فضل العشر الأوائل من ذي الحجة وكيفية الاستفادة منها
نسأل الله تعالى أن يدخل علينا هذه العشر المباركة باليمن والبركة والرحمة، وأن يفتح لنا فيها أبواب طاعته ويوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه، وأن يغفر لنا أجمعين.
في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، وما فرضه انتشار وباء كورونا من تحديات في كل مجالات الحياة، يحل علينا بعد أيام قليلة موسم من مواسم الخير والعطاء، التي نستجلب فيها رحمة الله ومغفرته، ونتزود منها للقائه، إنه موسم العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي جمع الله فيها أُمهات العبادات واختصَّها بكثير من الفضائل والميِّزات.
فهيا بنا أيها الأحباب نري الله من أنفسنا خيرا، فإننا مقبلون على عشر مباركة، أقسم الله بها في كتابه، فقال: {والفجرِ* ولَيَال عشر} والعظيم لا يقسم إلا بعظيم..
وهي الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها، فقال: {وأَذن في النَّاس بالحج يأتوك رجالا وعلَى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلوماتٍ على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}.
وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
إن هذه الفضائل التي اختصت بها الأيام الأوائل من ذي الحجة تستحثنا إلى حسن الاستعداد لها والاستفادة منها، ومن أهم الأشياء المعينة على ذلك:
أولا: من أراَد الصلاَة تطَّهر لَها، وكذا من أراد أن يتقبل الله منه صالح العمل ويستجيب دعاءه ويغفر له في موسم الخير والغفران، فَعليه أن يتطَّهر من أدران الذنوب وأن يغسل قلبه من أوحال المعاصي، فالتّوبةُ والاستغفار من أولى ما تُستَقبل به مواسم الخير، فكيف نلَقى الله تعالى وندعوه ونَرجو خيره وبَّره وإحسانَه ونحن مثَقلون بالأوزار، فالمَعاصي تحرم العَبد من قبول الأعمال وإجابة الدعاء.
ثانيا: تجديد النية باغتنام هذه الأيام بما يرضي الله تعالى، مع كثرة الدعاء، عسى أن يفتح لنا ربنا أبواب طاعته ورحمته ومغفرته في هذه الأيام المباركة.
ثالثا: من أهم مقاصد العبادات تحقيق مقام التقوى {لعلكم تتقون} {لَن ينَاَل اللَّهَ لحومُها وَلا دماؤُها ولَكن ينَالُه التَّقوى منكم }، وهي من أهم شروط القبول {إنما يتقبل الله من المتقين}، وما يناله العبد من الفضل والثواب عند الله مرتبط بما في قلبه من تقوى الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
والمولى عز وجل إنما أعد دار كرامته لعباده المتقين {إن المتقين في جنات وعيون}، فمن أراد اللحاق بهم فليبذل المجهود من نفسه لتحصيل صفاتهم، فليست التقوى بالمظاهر والأقوال، ولا حتى بظاهر الأعمال، وإنما تقاس بما يزين العبد من صفات المتقين، وبما وقر في قلبه من الإيمان والخشية.
رابعا: إننا في حاجة إلى فقه صحيح لمعاني العمل الصالح الذي يقربنا من الله مع احترام سلم الأولويات.. فالعمل الصالح لا يقتصر على الشعائر التعبدية، بل يشمل أعمال كثيرة حث عليها الإسلام ورغب فيها، وبها نتقرب إلى الله.. لما سئل نبينا عن أحب الناس إلى الله وأحب الأعمال إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((أحب الناس إلى الله أنفُعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخلُه على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد شهًرا (أي: المسجد النبوي الذي الصلاة فيه بألف صلاة) ومن كَفّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضاً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزوُل الأقدام)) . «صحيح الجامع 176»
الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وفي خدمة الناس بركة للعبد في الوقت والعمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((صنائع المعروف تقي مصارع السوء ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة)) «رواه ابن حبان ». يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من مشى بحق أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال ( ألا أخبركم بخيركم من شركم ) قال : فسكتوا، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل : بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال: (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) « رواه الترمذي وصححه الألباني ».
من يرد الله به خيرا يجعله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، ويقضي حوائج الخلق على يديه. روى الإمام ابن ماجه، وابن أبي عاصم وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن من النَّاس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من النَّاس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطُوبَى لمن جعل الله مفاتيح الخير علَى يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر علَى يديه )). « رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك»
وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم كان لا يرد صاحب حاجة حتى بعد أن تقام الصلاة: عن أَنس بن مالك رضي الله عنه، قاَل: (( كانت الصلاة تقام، فيكلمُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجل ِفي حاجة تكون لَه، فيقوم بينه وبين الْقبلَة، فما يزاُل قائما يكلمه، فرَّبما رأَيت بعض الْقوم لَينعس من طُول قياِم النَبيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ)). « أخرجه أحمد والتِّرمذي ».
ومن أهم الأعمال وأجلها وأعظمها أجرا عند الله، ما نقوم به من جهد في خدمة دينه ودعوته، وللعامل منا من الأجر والثواب على قدر نيته وجهده، فحري بنا أن نتحرى الإخلاص في أعمالنا كلها، ونبذل المجهود من أنفسنا في خدمة هذه الدعوة المباركة التي أكرمنا الله بالانتماء إليها.
خامسا: من أهم الشعائر المشروعة في هذه الأيام المباركة:
1 - التكبير والذكر. لقوله تعالى : ( ويذْكروا اسم الله في أَيام معلُومات ) وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ). وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم.
2- الصيام: وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها ففي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر). وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده). وفيه أن دعاءَ يوم عرفة أفضل الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وإن أفضَل ما أقوله أنا وما قال النبيون من قبلي: لا إله إلا الله ). «أخرجه مالك في الموطأ.»
3 الصلاة: تعتبر الصلاة من أعظم العبادات وأكثرها فضلا، وفي هده الأيام المباركات نتقرب إلى الله بالنوافل كصلاة الليل والسنن، وفي الحديث القدسي: ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ).
4- الصدقة: ومن الأعمال الصالحة التي ترفع الدرجات وتكفر الخطايا وتزكو بها النفوس (الصدقة)، خصوصا في هذه الأيام المباركة التي تضاعف فيها الأجور وتتنزل فيها من الله البركات والرحمات.
5 - صلاة العيد: صلاة العيد يوم النحر من أبرز شعائر الإسلام الظاهرة، وهي سنة مؤكدة عند أكثر أهل العلم، واعتبرها بعضهم من الواجبات كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
6- الأضحية: وقد أجمع أهل العلم على مشروعيتها، وكونها من شعائر الدين الظاهرة، ولذا كان حريا بنا أن نحافظ عليها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
نسأل الله تعالى أن يدخل علينا هذه العشر المباركة باليمن والبركة والرحمة، وأن يفتح لنا فيها أبواب طاعته ويوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه، وأن يغفر لنا أجمعين.
- الكلمات الدلالية
- ذي الحجة
إدارة الإعلام