Posted on Leave a comment

قيمة الجمال في الإسلام

بقلم الشيخ/ عبدالمجيد نوار التلمساني

في عالمنا اليوم الكثير من المصطلحات التي تعبر عن الأناقة والجمال والذوق في مختلف جوانب حياة الإنسان، فهل أهتم الإسلام بهذه المعاني؟

إن الجمال قيمة من القيم الأساسية التي نطقت بها الآيات في الكتاب المسطور والكون المنظور كليهما. والمتأمل في النصوص الشرعية -قرآنا وسنة- يجد أنها تؤكد على العناية بالجمال باعتباره قيمة أساسية، سواء تعلق الأمر بجمال الظاهر أو جمال الباطن، وتعمل على تنمية الإحساس الجمالي لدى المسلم، وتهذيب سلوكه وأخلاقه.

ولقد يصعب الحديث عن قيمة الجمال في الإسلام وقيمه الحضارية، في الوقت الذي تم فيه تشويه صورة الإسلام الجميلة من طرف أعدائه وبعض أتباعه، ولهذا كان من الواجب على كل المخلصين أن يبذلوا المجهود من أنفسهم لإبراز صورة الإسلام الحقيقية من خلال سلوكهم قبل أقوالهم.

فطرَ الله النفوسَ على الإحساس بالجمال:

فطرَ الله النفوسَ على الإحساس بالجمال وحبِّه والميل إليه، وحبِّ الزينة والتجمُّل بها والأُنس بها، وشرع من الدين ما يتمم هذه الفطرة الجميلة ويرعاها؛ ليزداد الإنسان جمالا إلى جماله، ونورا إلى نور فطرته وعقله، كما قال اين القيم رحمه الله وهو يتحدث عن الإنسان المؤمن: ” فجاءت مادة الوحي فباشرت قلبه، وخالطت بشاشته، فازداد نورا بالوحي على نوره الذي فطره الله تعالى عليه؛ فاجتمع له نور الوحي إلى نور الفطرة؛ نور على نور”.

فالإحساس بالجمال وحبِّه أمر فطري، قائم في بنية النفس الإنسانية، بل يعتبر دليلاً على سلامة الطبع واستقامة الفطرة.

قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: “والطباع السليمة قاضية باستلذاذ النظر إلى الأنوار والأزهار والأطيار المليحة الألوان الحسنة النقش المتناسبة الشكل.. ولا أحد ينكر كون الجمال محبوبًا بالطبع”.

قال ابن القيم رحمه الله في حديثه عن الجمال الظاهر: “والقلوب كالمطبوعة على محبته، كما هي مفطورة على استحسانه”.

أما صاحب الظلال رحمه الله فهو لا يراه فطرة في الإنسان فحسب، بل يراه فطرة الوجود كله، قال رحمه الله: “ونظرة إلى السماء كافية لرؤية هذه الزينة. ولإدراك أن الجمال عنصر مقصود في بناء هذا الكون، وأن صنعة الصانع فيه بديعة التكوين جميلة التنسيق، وأن الجمال فيه فطرة عميقة لا عرض سطحي”.                                                                                                                                     

إن الدخول إلى النفس من باب الجمال، هو منهج قرآني ونبوي.

فالقرآن الكريم ليس حقًّا فحسب، وإنما هو حقّ جميل، معجز في جماله. ولو كان الإنسان عقلاً فقط لكان القرآن كتاب حقائق علمية، ولكن فطرة الله في الإنسان أنه يتذوق الجمال، فوق كونه يعقل المنطق.  والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن داعية حق فحسب، بل زينه الله الخالق المبدع بزينة الجمال؛ فكان أجمل الناس خَلقًا وخُلُقًا {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم. وفي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه: “كان رسول الله أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا، ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير”.

إن الله جميل يحب الجمال

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس”. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللهَ تعالى جَميلٌ يحبُّ الجَمالَ، ويحبُّ مَعالِي الأَخلاقِ، ويكرَهُ سَفسافَها”.

قال ابن القيم رحمه الله: “وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة، يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة؛ فيبغض القبيح وأهله، ويحب الجمال وأهله”. ويقول رحمه الله: “ومن أعز أنواع المعرفة معرفة الرب سبحانه وتعالى بالجمال وهي معرفة خواص الخلق وكلهم عرفه بصفة من صفاته وأتمهم معرفة من عرفه بكماله وجلاله وجماله سبحانه ليس كمثله شيء في سائر صفاته. ومن أسمائه الحسنى “الجميل”، وجماله – سبحانه – على أربع مراتب: جمال الذات، وجمال الصفات، وجمال الأفعال، وجمال الأسماء. فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله حكمة ومصلحة وعدل ورحمة. وأما جمال الذات، وما هو عليه، فأمر لا يدركه سواه، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تَعرَّف بها إلى من أكرمه من عباده”.

قالَ ابْن عَبّاس رضي الله عنهما: “حجب الذّات بِالصِّفاتِ وحجب الصِّفات بالأفعال فَما ظَنك بِجَمال حجب بأوصاف الكَمال وستر بنعوت العظمة والجلال”.

وكيف يعبر أحد عن جماله عز وجل وقد قال أعلم الخلق به صلى الله عليه وسلم: “لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك”. أخرجه مسلم

ومن أجمل ما قيل في هذا الباب كلمة لابن القيم رحمه الله يقول فيها: “ويُعبد بالجمال الذي يُحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق، فيُحب من عبده أن يُجمل لسانه بالصدق، وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل، وجوارحه بالطاعة، وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه، وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ، والشعور المكروهة.. فيعرفه بالجمال الذي هو وصفه، ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه”.

وأعظم النعم رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة

في الجنة أعظم نعمة أنعم بها على عباده؛ هي تشريفهم وإكرامهم بالنظر إلى جمال وجهه الكريم، كما قال تعالى:{وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} القيامة/22-23 . وعن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. وفي رواية: وزادَ ثُمَّ تَلا هذِه الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وزِيادَةٌ} [يونس: 26]”. كان ابن عمر رضي الله عنهما ‏يقول: “أكرم أهل الجنة على الله من ينظر إلى وجهه غدوة وعشية”.

كان النبي صلى الله عليه وسلم أرقى مثال للجمال

فهو عليه الصلاة والسلام معدن الحسن والجمال، يقول الحافظ ابن حجر: “فهو ( أي: المُصطفى – صلى الله عليه وسلم) كلُّ الكمال، وجُلُّ الجلال، وجُنَّةُ الجمال، عليه أفضل الصلاة والسلام”، بحيث يقول كل من نعته: “لم يُرَ قبله ولا بعده مثلُه”. ويرحم الله حسان بن ثابت الأنصاري الذي قال في مدحه صلى الله عليه وسلم:

وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني***وَأجْمَلُ مِنْكَ لَمْ تَلِدِ النّسَاءُ

خُلِقْتَ مبرءاً منْ كــلّ عيبٍ***كأنكَ قدْ خُلقتَ كـما تشاءُ

ومن قصيدة البردة للبصيري رحمه الله:

فهو الــــذي تَمَّ معنـاهُ وصورتُهُ***ثمَّ اصْطَفَـــاهُ حبيبًا بــارئ النسمِ

مُنَـزَّهٌ عـن شـريكٍ في محاسِــنِهِ***فجَـوهَرُ الحُسـنِ فيه غيرُ منقَسِـمِ

هذا وقد استفاضت الأحاديث النبوية الشريفة والآثار المروية التي تدل على كمال خلقته الشريفة وجمال صورته صلى الله عليه وسلم. يقول أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: “ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كأن الشمس تجري في وجهه”. وسأل أبو عبيدة الربيع بنت معوذ: صفي لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: “يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة”. وأيّ رُقي في الجمال يبلغ ذلك الذي وصفه به خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه: “ما شممت عنبرًا قط ولا مسكًا ولا شيئًا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست قط ديباجًا ولا حريرًا ألين مسًّا من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ” (رواه مسلم).

ويقول جابرُ بن سمُرة: “رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في ليلة أُضحيان فجعلتُ أنظرُ إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وإلى القمر وعليه حُلَّةٌ حمراء، فإذا هو عندي أحسنُ من القمر”؛ رواه الترمذي.

وقد روى الترمذي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلَّا حَسَن الْوَجْه حَسَن الصَّوْت وَكَانَ نَبِيّكُمْ أَحْسَنهمْ وَجْهًا وَأَحْسَنهمْ صَوْتًا”.

جمال ابتسامة النبي صلى الله عليه وسلم:

كان الصحابة يرصدون ملامح وجه النبي صلى الله عليه وسلم في أدق تفاصيلها: ففي وصفٍ: “وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه”، وفي وصفٍ: “تبرق أسارير وجهه”، وفي وصف: “حتى رأيتُ وجهَ رسولِ اللهِ يتهلَّلُ كأنه مذهبةٌ”.