إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا!

يقول الحق تبارك وتعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7]

يقول العلامة ابن عاشور “إن الإخبار عن خلق ما على الأرض زينة يجمع الامتنان على النّاس والتذكير ببديع صنع الله إذ وضع هذا العالم على أتقن مثال ملائم لما تحبّه النفوس من الزينة والزخرف” ويضيف رحمه الله ” ولا تكون الأشياء زينة إلا وهي مبثوثة فيها الحياة التي بها نماؤها وازدهارها.

وهذه الزينة مستمرّة على وجه الأرض منذ رآها الإنسان، واستمرارها باستمرار أنواعها وإن كان الزّوال يَعرض لأشخاصها فتخلفها أشخاص أخرى من نوعها. فيتضمّن هذا امتنانا ببث الحياة في الموجودات الأرضية”.

فمظاهر الزينة والزخرف في الأرض عطيّة من عطايا الله، وهي خُلقت للإنسان للتمتّع بها ولتضفي على حياته مسحة إضافية من الجمال.

فجمال ما في الأرض من الزينة، تفتح النفوس على قيمة الجمال لتتقوّم حياته عليها، فحسن القول من الجمال، وحسن العمل من الجمال، وتمثّل الأخلاق من الجمال. يقول ابن عاشور “ومن لوازم هذه الزينة أنها توقِظ العقول إلى النظر في وجود منشئها وتسبُر غورَ النفوس في مقدار الشكر لخالقها واجعلها لهم، فمِن موفٍ بحق الشكر، ومقصّر فيه، وجاحد كافر بنعمة هذا المنعم ناسبٍ إياها إلى غير موجدها”.

ويمضي ابن عاشور في تدقيقه ويقول “ومن لوازمها أيضا أنها تثير الشهوات لاقتطاعها وتناولها فتستثار من ذلك مختلف الكيفيات في تناولها وتعارُض الشهوات في الاستيثار بها مما يفضي إلى تغالب الناس بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، وذلك الذي أوجد حاجتهم إلى الشرائع لتضبط لهم أحوال معاملاتهم”

ويضيف رحمه الله ” ولذلك عُلل جعل ما على الأرض زينة بقوله {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي أفْوَتَ في حسن العمل من عمل القلب الراجع إلى الإيمان والكفر، وعمل الجسد المتبدّي في الامتثال للحق والحيَدة عنه”.

فهذه التي جُعلت زينة للأرض، وتتشوّف النفوس لها، ويتسابق الناس عليها، هي نعمة وامتحان.

ومن طبع الإنسان الضعيف أصلا أمام مظاهر الزينة التي تزخر بها الحياة، أنّه يركن لبهجتها وينسى فعل الشّكر المطالب به، وحسن استخدام وتوظيف الزّينة لتكون عامل قرب لخالقه، وعامل ضياء في علاقاته، “ليبصّرهم أيّهم أطوع لله وأشد استمرارا على خدمته” كما قال الفخر الرازي.

وذكر أن الزينة لا يدخل فيها المكلّف “فمن يبلوه يجب أن لا يدخل في ذلك”. وفي تقديري أن حسن العمل هو زينة له ومنه لمن حوله، وللأرض ككل.

فالتمتّع والاستفادة من زينة الأرض، يجب أن يُقابلها تزيينه للأرض من خلال حسن العمل والأداء، والعمران، الذي هو واجب الاستخلاف، وهو مدار “البَلْو: الاختبار والتجربة” كما يعرّفه ابن عاشور. وهذا ملازم للإنسان.

فعندما تكون حياة الإنسان تجمّلا بالخلق الحميد وحسن القول وحسن المعاملة وحسن العمل، تكون الحياة جمالا في جمال، وزينة في زينة، وذلك هو مقصد الاستخلاف. فالإيمان زينة وجمال، والعبادات زينة وجمال، لذلك وجب أن تكون المعاملات زينة وجمالا.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة