Posted on

صون الصلاة

الصلاة كلِمٌ طيب وعملٌ صالح، وأعظم كلمها الطيب تلاوة القرآن وأعظم عملها الصالح السجود، وعلى هذا نزل القرآن الأول فافتتحت سورة العلق بقوله تعالى “اقرأ باسم ربك الذي خلق” وختمت بالسجود بقوله تعالى “واسجد واقترب” ولعظيم قدر الصلاة مكانة وأمانة احتاجت إلى تعاهد وصيانة.

فصُن صلاتك:-

١- من التثاقلُ عن التأهب لها، بالمحافظة على الوضوء، والشوق إلى المناجاة.

٢- من الاستثقال منها عند دخول وقتها، بإجابة المؤذن، والإكثار من الحوقلة.

٣- من هَجر مواطن النداء لها، بمعرفة فضل الجماعة وتعلّق القلب بالمساجد.

٤- من التشاغل عن أدائها إلى آخر وقتها، بالمبادرة إليها في أول وقتها “فلا خير في عمل يُلهي عن الصلاة”.

٥- من الشعور بثقلها عند أدائها، بالتدرج بالرواتب والنوافل والتلاوة والحوقلة والدعاء بين الأذان والإقامة.

٦- من الغفلة عن ألطافها وهداياتها ووارداتها، بتدبّر الآيات والأذكار وطلب فقهها وهَديِها وهداياتها.

٧- من حرب الوساوس حتى لا يدري ما قرأ ولا كم صلى، بالاستعاذة والتفل عن اليسار، والخجل والوجل من الجبار.

٨- من فقدان الخشوع وجفاف الدموع وتبلّد الجلود، بالتخشّع والتواضع والتضرّع، وإطابة المطعم وتطهير القلب.

٩- من تعجّل الانتهاء منها تسرّعا ونقرا والتفاتا وإقعاء، بالطمأنينة فيها طمأنينة الحركات والسكَنات والخلجات.

١٠- من التخفّف عند الفراغ منها، بدعاء الاستعانة بعد السلام “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”.

١١- ومن الفرار من مجلسها، بتوطّن المسجد للذكر والتلاوة والعلم.

١٢- ومن فقدان نورها وطيبها وبركتها وأثرها في الإقبال على الخير والتأبّي على المعاصي، بالدعاء والاستعانة والحوقلة والصلاة على النبي ﷺ فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور.

فجماع الأمر كله، تعظيم الصلاة والمحافظة على الوضوء وإجابة المؤذن حالا وقولا وعملا والحوقلة والاستعانة وهيبة الوقوف بين يدي الله وهيبة تكبيرة الإحرام وحسن الاستفتاح وتدبر الفاتحة وخاصة قلبها “إياك نعبد وإياك نستعين” وتدبر الآيات والدعوات وطمأنينة الحركات والسكنات، وأوجز من هذا “إحسانُ التكبير بالمهابة وإحسان التسليم بالمحبة” فمن صحّت بدايته صلحت نهايته وأصلح الله ما بينهما، تقبّل الله منا وأقبل علينا.

﴿رَبِّ اجعَلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتي* رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءِ ۝ رَبَّنَا اغفِر لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقومُ الحِسابُ﴾

بقلم الشيخ: أحمد محمود عمورة

Posted on Leave a comment

تبصرة وذكرى لقوم يعقلون في بيان أن سعادة الأمة في التهذيب | العلّامة: محمد رشيد رضا

تلك آيات من الحكمة، تتلى على مجتمع هذه الأمة، تنبه فكر الناسي، وتبعث همة الآسي، وشذرات من معدن العلم السماوي، تُهْدَى إلى معمل الفكر الإنساني، ليصوغ منها عقودًا، ويضرب منها نقودًا، تتحلى بها أجياد العقائل العواطل، وتعامل بها أكف المُثْرِي والعائل، لعلهم يفلحون. إذا تأملت في تاريخ هذا الإنسان رأيت أبناءه قد وقع منهم الاختلاف في كل شيء {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} (هود: ١١٨-١١٩) اختلفوا في العقائد والمذاهب، والعادات والمشارب، وجرى هذا الخلاف منهم في مدركات الحس، كما سرى في مدارك العقل، ألا ترى أن بعضهم لا يستطيب أكل اللحوم ذوقًا، كما أن بعضهم يستقبحها عقلاً، أما سمعت أن منهم مَن أنكر مظاهر الوجود وحقائق الأشياء زعمًا أنها خيالات وأوهام تتراءى للحواس ولا تحقُّق لها في نفسها.

ومن رام حصر مواد الاختلاف والافتراق بين الأمم والشعوب. وبين الآحاد والأشخاص فقد رام عبثًا وحاول شططًا، وفيما أشرنا إليه من النموذج بلاغ لقوم

يفقهون.

إن أصالة الخلاف والمنابذة وتمكُّنهما من نفوس أفراد هذا النوع قد جعلته من الخواص اللازمة أو الفصول المقومة لذاته والمقسمة لجنسه، بحيث يصح أن يعرف الإنسان بأنه (حيوان مخالف)، أفلا يجدر بنا أن نعجب بعد هذا إذا رأينا جميع الناس أو أمة منهم قد اتفقوا على شيء، وأجمعوا على شأن؟ ألا يجب علينا أن

نغتنم ذلك الشيء فنتخذه ذريعة لجمع كلمتهم واتفاق وجهتهم، الذي لا قوام لحياتهم على الوجه الذي ينبغي إلا به؟ بلى ولكن أَنَّى لنا الظفر بهذه الرغيبة  المفقودة، والاهتداء لهاته الضالة المنشودة، وكيف لنا أن نطمع بما يكاد يخرج به الإنسان عن كونه الخاص به فلا يكون إنسانًا؟ ولعل قائلاً يقول: إنا لا نرتاب في أن الاختلاف المطلق لا ينفك عن البشر، لكن ذلك لا ينافي الاتفاق على بعض الشؤون، فهل تعلم لنا شيئًا لا تخالف فيه ولا تنازع، وهو مما يقصد بالعمل ويتوصل إليه بالسعي، لنجعله معقدًا للارتباط، إذا أخذنا في الدعوة إلى الاجتماع على أصول العلم الصحيح؟

والجواب: نعم، إن هؤلاء الناس مهما تباينوا في الوسائل واختلفوا في المقاصد فهم متفقون على شيء واحد يصح أن يكون علة غائية لكل حركة وسكون

يصدران منهم، ألا وهو: التخلص من البؤس والشقاء والظفر بهناء العيش ونعمة البال عاجلاً أو آجلاً، وإن شئت قلت: هو دفع المؤلم واجتلاب الملائم إما لنفس

العامل فقط، وإما له ولمن يشاركه في المنزل أو الوطنية أو الجنسية. وما نشاهده من سعي الكثير منهم إلى ما يبلسهم للهلكة، ويتجافى بهم عن مضاجع الراحة والهناء فإنما هو لإِخطاء النهج وضلال الطريق القصد.

يظهر هذا في سيرة المحكوم والحاكم، والجاهل والعالم، والتاجر والصانع، والحارس والزارع، والمنفق والممسك، والحليم والسفيه، والشجاع والجبان،

والعفيف والشره، كل يسعى لما يرى أن فيه راحته ونعيمه. لكن ربما خفي على البعض في نحو الجاني والمنتحر، ويظن أن الجاني على غيره بما يعود على ذاته

بالضرر أو التلف، والمتعمد إزهاق روحه بيده لا يقصدان بعملهما ما ذكر، والحق أن عملهما هذا ليس إلا تخلصًا من بلاء؟ أو توصلاً إلى نعماء؟ بحسب ما وصل

إليه الاجتهاد. فالإنسان حريص كل الحرص على تحصيل العيشة الراضية والحياة الطيبة، وكل سعي أفراده إنما هو في هذه السبيل. وكما يطرد هذا في سعي طالبي الحياة الدنيا يطرد أيضًا في سعي مريدي الآخرة، فالصائم والقائم، والزاهد والعابد، إنما يقصدون السعادة الأبدية {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} (الحاقة: ٢١-٢٣)، {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} (التوبة: ٧٢) .

فقد تبين أن الناس متفقون مبدأ وغاية (في الجملة)، وإنما وقع الاختلاف بينهم في الأفكار والأعمال (غالبًا) من الخطأ في تصور الغاية بتصور ما ليس

بسعادة سعادة الذي يتبعه الخطأ في اختيار المبدأ الذي يستند اليه العمل – كأن يتصور أن سعادته في تحصيل الثروة بأية وسيلة ومن أي طريق، ويختار المبدأ لاكتساب المال السرقة وأمثالها. وقد يكون تصور الغاية صحيحًا ويقع الخطأ في اختيار المبدأ فيختل العمل المترتب عليه: كأن يتصور أن السعادة في كسب المال من الطرق الشريفة في الوجوه المشروعة، ويرى أن المبدأ لذلك صناعة الكيمياء (الكاذبة) بتحويل المعادن إلى ذهب، كما يجوز أن يعرقل العمل مع صحة المبدأ والغاية لعدم السلوك إليه من طريقه والدخول عليه من بابه: كأن يختار التجارة مبدأً للكسب ويتهجم على العمل بغير علم بأساليبها ولا اختبار أو لعدم توفر دواعي النجاح من الخارج، أي من الأمور التي لا تنالها يد الكاسب – كأن يختار التجارة أو الزراعة، ويأتي بجميع أسبابها مستوفياً شروطها فتنزل بالزرع جائحة أو تذهب بالتجارة الأنواء ويحطم السفين اعتلاج الأمواج.

فعلينا أن نبحث في الطريق الموصل إلى صحة الغاية ومبادئها وانتظام أمر العمل، بحيث ينطبق على المبدأ ويؤدي إلى الغاية من غير خطأ ولا ضلال،

وبالنتيجة في انتظام أمر المعاش والمعاد بما تصل إليه يد الإمكان، ويدخل في اختيار الإنسان. وهو أشرف الأبحاث وأفضلها، لا ينطق لسان ولا يجري يراع

بأفضل من الكلام فيه. ولا غرو فإن البحث فيما يوصل الإنسان إلى الراحة والهناء في الدنيا والمثوبة الحسنة في العقبى لَهُوَ أَجَلّ ما يتحدث فيه المتحدثون، ويتنافس فيه المتنافسون، فألقِ إليه السمع وأنت شهيد.

أنت تعلم أن قوام الدنيا والدين بالعمل. والعمل لا يكون إلا عن علم، فالأحرى أن نقول بالعلم والعمل (وكلكم حارث – كاسب وعامل – وكلكم همَّام)، يهم بالأمر

فيعمله – لكن الهم مختلف والكسب مختلف {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} (آل عمران: ١٥٢)، ثم كل من القسمين طبقات، فمنهم السائد

والمسود والقوي والضعيف والغني والفقير إلى غير ذلك من الطبقات المتقابلة. ولا سبيل إلى المساواة بين الناس بجعلهم في رتبة واحدة، كما ينزع إليه بعض الملاحدة في هذا العصر؛ لأن مُبْدِع العالَم (تعالى) فضَّل بعضهم على بعض في الرزق وغيره، كما اقتضته حكمته في طبيعة الكون، وجرت به سُنته {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} (الأحزاب: ٦٢)، وإنما السبيل الذي نقصده والطريق الذي توخينا البحث عنه: هو الذي إذا سلكه العالم الإنساني على اختلاف الطبقات وتنوع المراتب، فاز بالعيشة الراضية والحياة الطيبة ألا وهو: تهذيب الأخلاق، وكماله لا يكون إلا بالاستناد إلى الدين المبين.

التهذيب روح للوجود الطبيعي والمدني والسياسي، تنال به هذه الوجودات سعادة الحياة وحياة السعادة، شهد بذلك التاريخ الصحيح وصدقه العقل السليم. لا

راحة لفرد من الأشخاص في نفسه إلا بتهذيب أخلاقه في نفسه، ولا في منزله إلا بتهذيب أهل المنزل، وعلى هذا النحو أهل المدينة والمملكة العظيمة. فكما أن

التهذيب الشخصي هو مدار انتظام معيشة الشخص الواحد، كذلك التهذيب العمومي هو مدار انتظام معيشة الأمة كلها إذ ليس المهذب إلا من يقوم بحقوق نفسه وحقوق غيره على صراط العدل المستقيم.

وإذا كان انتظام أمر الحياة معلولاً لتهذيب الأخلاق، فبالضرورة يكون وجوده بوجود علته وعدمه لعدمها، إذ لا معنى لكونه معلولاً إلا هذا، ومن هنا نفهم السر في اختلال معيشة الأفراد وانتظامها وانفصام عرى الاتحاد بين الجماعات والتئامها وصعود بعض الأمم أعلى درج الارتقاء، وهبوط بعضها إلى أسفل درك الانحطاط ووقوف البعض بين بين، تتنازعه عوامل العلتين، حتى يأتي أمر الله واعتَبِرْ ذلك في سير الإنسان من يوم علم تاريخه إلى الآن تلقه صحيحًا مطرداً.

ربما خفي على البعض الارتباط بين الأخلاق والأعمال، فلم يسلم بأن حسنها لحسنها، وقبحها لقبحها، مع تسليمه بأن سعادة الدارين إنما هي بالأعمال، وهذا الخفاء لا يكون إلا عن الجهل بمعنى لفظ الأخلاق وما هو المراد منه، فإذا فهم ما هو المعنى منه انجلى له ذلك الارتباط كالشمس ليس دونها سحاب.

الأخلاق جمع خُلُق (بالضم)، وهو صفة النفس، كما أن الخَلْق (بالفتح) صفة الجسد، وقد عرفه علماء التهذيب بأنه: هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة من غير حاجة إلى روية ولا تفكر. وبيان ذلك أن مما يناجي الإنسان به وجدانه، ويوحي إليه إحساسه أنه لا يصدر عنه عمل اختياري، فعلاً كان أو تركًا، إلا عن داعية من النفس، وإن جميع جوارحه مسخرة لخدمة سلطان الروح، وإن إرادة هذا السلطان التي لا ترد مهما جاءت بالجزم إنما ينفذها إلى الجوارح بريد الفكر والخيال. وإذا دقق النظر رأى أن جميع إرادات السلطنة الروحية تصدر عن داعيتين:

الأولى: انفعال وتأثر – كالجوع يدعو إلى الأكل – ومحلها الطبع.

والثانية: إدراك وتصور – كتصور خطر المرض يدعو إلى تناول الدواء – ومستندها العقل.

وهاتان الداعيتان آلتان لتحريك الأعضاء للعمل والآلة لا تتحرك بنفسها، واليد المحركة لهاتين الآلتين: خلق حسن أو خلق سيئ، إذ لا تخلو الداعية للعمل من

مصاحبة أحد أمرين:

إما الجور بتفريط أو إفراط؛ كالأكل زيادة عن الشبع شرهًا وجشعًا أو ترك الشبع وما يناسب المزاج من الطعام حرصًا وبخلاً، وكالامتناع عن شرب الدواء عند الاحتياج استبشاعًا لطعمه، أو تناوله مع الاستغناء عنه وسوسة ووهمًا.

وإما العدل، بإمضاء ما فيه المصلحة مع التجافي عن طرفي الإفراط والتفريط والجور والعدل جنسان لأنواع الأخلاق الفاضلة والذميمة، فإذا أصيب ملك الروح برزيئة الجور فأمر بما لا ينبغي ونهى عما ينبغي، ورعية الجوارح لا مندوحة لها عن طاعته، لا تلبث مملكة البدن أن يسرع إليها الفساد ويحل بها الدمار. وهذا واضح في مملكة البدن، كما هو واضح في المملكة الظاهرية، بل هو في مملكة البدن أشد وضوحًا وظهورًا. وأما إذا تحلى بفضيلة العدل فيستقيم – ولا ريب – نظام المملكة، وتبلغ من الانتظام غاية الكمال.

من فهم ما قلناه من أن جميع الأعمال إنما تصدر بإرادة الروح عن داعيتين، وأن الروح في ذلك لا تخلو عن العدل أو الجور، وعلم مع ذلك أن العدل هو غاية

تهذيب الأخلاق، بل هو المحور الذي تدور عليه سيارات الفضائل، وأن الجور ضده، فهم وجه الارتباط بين الأخلاق والأعمال، وأذعن لتفاوتها بحسبها ضعة وخسة ورفعة وشممًا، وإذا لاحظ بعد هذا ما قلناه أولاً من أن الحصول على رغائب الدنيا والآخرة موقوف على العمل لا على الأماني والتشهي، انكشف له مقدار تأثير الأخلاق في المجتمع الإنساني صلاحًا وفسادًا.

كيف لا يكون الخلق المهذب أفضل الفضائل وغاية الكمال، وهو ثمرة الأديان السماوية والشرائع الإلهية، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وقد علمت أنه ثمرة العقل السليم أيضًا. نعم، أكثر آيات القرآن الكريم جاءت في الحث على مكارم الأخلاق (كالعدل، والقسط في الأمور كلها، والبر والإحسان لجميع الناس، والصبر، والحلم، والحياء، والرفق، والرحمة، والوفاء، والصدق، والتواضع، والعفو، والأمانة، وأمثالها)، وينهَى ويحذر من سفسافها (كالجور، والجزع، والغلظة، والبخل، والجبن، والكبر، والرياء، والكذب، والنفاق، والخيانة، والوقاحة، والسفه وأشباهها)، وفي حكاية أحوال المهذبين مع الثناء عليهم  للاقتداء بهم، وحكاية أحوال فاسدي الأخلاق في معرض الذم والتقريع للاعتبار والتنفير، كما في قصص الأنبياء عليهم السلام مع أممهم.

وحسبك مع هذا قول عائشة (رضي الله عنها) في قوله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤): كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خلقه القرآن.

وقد ورد في ذلك من الأحاديث النبوية ما لا يكاد يحصى، فدونك حاصل بعضها.

وهو (إن أفضل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا) . و (إن الخلق الحسن خير ما منح الله تعالى به العبد) . و (إن أحب الناس إلى النبي وأقربهم منه مجلساً أحاسنهم

أخلاقًا) . و (إن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة) (انظروا وتأملوا)، و (إنه يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد) . و (إن العبد ينال بحسن خلقه الدرجات العلى مع ضعفه في العبادة) . و (إن سوء الخلق يقذفه في أسفل درك جهنم) . و (إنه يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) . و (إن الله تعالى قوَّى الإيمان بحسن الخلق، وقوَّى الكفر بسوء الخلق) . وأبلغ من ذلك ما روي أن سائلاً جاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من بين يديه وسأله: ما هو الدين؟ فقال: (حسن الخلق)، ثم جاءه عن شماله، ثم من وراء ظهره وسأله هذا السؤال، وأجابه بهذا الجواب. ويقرب منه ما روي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما – أنه قال: لكل بنيان أساس وأساس الإسلام: حسن الخلق.

فإذا تبين أن خلق الإنسان هو دعامة سعادته وعمادها، وعليه مدار صلاح أموره الدينية والدنيوية وفسادها، فيجب على كل فرد من أفراد الأمة أن يوجه قواه العقلية والمالية للحصول على هذه المنقبة الكبرى والسعادة العظمى، وعلى العلماء أن ينبهوا الأغنياء، ويعقدوا معهم الجمعيات للقيام بهذا العمل الجليل، ولا عذر في التهاون والوَنَى تلقاء هذا المقصد الشريف، إلا لمن تخبطه شيطان الجهل، فأمسى لا يميز الكمال من النقص، ولا يزيّل بين السعادة والشقاء، وكفاه عذره ذنبًا. وأما من كان صحيح الفكر، وتلا أو تلي عليه ما ذكرناه، ثم لم يعره أذنًا صاغية، ولا نفساً واعية، رغبة في جمع الحطام، والتلذذ بالشراب والطعام، واشتغالاً بمفاخرة الأقران، وقهر الأخصام، فلتهنأ له الحياة الحيوانية في {ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لاَ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} (المرسلات: ٣٠-٣١) . والسلام على الإنسانية

وذويها، والفضيلة ومحبيها، في كل زمان ومكان.

بقلم العلّامة: محمد رشيد رضا.

المصدر: مجلّة المنار – نُشر بتاريخ ذو القعدة – 1315 هـ.

Posted on Leave a comment

علاقة المرأة بالمسجد ودور الأئمة

مقدّمة:

ما ينبغي لنا إنكار عاهتين فينا:

١- عاهة التدين وفق عادات وتقاليد ورثناها (وخاصّة في حقول الأسرة والمرأة ومعالجة الشأن العامّ) وليس وفق ما جاء في الوحي الصّحيح وما فعله الصّحابة الكرام بحسبانهم أوّل المؤتمنين على حسن الفقه وإحسان التّنزيل سيما إذا أجمعوا على أمر (وخاصّة ما سمّي أصوليًا: التّواتر المعنويّ. وما نسمّيه اليوم: ثقافة عملية لا قولية).

٢- عاهة الخوف من مقاومة ما ثبت وحيا وآل العمل عرفا فينا إلى ما يخالف ذلك. وقع في هذا فقهاء كبار وعلماء عظام. منهم من اعترف بنفسه على نفسه بذلك (في مسألة واحدة معروفة). خوف عامّة النّاس مفهوم. إذ قد يتلبّس به جهل. ولكنّ خوف العالم أن يصلح ما فسد وله فيه برهان ساطع هو ذنب كبير شنّ عليه القرآن الكريم حملات لا تعرف هوادة في سورة البقرة على خلفية أنّ ذلك صناعة إسرائيلية. ولو تأخّر العلماء عن وظيفة البيان لجمد الدين ونبت الفساد ثمّ اضطرمت ناره.

ما ينبغي لنا إنكار ذلك لأنّ بداية الإصلاح وعي وإقرار. حساب الذي يعلم يوم القيامة أثقل من حساب الذي لا يعلم بكثير وكثير. والعالم مطالب بالإصلاح. وليس بلزوم الصّلاح فحسب. ألم يأت الأثر بأنّ صلاح النّاس وفسادهم مشروطان بوظيفة فئتين (الأمراء والعلماء)؟ وهل يرتاب حرّ اليوم في فساد الأمراء؟ أليس طائفة واسعة من علماء عصرنا بين فارّ من مقاومة المنكر ولاعق لأحذية المفسدين؟ أليس إصلاح النّاس في حياتهم الدينية والاجتماعية مطلوبا؟ من تأخّر عن مقاومة الفساد السّياسيّ أليس أولى به أن يقاوم فساد النّاس؟ الحقّ الذي لا مراء فيه (وليرض من يرضى وليغضب من يغضب): كثير منّا (نحن طلبة العلم) نخشى النّاس أن يؤذوننا بتصنيفاتهم أو إشاعاتهم وقالاتهم. ما رأيت في زماني عاهة دينية مثل عاهة بحث الداعية عن جمهور له يبسط له ما يريد ليكون له ردءا يقاوم به دعاة آخرين ينتمون إلى تيّار آخر. هذه ناكية ناكية على أولي الفضل منّا والسعة مقاومتها. 

الذّريعة طريق ذو اتجاهين:

كلّما ذكرت الذّريعة على لسان طالب علم أو متعالم إلاّ ارتبطت بالسدّ. وهو خطأ بيّن. الذّريعة – كما استخدمها الصّحابة وهم أفقه النّاس – تسدّ كلّما غلب على الظنّ أنّها مفضية إلى منكر. ولكنّها تفتح – ودون غضاضة – كلّما غلب على الظنّ أنّها مفضية إلى معروف. ذلك أنّ الشّريعة لم تنصّ على حكم كلّ شيء أو كلّ أمر سيما في الحياة العامّة للنّاس. وجعلت لملء منطقة الفراغ أصولا وضوابط. منطقة الفراغ تعني تكريم الإسلام العقل المجتهد المجدّد. وتعني الاعتراف بتغيّرات الزمان والمكان وغير ذلك ممّا يحتاج إلى تشريعات فرعية جزئية تحت سقف الأصول الكبرى المعروفة. وقريبا من ذلك أصوليًا أنّ دائرة المباح هي أوسع دائرة ضمن الأحكام الخمسة المعروفة. ومن ذا جاء قولهم: كلّ مباح مطلقا يطلق كلّما أفضى إلى خير وبرّ ويقيّد كلّما أفضى إلى شرّ وفساد. الذين يعالجون التحدّي العالمانيّ المعاصر هذا هو سلاحهم الأصوليّ: الشّريعة مغلقة فيما لا يكنه العقل مداه. ولكنّها مفتوحة لكلّ مجتهد ومجدّد فيما عدا ذلك. وذلك ردّا على فرية النمط التيوقراطيّ الذي يحكم أهله باسم الله. فلا تحديث ولا تجديد.

تراثنا بين التقديس والتبخيس:

مذهب الوسطية المفضّل ليس في متناول كلّ من هبّ ودبّ. هو طريق يسير يسر الإسلام. ولكنّه مشروط بالعلم الرّاسخ والإرادة الأرسخ. أرأيت كيف أهمل الخوارج العلم الرّاسخ فضلّوا حتّى بعد أن توفّرت فيهم الإرادة الأرسخ؟

لا مناص لطالب العلم الجادّ والمثابر من العلم بتضاريس تاريخنا الذي أثمر تراثنا. لا يُتصوّر تراث في استقامته وفي تنكّبها ولو جزئيا دون العلم بأنّ القيمة الدينية وحدها لا تصنع الحكمة إذا كانت الأيام بلياليها سائرة في الاتجاه المضادّ. من خلاصات حياتي: المناخ هو كلّ شيء تقريبا في صناعة القيمة الصّحيحة لسلوك صحيح وفي صناعتها لسلوك ناكب. القيمة المجرّدة عفوا من مناخ حيّ نابض لا تصنع حياة.

تاريخنا الذي صنع جزئيا تراثنا وقع اغتصابه مبكّرا. مازال وعينا بهذا التهديد النّبويّ الشديد وعيا هازلا ومازلنا نبوّؤه مبوّأ نبوءة فحسب. وما هو بنبوءة فحسب. بل هو نذارة مغلّظة (لتنقضنّ عرى الإسلام عروة عروة).

تراثنا كلّه تقريبا – ربّما يستثنى تراثنا التّحريريّ – ظلّ يثمر وينتج ويجتهد ويجدّد وهو يتحاشى الاصطدام مع مغتصبي الشرعية. حتّى أكره على شرعنة ذلك أملا في عدم الاصطدام ورجاء من غيمة كاربة أن تزول. فما زالت غيمة. ولكن زال عن تراثنا تجدّده كلّما وقع الاحتكاك والاشتباك مع دوائر الاغتصاب.

العلم بهذا من لدن من يرثه مطلوب. فلا يتورّط في تقديس لا تسبغ نعمه إلاّ على الوحي الكريم. ولا في تبخيس لا يصدر إلاّ عن جاهل أو حاقد.

عندما يقول المرء مثل هذا فهو يريد القول أنّ تراثنا في معظمه مضيء ساطع وأنّ اتجاهه العامّ صحيح. ولكن لا يعني ذلك أنّه تراث لا يأتيه الباطل. والذين أخطؤوا في قضية الأسرة والمرأة تحديدا يظلّون قامات. ألا يخطئ القامة؟ ولكن الظنّ عندي أنّ تيّار المحافظة السيئة (بل الحنين إلى بعض مراسم الجاهلية العربية)

كان أقوى منهم. (قال شيخ المفسّرين الطبريّ أنّ هجر النّاشز كهجر الدابّة. وقال المجدّد الكبير ابن القيّم أنّ الذّكر أفضل من الأنثى بمنطوق آية آل عمران. أمّا ما وثّقه المرحوم عبد الرّحمان الجزيري في كتابه المعتمد رسميا ” الفقه على المذاهب الأربعة ” فهو موغل في هذه العاهة. قال مثلا: أنّ المرأة ترفع عقيرتها بالصّياح حتّى ينجدها فحل يذكّي لها دابّتها وهي لا تتولّى ذلك. وهذا منه – رحمه الله وغفر الله لنا وله – غيض من فيض. ولا مفرّ لطالب العلم من الاطلاع بنفسه على هذا ومثله).

الأسرة والمرأة في يمّ الحياة دوما:

كلام صحيح وخطير وكبير يكبر علينا قبوله. ويعسر علينا سماعه. والحقّ أنّ مرارة الحقّ لمن يصبر عليه أشدّ وطئا وأقوم قيلا من الرّكون إلى سماع ما يطرب فحسب. ومن عاهاتنا أنّ ما لغط به غيرنا من الخصوم حقيق بنا النّأي بأنفسنا عنه. إذا تحدّث خصومنا كثيرا عن قيم التّحرّر والمرأة والتحديث فإنّ التدين هو مفاصلة ذلك (بتعبير الشهيد سيد قطب رحمه الله) والنّأي عنه. لو كان ذلك كذلك لاختار جعفر الطيّار في حضرة محكمة النّجاشيّ سورة (الكافرون) بدل سورة (مريم). أليس كلّه من ذكر الله؟ تلك هي الحكمة وذلك هو الميزان.

سؤال في يمّ الحكمة: لماذا فصّل الوحي (بل القرآن نفسه الذي فوّت فيما هو أولى منه أو كما نزعم) في مجال الأسرة والمرأة زوجا وقبل الزوجية وبعدها؟ أليس تفصيله فيما هو أهمّ بزعمنا (الصّلاة) أولى؟

الجواب عندي: ليس في منظومة الإسلام قيمة أفضل من قيمة. وحقل أفضل من حقل. هناك قيمة أولى من قيمة. وحقل أولى من حقل. اولوية تكامل وبنائية. وليس أولوية تفاضل.

الجواب عندي: ما فصّل القرآن الكريم بنفسه وفي آيات محكمات لا متشابهات وبالعشرات في حقل الأسرة عامّة والمرأة خاصّة إلاّ ليعلّمنا أنّ ديننا في الجملة لا يقوم إلاّ بذلك تفصيلا وليس إجمالا. ليعلّمنا أنّ قوّتنا الاجتماعية والقيمية هي في قوّة أسرتنا التي فيها المرأة جهاز تنفّس ورئة هواء. وليس ساقا يمكن بترها وتتواصل الحياة.

من لا يستقرئ نظم الشريعة مبصرا ما قدّمت وأخّرت وما كبّرت وصغّرت وما أجملت وفصّلت لا يمكن أن يتقلّد مناصب الفقه ولا الاجتهاد ولا الإفتاء ولا معالجة تحديات معاصرة بالغة الاشتباك.

عندي سؤال آخر: ترى لماذا يحرص الخصوم على كسب معركة المرأة؟ ترى لماذا تدخل هذه المعركة أعلى هيئة أممية (اتفاقيات سيداو مثلا ومؤتمر السكان في القاهرة وبيجين 1994 و1995) كلّ ذلك صدفة؟

الجواب عندي: خصمنا يعلم (أكثر منّا رغم غضب بعض إخواني) مناطق القوّة فينا. فهو يجتهد لطمسها وتلويثها. هو يعلم أنّ المرأة عاطفة بالمعنى الإيجابيّ وعلى معنى أنّها إذا تقلّدت قيمة تموت بها وعليها ولأجلها. ومن دلائل التّاريخ التي يحرص فحول كثيرون على لجمها: لم ترتدّ امرأة واحدة في التاريخ. ولكن ارتد فحول وفحول.

ممّا أحدّث به نفسي أنّ الله الذي رتّبت أقداره الغلاّبة أن يشيّد الإسلام على أسّ ثلاثة هي (أوّل مؤمن في الأرض امرأة لا فحل. وأوّل شهيد امرأة لا فحل. وأوّل مستأمن على أوّل مصحف امرأة لا فحل) أراد أن يفرغ أفئدتنا من جاهلية عربية نشيدها الرّسميّ (المرأة سقط متاع) ويملؤنا بقيمة عظمى (المرأة شقيق الرّجل. ومساو له: قيمة ومصدرية ورسالة ومآبا وجزاء). هل جاء ذلك كذلك صدفة؟

من فقه الصّحابة لقيمة المرأة:

الفاروق (وهو الأشدّ في دين الله بتعبير محمّد عليه السلام) يقلّد (الشّفَاء) رئاسة السّوق المركزيّ لعاصمة الدولة.  وهو نفسه تعترض عليه المرأة وهو يجمع بين إمامة الجمعة وفوق منبرها وبين رئاسة الدّولة في قضية مهور فيقرّها ويعتذر والنّاس يسمعون ويرون. رئيس لجنة الانتخابات بعد اغتيال الفاروق يلج البيوت بيتا بيتا يرصد آراء النّاس حتّى العذراء في خدرها. ما منعها دين من المشاركة في انتخاب رئيس جديد. ولا منعه هو تدين مزيّف أن يستطلع آراءهنّ. هل تأخّر الإمام البخاريّ عن قبول امرأة في سنده (أمّ محمّد)؟ كيف وقد أخذ هو بنفسه العلم عن عشر شيخات معروفات بأسمائهنّ؟ وفي إثره تعلّم شارحه (العسقلانيّ) من عشرين شيخة معروفات بأسمائهنّ. أسماء هؤلاء وأولئك دوّنها المرحوم الغزاليّ في بعض كتبه. أين تعلّم هؤلاء علوم الحديث؟ لا معهد في تلك الأيام عدا المسجد.

من التي علّمت بالإسكندرية لخمسين عاما كاملات القراءات العشر وتخرّج على يديها مئات – بل آلاف – من المقرئين؟ أليست أمّ السعد؟

هل رفع جاهل عقيرته أنّ صوتها عورة؟

أولئك جميعا أشربوا فقه محمّد عليه السلام. وقوامه أنّ المرأة تبايعه بنفسها. وليس بطريق زوجها أو أبيها وأنّها تطلبه بتخصيص حلقة أسبوعية لها في المسجد فيستجيب. وأنّها تجاهد معه بسيفها وتبقر به بطون المشركين. وأنّها تهاجر زرافات ووحدانا تاركة زوجا وأهلا بمكّة تتحرّر من إكراه قريش فيستقبلها. وأنّها تؤمّ أهل بيتها لفرط علمها وبعدها عن المسجد وتواضع علم من يليها وهو من يقرّها على ذلك. وأنّها تمنح اللّجوء لمشركين في حالة طوارئ عامّة فإذا أخبرته بعد لأي أقرّها فرحا بعملها. وأنّها تشارك في البردين متلفّعات بمروطهنّ لا يعرفن من الغلس كما روت عائشة في البخاريّ. وأنّها تخرج من بيتها معتدّة من وفاة زوج تجذّ نخلها فيقرّها مشجّعا.

ما هو المطلوب منّا:

١- دراسة كتاب (تحرير المرأة في عصر الرّسالة) للمرحوم أبي شقّة. وحتّى يطمئنّ الإمام أنّ صاحبه ليس علمانيا ولا ليبراليا فإنّ علمين ممّن نتعلّم منهما الفكر والفقه قدّما له وأثنيا عليه (الغزالي والقرضاوي عليهما كلّ الرّحمة وكلّ الرّضوان). دراسة علمية وليس قراءة مطالعة متعجّلة. مزية هذا المؤلف الذي لم يؤلّف في موضوعه البتّة أنّه لزم القرآن وصحيحي الإمامين فحسب.

٢- لزوم الحذر كلّه كلّما عثر على حديث نبويّ ضعيف في مسألة المرأة والأسرة. حركة الوضع (الكذب) نشبت هنا وفي مجال السياسة نشوبا. ونجحت في صناعة عقل ظاهره التقوى وباطنه الخواء. ما صحّ هنا كاف وزيادة. طالب العلم يميّز بين العلم وبين الفقه. سائق العلم حتّى لو صحّ في غير محلّه أو في محلّ يخشى إفضاؤه إلى سوء هو سائق يقود عربة بدون رخصة سياقة وفي مكان شديد الاكتظاظ.

٣- العفو عمّا له ملابساته الغابرة (ختان الإناث والانتقاب وإرضاع الكبير) والإعراض عمّا يقدّم الإسلام في صورة مخيفة أو سيئة. الفقيه ينتقي أطيب الثّمر وليس يعود لأهله متأبّطا كلّ معروض.

٤- رعاية المتغيّرات في مسألة الأسرة والإفادة بجهود المجلس الأوروبيّ للإفتاء. دراسات معمقة وفتاوى وتوصيات. سبق إبن القيّم كلّ النّاس في القول أنّ الإفتاء شأن محلّيّ ومباشر. ولا سلطان لأيّ عالم من خارج أوروبا على صناعة فتاوانا واجتهاداتنا. أليس أهل أوروبا أدرى بتحدياتهم؟

٥- العلم بأنّ تقديم الصورة الصحيحة للإسلام ليس هزيمة كما يشيع بعضهم. بل هو سنّة نبوية (حتّى تعلم يهود أنّ في ديننا فسحة) و (عدم بنائه البيت على قواعد إبراهيم وقد نزل الوحي إليه بذلك). الهزيمة هي حبس الإسلام في صورة تاريخية غابرة ليكون التاريخ حاكما على الإسلام. الهزيمة هي تطويع محكمات الإسلام لرغبات النّاس. الوسطية هي طريق ثالث آخر وممكن.

٦- ترجمة ما صحّ عن المرأة إلى لغات أوروبا. ووضعه في متناول النّاس سيما في مطويات خفيفة ومواقع إلكترونية.

٧- تصحيح موقف الإسلام عن الأسرة والمرأة يوما من بعد يوم من خلال الخطب الهادفة والدروس والمواعظ والمحاضرات ومقاومة الاتجاهين الفاسدين معا: اتجاه العلمنة واتجاه الجمود. كلاهما آفة.

٨- تخصيص مناشط خاصّة بالمرأة في المسجد ومناشط أخرى مختلطة ورعاية الشباب منهم بصفة خاصّة. والتّخطيط لعودة المرأة إلى المسجد عودة صحيحة وحقيقية وبتأنّ فيه العلم والمعرفة والترغيب والصبر. وفي الآن نفسه العمل على تحطيم جدر سميكة ظالمة جائرة حفرتها عاداتنا بين المرأة والمسجد. أليس الحقّ أولى بالإتّباع؟ أليس فتح الذريعة المفضية إلى المعروف أولى؟ هل هناك اليوم مكان واحد لم تلجه المرأة؟ إلاّ بيت ربها. وكتاب ربّها الذي أفلح الناس في الحيلولة دونها ودونه أنّها إذا حاضت فهي رجس من الشّيطان. نجحوا والله. وسينجحون كلّما تأخّرنا عن مقارفة العلم والمعرفة والتمحيص.

٩- إنشاء محاضن خاصّة بهنّ على هامش المسجد: مبادرات موسمية لعلّها تنتهي بإقبالهنّ على المسجد.

.١- إبطال هذا الاعتقاد: لا يجوز ولا يستحبّ للمرأة شهود صلاة الجمعة حتّى وذلك لا يكلّفها شيئا. لا بيت ولا زوج ولا ذرية ولا عمل ولا دراسة. عقيدة إسرائيلية تشرّبناها: حرام على المرأة شهود الجمعة. ولكن تشهد احتفالا في المسجد. نبيح لغير المسلمة الدخول والاطلاع ونحرّم ذلك على المسلمة. من يتورّط في هذا ليدخل النّار: لا يباح أو لا يستحبّ للمرأة شهود الجماعة والجماعة حتى وهي منفكة من كلّ ارتباط ببيت أو زوج أو ولد أو عمل أو دراسة؟ إلاّ من يزعم أنّ للمرأة (إسلام آخر وكتاب آخر ونبيّ آخر).

١١-  التسلّح بالعلم (أصولا ومقاصد) لمقاومة تيّار (النّسوية أو الأنثوية feminisms) الذي يجتال مسلمات ويغتال عقولهنّ (إمامة المرأة الرّجال مطلقا – الصّلاة المشتركة -وغير ذلك ممّا يأتي به البحث وأيام الجهل) هذا تيار قد ينداح في ظلال الجهل والفراغ. مقاومة هذا في أوروبا بالنّص فحسب مجرّدا من حكمه ومقاصده غير متاح. مازال الفهم المقاصديّ فينا باهتا. مازالت المقابلة فيما بين نصّ ومقصد. والمقابلة الصحيحة: نصّ ووسيلة.

خلاصة:

المسجد – سيما في أوروبا – الذي يظلّ مهجورا من المرأة لا مستقبل له. ومثله المسجد الذي يظلّ مهجورا من الطفل والشاب. والمسلم الجديد. المرأة التي لا يكون لها من التربية والعلم بالدين وبالواقع في محاضن المسجد لا يؤمّل منها أن تلد بارّا وتربّي بارّا. أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟ الإمام الذي ينحني للواقع الجائر خوفا من الناس لا يؤتمن على دين ودعوة حتى لو كان هو نفسه هزبرا هصورا في وجه السلطان. قيمة الإصلاح لا تتجزأ من حيث أنها قيمة. ولكن تنجزأ من حيث أنها خطة وعمل. المرأة هي طعم معركتنا: من يكسب المرأة إلى جانبه فالقابلات له. ومن فرّط فيها اليوم التقطتها الخصوم لتجعل منها غدا رأس حربة.

بقلم الشيخ/ الهادي بريك.

اقرأ أيضًا:

قيمة الجمال في الإسلام

كيف تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الشباب؟