Posted on Leave a comment

«كل نفس ذائقة الموت» حقيقة يمر بها الجميع!

يقول الحق تبارك وتعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء:35]

لم تشهد البشرية انتشارا جغرافيا لمشاهد الموت كما يحدث في أيامنا. وزادته وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا، فلا يوم ولا ساعة بل أقل من ذلك إلا وتصدمك أخبار الموت من هنا وهناك.

هذه الحقيقة التي سيمرّ بها الجميع {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} بلا استثناء. وهي تطوّق الإنسان، ولا تفرّق بين كبير أو صغير، وبين صحيح أو سقيم، وبين غني أو فقير، وبين مؤمن أو ملحد، ولا بين العوالم التي انقسمت إليها البشرية. فهي الحقيقة التي نعلم قدومها لا محالة، ونخشى نزولها على الأهل والأحباب والأصدقاء.

ومن المفارقات العجيبة أن هذه المشاهد تنزل بالبشرية في مرحلة تراجع القيم والأخلاق، وروح الإيمان وصدقه. وكأنها تقرع أبوابنا بالتذكير قبل فوات الأوان.

وترشدنا هذه الآية إلى الذي يجب التنبّه إليه استعدادا لهذا القدر المحتوم وما بعده {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} يقول الفخر الرازي “فالآية دالة على حصول التكليف وتدل على أنه سبحانه وتعالى لم يقتصر بالمكلّف على أمر ونهي وإن كان فيه صعوبة بل ابتلاء بأمرين:

أحدهما: ما سمّاه خيرا وهو نِعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور والتمكين من المرادات.

والثاني: ما سمّاه شرا وهو المضار الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد النازلة بالمكلّفين، فبيّن تعالى أن العبد مع التكليف يتردّد بين هاتين الحالتين، لكي يشكر على المنح ويصبر في المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم”. وهو الذي يجب تركيز النظر فيه، فلحظة الموت قادمة لا مفرّ منها، والأصوب لك أيها الإنسان التفكير وتركيز النظر والعمل على ما تكسبه من خير أو شرّ في دنياك، فهي التي بها صورتك بعد الموت.

واعلم أيها الإنسان أن حقيقة الموت هي حقيقة الرجوع إلى الله {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} يقول الفخر الرازي ” أنهم يرجعون إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته”. فلا يذهبن ظنّك بأن موتك نهاية الحياة، نهاية ما زرعته وبذلته واقترفته، بل هي بداية الفصل الآخر للحياة، فما تزرعه اليوم تحصده غدا.

Posted on Leave a comment

إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا!

يقول الحق تبارك وتعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7]

يقول العلامة ابن عاشور “إن الإخبار عن خلق ما على الأرض زينة يجمع الامتنان على النّاس والتذكير ببديع صنع الله إذ وضع هذا العالم على أتقن مثال ملائم لما تحبّه النفوس من الزينة والزخرف” ويضيف رحمه الله ” ولا تكون الأشياء زينة إلا وهي مبثوثة فيها الحياة التي بها نماؤها وازدهارها.

وهذه الزينة مستمرّة على وجه الأرض منذ رآها الإنسان، واستمرارها باستمرار أنواعها وإن كان الزّوال يَعرض لأشخاصها فتخلفها أشخاص أخرى من نوعها. فيتضمّن هذا امتنانا ببث الحياة في الموجودات الأرضية”.

فمظاهر الزينة والزخرف في الأرض عطيّة من عطايا الله، وهي خُلقت للإنسان للتمتّع بها ولتضفي على حياته مسحة إضافية من الجمال.

فجمال ما في الأرض من الزينة، تفتح النفوس على قيمة الجمال لتتقوّم حياته عليها، فحسن القول من الجمال، وحسن العمل من الجمال، وتمثّل الأخلاق من الجمال. يقول ابن عاشور “ومن لوازم هذه الزينة أنها توقِظ العقول إلى النظر في وجود منشئها وتسبُر غورَ النفوس في مقدار الشكر لخالقها واجعلها لهم، فمِن موفٍ بحق الشكر، ومقصّر فيه، وجاحد كافر بنعمة هذا المنعم ناسبٍ إياها إلى غير موجدها”.

ويمضي ابن عاشور في تدقيقه ويقول “ومن لوازمها أيضا أنها تثير الشهوات لاقتطاعها وتناولها فتستثار من ذلك مختلف الكيفيات في تناولها وتعارُض الشهوات في الاستيثار بها مما يفضي إلى تغالب الناس بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، وذلك الذي أوجد حاجتهم إلى الشرائع لتضبط لهم أحوال معاملاتهم”

ويضيف رحمه الله ” ولذلك عُلل جعل ما على الأرض زينة بقوله {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي أفْوَتَ في حسن العمل من عمل القلب الراجع إلى الإيمان والكفر، وعمل الجسد المتبدّي في الامتثال للحق والحيَدة عنه”.

فهذه التي جُعلت زينة للأرض، وتتشوّف النفوس لها، ويتسابق الناس عليها، هي نعمة وامتحان.

ومن طبع الإنسان الضعيف أصلا أمام مظاهر الزينة التي تزخر بها الحياة، أنّه يركن لبهجتها وينسى فعل الشّكر المطالب به، وحسن استخدام وتوظيف الزّينة لتكون عامل قرب لخالقه، وعامل ضياء في علاقاته، “ليبصّرهم أيّهم أطوع لله وأشد استمرارا على خدمته” كما قال الفخر الرازي.

وذكر أن الزينة لا يدخل فيها المكلّف “فمن يبلوه يجب أن لا يدخل في ذلك”. وفي تقديري أن حسن العمل هو زينة له ومنه لمن حوله، وللأرض ككل.

فالتمتّع والاستفادة من زينة الأرض، يجب أن يُقابلها تزيينه للأرض من خلال حسن العمل والأداء، والعمران، الذي هو واجب الاستخلاف، وهو مدار “البَلْو: الاختبار والتجربة” كما يعرّفه ابن عاشور. وهذا ملازم للإنسان.

فعندما تكون حياة الإنسان تجمّلا بالخلق الحميد وحسن القول وحسن المعاملة وحسن العمل، تكون الحياة جمالا في جمال، وزينة في زينة، وذلك هو مقصد الاستخلاف. فالإيمان زينة وجمال، والعبادات زينة وجمال، لذلك وجب أن تكون المعاملات زينة وجمالا.

Posted on Leave a comment

مشهد نبوي لو ترجم اليوم لدخل الناس في الدين أفواجا

أجل ورب الكعبة، هو مشهد هزّ الفؤاد مني هزّا مذ قرأته منذ عقود، هو مشهد ليس لي أحبّ منه ربما، هو مشهد لكم أرجو من الناس ترجمته عملا سيما المنتصبين إلى تعليم الناس وتفقيههم والمتصدين لإفتائهم وقليل من هؤلاء من يفتي بفتاويه عليه الصلاة والسلام، كما أرجو ترجمته إلى الألسنة الأخرى أي الترجمة المعروفة. لا مناص من الترجمتين.

المشهد هو أن رجلاً جاء إليه عليه السلام وهو يقول له: يا رسول الله وقعت على امرأتي في يوم رمضان، قال له النبي صلى الله عليه وسلم «والحديث متفق عليه» هل لك أن تعتق رقبة؟ قال :لا، قال له : هل لك أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل لك أن تطعم ستينا مسكينا؟ قال: لا، وإذ عرض عليه السلام الكفارات الثلاث وصرّح الرجل أنه لا يقوى على أيّ واحدة منهن قال له: لا تبرح مكانك ثم غاب عنه برهة وجاءه بعذق من تمر وناوله إياه وقال له: خذ هذا وتصدق به، فقال الرجل: وهل بين لابتيها -أي المدينة- يا رسول من هو أفقر مني؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال له: اذهب فأطعمه أهلك.

هذا المشهد الصحيح لا أظن أن مسلما لا يهزّ له فؤاده هزّا عجيبا، كيف وهو يعرض صورة من صور النبوة لم تتوفر في البشرية جمعاء قاطبة؟ كيف وهو يصور لنا هذا النبي الكريم وقد تربع على عرش الحلم والعلم وخفض الجناح، بل على عرش المعلم المؤدب الناجح، بل على عرش الكريم الذي لا يتقمص دور القاضي الذي يقضي بقضائه الحق ولا يلوي على شيء ولا يتقمص دور المفتي الذي يفتي صاحبه ويذهب في سبيل حاله.

لا يعجز قلمي ولا لساني إلاّ في هذا الموضع والله، مشهد لو تدبره المرء مرة من بعد مرة ما شبع منه، مشهد يصور لنا النبوة كما لم نكن نعرفها، الرجل وقع على امرأته في رمضان وما حدث النبي عليه السلام بذلك إلاّ لأنه يعلم أنه عليه الصلاة السلام حليم كريم ليس بينه وبين الناس حواجز.

قولوا لي بالله عليكم: هل هناك اليوم عالم أو فقيه أو شيخ مثله أي يحدثه الناس بما فعلوا وهم مطمئنون؟ لا، لم؟ لأن المنسوبين إلى الدين اليوم إلاّ من رحم الله سبحانه أول ما يشيدون بينهم وبين الناس حجرا فلا يجرؤ أحد منهم على أن يحدثهم بمثل هذا؟ الرجل صرح بذلك أمام نبي كريم عظيم وهو مطمئن آمن، ألا ترون أنه عليه السلام لم ينبذ إليه بأيّ كلمة تحزنه؟ وقعت الواقعة الآن فأي حاجة إلى مثل هذا، أليس يفيد من هذا المشهد منا اليوم رجال التربية والتعليم والأولياء والمربون؟ بلى والله.

الرجل يعرض عليه النبي عليه السلام الكفارات وهو يقول بكل طمأنينة وأمن وتلقائية وصدق أنه لا يستطيع ذلك ولم يتحرج من شيء، كان يمكن أن يتحرج في الثانية أو الثالثة ولكنه لم يفعل، لم؟ كان الرجل صادقا مع نفسه، كان الرجل يضع نفسه أمام مؤسسة النبوة التي يعلم أنها ستعالج مشكلته ليس دينيا فحسب كما يفعل الناس اليوم إفتاء يلقونه ثم يدبرون ولكن يعالجها دنيويا كذلك.

لَكَم نشتاق إلى هذا النبي الذي حرمنا من رؤيته والله نسأل أن نلقاه على حوضه غير مبدلين، هذا النبي الكريم لم يسأل الرجل لم لا تستطيع ذلك؟ صدقه لأنه أُذُن خير كما قال عنه ربه ردّا على المنافقين الذين قالوا عنه أنه أُذُن، أُذُن خير يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.

وبعد أن استوفى الفتوى ولم تعالج المشكلة ظل عليه الصلاة والسلام مشغولا بالأمر فذهب هو بنفسه يبحث عمّن يقرضه أو يعطيه عذق تمر وجاء به إلى السائل وكأنه الملك الوقور الذي تقضى حاجاته من لدن نبي كريم عظيم والحال أن الرجل واقع على امرأته في يوم رمضان وهو يعلم علم اليقين حرمة ذلك، بل إن الرجل لفرط صدقه وطمأنينته إلى النبي عليه السلام وشعوره بالأمن عنده لم يتردد أن قال أنه ليس في المدينة من هو أفقر منه، عندئذ لم يملك النبي نفسه عليه السلام فأنفجر ضاحكا حتى بدت نواجذه لأنه ربما لم يكن يتوقع أيلولة المشهد إلى ما آل إليه.

وفي النهاية عاد الرجل الذي اقترف حراما كبيرا بعذق تمر إلى أهله، كأنه قام بعمل خير يثاب عليه وليس بخطأٍ يعاقب عليه، سبحان الله، ذلك هو محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك هو المشهد الذي لكم أرجو من سويداء فؤادي أن يتدبره المفتون والمتصدون للناس مرة ومرة ومن الناس أنفسهم حتى يطلعوا على جوانب أخرى من نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ذاك هو النبي الذي يتهم اليوم بعداوة الإنسان والتطرف والعنف والإرهاب والقمع والتشدد. لَكَم هي مهمتنا كبيرة.