفلانيين ناقصو إسلام أو دين. الرّأي عندي أن نتوافق على أنّ كلّ إمساكية صنعها مسلمون هي إمساكية صحيحة مهما كان الفارق في التّأقيت. هذا أدعى إلى تجنّب جدل عقيم قد يكرّ على الصّيام نفسه بالبطلان وأدعى إلى صفّ مرصوص في رمضان على الأقلّ. من يتقدّم خطوة أخرى عليه أن يشرح للنّاس الأسباب الكونية لذلك الاختلاف. ومن هنا يملأ العقول بقضية التّقدير التي لا مناص منها وهي تظلّ ظنّية. وبذلك يصنع الإمام عقولا واعية وليس رعايا تابعة

إنصاف المرأة

صحيح أنّ الخلاف معروف حول مسّ الحائض والنّفساء للمصحف. ولكن هل هو خلاف معتبر. وما هي مواصفات الخلاف المعتبر الذي تمكن مراعاته؟ ولكنّ القوادح التي تصرفك إلى اعتبار هذا العمل جائزا لا شكّ فيه أكثر من الأخرى. استمع إن شئت إلى فقيه من أكبر فقهاء اللّغة في عصرنا وهو يتحدّث عن آية سورة الواقعة التي يستند إليها المحرّمون لهذا الأمر. هو الدّكتور صالح السّامرّائي. أظنّ أنّ هذا الإتّجاه أولى وأنسب. فيه التّيسير وفيه التّبشير وفيه الأخذ برأي معتبر عليه عدد من الأقدمين والمعاصرين. لماذا أستحي من ذكر حكم غريب عند النّاس؟ ألست أخشى النّاس؟. المصحف اليوم وعاء من أوعية كثيرة تحوي القرآن الكريم. وما حكم مسّ الهاتف النّقال الذي يبدو أنّه في طريقه حثيثا إلى إستبعاد المصحف؟ وما حكم الأقراص المضغوطة؟ بأيّ حقّ أحرم المسلمة من الإتّصال مع ربّها من خلال كتابه أسبوعا كاملا بل أكثر وخاصّة في شهر القرآن الكريم؟ لو قام الإمام برسم آية سورة الواقعة على سبّورة وشرح أحكامها اللّغوية للنّاس لأفاد النّاس علما وفقها بلسانهم أوّلا. حتّى لو لم يأخذوا بإباحة هذا المسّ فإنّهم يقتربون من علم أصول الفقه وكيف تستنبط الأحكام

خطاب التّكافل

لم فرض الإسلام زكاة الفطر في رمضان؟ ليس سوى لجمع قيمة الصّيام ذات البعد الفرديّ الشّخصيّ مع قيمة التّكافل ذات البعد الاجتماعي. ولو حبّب الإمام إلى النّاس فريضة التّكافل وذكر لهم الحديث الصّحيح أنّ من فطّر صائما كان له مثل أجره عدا أنّه لا ينقص من أجر الصّائم شيء لحقنهم بما يحبّه الله. أي إحياء فريضة التّكافل. أكثر خطابنا يشيّد علاقة طيّبة مع الله ولكنّه لا يفعل مثل ذلك مع النّاس. ليت شعري أيّ عبادة تقبل أو تصحّ إذا كانت عمودية الاتجاه فحسب. أليس الله يحبّ منّا أكثرنا عونا لعباده. ماذا لو قصّ الإمام مرّات قصّة حبر الأمّة وهو يقطع اعتكافه في مسجده عليه السّلام ليسعى في قضاء حاجة رجل لا يعرفه؟ بعضنا لا يفعل ذلك لأنّه يعتقد ـ وهو محقّ في هذا ـ أنّ النّاس لا يصدّقون هذا. يقطع اعتكافه في مسجد رسول الله عليه السّلام وهو حبر الأمّة في رمضان والعشر الأواخر وقد تكون تلك هي ليلة القدر لأجل قضاء حاجة مدين؟ هذا غير مقبول في المخيال الشّعبيّ الإسلاميّ. ولكن أظنّ أنّ العلاج بالصّدمات الخفيفة مفيد في بعض الأحيان

لزوم التّحوّط في صيام الطّفل أولى

هذا مثل من أمثلة الجمع بين العلم الشّرعيّ والموقف الشّرعيّ. العلم الشّرعيّ لا يعترض على تعويد الطّفل على الصّيام بساعات أو أيّام قدر ما يطيق. ولكنّ الموقف الشّرعيّ في أوربا يختلف. ذلك أنّ كثيرا من أعداء الإسلام من المعلّمين والمعلّمات في أوروبا ينتظرون شهر رمضان بفارغ الصّبر لشنّ حملة على المسلمين الذين يكرهون أبناءهم ـ بزعمهم ـ على الصّيام كما يكرهون فتياتهم على الاختمار. الطّفل ليس مكلّفا أصلا بالصّيام. وعندما يذهب إلى المدرسة صائما قد يعتريه ضعف أو خمول فيلتقط المعلّم ذلك ليشنّ على الإسلام الذي يشنّ من خطاب الكراهية. ويجد الطّفل نفسه في موقف محرج جدّا فهو لا يعرف من الصّيام لا حكمة ولا شيئا. الرّأي عندي ألاّ نعرّض أبناءنا وبناتنا لمثل هذه المواقف السّيئة. دعهم في رمضان بصفة خاصّة أنشط التّلاميذ وأكثرهم حضورا ذهنيا. وربّما يتدرّبون في أيّام العطلة سواء كانت عطلة آخر الأسبوع أو أيّ عطلة أخرى. هي موازنة بين مصلحة ومفسدة. الأخذ بالأحوط هنا أولى عندي

سنّة استضافة غير المسلمين

سنّة حسنة دأبت عليها مساجد كثيرة في أوروبا وهي سنّة استضافة غير المسلمين في أثناء رمضان في المسجد سواء كانوا إطارات سياسية رسمية أو رجال دين أو جيرانا للمسجد أو غيرهم. هذه سنّة حميدة بكلّ معاني الحمد. الأوروبيون بصفة عامّة يحبّون الاستضافة. صحيح أنّ كثيرا من الكلام هو من باب (البروتوكولات) والمراسيم التي يلزمها هنا كلّ طرف. ولكن المجاملة في ديننا مطلوبة. استضاف عليه السّلام في بيته عديّا ابن حاتم الطّائيّ إكراما لقيمة السّخاء التي كان عليها أبوه. وحديث (بئس أخو العشيرة) معروف وصحيح. غرضنا هو فتح ثقب في جدران الصدّ التي بيننا وبينهم. الدّعوة إلى الإسلام اليوم لا تكون إلاّ بمثل هذا. تهاديا وتهاني وتعازي وإضافات ومجاملات. كثيرون منهم يصدّقون الإعلام الفاجر. دعوهم يرون بأمّ أعينهم عباداتنا ومساجدنا. دعنا نتحدّث عن أنفسنا بأنفسنا شهرا واحدا وخصمنا يتحدّث عنّا إليهم ليل نهار صباح مساء. لنكن مرنين مع امرأة سافرة تدخل مساجدنا. ما الذي حملها أصلا إلينا؟ عندها ما يغنيها عنّا. ما جعلها تأتي إلينا إلاّ لأنّ غاشية إيمان بدأت تدقّ على قلبها. كيف نفرض عليها شيئا لم يفرضه الله عليها؟ الله أوجب الخمار على المسلمة. ولم يوجبه على غير المسلمة. غير المسلمة أوجب عليها الإيمان أوّلا. عندما نكون ممتقعين حيالها مكفهرّي المحيّا فإنّ الرّسالة واضحة: غير مرغوب فيك. من الخاسر؟ نحن وهي سواء بسواء. نحن خسرنا امرأة أوروبية يمكن أن تكون داعية في قومها بلسانهم. وهي خسرت كذلك. نستقبل سياسيا قد يكون من أكبر المخطّطين لنسف مسجدنا. ولا نستقبل امرأة سافرة؟ وقد تكون ترنو إلى الله؟ أيّ الذّنبين أعظم. أليس إرادة نسف الإسلام؟

للشيخ: الهادي بريك

Posted on Leave a comment

واقعة المريسيع : أيّ عبر؟

واقعة المريسيع : أيّ عبر؟

ممّا دأبت عليه في اختيار خطبة الجمعة الحديث عن السّيرة النّبوية. سيما التي ثبّتها القرآن الكريم وعند حلول ذكراها. آملا استنباط ما أمكن من العبر المهمّة النّافعة لنا في حياتنا الجديدة. دون التّيه في السّرد التّاريخيّ الذي تضيق عنه خطبة جمعة ولا فائدة منه دون استلال عبره. إذ المقصد الأسنى من القصّة هو (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب). وهل تشذّ قصّة نبيّنا محمّد عليه السّلام عن هذا؟ أبدا. بل هي الأولى به. نحن في شعبان. وهي مناسبة لأن يتحدّث الخطباء عن واقعة المريسيع التي سجّل القرآن الكريم في سورة النّور ما جدّ في أعقابها. بل رتّب عليه حدودا

ملخّص الرّواية

شاركت بنو المصطلق (قبيلة ذات أصل عربيّ من خزاعة ثمّ تأسرلت بسبب عوامل جغرافية وسياسية وغيرها) في هجوم (أحد) ضدّ النّبيّ عليه السّلام. وأغرتها هزيمة المسلمين هناك فظلّت تدبّر ما يخضّد شوكتهم. علم عليه السّلام بتلك الإرهاصات فأرسل حكيما يستطلع الخبر فأكّده له. قام بالهجوم عليهم ذات ضحى وهم يسقون ويلعبون فأسّر منهم كثيرا وغنم منهم أكثر. ممّن وقع في الأسر بنت سيّد القبيلة (الحارث ابن أبي ضرار) وهي (جويرية) . وفي طريق العودة إلى المدينة (تقع مرابط القبيلة في منتصف الطّريق بين مكّة والمدينة على بئر تعرف بالمريسيع) عاود المنافقون حنينهم إلى إبطال المفعولات الإيجابية لهذا النّصر المبين. فصنعوا حديث الإفك الذي إتّهموا به الأمّ العظمى عائشة بالفاحشة مع صحابيّ معروف تأخّر عن قافلة العودة (هو صفوان ابن المعطّل) وإتّفق أن وجد عائشة وحيدة بعد أن تخلّفت عن الرّكب من دون أن يشعر بها بسبب ضياع عقد لها ظلّت تبحث عنه لمدّة طويلة. وعاشت المدينة كلّها على أصداء حديث الإفك أسابيع طويلة قبل أن ينزل الوحي يبرّئ الأمّ العظمى. وكانت أشدّ كرب مرّ به عليه السّلام. بل كانت أشدّ ضربة موجعة من الجانب الإسرائيليّ (ومنه حركة النّفاق الدّاخلية) ضدّ البيت الإسلاميّ. إذ أصابت لفرط خبثها البيت النّبويّ نفسه. ولولا ذلك ما حفل القرآن الكريم بها. وما سجّلها في سورة مدنية كاملة. وقعت الأسيرة (جويرية بنت الحارث) في سهم (ثابت ابن قيس). ولكنّ الفتاة المدلّلة التي تتغذّى بنسمات الحرّية في بيت سيّد القبيلة كما تتغذّى بماء (المريسيع) لم تطق حياة العبودية والذلّة. ليس لها مال تكاتب به سيّدها. جاءت إليه (عليه السّلام) تستعينه على تحريرها. فحرّرها وتزوّجها راضية. فكانت الثّمرة الطّوبى : إيمان (جويرية) التي كانت مشركة + انعتاقها + الارتقاء إلى مصافّ أمّهات المؤمنين حتّى يوم القيامة بسبب زواجها من محمّد عليه السّلام + تحرير كلّ الأسرى وإعادة كلّ الأموال المغنومة بسبب علاقة المصاهرة الجديدة مع (بني المصطلق) + انهيار جزئيّ لجبهة الشّرك العربية بإسلام القبيلة كلّها بزعيمها. تورّط بعض المسلمين في ترويج حديث الإفك (مسطح ابن أثاثة وحسّان ابن ثابت وامرأة). وانتهى هذا الكرب الأعظم بنزول سورة النّور التي برّأت الأمّ العظمى عائشة. ورسمت قانون العفو الإلهيّ. وتابت عن المخطئين. وتوعّدت المنافقين. ونبّهت الأمّة إلى إحدى أكبر قواعد الاجتماع السّياسيّ : وحدة الصّف حتّى وهو متنوّع وتقديس الكرامة البشرية حتّى عن مجرّد القذف بالفاحشة ولو هزلا وترتيب عقوبات قاسية مشدّدة على ذلك

من عبر الواقعة

ليس الجهاد لإكراه النّاس بل لتحريرهم

نجح المبطلون منّا ومن خصومنا في تلويث قيمة الجهاد في الإسلام. وحشر كثير منّا في زاوية الدّفاع. كأنّ الإسلام متّهم بداية. من أسباب ذلك من جانبنا عدم التّأنّي المطلوب في استقراء السّيرة استقراء موضوعيا لا موضعيا ومقاصديا لا وسائليا والغفلة عن الملابسات التي تكتنف ذلك الزّمان وتركيباته القبلية وغير ذلك. هل تردّد القرآن الكريم في بيان علّة الجهاد ومقصده الأسني. أبدا. ولكنّنا نقدّم السنّة على القرآن الكريم فلا نظفر بالحقّ المبين. استقرأت بنفسي السّيرة كلّها وفي كلّ جوانبها الحربية والصّلحية فما وقفت على مشهد واحد كان فيه (عليه السّلام) هو من يبدأ بحرب أو عدوان. إنّما كان دوما ـ ودون أيّ استثناء ـ إمّا يحصّن أمّته بمقام القائد الأعلى سياسيا وحربيا. فلا يضع ثقة في غير موضعها فيفاجأ بعدوّ على تخوم المدينة. أو يبدأ بهجوم بعد أن تأكّد أنّ الخصم يحبك استعداداته الأخيرة لترتيب هجوم ضدّه. أو ينجد حليفا عسكريا سياسيا إذا أعتدي عليه (خزاعة مثلا في فتح مكّة). استقرأ ذلك بنفسك ـ إن شئت ـ من بدر الكبرى حتّى تبوك : 27 واقعة كبرى و54 سريّة استطلاعية. دون وفائه الشّديد بالإتّفاقيات الدّولية بينه وبين المكوّنات الأخرى إلى حدّ أثار حفيظة كبار الصّحابة الأكرمين (الحديبية مثلا). في (المريسيع) هجم عليهم لمّا تأكّد من خبر استجماعهم لقواهم وتحشيد النّاس ضدّه

جويرية : فارس التّحرير

جويرية الأمّ الكريمة عليها الرّضوان يشهد الله أنّي أحببتها مذ قرأت قصّتها. بنت مدلّلة في بيت سيّد القبيلة. لم تكن تعرف عن حماقات أبيها وقومها شيئا. هي من الغافلات بالمعنى الإيجابيّ للغفلة الوارد في القرآن الكريم في شأن الأمّ عائشة. لمّا شاء الله اجتباءها إليه سبحانه أوقعها في الأسر. أبت عليها كرامتها أن تظلّ أمة. من عقائدي أنّ الحريّة في الإنسان غريزة مكينة. وليست مكتسبا بشريا. من الذي تأوي إليه في هذا اللّيل الدّاجي والكرب العظيم؟ محمّد عليه السّلام؟. محمّد الذي أسّرها؟. أجل. هذا يعني أوّل ما يعني أنّ محمّدا عليه السّلام كان قريبا من النّاس. حتّى من المرأة. حتّى من الأسير. لو لم يكن كذلك لما غامرت امرأة أسيرة بالاستعانة به. من منّا اليوم هو كذلك سمحا ليّنا هيّنا تخاطبه المرأة المسكينة ولا تخشى بطشه. بل تأمل في حلمه؟ ليس منّا من يدثّر نفسه بذاك إلاّ كذبا مكذوبا. سيما حيال المرأة نحن غلاظ شداد. كيف وهي مشركة أسيرة؟ ما إن جاءته (عليه السّلام) حتّى قرأ في عينيها غريزة التّحرّر. لم يتردّد في ذلك. كيف وهو نبيّ الحرّية ورسول التّحرير دون منازع. هل نتجاسر بأن نخلع عليه ذاك؟ لا. لم؟ نخشى النّاس. نخشى الوصم بالرّدة. حرّرها عليه السّلام وعرض عليها الزّواج منه فقبلت. هل عرض عليها ذلك شهوة؟ أبدا. إنّما لما يعرف من آثار طيّبة عظمى على الأمّة وما تحمله من قيم. كان يعرف وهو يعرض عليها الزّواج أنّها ستكون سببا مباشرا في تحرير مئات الأسرى واستعادة غنائم. بل ربّما كان يأمل أن يسلم رئيس القبيلة ذاتها (وهو أبوها) وربّما القبيلة كلّها بأسرها. لكم نحن ضيّقو الأفق إذ نصدّق المبطلين أنّه تزوّجها شهوة أو بدون هدف أكبر ومقصد أعظم. لكم نحتاج إلى إعادة قراءة حياته كلمة كلمة. لكم نجهل عنه عليه السّلام. هل تجد اليوم كتابا واحدا من كتب السّيرة يحوي شيئا آخر عدا حياته الحربية؟ محاولات واعدة ـ معاصرة وليس غابرة ـ ولكنّها يتيمة. رسالتنا إلى النّاس هي : سيرة هذا النّبيّ هي سيرة رجل محارب لا يضع سيفه. أليست تلك هي رسالة كتب السّيرة كلّها تقريبا؟ لا نريد من ينتقدنا ولا من يراجعنا. لذلك قالت الأمّ العظمى عائشة : ما رأيت امرأة أكثر بركة على قومها من جويرية. نحن نستكثر هذا على امرأة. نريد طمره. كما نريد طمر الرّصيد التّحرّريّ الذي أشاد به القرآن الكريم نفسه أيّما إشادة وهو يتحدّث عن بلقيس. صندوقنا التّفكيريّ الأسود أصيب منذ قرون طويلة بما يشبه (الفوبيا) ضدّ المرأة. لا نريد الاعتراف بهذا كبرا

حركة النّفاق لا تموت

لم احتفى القرآن الكريم بحركة النّفاق كلّ الاحتفاء. فخصّص لها سورة مدنية كاملة هي من الطّوال (التّوبة) وسورة مدينة أخرى من المفصّل (المنافقون). فضلا عن سور مدنية أخرى بالعشرات حوت حديثا عن النّفاق كثيرا. لغرض واحد هو : إيقاظنا أنّ حركة النّفاق لا تموت. بل هي فينا دوما. وأنّ معركتنا الحامية الأولى معها هي. لم؟ لأنّ المنافق حيّة سامّة تعيش معنا. وتأكل معنا. وتصليّ معنا. تختبئ ليلا فإذا أخذنا سنة من نوم نفثت فينا من سمّها النّاقع. ثمّ تتولّى بسرعة إلى جحرها. وتدعنا نحن في حيص بيص. نتبادل التّهم. ويقذف بعضنا بعضا.علامتان كبيرتان لحركة النّفاق أكّدهما القرآن الكريم كلّما عالجها : العلامة الكبرى الأولى هي تمزيق الصّف الإسلاميّ ويكون بوسائل منها إثارة النّعرات سواء بدافع دينيّ (مسلم ـ مسيحيّ في وطن واحد) أو بدافع عنصريّ (أسود ـ أبيض) أو بدافع جهويّ (شرقيّ ـ غربيّ) أو بدافع مذهبيّ (سنّيّ ـ شيعيّ) أو بدافع سياسيّ (حزب كذا وحزب كذا) أو بدافع فكريّ (سلفيّ ـ صوفيّ ـ . إخوانيّ) وبدوافع أخرى كثيرة. العلامة الثّانية هي تلويث القيادات وتشويه سمعتهم بمختلف صور الإفك. حتّى تنقطع الصّلة بينهم وبين الأمّة التي لا تقاد إلاّ برواحل عدول كما أخبر عليه السّلام

كلّنا معرّض للخطأ وخيرنا العافون عن النّاس

يستعجب بعضنا أن يتورّط صحابيّ مهاجر مثل (مسطح إبن أثاثة) أو (حسّان ابن ثابت) شاعره عليه السّلام أو غيرهما في ترويج حديث الإفك. مردّ هذا الاستعجاب هو نظرة خاطئة للإنسان بما يسبغ العصمة على غير الأنبياء عليهم السّلام. مشكلة التديّن ليس الخطأ البريء الذي يقع فيه كلّ غير معصوم من غير الأنبياء عليهم السّلام. مشكلة التديّن الكبرى هي الحقد الذي يرون على القلب. فيكون حسدا أو بغضا أو عداوة وخصومة. ثمّ تهاجرا وتدابرا. وربّما حربا شعواء. الصّحابة يخطؤون ثمّ يتوبون بسرعة البرق. لم؟ لأنّ الخطأ فيهم عارض بحكم الغريزة. وليس هو صناعة راسخة متينة. مثل هؤلاء المخلّفون عن (تبوك) الذين نزلت سورة (براءة) لإعلان التّوبة عليهم. كان تخلّفهم عرضا. وليس تدبيرا محكما. ولذلك أنزل الله سبحانه قانونا راسخا عامّا لتوبته على النّاس. وهو قانون مطّرد حاكم لا يتخلّف. وكيف يتخلّف وقد عومل به أحبّ النّاس إليه ـ ربّما ـ بعد نبيّه ـ أي أبوبكر؟ القانون هو (ألا تحبّون أن يغفر الله لكم؟). يعني أنّ أبا بكر ـ عليه الرّضوان ـ لمّا غضب على مسطح إذ شارك في حديث الإفك فأعلن عدم مواصلة إنفاقه عليه جاءه التّعليم الإلهيّ أنّ عفو ربّه عنه مشروط بعفوه هو عن مسطح. ومعلوم أنّ غضب أبي بكر كان مبرّرا نسبيا. ذلك أنّ أبابكر ينفق عليه. وهو من قرابته. فكيف يقابل هذا برمي ابنته عائشة بالفاحشة؟ من حقّه الغضب. ولكن ليس من حقّه ـ من حيث أنّه صدّيق عظيم ـ أن يقطع إحسانه حتّى على من أساء إليه. هذا القانون سار لا ينفد علينا جميعا. لا عفو من الله علينا إلاّ بعفونا عن النّاس. النّاس الذين أساؤوا إلينا. وليس الذين لم يفعلوا ذلك. تلك هي ضريبة الإحسان لمن يروم بلوغ درجة الإحسان. أليس مهر الجنّة ثمين؟

أعراض النّاس مقدّسة كلّ التّقديس

ليس الغضب لأجل تدنيس عرض الأمّ عائشة عليها الرّضوان دون سواها فحسب. إذن لا فائدة من استلال العبر واستنباط الدّروس من قصصه. إنّما تساق القصّة في القرآن الكريم لأجل تثبيت القيم وترسيخ المثل العليا. عائشة هنا مثال لأيّ إنسان ديس عرضه ظلما. الإنسان هو الإنسان في تكريمه الذي اختاره الله بنفسه. بغضّ النّظر عن معتقده ودينه ولونه وقربه منّا أو بعده. ما لم يكن محاربا معتديا دون ريب. ذلك هو معنى تكريم الله بنفسه للجنس الإنسانيّ. وما رتّب الله عقوبة قاسية مشدّدة على من يطأ أعراض النّاس (لا فرق هنا بين ذكر وأنثى) إلاّ تقديسا لحرمة الإنسان وحماية لعرضه أن يستباح بغير حقّ. نحن نسمّي هذا اليوم حقوق إنسان. ويظنّ كثير منّا أنّها بضاعة غربية. هو خطاب السياسيين والإعلاميين. أمّا أن يتحدّث بهذا واعظ أو مشتغل في الحقل الدّعويّ فليس هو مقبول من كثير من المسلمين. هي نكبة نكبناها في وعينا الدّينيّ. هي بضاعتنا التي غفلنا عنها فأخّرناها فاقتبسها غيرنا منّا. ثمّ ظنّت الأجيال الجديدة أنّها ليست بضاعتنا. خير الدّعاة اليوم من يعكف عقودا يحدّث النّاس عمّا بعد الموت. أمّا من يحدثّهم عمّا جعله القرآن الكريم نفسه محكمات راسخات ثابتات قطعيات يغضب الله لوطئهنّ فلا علاقة له بدائرة العلم. بل ربّما يتّهم بأنّه موال للعدوّ لأنّه يشترك معه في بعض البضاعة. نكبتنا في الوعي نكبة مروّعة لمن يعي. ناكية النّاكيات أنّنا كذلك وعيا ونحن ضحية في أعراضنا المهدورة وأموالنا المنهوبة وأرضنا المحتلّة وسيادتنا المختطفة. عجب عجاب

Posted on Leave a comment

الصدقة والذكر مشاعل الإيمان في القلب

«الصدقة: إيمان وتأمين وتنمية.»

  • إيمان: تطبيق لأمر الله وتصديق بثوابه.
  • وتأمين: “صَنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السُّوء”.
  • وتنمية: للمجتمع.

«المؤمن: مُريدٌ ومُراد.»

  • مُريدٌ لله ولما يحبه الله من الخير والدار الآخرة.
  • ومُرادٌ من الله، بالمحبة والكرامة والهداية والتوبة والنعمة والتوفيق والبركة.
    حتى إذا راودته مَرَدةُ الشياطين مُريدا، تداركه الله بالتوبة مُرادا ﴿ثُمَّ تابَ عَلَيهِم لِيَتوبوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ﴾ سورة التوبة

«أذكار الوجود»

1- المؤمن يذكُرُ الله كثيرا حتى يكون ذاكِرًا وذكّارا، ومُسبّحا مع المؤمنين ومع السماوات والأرض ومن فيهن ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبعُ وَالأَرضُ وَمَن فيهِنَّ وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ﴾.
2- ويرفع الله ذِكرَه بين الناس بالصيت الحسن وسؤالهم ل”أهل الذكر” وشهادتهم له عند جنازته وثنائهم عليه بعد موته.
3- ويذكره النبي ﷺ في قبره عندما يردّ عليه السلام.
4- وتذكُره الملائكة عندما تُفتّح لروحه أبواب السماء.
5- ويذكره الله تعالى في نفسِه وفي الملأ الأعلى كلما لهَجَ بالذكر.
6- وتذكُره حتى أذكاره عند الله
قال ﷺ: “إنَّ مما تذكرون من جَلالِ اللهِ: التَّسبيحَ والتهليلَ والتحميدَ، ينعطِفْنَ حولَ العرشِ، لهن دويٍّ كدويِّ النحلِ، تُذَكِّرُ بصاحبها، أما يحبُّ أحدُكم أن يكونَ له – أو لا يزالُ له – من يُذكِّرُ به” حديث صحيح.

بقلم الشيخ: أحمد محمود عمورة