رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الأمل

رحلة المرء في حياته ككل رحلة لها بلغة، وبلغتها: الصبر والأمل وهما وجهان لقطعة قيمية واحدة فلا يمتلأ المرء صبرا إلا بأمل يهذبه من شوائب اليأس ولا يترع أملا إلا بصبر يجعله بالخطوب هازئا؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى ذات مرة على لسان يعقوب عليه السلام «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».

وقال ذات مرة مكمّلا المعنى ذاته من جانبه الآخر «فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون» وبذلك تكتمل الصورة أي صورة الحياة فهي أمل في الله لا ينضب ورجاء لا ينقطع وهي في الآن ذاته خوف منه سبحانه وخشية ومن بهذا امتلأ فؤاده ـ قائد قاربه وربّان سفينته ـ فقد أمن الحياة وسعد إن شاء الله.

رمضان مدرسة تعلمنا الأمل إذ قال النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث ثلاثة كلها متفق عليه عن أبي هريرة عليه الرضوان: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه«، وقال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه».

 وهكذا يبشر البشرية جمعاء قاطبة أنّ رمضان مدرسة تعلّم الأمل فمن صام ولم يقم فقد غفر ذنبه، ومن قام ولم يصم لسبب شرعي معلوم كالمرض أو السفر فإنه ينال مثل ذلك، وحتى من لم يصم ولم يقم لعذر شرعي ولكن قام ساعة واحدة سيما في ساعات السحر الغالية من ليلة القدر فقد نال ذلك الفضل كله وبحذافيره: غفران الذنب السالف كله عدا ما يتعلق بحق الإنسان طبعا، ذلك أن حقوق الإنسان مبناها المشاحة والإنسان مدعو إلى مغفرتها إن شاء «قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله».

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر الأمة جمعاء قاطبة أن دعوة الصائم عند إفطاره لا تردّ وأي بشارة هي، بل إنه عليه الصلاة والسلام قال في حديث المنبر: «بعُد من أدرك رمضان ولم يغفر له» أي أن أشقى الأشقياء من أدرك رمضان – وهو موسم العفو الرحماني الرباني الشامل- ولم يغفر له، وكيف لا يغفر له وفيه الصيام وفيه الصلاة وفيه القيام وفيه الدعاء وفيه التدبر وفيه الإنفاق وفيه كل خلال الخير؟

لا شك أن هذا لا يريد أن يساق إلى الجنة حتى بالسلاسل. الأمل قيمة أخلاقية عظمى من وشّح بها صدره فقد احتوى الخير كله إذ أن الأمل امرئ مبتسم ضاحك يحتضن الناس ويعين على نوائب الحق ويبسط فضله لكل مكلوم ومحتاج، الأمل تدبر من وجهه الخطوب العاتية مولية، لا مصل يعالج كروب الدنيا المتوالية عدا هذين المصلين المتكاملين؛ الصبر من جانب والأمل من جانب آخر.

عدا أن بعض الناس يقصرون الأمل على الله قائلين ببلادة شديدة أنهم آملون في الله ويائسون من الناس، أولئك أشد الناس يأسا من الله نفسه ولكنهم لا يعلمون.

لا أفهم الأمل في الله سبحانه إلا أملا في النفس من جهة أن يحقر المرء نفسه فلا يفعل خيرا ولا يضرب له بسهم في الخير، وأملا في الإنسان من حوله كذلك، أما مدعي الأمل في الله يأسا من الناس فهو من الله أشد يأسا، ذلك لأن ترجمان الأمل الصحيح في الله سبحانه هو الأمل في الناس إذ من ييأس من الناس فلن يفعل خيرا.

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة