Posted on Leave a comment

خلاصة ورشة عمل «خطب ومواعظ المناسبات بين التقليد والتجديد»

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين وبعد،

فقد نظمت هيئة العلماء والدعاة بألمانيا بالتعاون مع المجلس الأوروبي للأئمة ورشة عمل حول {خطب ومواعظ المناسبات الدينية بين التقليد والتجديد}، يوم 15 يوليو 2021م 5 ذو الحجة 1442 ه تناول فيها المحاضرون أهمية استثمار المناسبات الدينية وضرورة العناية بالتجديد في الطرح والأفكار المتصلة بها، ومن هذه المناسبات والمواسم: استقبال رمضان/ خطبة العيدين/ العشر الأوائل من ذي الحجة/ المولد النبوي الشريف/ الإسراء والمعراج/ تحويل القبلة.

وقد أكد المحاضرون والمشاركون جميعا الأهمية الكبرى في العناية بفقه المناسبات الدينية ودورها وأثرها في تكوين وبناء الهوية الإسلامية عند الأجيال الجديدة من أبناء مسلمي أوروبا.

خلاصة ورشة عمل “خطب ومواعظ المناسبات بين التقليد والتجديد”

المداخلة الأولى: الشيخ  كمال عمارة

خطبة الجمعة بين التجديد والتقليد

1- المقدمة

لخطبة الجمعة أهمية كبرى في حياة المسلم بوجه عام، وفي وظيفة الإمام بوجه خاص، لذلك بذل أئمة الخطابة ورُوّادها جهوداً كبيرة في تأصيل الخطابة وإقامة أسسها ومرتكزاتها. كما تعتبر خطبة الجمعة نقطة ارتكاز الخطاب الإسلامي ومصدر قوته، بل يمكن اعتبار صلاة الجمعة وخطبتها أهم شعيرة جماعية تربط الفرد والمجتمع بالله تعالى.

  2- خصائص خطبة الجمعة

– هي مؤتمر اسلامي جماعي ديني وسياسي أسبوعي

– وهي اجتماع الزامي

– محطة للتثقيف والاصلاح الاجتماعي

–  الخطبة الوحيدة التي تستلزم الاصغاء والانصات والإجلال

 3- مكانة صلاة الجمعة وأهميتها في أوروبا

يمكن القول أن الاجتماع الى صلاة الجمعة هو الاجتماع الأكبر والأهم في حياة المسلمين الأوروبيين وذلك لصعوبة الاجتماع في باقي الصلوات الخمس بسبب تباعد المساجد والالتزامات المهنية الصارمة، وهذا يؤكد ضرورة وأهمية ترشيد الخطبة والعناية بها .

والسؤال المهم في هذا الموضوع، هل تعاني خطبة الجمعة أزمة في سياقها الأوروبي؟

في تقديري الخاص فإن خطبة الجمعة لا تعاني أزمة إنما تواجه تحديات باعتبارها شعيرة إسلامية في غير بيئة مسلمة، ونقائص كثيرة يعاني منها القائمون عليها.

لذلك فإن سؤال الأصالة والمعاصرة -ولا أحبذ تسميته بالتقليد والتجديد- يكتسب مشروعية خاصة في هذا السياق، سواءً تعلق الأمر بالشكل (كاللباس الشرعي للإمام …) أو المضمون (كالاستشهاد والاستدلال…)، وهو ما يجب المحافظة والحرص عليه لاعتبارات شرعية وللحفاظ على خصوصية شعيرة الجمعة وحضورها القوي في النفوس ووقعها في القلوب.

إلا أن التحديات الأبرز تكمن في المعاصرة وأقصد بالمعاصرة مناسبة الخطبة للواقع وتطوراته، ومواكبتها لحاجة الناس وهمومهم. 

ولابد لتحقيق ذلك من عنصرين:

أولاً؛ اللغة: فلا بد من مخاطبة بلغة يفهمها ويتجاوب معها.

ثانياً؛ فهم الواقع ومعايشته ومعرفة حاجة الناس ورغباتهم وقضاياهم الأساسية.

المداخلة الثانية:

الشيخ وجيه سعد

  1. المقدمة

لا تقتصر خطبة الإمام على الجُمعة وإنما هناك ما يُسمى بالخطب المناسباتية (ربيع الأول، الإسراء والمعراج، العشر الأوائل والعشر الأواخر…)، وتناول هذه المواضيع أمر ضروري بالنسبة للجمهور المسلم في أوروبا، ولتناول هذه المواضيع أهمية فيما يلي:

  • أنه حاجة أساسية يطلبها المسلم ويستهجن عدم الوقوف عليها في حال مرت دون ذكر.
  • أنها تشكل حالة توثيق للحدث الذي تدور حوله، تضمن حفظها من الناس الاضمحلال خاصة لدى لأجيال القادمة، وهذا يستلزم على الإمام إعطاء أهمية أكبر لمثل هذا النوع من الخُطب.
  • أحد أهم الوسائل التي نحافظ بها على هويتنا ووجودنا في مجتمعاتنا الأوروبية.
  • مشكلة الخطابة وبعض الحلول

والمشكلة ليست في تكرار الحدث والوقوف عنده كل مرة وإنما في الأسلوب وطريقة الطرح، الذي ربما وفي كثير من الأحيان يؤدي إلى تسرب الملل إلى المستمعين، وحتى نتمكن من حل هذه المشكلة يمكن اللجوء إلى الوسائل التالية:

  • الإصغاء إلى الجمهور وإشراكهم في عملية طرح الأساليب والوسائل، حيث أن الخبرات الجماعية والتفكير بصوت عالٍ يضمن إيجاد الحل الأنسب والأقرب إلى الواقع المُعاش.
  • أن يكون هناك لقاءات بين الأئمة والفاعلين والمؤسسات الإسلامي.

المداخلة الثالثة

الدكتور خالد حنفي

  1. المقدمة
    إن مَهمة الإمام اليوم أصبحت من أعقد المهام وأصعبها، إذ إن الوصول إلى المعلومة أصبح أمراً في غاية اليسر والسهولة وهذا ما يمكن أن نسميه “ظاهرة الابتذال بالكثرة”، فالندرة وصعوبة الحصول على المعلومة تعطي الشيء أهمية أكبر، وربما كان الخطيب سابقاً يمتلك القليل من المعلومات غير الموثقة إلا أن خطبته كانت تجد إقبالاً واهتماماً أكبر مما هي عليه اليوم وذلك بسبب الندرة وصعوبة الحصول على المعلومات في الشأن الديني، وإلى ذلك يشير الإمام محمد الغزالي رحمه الله بقوله: “الداعية قديماً كان ينجح في رسالته بقليل من العلم وقليل من الإخلاص أما اليوم فيحتاج إلى كثير من العلم والإخلاص”. فماذا عساه يقول عن زماننا؟؟

ولأن الانسان بطبيعته سريع الملل، فقد كسرت الشريعة الإسلامية الرتابة في الأسبوع بيوم الجمعة وفي الأشهر بشهر رمضان، وفي الليالي بليلة القدر وهكذا، وتكرار الحديث في خطب المناسبات يصادم أصل كسر الرتابة وقطع الملل المراد للشرع والمتوافق مع طبيعة الإنسان.

والموضوع على أهميته إلا أن أسلوب تقديمه وطرحه قد يُدخل الرتابة والملل إلى نفس المستمع، لذا لا بد أن يضع الإمام نفسه مكان المستمع، وقد نتج عن طريقة الطرح والتكرار الممل أن فقدت المساجد الكثير من روادها، والحقيقة أن هناك أزمة تواجه الإمام في موضوع الخُطب وليس مجرد تحديات.

كما أن الشعور بسرعة مرور الزمن جعلنا نشعر بتقارب الأحداث، وهذا ما يجعل التذكير في المناسبات حاضراً في أذهان الناس، ما يُعجّل ويُسهل في تسرب الملل إلى النفوس، فالناس لا تكاد تنسى الموضوع والخطبة التي أُلقيت في نفس المناسبة من العام الماضي حتى تطل عليهم المناسبة نفسها من جديد، وهذا ما يؤكد أيضاً ضرورة التجديد في الخطاب.

وأشدد هنا على ضرورة اغتنام المناسبات الدينية في السياق الأوروبي لأنها ترسخ الهوية وتدعم حفظ الدين واللغة على الأجيال الجديدة.

أفكار للمناقشة في عملية تجديد خطب المناسبات وإخراجها من دائرة التقليد إلى التجديد

  • تجديد الروح والإخلاص عند الإمام بكثرة الدعاء ومعاهدة القلب، إذ إن عملية التجديد لا تقتصر على الجوانب الحسية إنما تبدأ من مدخل الروح، وكما قيل: “كن مخلصاً في السر تكن فصيحاً في العلن”، فصدق الإمام والداعية وإخلاصه وتضرعه إلى الله تعالى يجعل القديم جديداً والقليل كثيراً، والتجارب العملية أكثر من أن تُحصى، كقول الإمام الحسن البصري لأحد تلاميذه حين طلب منه أن يعظه فلم يتأثر التلميذ فقال له: “إما أن في قلبك شيء أو أن في قلبي شيء” فلم يقف عند شكل الموعظة ومضمونها وإنما على حال القلب.
  • تجديد نصوص المناسبات، باختيار أحاديث صحيحة جديدة غير المتداولة على ألسنة الناس في المناسبات.
  • توليد المعاني الجديدة من الحدث أو المناسبة وتسجيل ما قيل سابقا تجنبا للتكرار ويمكن الإشارة الإجمالية إليه والتفصيل في الجديد. 
  • تمديد المعانى، حتى ولو كان المعنى في ذاته مكرراً إلا أن تمديده من خلال تعديد الإسقاطات وتنوع الأمثلة يعطيه بُعداً وجانباً جديداً مختلفاً عما ألفه الناس، مثلا إذا أردنا الحديث عن عشر ذي الحجة فنتحدث في عام عن أولادنا في عشر … وعام عن زوجاتنا.. وعام عن غير المسلمين في عشر ذي الحجة وهكذا يكون التجديد بإفراد الحديث عن شريحة خاصة من الناس.
  • اختصار الحديث عن المكرر والتركيز على معنى جديد (كالتركيز على معنى تعظيم الله تعالى عن طريق التكبير في الأيام العشر من ذي الحجة …).
  • كثرة القراءة والاطلاع من شأنه أن يوحي بالأفكار الجديدة.
  • تغيير شرائح المخاطَبين في المناسبات.
  • الانشغال بأمر التجديد وتبادل الأفكار مع الأئمة.
  • التبكير في التحضير للموضوع وعدم التأخر إلى يوم الجمعة أو المحاضرة أو قبلها بقليل.

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

رابط الورشة:

https://www.facebook.com/euimams/videos/401080394667295
Posted on Leave a comment

لماذا تفسد الفطرة.. وكيف نحميها؟

لقد أفسد شياطين الإنس والجن الفطرة في زماننا، ووظفوا علوماً وأموالاً وقدراتٍ ومهاراتٍ ودعاياتٍ عبثية لا حدود لها، حتى أصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وأنَّ النقيضين يلتقيان ويجتمعان، وأن لا ثبات لشيء من القيم والأخلاق، وهذا لعمري من أعظم البلاء الذي يهدد البشرية.

إن عالمنا المعاصر يشبه السيارة المسرعة التي فقدت السيطرة على المقود، وإذا بها تهوي من فوق جبل إلى واد سحيق، أتعلمون السبب؟

لأنه قطع حباله مع السماء ولم يعد له مرجعٌ ولا سندٌ إلا ما أُشرِب من هواه.

نعم، إنه خطر الرَّان الذي يتعاظم حتى يُطبق على القلب فيرى الخير المحض شراً خالصاً، ويزين له الشيطان سلوكيات وأخلاقيات ومذاهب فاسدة على أنها خير للناس وما هى إلا الردى، ولخطورة الذنوب والمعاصي وأثرها على فساد الفكر والعقل والتصورات ورد الحديث الشريف الذي رواه حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: “كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ، فقالَ: أيُّكُمْ سَمِعَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ الفِتَنَ؟ فقالَ قوْمٌ: نَحْنُ سَمِعْناهُ، فقالَ: لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ في أهْلِهِ وجارِهِ؟ قالوا: أجَلْ، قالَ: تِلكَ تُكَفِّرُها الصَّلاةُ والصِّيامُ والصَّدَقَةُ، ولَكِنْ أيُّكُمْ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ الَّتي تَمُوجُ مَوْجَ البَحْرِ؟ قالَ حُذَيْفَةُ: فأسْكَتَ القَوْمُ، فَقُلتُ: أنا، قالَ: أنْتَ لِلَّهِ أبُوكَ. قالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ . ” رواه مسلم.

وفتنة الرجل في أهله وجاره أي: ما يصيبه من قلق وهم، أو صغار الذنوب فتكفرها الصلاة والصيام والصدقة

تدبروا كلمة “كموج البحر”.  

فأنى لنا بالقلب الذي لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض إلا بالمجاهدة الطويلة والاحتراس من الذنوب أشد من احتراسنا من الفيروسات المُهلكة.

وحينما سئل حذيفة: ما أسْوَدُ مُرْبادٌّ؟ قالَ: شِدَّةُ البَياضِ في سَوادٍ، وسئل أيضا: فَما الكُوزُ مُجَخِّيًا؟ قالَ: مَنْكُوسًا.

وكلمة “منكوسا”: شديدة التعبير عن حال عصرنا، حيث نعيش عصر انقلاب في المعايير والمفاهيم والرؤى والسلوك.

ود الشيطان لو يظفر من ابن آدم  بأدنى غفلة عن ربه وتقصير في جنبه، وإن له مع ابن آدم عداوة قديمة يوم أعلن أنه غايته إضلاله وغوايته بكل سبيل وطريق.
“قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)” الأعراف

قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)” ص

وقد أمرنا الله تعالى أن نوحد عدواتنا تجاه العدو الأكبر للإنسانية كلها:

“إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)” فاطر  

وحذرنا من السقوط في شِراك خطواته واستدراجه والسقوط في فخاخه فقال تعالى:

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)” النور

وليس أكبر غاية ينالها الشيطان من بني آدم إيقاعهم في الصغائر أو الكبائر، أو الكفر وجحود وجود الخالق جل وعلا، كلا، إنه لا يقنع من الإنسان بمستوى من الضلال والإضلال، والفساد والإفساد، والعبث والمجون، وهذا ما يفسر لنا دركات الشهوات التي يسقط فيها قوافل من الناس في عصرنا -والتي لا نهاية لقاعها- كأنهم سكارى، وما هم بسكارى.

غواية الشيطان

في قصة آدم وحواء وغواية إبليس عبرة وعظة، إنها كاشفة لمشاهد تكرر على مدى الزمان، وتعالوا معي نقف   مع  بعض دلالات هذه الآيات الشريفة :

“فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120)” {طه}

 أنقل هنا باختصار تعليق الإمام ابن القيم في كتابه “إغاثة اللهفان” يقول:

 كيف أطمع عدو الله آدم عليه السلام أن يكون بأكله من الشجرة من الملائكة، وهو يرى الملائكة لا تأكل ولا تشرب، وكان آدم أعلم بالله وبنفسه وبالملائكة من أن يطمع أن يكون منهم بأكله، ولا سيما مما نهاه الله عز وجل عنه؟

والجواب: أن آدم وحواء عليهما السلام لم يطمعا في ذلك أصلا، وإنما كذبهما عدو الله وغرَّهما بأن تلك الشجرة شجرة الخلد، فهذا أول المكر والكيد، ومنه ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التي تحب النفوس مسمياتها، فسموا الخمر: أم الأفراح، وسموا الربا بالمعاملة، وسموا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان.. فلما سماها شجرة الخلد قال: ما نهاكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا في الجنة ولا تموتا مثل الملائكة الذين لا يموتون…”

وهكذا يسكن الشيطان في دائرة الممنوع والمحظور رغم قِلته وضئالة حجمه مقارنة بدائرة المباح وهو غير محصور أو محدود، ويبذل إبليس جهده في هذه النقطة من ناحيتين:

الأولى: أن يزين لأقوام تضييق دائرة المباح حتى يقدموا الدين خَصما للفطرة والعقل ومصالح العباد.

ويجعلوا الشرع تحريما في تحريم، بدعوى الحيطة والحذر وسد الذرائع، فينفر الناس من الدين بالكلية ويستبيحون الحرام الذي لا شك فيه.  وهذا المسلك يُفسد فطرة الطفل والشاب إذا نشأ عليه.  وهو الذي أفسد الأديان قديما. فالإسراف في القول بالتحريم أو دعوى التحريم بغير هدى ودليل صحيح صريح يصرف الناس عن التدين ويصد عن سبيل الله تعالى.

الثانية: أن يوسوس الشيطان للإنسان ليقتحم الممنوع ويزينه له بمكائد عديدة، كما فعل مع أبيه آدم عليه السلام بـ”شجرة الخلد”  و”ملك لا يبلى”. ويجلب عليه بخيله ورجله ويحشد أتباعه الناعقين بكل سبيل ليثيروا الشبهات حول الدين وأحكامه والتشكيك في مُسَلماته وقطعياته، وما أكثر الحيل التي يبتدعها إبليس ويوحى بها لأوليائه ليفسدوا في الأرض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

 ومن يفشل في الدخول إليه من باب الشبهات نفذ إليه من باب الشهوات.

“وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)” الأعراف

كيدٌ متكرر

كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يستعيذ بالله من جَلَد الفاجر وعجز الأمين.

حينما يمتلك أهل الفساد والإفساد قوة  المال والإعلام والسلطان فإنهم يلتمسون جميع الوسائل والطرق لغرس أفكارهم ومبادئهم، ومنها أسلوب المخادعة والمخاتلة وارتداء قفازات الحرير التي تُخفي السم الناقع، كالحية الرقطاء .

وتحت شعارات برَّاقة خدَّاعة مدفوعة بحشد حقوقي وإعلامي ومالي استُبحيت الأعراض وهُدمت الأسر وضاعت المجتمعات وقُلبت الحقائق واغتُصبت حقوق واحتُلت أوطان وخُدعت شعوب.

 والأمثلة كثيرة جدا.

أنواع التأكيد الواردة في الآية يستعلمها أهل الغواية في زماننا:

هذا إشارات لغوية استنبطها ابن القيم من الآية الكريمة للوسائل التى زخرف بها إبليس أسلوبه في الخداع والتي تتكرر في زماننا وفي كل عصر من أهل الغواية، أشير إليها بتصرف:

1- التأكيد بالقسم. قلت: وكم حاكم حنث في أيمانه، وكم من قاض باع ضميره، وكم مؤسسات دولية تكيل بألف مكيال رغم إعلانها للمحافظة على حقوق الإنسان. 

2- تأكيده بأنَّ.

3- تقديم المعمول على العامل، “والقصد منها إرادة الحصر” كما في قوله تعالى إياك نعبد وإياك نستعين أي: نصحيتي مختصة بكما وفائدتها إليكما لا إلىّ. قلت: وهكذا يفعل أتباع الشيطان في كل بدعة مضلة فاسدة أنها ستنفع أتباعها. والتاجر الذي يُغرر بزبائنه يقسم لهم أغلظ الأيمان أنه لن يربح منهم شيئا وأنه ناصح أمين.

4- الإتيان باسم الفاعل وليس المضارع، ليدل على الثبوت واللزوم . واسم الفاعل هنا “ناصح”.

5- إتيانه بلام التأكيد في جواب القسم. “لمن الناصحين”.

6- صوَّر نفسه لهما من جملة الناصحين. وهكذا يَلبس أصحاب النحل المنحرفة عن الإسلام التي تخالف أصول الشرع وأحكامه ثوب الواعظ المشفق، “وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)” البقرة. 

وتلعب بعض وسائل الإعلام والتواصل الحديثة – صحف – مجلات – سينما – مواقع – ألعاب الكترونية إلخ  دوراً كبيراً في زماننا في تلوين أمزجة الشعوب وفق أجنداتها  وخططها الماكرة التي أفضت إلى صناعة إنسانٍ هش الشخصية مضطرب النفسية، متقلب المزاج، ضعيف الإرادة عديم الغاية، قلق الفؤاد ظمئ الروح، تائها يسير في الأرض حيرانًا.  والحديث في هذا يطول عن المقام.

“فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا ……(22)” الأعراف

وهكذا يفعل الشيطان مع الإنسان، كلما اقتحم بابا من الشر وظن أنه فيه ما يشبع لذته ويحقق غايته وسعادته وجد نفسه يجري خلف وهمٍ وخيالٍ وسرابٍ . ولن يجني من وراء ذلك إلا الندامة والشقاء. ونسأل الله السلامة وحسن العاقبة.

 الكون والوجه الآخر للفطرة

تتجلى سلامة الفطرة في الكون كما في النفس، فنظرةٌ إلى زُرقة السماء وصفائها، ومشهد البحر وأمواجه، وأصوات العصافير وأنغامها، وخرير الماء وصوت حفيف الأشجار، وجمال ساكن في جناح فراشة، وألوان زاهية في ورود جميلة، وتناسق بديع وتكامل دقيق في خَلْق الله تعالى . كل هذا يعكس معنى الفطرة، فالنفس بطبيعتها تحب الجمال وتنفر من الفوضى، وتستعذب الأصوات الحسنة وتصد عن أنكر الأصوات، وتأْلَف السكون وتضجر من العبث. 

وهكذا يجب أن نحافظ على سلامة فطرة أولادنا من التبديل والتغيير، بحسن تربيتهم على الكلمة الطيبة، والمنظر الجميل، والنظام والدقة، والمحبة والتسامح، واحترام الحقوق، وبيان معالم الحلال والحرام، وتحسين الحسن، وتقبيح القبيح.

وما زال في حديثنا بقية إن شاء الله.

كتبه فضيلة الشيخ/ طه عامر

Posted on Leave a comment

خواطر حول الحج 2021/ 1442 | خطبة جمعة

أيها الأحبة في الله

في يومنا هذا ينهي حجاج بيت الله الحرام آخر أعمال الحج في منى، فيرمون الحجرات للمرة الأخيرة، ثم يتوجهون إلى بيت الله الحرام في مكة ليكون طواف الوداع آخر عهدهم بالبيت الحرام قبل المغادرة، وفي هذا الصدد تحضرنا بعض الخواطر والذكريات من الحج، نذكر شيئا منها بحسب ما يتسع له المقام:

أول ما تلحظه النفس هو عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فمن تأمل في الأعداد الهائلة التي تقصد تلك البقاع في تلك الأيام, واجتماعها هناك, وأداءها لهذه الشعائر، يقفُ معظّماً لخالقه العليم بهؤلاء المحيط بهم، ويزداد إيماناً بربه سبحانه الذي له الصفات العلى والأسماء الحسنى، قال تعالى كما في سورة مريم [94]: “لقد أحصاهم وعدهم عداً ..”.

لقد علم الله بهم وبوقت مجيئهم، ومحل استقرارهم، وعلم بأحوالهم ونياتهم، وحوائجهم ورغباتهم، ووقوفهم ومبيتهم، ودعواتهم ومطالبهم في عِلمٍ جليلٍ عظيمٍ لا يغادر كبيرة ولا صغيرة من أحوالهم إلا أحصاها.

الأمر الثاني: الاستجابة العجيبة من هؤلاء البشر، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، لنداء تردد منذ قرون على لسان نبي الله إبراهيم بعد الانتهاء من بناء الكعبة كما في سورة الحج [26-27]: «وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ»

فالحاج يشاهد بنفسه هذه الاستجابة العجيبة، ويرى الحجاج يتحركون نفس الحركة، ويقومون بنفس الأعمال، دون لغة تربط بينهم، غير لغة القلوب، ونداء الإيمان.

الأمر الثالث: إن منظر الحجاج وقد لبسوا البياض، وحشروا في مكان واحد، كيوم عرفة، يذكرنا بيوم القيامة، حيث يحشر الناس في صعيد واحد ينتظرون بدء الحساب، ويخشى كل واحد منهم عاقبة أعماله السيئة، ويرجو ثواب أعماله الصالحة، ويطمع في رحمة ربه التي وسعت كل شيء، كما قال تعالى في سورة الأعراف [156]: “ۖ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ

الأمر الرابع: الذكريات التي تحضر الحاج وهو يؤدي المناسك، فيذكر في طوافه تعظيم نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل وكذلك نبينا محمد عليهم السلام أجمعين للبيت الشريف، مستحضراً قول الله سبحانه في سورة الحج [32]: “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”، ويذكر في صلاته خلف مقام إبراهيم اجتهادَه عليه السلام في البناء، وحرصه على تنفيذ أمر الله في بناء الكعبة وخدمة الإسلام بذلك البناء.

ويذكر في سعيه بين الصفا والمروة سعي أم إسماعيل هاجرَ بينهما بحثاً عن الرزق لولدها الرضيع دون اعتراض على أمر الله لزوجها إبراهيم عليه السلام، الذي تركها وحيدة في تلك الصحراء بأمر من الله عز وجل.

وكذلك حين يشرب من ماء زمزم، أو يرمي الجمرات، أو يحلق، أو يُقصّر.

وكذلك حين يزور المدينة المنورة وما حولها من الأماكن التي كانت مسرح الأحداث العظيمة التي أهدت إلينا خير الأديان.

الأمر الخامس: استماع الحاج للقرآن وهو يتلى في المكان الذي نزل فيه أول مرة على قلب محمد صلى الله عليه وسلم يعطيه نوعا من الخشوع لا يمكن أن يجده في أي مكان آخر.

وأذكر – في إحدى السنوات – أن إمام الحرم قرأ مرة في صلاة الفجر آيات من سورة الأنفال حتى وصل إلى قوله سبحانه: “وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ” [الأنفال: 30]، فأجهش بالبكاء ولم يستطع أن يواصل القراءة بعدها، وبكى الكثير من الحجاج معه، ثم ركع الإمام لينهي الصلاة بذلك.

فتأملتُ حجم المؤامرات التي حيكت ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف نجاه الله منهم، ثم أعاده إلى نفس هذا المكان لتُتلى فيه هذه الآية، ويُتلى كذلك سائر القرآن، وكيف تحوّل هذا المكان الذي كان مركزا للتآمر على الإسلام، إلى قلب الإسلام النابض، ومركز الأنوار في الكون كله، تشع منه إلى أرجاء الدنيا كلها.

فلا خوف على الإسلام بعد هذا، ولا يمكن لهذا النور الذي أرسل الله به نبيه صلى الله عليه وسلم إلا أن يتم وينتشر في الدنيا كلها.

الأمر السادس: حين أتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج”، أعلم حجم النعمة التي من الله بها على من حج بيته، فليجتهد في المحافظة عليها بأخلاقه وحسن عبادته لله عز وجل، لعل رحمة الله سبحانه تشمل المسلمين أجمعين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله أتباعه أجمعين.

خطبة للشيخ: علي بن مسعود

Posted on Leave a comment

خطبة جمعة | المسلم الأوروبي حين يكون قدوةً صالحةً

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد، فإن للأخلاق أعظم الأثر في التعريف بالإسلام ومحو الصور المغلوطة عنه، وحياة المسلم الأوروبي بأخلاق الإسلام تغني عن ألف كتاب مترجم، وألف محاضرة تشرح جمال الإسلام وسماحته؛ لأن المواد المشوِّهة لصورة الإسلام أضعاف التي تصف حقيقته. ولهذا قيل: حال رجل في ألف رجل أبلغ من كلام ألف رجل في رجل. وخطابنا للمسلم الأوروبي بضرورة أن يجسد الإسلام بأخلاقه لا يعني أن يكون المسلم نفعياً يفعل ذلك فقط ليدخل من يرى أخلاقه الإسلام فإن علم أن من يراه له موقف رافض للإسلام غير سلوكه وأخلاقه معه، وإنما يفعل ذلك أبداً في كل الأحوال والأوقات، لأن الإسلام يأمره بذلك وأما هداية الناس إلى الإسلام فأمر قلبي بيد الله وحده {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56]

وقدوتنا هو نبينا صلى الله عليه وسلم الذي تعامل بأخلاق الإسلام مع كل الناس حتى خصومه وأعداءه الذين آذوه وتآمروا على قتله؛ فقد عامل ثمامة بن أثال الذي كان زعيما وقائدا من قادات قريش بالحسنى، رغم ما بدر منه من إساءات، حتى قال ثمامة:”والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ” فأسلم بعد إطلاق سراحه وهذا يعني أن تصرف النبي صلى الله عليه وسلم معه كان مبدئيا ذاتيا وليس نفعيا مصلحيا. وكذلك ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأمانات لأهل مكة قبل الهجرة رغم إيذائهم له؛ لأنه يثبت المبدأ ويغرس القيمة، وإنقاذ يوسف عليه السلام مصر من المجاعة الاقتصادية بتفسيره لرؤيا الملك رغم أنه ظلم وسجن بضع سنين ولو عاملهم بمسلكهم معه لتركهم للهلاك. لهذا يبلغ المسلم بحسن خلقه درجة الصائم القائم كما في قوله صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَات قائم الليل صائِمِ النهار” وقال أيضا: (ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخُلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيّ) ولهذا ركز جعفر بن أبي طالب في خطابه مع النجاشي على القيم الأخلاقية الإيجابية التي جاء بها الإسلام والمشتركات بين الإسلام والمسيحية دين النجاشي يومئذ، ولم يدخل في دوائر العقوبات والمتغيرات.

والمسلم الأوروبي هو كتاب مفتوح عن الإسلام يقرأ من يراه ويخالطه الإسلام فيه، فحين يكون قدوة صالحة يحقق معنى البلاغ والبيان والشهادة على الناس بسلوكه وأخلاقه، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “إن الصحابة نقلوا الأمم إلى الإسلام ولم ينقلوا الإسلام إلى الأمم” وذلك بسلوكهم وأحوالهم، ولم ينقلوه إليهم في صورة محاضرات وكتب مترجمة وسلوكهم وحالهم يناقض قيم الإسلام ومبادئه.

وهذه نماذج عملية لتأثير القدوة الصالحة للمسلم الأوروبي في تغيير الصورة الخاطئة عن الإسلام في أعين الغربيين:

  • توبة قبل الحج: حدثني إمام تركي ثقة أن مسلماً تركيا يعيش في إحدى المدن الألمانية قرر الذهاب إلى الحج قبل عدة أعوام، وأراد أن يتوب إلى الله قبل سفره لتُقبل حجته فذهب إلى شركة المواصلات الألمانية وقال لهم: لقد ركبت عشرين سنة دون ثمن وكنت أتحايل لأتهرب من الدفع والآن أريد أن أدفع عن العشرين سنة لتقبل توبتي قبل الحج. استغرب الموظفون وقالوا له اذهب لا نستطيع تقييم المدة فأصَّر على الدفع، وأمام إصراره منحوه مكافأة لصدقه ببطاقة سفر مجانية داخل مدينته بقية عمره.
  • علاجُ كلبٍ يفتح للمسلمين مسجداً في فرنسا: حدثني فيلسوف وداعية مسلم في فرنسا أن امرأة فرنسية قادت احتجاجات شعبية في حي من أحياء فرنسا ضد بناء مسجد للمسلمين وصدر قرار بإيقاف البناء. وذات يوم خرجت تلك المرأة لعلاج كلبها المريض بصورة مفاجئة، وتزامن ذلك مع خروج طبيب بيطري مسلم لصلاة الفجر فأسعف كلبها وأنقذ حياته. تعرفت المرأة عليه ولما رأت خلقه كمسلم وأنه تضرر من قرار منع بناء المسجد قالت: لا أجد تعويضاً عما فعلت إلا أن أغيِّر الصورة لدى أهل الحى ليبُني المسجد وقد كان.
  • ألمانية تكتب ثروتها لجارها المسلم: لي صديق في إحدى المدن الألمانية الكبرى أحسن إلى جارته الألمانية الثرية وعاملها كأمه هو وأولاده وذات يوم بعد وفاتها بأيام فوجيء بالشرطة في بيته تسأله: أتعرف فلانة؟ قال: نعم. هل وقع شجار أو خلاف بينك وبينها؟ قال: لا. بل كانت كأنها واحدة من عائلتي وكانت تحب أولادي ويحبونها. فتأكدت الشرطة بذلك من عدم صحة دعوى أولادها من أنه أكرهها أو خدعها لتكتب كامل ثروتها وهي ثروة ضخمة لهذا الأخ وتحرم أولادها. لأن الأخ لم يعلم بذلك إلا بعد وفاتها حينما أخبرته الشرطة. فانتقلت تركتها إليه وصار من الأغنياء بحسن خلقه معها.

ويلاحظ في المواقف الثلاثة أن الأخلاق كانت سببا في تغيير الصورة عن الإسلام والمسلمين، بل ترتب عليها مواقف إيجابية عملية ممن شاهدوها، وأنهم لم يعتنقوا الإسلام؛ لأن الهدى هدى الله والقلوب بيد الرحمن.

ومن تعاجيب مواقف المهتدين الجدد إلى الإسلام ولعله أطرف ما حدث لي في حياتي كلها، وما أسال دمعي، وخشّع قلبي، وأصاب سائر بدني بقشعريرة نادرة، تلك القصة التي حدّثني بها درة ولؤلؤة دعاة ألمانيا ومفكريها الدكتور العالم الرباني أحمد الخليفة مدير المركز الإسلامي بميونخ حفظه الله وسلمه، وملخصها أنه قرأ إعلانًا في صحيفة ألمانية جاء فيه: مطلوب قسيس مسلم يعمدني الإسلام! وترك المعلن عنوانه وهاتفه فاتصل به د/ خليفة فلم يرد فذهب على الفور إلى عنوانه فلم يجده، فسأل عنه جيرانه فلم يجيبوه بل خافوا منه، فترك له رسالة فيها عنوانه للتواصل معه. ثم ركب الحافلة إلى الجامعة التى كان يدرس بها آنذاك، ولما أراد النزول قال وجدتُ حاجزًا يمنعني من النزول ويبقيني لأذهب إلى المركز الإسلامي في نفس الحافلة، وهناك وجدت رسالة من صديق لصاحب الإعلان يقول فيها: إن صاحب الإعلان في المستشفى وحالته خطيرة ويحتاج إليك بشدة، ويلح في طلبك، وترك عنوان المستشفى. 

قال د/خليفة ذهبت على الفور إلى المستشفى، وما أن وصلت حتى استبشر فرحًا بوصولي قائلاً: أنت القسيس المسلم؟! قلت: بلى. وكان في الحجرة قس مسيحي فنادى عليه قائلاً ادن منا لأني سأُسلم الآن. ثم قص قصته فقال: سافرت إلى المغرب سائحًا واستضافني مغربي مسلم اسمه حسن وأكرمني وأحسن إلىّ ولم أصدق أنه لا يريد بي شرًا ولا يريد أن يقتلني، فتناومت لأنظر ما يفعل بي، وقد أحس بي وحاول أن يطمئنني لكنى بقيت خائفًا منه، ولما أصبح الصباح أحضر الفطور، وبعدها قدمت له ثمن الاستضافة، فرفض قائلاً: أنت ضيفي والإسلام أمرنا بإكرام الضيف 3 أيام، ورفض أخذ الأجرة، فاتفقت معه أن أزوره كل عام وأحببته وتعلقت به، وظللت أتساءل في نفسي أى دين يأمر بهذا؟!، وأردت التعرف على هذا الدين فلم يكن أمامي سبيل إلا أن أعلن في الصحيفة عن حاجتى لقسيس مسلم يعمدني الإسلام، لأصبح أخًا لحسن المغربي وألقاه العام المقبل وقد أسلمت مثله، فحدِّثني  أيها القس المسلم عن هذا الدين. 

قال د/ خليفة الداعية الحصيف: الإسلام دين الفطرة وهو دين تكاليفه محدودة معدودة متناغمة مع حياة الإنسان وأركانه خمسة، وعندما وصل إلى الحج قال له: أنا مريض لا أستطيع السفر هل يمكن أن يحج عنى أخي حسن؟ قال: نعم. ثم قال: ماذا أفعل لأكون مسلمًا؟ قال: تنطق بالشهادتين فنطق بها وهو فرح مسرور، وقال: الحمد لله الآن أنا مسلم، هل يلزمني تغيير اسمي؟ قال د خليفة ليس شرطًا. قال: سأغيره ويصبح اسمي حسن. ثم ودَّعه د خليفة على أن يتواصل معه للاطمئنان عليه، وفي اليوم التالي اتصل بالمستشفى ليسأل عنه فأُخبر أن روحه قد فاضت إلى بارئها بعد أن خرج د خليفة من عنده مباشرة. قال لي د خليفة متأثرًا: ولا زلت انتظر لقاء أخي حسن المغربي بأخي حسن الألماني في الجنة إن شاء الله تعالى. 

ألقيت محاضرة عن أثر الأخلاق في التعريف بالإسلام في أحد مساجد ألمانيا وذكرت فيها هذه القصة، فنقلها أحد الشباب المغاربة لأمه في المغرب عبر الهاتف، فبكت وقالت له: إن عمك حسن قد استضاف ألمانيًا عنده منذ نحو 20 سنة لعله هو، فسأل عمه فقال له: القصة متطابقة مع الألماني الذي استضفته هل يمكن أن تسأله في أى عام حدث هذا؟ 

فسألت د خليفة فقال: عام 1981 ، فقال وقع هذا معى في ذات العام

العجيب أن حسن الغربي رجل عادي غير متعلم مدخن ليس إمامًا ولا شيخًا، ولما بلغته القصة قال: الآن آن أوان التوبة الصادقة، والعودة الحقة إلى الله، فكان حسن المغربي سببا في إسلام حسن الألماني، وكان الأخير سببا في هدايته، وكان المغربي سببا في هدايته بخلق الكرم والسماحة مع شخص أجنبي لا يعرفه وعمل سلوكه في قلب ونفس الألماني رغم أنه لا يعرف اللغة ولم يحدثه عن الإسلام بمحاضرة فلسفية طويلة.

إن كل ما نذكره يضاعف المسؤولية على المسلم الأوروبي إذا انحرف عن أخلاق الإسلام، ويجعله رسول هداية إذا تمسك بها. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت والحمد لله رب العالمين.

Posted on Leave a comment

مختصر فقه ذي الحجة والعيد والأضحية

فضل شهر ذي الحجة

شهر ذي الحجة، هو الشهرالأخير من السنة القمرية، وهو ثاني الأشهر الحرم وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب.

وكانت العرب تعظم شهر ذي الحجة وتحج فيه وتحرم فيه القتال كما في سائرالأشهر الحرم، فجاء الإسلام وحافظ على حرمة هذا الشهر وشرع فيه الحج، وجعل فيه أهم أركانه وختام أعماله، قال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].

وقد أقسم الله تعال بالعشر الأوائل من ذي الحجة فقال: {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، وذهب جمهور المفسرين إلى أن المقصود بها العشرالأوائل من ذي الحجة.

وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ، يعني أيام العشر قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء” (رواه الترمذي وأبو داود).

ومن أعمالها المستحبة:

  • صيام الأيام الثمانية من ذي الحجة لغير الحاج: لحديث ابن عباس السابق.
  • صيام يوم عرفة لغير الحاج: يوم عرفة أفضل الأيام قال صلى الله عليه وسلم: “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة” (رواه مسلم)، وقال أيضاً: “صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده”. (صحيح الجامع الصغير). والراجح أن المراد بالتكفير هنا صغائر الذنوب دون الكبائر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن من الذنوب إذا اجتنبت الكبائر” (رواه مسلم).
  • كراهة صيام يوم عرفة للحاج: لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن، وهو واقف على بعيره بعرفة، فشرب، كما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبي بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فلم يصمه أحد منهم، وذلك ليجتهد الحاج في الدعاء والعبادة في عرفة، وهو الأرجح من قولي العلماء.
  • تعهد القران في هذه الأيام: ذلك أن تلاوة القران أفضل الذكر وأعظم العبادة وهي في العشر الأوائل أعظم أجرا، فكان ذلك فضلاً على فضلٍ.
  • الإكثار من الذكر فيها: قال الإمام النووي – رحمه الله-: يستحب الإكثار من الذكر فيها زيادة على غيرها، ويستحب من ذلك يوم عرفة ما لا يستحب في غيره. لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].
  • أعمال الحج: وكل أعمال الحج تكون في شهر ذي الحجة، إلا الإحرام، فيجوز أن يكون في شوال أو ذي القعدة أو ذي الحجة، وأهم أيامه يوم التروية ويوم عرفة ويوم العيد وأيام التشريق الثلاثة (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر).

حكم الإمساك عن قص الشعر والأظافر إذا دخل العشر لمن نوى التضحية:

للعلماء في هذه المسألة ثلاثة مذاهب:

  • أبو حنيفة ورواية عن مالك: مباح غير حرام ولا مكروه. لقول عائشة: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلدها بيده ثم يبعث بها ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر الهدي. (متفق عليه)، ولأنه لا يحرم عليه الوطء واللباس فلا يكره له حلق الشعر وتقليم الأظفار كما لو لم يرد أن يضحي.
  • الشافعي وروي عن مالك: مكروه غير حرام. قال الإمام الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل على أنه لا يحرم ذلك (المجموع للنووي).
  • أحمد: حرام، لما روته أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي. (رواه مسلم).

والأفضل لمن أراد التضحية أن يجتنب الأخذ من شعره وأظفاره خروجا من الخلاف.

الأيام البيض من ذي الحجة ويوم التشريق: 

الأيام البيض التي يسن صيامها هي ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كل شهر، ولكن يستثنى من هذا، اليوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأنه من أيام التشريق التي ورد النهي عن صومها، فمن تعود صيام البيض فلا يصوم الثالث عشر من ذي الحجة ويصوم مكانه السادس عشرة إن أراد.

التكبيرِ في عيدِ الأضحى

قال اللهُ تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة: 203]. والأيام المعدودات هي أيَّامُ التشريقِ الثلاثة ويوم النحر.
وقال تعالى: لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ [الحج: 28]. والأيَّام المعلومات هي الأيَّامُ العَشرالأُوَل من ذي الحجَّة.
عن أمِّ عطيةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((كنَّا نُؤمَرُ بالخروجِ في العِيدَينِ، والمُخبَّأةُ، والبِكرُ. قالت: الحُيَّضُ يَخرُجْنَ فيكنَّ خلفَ الناسِ، يُكبِّرْنَ مع الناسِ)). وفي رواية: ((فيُكبِّرْنَ بتكبيرِهم). صحيح مسلم

 وعن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ، فيكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى تَرتجَّ مِنًى تكبيرًا) رواه البخاري «970»   .

أنواعُ التَّكبيرِ في الأَضْحى

التَّكبيرُ المُطلَقُ
ويكون مِن أَوَّل ذي الحجَّةِ إلى غروبِ شمسِ آخرِ يومٍ من أيَّام التشريقِ، ولا يكون مقيدا بحال أو مكان. قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ وذِكرٍ لله). رواه مسلم

التَّكبيرِ المُقيَّدِ في عِيدِ الأَضحى ويكون دبر الصلوات المكتوبة، ويَبتدِئُ من صلاةِ فَجرِ يومِ عَرفةَ إلى عَصرِ آخِرِ أيَّامِ التَّشريق، عند الحنابلة والشافعية ومن ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع من أيام التشريق عند المالكية، والأمر في ذلك واسع.

صلاة العيد

حكمها:

صلاة العيد سنة مؤكدة واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها وأمرالرجال والنساء أن يخرجوا لها، وقال الحنابلة بأنها فرض كفاية. وقد شرعت في السنة الاولى من الهجرة.

وقتها:

وقتها كصلاة الضحى بعد شروق الشمس وارتفاعها قدر رمح، ويمتد إلى وقت الزوال؛ وعليه سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه، ولأنه منهي عن الصلاة قبل ارتفاع الشمس. ويسن تعجيل الأضحى فى أول الوقت، وتأخير الفطر.

صفتها

صلاة العيد ركعتان تليهما خطبة، يُكبر في الأولى سبع تكبيرات أو ستاًّ، بعد تكبيرة الإحرام ويقرأ الفاتحة وما تيسرمن القران، ويتم الركوع والسجود ثم يقوم مكبرا إلى الركعة الثانية ويُكبر خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال، ويقرأ سورة الفاتحة وما تيسر من القران ويتم الركعتين.

فقد ورد (أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كبَّر في عيدٍ اثنتي عشرةَ تكبيرةً، سبعًا في الأولى، وخمسًا في الأخرى، ولم يُصلِّ قَبلَها، ولا بَعدَها) سنن أبي داود وصححه أحمد شاكر

ويستحب للإمام أن يقرأ بسورتي “ق” والقمر أو بسورتي الأعلى والغاشية فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في العيد. ولكن إن قرأ بغيرهما فلا بأس.

وبعد الانتهاء من الصلاة يخطب الإمام في الناس خطبتين يفصل بينهما بجلوس، يفتتحها بالحمد ويكبر أثناءها.

متفرقات حول صلاة العيد

صَلاةُ العِيدينِ تَكونُ قَبلَ الخُطبةِ.

لحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَال: (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) متفق عليه

التكبيراتُ الزَّوائد سنة في صلاةِ العيدينِ عند جمهور المالِكيَّة والشافعيَّة والحَنابِلَة.


رفع اليدين في التكبيرات الزوائد: يخير المصلي في رفْع اليدينِ في التَّكبيراتِ الزوائدِ في صلاةِ العيدينِ، والرفع مذهبُ الجمهوروالكراهة مذهب المالكية.

لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرٌ بين التَّكبيراتِ الزَّوائدِ.

نِسيانُ التكبيراتِ الزَّوائدِ:
لا تبطل الصلاة بنسيان تكبيرات الزوائد، فمَن نَسيَها حتى شَرَعَ في قِراءةِ الفاتحةِ، فلا يُعيدُها على قول الجمهور، وصلاته صحيحة. وفصل المالكية فقالوا إذا تذكر قبل الركوع رجع إليها وأعاد القراءة وإن تذكرها بعد الركوع فلا يرجع إليها ويسجد للسهو. 

سجود السهو لترك التكبيرات الزوائد:
لا يَسجُدُ للسهوِ لتَرْكِ التكبيراتِ الزوائدِ في صلاةِ العِيدينِ، سواءٌ ترَكها عمدًا أو سهوًا، على رأي جمهور العلماء، وذهب المالكية إلى أنه يسجد للسهو لتركه سنة مؤكدة.

قضاءُ المسبوقِ للتكبيراتِ الزَّوائدِ في صلاةِ العِيدينِ:
ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن المسبوق يُكبِّرُ فيما أَدركَه من التَّكبيراتِ الزوائدِ مع الإمامِ، ويَسقُطُ عنه ما فاتَه ولا يَقضِيه، وذهب المالكية إلى أن المسبوق يقضي ما فاته من التكبيرات بعد تكبير الإمام، وإذا فاتته ركعة كاملة قضاها مع تكبيراتها.

يستحب إقامة صلاة العيد في الساحات والفضاءات العامة: عن أبي سَعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأضحى إلى المصلَّى) متفق عليه

تكرارها: يجوز إقامة الصلاة أكثر من مرة في المكان الواحد إذا ضاق ولم يتسع للجميع.

المشي إليها: من الأفضل المشي إلى مصلى العيد. 

عن أبي هُرَيرَة قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (إذا نُودِي بالصلاةِ، فأتوها وأنتُم تَمشُون) متفق عليه

 ليس لصلاةِ العيدِ سُنَّةٌ قبليةٌ، ولا بَعديَّةٌ. 
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خرَجَ يومَ أضْحَى، أو فِطرٍ، فصلَّى ركعتينِ لم يُصلِّ قبلها ولا بعدَها) متفق عليه   

يُستحبُّ الذَّهابُ لصلاةِ العِيدِ مِن طريقٍ، والرُّجوعُ من طريقٍ آخر.

عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:(كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا كان يومُ العيدِ خالَفَ الطريقَ) البخاري 

يُستحَبُّ أنْ يأكلَ في الفِطر قَبلَ صلاةِ العِيدِ، وفي الأضْحَى بعدَها.

يُسنُّ الغسلُ للعِيدينِ.

يُستحَبُّ التَّطيُّبُ ولبس أحسن الثياب في يومِ العِيدِ.

فقه الأضحية

الأضحية اسمٌ لما يُذكى من الأنعام تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر بشرائط مخصوصة

حكمها: سنة مؤكدة عند الجمهور وواجبة عند الأحناف.

قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. والمقصود في الآية النحر في عيد الأضحى.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: “ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين، ذبحهما بيده، وسمى وكبر، ووضع رجله على صِفاحِهما”(البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: “من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا” واختلف العلماء في صحته ورفعه

وقت ذبح الأضحية:

وقت ذبح الأضحية والهدي إلى آخر أيام التشريق، عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل أيام التشريق ذبح” وروي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال: النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وهو قول جمع من الصحابة والتابعين وأهل العلم وبه قال الشافعي. والأفضل المبادرة إليه يوم العاشر وقد سمي بيوم النحر.

الأضحية أفضل من التصدق بثمنها عند الجمهور وعليه المذاهب الأربعة، وقيل بأن التصدق أفضل.

ضابط اليسار في سنية أو وجوب الأضحية:

  • الحنفية: لا تجب إلا على من ملك نصاب الزكاة زائدا عن حوائجه الأصلية.
  • المالكية: سنة لمن يملك قوت عامه، ولا يتسلف ليضحي.
  • الشافعية: تشرع لمن ملك ثمنها فاضلاً عن حاجته يوم العيد وأيام التشريق.
  • الحنابلة: تشرع لمن قدر على تحصيل ثمنها ولو بالدَّين.

مم تكون الأضحية؟

  • ذهب جمهور أهل العلم بما فيهم أصحاب المذاهب الأربعة إلى أنه يشترط في الأضحية أن تكون من الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، ويشمل ذلك الذكر والأنثى.
  • وأجازها ابن حزم بكل حيوان يؤكل لحمه من ذي أربع أو طائر كالفرس والإبل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله.
  • لا يجزيء في الأضحية شراء لحم وتوزيعه على الناس، فلا تكون الأضحية إلا بإراقة الدم.

شروط الأضحية:

  1. بلوغ السن المجزئة: وهو المعبر عنه بالثني، وذلك لحديث جابر عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تذبحوا إلا مسنةً إلا أن يَعسر عليكم فتذبحوا جذعةً من الضأن) صحيح مسلم

وجمهور العلماء -ومنهم المذاهب الأربعة وغيرهم- على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني فما فوقه. ويجزئ من الضأن الجذع فما فوقه.

وخالف الأوزاعي فرأى أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والضأن والمعز، ونقل هذا عن عطاء.

  • والثني من الإبل ما أتم خمس سنين.
  • والثني من البقر والجاموس ما أتم سنتين.
  • والثني من المعز ما أتم سنة، على أقل تقدير.
  • وجذع الضأن ما بلغ ستة أشهر عند الحنفية، وما أتم سنة عند المالكية والشافعية.


2. أن تكون سليمة من العيوب المانعة، فلا تجزئ العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والكسيرة التي لا تقدر على القيام، فهذه العيوب وماكان أشد منها لا تجوز، وما كان دونها فلا حرج فيه.

الاشتراك في الأضحية:

  • تجزئ الشاة عن أهل البيت الواحد مهما كثر عددهم.
  • والبدنة والبقرة تجزئ كل واحدة منهما عن سبعة من المضحين.
  • ولا يجوز أن يشترك أكثر من شخص في شاة واحدة، بحيث يشتركون في ثمنها، ولا بأس أن يستقل واحد بثمنها ويدخل من شاء معه في الثواب.

اجتماع الأضحية والعقيقة:

ذهب الجمهور إلى عدم الإجزاء، وقال البعض بالجواز.

ما يصنع بالأضحية:

للمضحي أن يصنع بها ما يشاء، يأكل ما يشاء، ويتصدق بما شاء ويهدي ما شاء، واستحب بعضهم تقسيمها أثلاثا.

لا يجوز للمضحي أن يبيع شيئا من أضحيته، كما لا يجوز أن يعوض الجزار بجلد الأضحية أو بشيء منها، وفي الحديث: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له).

من اشترى أضحية، فيجوز له أن يبدلها بخير منها.

مكان الأضحية وحكم نقلها:

محل التضحية هو محل المضحي، سواء كان بلده أو موضعه من السفر، وهو الأصل والأفضل وهذا متفق عليه.

لكن يجوز نقل الأضحية إلى غير بلد المضحي إذا دعت لذلك حاجة، كتعذر الذبح في بلد المضحي أو شدة حاجة المسلمين في بلد آخر.

الشيخ: كمال عمارة

رئيس المجلس الأوروبي للأئمة

Posted on Leave a comment

نظراتٌ في شرط سِنّ الأضحية في ضوء التسمين المعاصر

في العشر الأوائل من ذي الحجة يكثر السؤال والنقاش حول الأضحية وأحكامها، وهو نقاش محمود يعكس حرص المسلمين على الالتزام بدينهم والتمسك بشعائره، ومن أهم المسائل المعاصرة المتصلة بشعيرة الأضحية والتي تتطلب اجتهاداً قويماً منضبطاً يوازن بين نصوص الشرع ومقاصده، وجزئياته وكلياته، والتيسير على المسلمين دون إخلال بالهيئة التعبدية لشعيرة الأضحية.

مسألة سن الأضحية وهل هو تعبدي لا يجوز تجاوزه بالنقصان عنه، أم له قصد وعلة يدور الحكم معها وجوداً وعدما؟ وما كان هذا السؤال ليطرح لولا التغير الذي طرأ على طريقة التسمين الحديثة للأنعام التى تذبح منها الأضاحي، فصارت الذبيحة تحمل من اللحم قبل بلوغ السن الشرعي، ما تحمله التى بلغت السن وزيادة خاصة فى الضأن.

بل إن الانتظار حتى تبلغ السن الشرعي يؤدي إلى فوات وقت الأضحية وعدم مناسبة لحمها للأكل، وتعذر وجود الأنعام التي ينطبق عليها شرط السن وإن وجدت فبثمن أعلى، وأكثر المتضررين من منع ذبح الأضاحي قبل سِنِّها الشرعي هم مسلمو أوروبا؛ حيث يصعب وجود حيوانات بلغت السن الشرعي للأضحية نظراً لطريقة التسمين المتبعة أوروبيا وتعني أن الانتظار حتى بلوغ الحيوان السن الشرعي انتهاء وقت الأضحية وارتفاع ثمنه وعدم طيب لحمه، لهذا اتجهت بعض المؤسسات الشرعية المسؤولة عن الذبح الحلال إلى إصدار بيان بعدم جواز ذبح الضأن تحت السن، وطالبت المسلمين أن يوكلوا في ذبح أضاحيهم خارج أوروبا.

وأود هنا أن أبحث المسألة بإيجاز مخالفاً فيها ما ذهب إليه جمهور الفقهاء المعاصرين والمتقدمين بالقول بعدم إجزاء الأضحية التى لم تبلغ السن المحدد شرعاً، ومرجِّحا جواز الأضحية بالحيوان تحت السن إذا حمل من اللحم ما يحمله عادة الحيوان الذي بلغ ذلك السن، وهو ما رجحه وأفتى به المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمجلس الشرعي الفرنسي، ودار الإفتاء المصرية، ومن الفقهاء المعاصرين الإمام العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وذلك لأن سِنَّ الأضحية ليس أمراً تعبدياً، وإنما جُعل علامة على كثرة اللحم وجودته.

فإذا وجد السبب وهو كثرة اللحم وجودته، وُجد الحكم وهو الجواز، والفقهاء السابقون لم يكونوا بحاجة لدراسة المسألة؛ لطبيعة عصرهم وعدم طرح النازلة فيه، والفقيه ابن بيئته وزمانه، ورغم ذلك من الفقهاء من نصّ على القصد من اشتراط السن وأنه ليس تعبديا، واستطيعُ التدليل على صحة القول بعدم تعبدية السن في الأضحية بما يلي:

أولاً: النصوص المباشرة فى الموضوع وفهمها

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) رواه مسلم، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إليَّ من شاتين، فهل تُجزِئُ عني؟ قال: «نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك» متفق عليه.
هذان النصان أصل في تحديد السن المجزيء في الأضحية وهو على الراجح من أقوال الفقهاء: خمس سنوات للإبل، وسنتان للبقر ويلحق بهما الجاموس، وسنة للمعز، وستة أشهر للضأن. لكن تحديد هذا السن مؤسس على علة وهي وفرة اللحم وجودته، وقد وردت أحكام كثيرة حَدد النص لها حُكما له علة، فالحكم يدور مع تلك العلة ومن أمثلته:

سفر المرأة بغير محرم وعلته حماية المرأة وصيانتها؛ لهذا دار كثير من الفقهاء مع هذا المقصد فأباحوا للمرأة السفر بغير محرم إذا توفر لها الأمن الذي يحققه المحرم وليس في ذلك مخالفة للنص، ومثلُه في إخراج زكاة الفطر مالاً رغم التنصيص على أصناف محددة من غير المال؛ لأن القصد وهو إغناء الفقير في يوم العيد يتحقق اليوم بالمال أكثر من الحبوب، وكذا التنصيص على الرؤية البصرية كطريق لمعرفة دخول الشهر، القصد منها معرفة دخول الشهر لصيامه كاملاً دون زيادة أو نقصان كما أمر الله، والحسابات الفلكية اليوم محققة لهذا المقصد أفضل من الرؤية البصرية. وكذا الأضحية إنما حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا السِن وقرره؛ لأنه ضابط لوفرة اللحم وجودته، وهذا الضابط يتحقق اليوم في الأنعام المسمنة بالطرق الحديثة قبل بلوغ السن.

ثانياً: شروط الأضحية ناطقة بالتعليل والتقصيد

إذا كان النصان السابقان قد حدَّدا سِنّا للأضحية، فهذا النص قد حدد العيوب التى إن وجدت في الحيوان لا تصح الأضحية بها حتى وإن بلغت السن، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي”. سنن ابن ماجه بسند صحيح. تحقيق الأرنؤوط (4/ 320). والعيوب المذكورة  في الحديث كلها مؤثِّرة بصورة مباشرة في قلة اللحم وجودته؛ فالعوراء لا تبصر الطعام فيقل لحمها، والعرجاء تسبقها الصحيحة إلى المرعى فتأكل طعامها فتضعف، وكذا المريضة، وقد قاس الفقهاء على العيوب المنصوص عليها، فقالوا بعدم إجزاء الأضحية بعيوب لم ينص عليها، والجامع المشترك هو الإخلال بأمر اللحم كثرة وجودة، وهذا يؤكد التعليل والتقصيد وعدم التعبدية بالسن. 

 جاء في الموسوعة الفقهية: ومن شروط الأضحية: سَلاَمَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لاَ تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا يَأْتِي: الْعَمْيَاءُ، والْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، ومَقْطُوعَةُ اللِّسَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، والْجَدْعَاءُ: وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الأْنْفِ، والْجَذْمَاءُ وَهِيَ: مَقْطُوعَةُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْل، وَكَذَا فَاقِدَةُ إِحْدَاهُمَا خِلْقَةً، وَكَذَا (الْحَامِل) عَلَى الأْصَحِّ، لأِنَّ الْحَمْل يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيَصِيرُ اللَّحْمُ رَدِيئًا. وفرَّق الفقهاء بين مكسورة القرن ومن لا قرن لها خلقة، فلم يجوزوا التضحية بالأولى؛ لأن من لها قرن تنطحها عن الطعام لتأكله فيقل لحمها، وجوزوا التضحية بمن لا قرن لها خلقة؛ لأنه لا يؤثر في اللحم.

 بينما جوز الفقهاء الأضحية بكل حيوان فيه عيب غير فاحش لا يؤثر في اللحم، كالْهَتْمَاءُ وَهِيَ: الَّتِي لاَ أَسْنَانَ لَهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي إِجْزَائِهَا أَلاَّ يَمْنَعَهَا الْهُتْمُ عَنِ الرَّعْيِ وَالاِعْتِلاَفِ، فَإِنْ مَنَعَهَا عَنْهُمَا لَمْ تُجْزِئْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُجْزِئُ ذَاهِبَةُ بَعْضِ الأْسْنَانِ إِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ نَقْصًا فِي الاِعْتِلاَفِ، وَلاَ ذَاهِبَةُ جَمِيعِهَا وَلاَ مَكْسُورَةُ جَمِيعِهَا، وَتُجْزِئُ الْمَخْلُوقَةُ بِلاَ أَسْنَانٍ.

 وقال الفقهاء في الثَّوْلاَءُ وَهِيَ: الْمَجْنُونَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِي إِجْزَائِهَا أَلاَّ يَمْنَعَهَا الثَّوْل عَنِ الاِعْتِلاَفِ، فَإِنْ مَنَعَهَا مِنْهُ لَمْ تُجْزِئْ، لأِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى هَلاَكِهَا.

 ثالثاً: نصوصٌ فقهيةٌ تؤكد أن سن الأضحية له قصد وعلة يدور الحكم معها

جاء في درر الحكام: ” وَجَذَعُ الضَّأْنِ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا سَمِينًا لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ يَحْسَبُهُ ثَنِيًّا، وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ جَذَعِهِ، وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ ، وَكَذَا الذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ مَوْجُوءًا أَيْ خَصِيًّا وَاسْتَوَيَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ قَلْبُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ قِيمَةُ الشَّاةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَالشَّاةُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ لَحْمًا وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ، لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ أَطْيَبُ فَإِنْ كَانَ الْبَقَرَةُ أَكْثَرَ لَحْمًا فَسُبْعُ الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ سِتِّ شِيَاهٍ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً وَلَحْمًا وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقَرَةٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.

وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَحْسَنَ” فالحاصل أن معيار المفاضلة والترجيح هو كثرة اللحم وجودته حتى في الأنعام البالغة السن يستحب أن تكون أسمن وأحسن، ومن العجيب في هذا النص تفضيل الشاة على البدنة وهى الناقة أو البقرة، وسميت بدنة لعظمها وسمنها، وسبب التفضيل علو قيمة الشاة إن كانت أسمن، وأساس ذلك كله القول بالتقصيد والتعليل.  

 أيهما أولى لمسلمي أوروربا التوكيل أم الأضحية مع التجاوز عن شرط السن؟

من الظواهر اللافتة للنظر على الساحة الأوروبية التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج أوروبا سواء عن طريق المؤسسات الإغاثية في البلدان الفقيرة، أو في الأوطان الأصلية لمسلمي أوروبا، والسبب هو الاعتقاد أن القصد الأعظم من الأضحية هو إطعام الفقراء وهم قلة في أوروبا إن لم يكونوا منعدمين، أو ظناً منهم أن الأضحية لا تجزيء إذا سبقت بالتخدير، أو لعدم توفر الأنعام التى بلغت السن.

وهذه الظاهرة آثارها خطيرة على مسلمي أوروبا؛ إذ ينبني على انتشارها اختفاء الشعيرة في حياة وممارسة الأجيال الجديدة من أولاد المسلمين الأوربيين ولهذا كانت فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رقم:141 (7/25) ومما جاء فيها: “الأصل في التضحية أن تكون في بلد المضحي، فما تقدم ذكره من الشرائع والسنن لا يمكن تنفيذ معظمه إلا بذلك، وتوكيل الثقات الأمناء بالتضحية في غير بلد المضحي جاز استثناء من أجل تلبية حاجة أشد، وتغليبا لمصلحة الفقراء، وهذا مع جوازه فلا يترك به الأصل، وإنما تراعى المحافظة على الأصل بالتضحية في بلد المضحي للحِفاظ على هذه الشعيرة ،وبخاصة في أوروبا، لما فيها من إبراز الخصائص التعبدية للمسلمين، وتنفيذ الشرائع والسنن المتصلة بها، وتنشئة الأجيال على معرفة وحفظ هذه الشعير”  فالأولى الأضحية بالأنعام تحت السن الشرعي، وفق ما ذكرنا عن التوكيل والتوسع فيه بالنظر إلى المآلات المشار إليها.

وأختم بما جاء في قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: ” أن الأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل السن خصوصا الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا ، وكذلك عجول التسمين التي تنمو في عدة شهور ، سواء أكان ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين ، فإن الأضحية بها جائزة تحقيقا للمقصود الشرعي من اشتراط السن ، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية” .

والله أعلم

د. خالد حنفي 

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 

الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

Posted on Leave a comment

الأضحية في الغرب وترسيخ المواطنة والهوية

من الشعائر الظاهرة التي ترسخ هوية المسلمين في الغرب شعيرة الأضحية، واستمساك المسلمين بها وحرصهم عليها في الغرب مما يعمق هويتهم وانتماءهم لدينهم وأمتهم، كما تعكس شعيرة الأضحية وذبحها حيث يقيم المسلم الأوروبي قيمة المواطنة والموازنة المنضبطة بين الانتماء للدين وللمجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه، ومن الظواهر الآخذة في الانتشار بصورة كبيرة بين مسلمي أوروبا، التوسع في التوكيل بذبح الأضحية خارج أوروبا إما في بلدانهم الأصلية بواسطة أقاربهم، أو في البلدان الأكثر فقراً وحاجةً بواسطة المؤسسات الإغاثية، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها: 

1. قلة الفقراء والمحتاجين فى أوروبا، مقارنة بخارجها، والاعتقاد بأن المقصد الأعظم من الأضحية هو مساعدة الفقراء وليس إحياء سنة أبينا إبراهيم والاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والوقوف على المقاصد والمعاني الكامنة في التضحية والذبح. 

2. تفريق كثير من المسلمين في النظر إلى تخدير ذبيحة الأضحية والذبائح على مدار العام، وهذا خطأ لأنه إذا صح أكل الحيوان المسبوق ذبحه بالتخدير في غير ألاضحية صح ذبحه وجاز أكله بالتخدير في الأضحية.

والأصل أن تذبح الذبيحة دون تخدير أو صعق إذا سمح بذلك القانون فى بلد المضحي، أما إذا لم يسمح القانون بالذبح دون تخدير فيجب الالتزام بالقانون، والذبح صحيح ما لم تمت الذبيحة من التخدير. وهذا يعني أن ذبح الأضحية المسبوق بالتخدير مشروع ومجزيء ومحقق للسنة ما لم يتسبب التخدير في الموت وهو ما يمنعه القانون وتحرص على مراقبته المجازر الإسلامية في الغرب.

3. عدم توفر الوقت للذبح خاصة إذا وافق يوم العيد يوم عمل، وميل أغلب الناس للذبح يوم العيد، رغم صحته وسعته حتى رابع أيام العيد. 

ومع استمرار الكوارث واتساع رقعة الفقر وكثرة المعوزين في العالم العربي والإسلامي لا يكاد ينتهي سبب التوكيل خارج أوروبا في الأضحية. 

لهذا أدعو المسلمين، والأئمة والمراكز الإسلامية في أوروبا إلى الذبح حيث يقيمون مع رعاية الشروط الصحية والقانونية فى الذبح قدر الإمكان، وحث الناس على التصدق بالمال في بلادهم والبلدان الفقيرة أو الجمع بين الأضحية في أوروبا والبلد الأصلي أو الأشد حاجة، ويمكن أيضا الموازنة بالأضحية عاما بعد عام بين الشرق والغرب وعدم التزام الذبح كل عام خارج موطن إقامة المسلم توكيلاً أو تحويلاً؛ وذلك لما يلي: 

1. الأصل فى الأضحية أن يذبحها المضحى بنفسه وأن لا يوكل غيره بذبحها إلا استثناء، فإن وكل غيره شهد ذبحها، ورغم مشروعية التوكيل إلا أنه يجب أن لا يصار إليه إلا استثناء، وما يحدث في أوروبا الآن هو تحول الاستثناء إلى أصل وقاعدة، وتوكيل مؤسسة بالذبح في أوروبا خير من توكيلها خارجها؛ لأن العائلة تأكل من لحمها وتعيش معانيها، ويهدي الجيران منها مسلمين وغير مسلمين، كما تقوى الروابط الاجتماعية بين المسلمين بالاجتماع على طعامها أو الإهداء منها.   

2. التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج البلاد يترتب عليه اختفاء الشعيرة في الجماعة المسلمة، ونشوء أجيال لا تعرف هذه الشعيرة ولا تحرص عليها، بل تتأفف من الذبح وتنفر من الدم، وهو مآل واقع لا متوقع. وقد حدثني عدد من المسلمين في ألمانيا أن أولادهم لا يسمعون عن شعيرة الأضحية، وأضاف بعضهم أنه يحرص على قضاء عيد الأضحى في بلده ليشهد أولاده الأضحية معه رغم إمكان ذلك في الغرب بشىء من حسن التنظيم والتعاون.

3. القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء الشعيرة والاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام وليس التصدق على الفقراء، ولعل أرجح الأقوال في المسألة رأي الحنفية والمالكية الذين ذهبوا إلى أن التصدق من الأضحية مستحب وليس بواجب. 

4. الاستمرار في التوكيل بالأضحية خارج أوروبا يفوت مقاصد الأضحية وشعيرتها الكلية والجزئية.

5. التوكيل في الأضحية خارج بلد المضحي يفوت مقصد التواصل مع الجيران من المسلمين وغير المسلمين وإعطائهم من الأضحية وإظهار قيم التسامح والتعاون والبر والصلة، ومحو الصور السلبية والأحكام المسبقة عن المسلمين. 

وظني أنه بوسع أغلب المسلمين في أوروبا أن يجمعوا بين الأضحية والصدقة، أو تحقيق الموازنة بين المساهمة في توظيف الأضحية في تخفيف معاناة المحتاجين في البلدان الفقيرة، وبين إحياء الشعيرة حيث يقيمون في الغرب. 

وكل ما ذكرت لا ينفي صحة التوكيل في ذبح الأضحية خارج أوروبا بشرط أن لا يؤدي تكراره كل عام إلى ذهاب الشعيرة وانعدام المضحين في أوروبا رغم يسارهم. 

والله أعلم

وكتبه 

د. خالد حنفي 

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 

الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

Posted on Leave a comment

أولادنا في أوروبا وآفاق التربية

 إن تربية أبنائنا في بيئتنا وعالمنا المعاصر تربية إسلامية واعدة أمراً ليس هيِّنا، فدونه عقبات وتضحيات، ولكن في الوقت ذاته ليس بعيد المنال أو مستحيلاً، رغم ما للبيئة من تأثير كبير على أخلاق وسلوك وعقيدة الطفل ومعالم شخصية الشاب والفتاة، غير أن الكلمة الأخيرة ستبقى للأسرة، وهذا مرهون بحسب نوع التربية التي يتلقاها الطفل، وطبيعة النشأة التي سينشأ عليها، ومدى ما يبذل الوالدان من جهد، وشكل العلاقة الناضجة والثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء، والحرص على إشباع الحاجات الأساسية عندهم.

بوسعنا أن نُقدم لألمانيا وأوروبا وللعالم جيلاً محباً لوطنه ناشراً للعلم والرحمة والعدل والمحبة والسلام، مؤمنا بالله تعالى، موصولاً به محباً له، متعلقا بالرسول الأسوة ﷺ، نافعاً للناس، منتميا لأمته، محبا للخير لكل للعالم.

أربع حقائق مهمة بين يدي المقال/

1- كل جهد صادق لا تضيع ثمرته:

من سنن الله تعالى التي جعلها قانوناً يحكم حركة الحياة، أن لكل مجتهد نصيب من سعيه، وأن من أتقن عمله وسهر الليالي وصل إلى مبتغاه، وأن من طلب شيئا وبذل فيه نفسه وصل إلى مراده.

وربنا الرحمن ذو الفضل العظيم لن يُضيع تعب أم سهرت لحراسة دين أولادها، تعليماً وتوجيهاً وتهذيبا وتزكيةً وتطهيراً.

إن الله لا يضيع جهد أب أطعم أولاده حلالاً، وبذل جهده ليكون لهم قدوة، وقرأ وتعلم ليقوم بمهمته الكبرى وصبر وصابراً وأحسن التوجيه والنصح. 

«إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ» (90) {يوسف}

ولكل من يواجه معاناةً في التربية ويعالج أزمات ومشكلات فليتأمل هذه الآية لتأخذ بيده نحو العمل الجاد وبذل الجهد النفسي والفكري، وتبشره بأن الله سينير طريقه ويهديه لأفضل السبل:

«وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (69) {العنكبوت} 

وتبقى كلمة مهمة، وهي: ليس كل جهد في تربية الأبناء يفضي إلى غايته المأمولة، فالمطلوب أن نبذل جهداً عن علمٍ ومعرفةٍ.

على المربي أن يأخذ حظه من العلم بأساليب التربية، وفقه للواقع الأوروبي/ طبيعته/ عاداته/ ثقافته/ لغته/ مشكلاته/ بالقدر الذي يعينه على مهمته، فلا يصح أن يكون غريبا عن المجتمع.

إن صلاح الآباء وحده لا يغني، والجهد العشوائي التقليدي لا يثمر كثيراً، واستنساخ التجارب من الشرق والغرب واستيراد الأساليب التربوية دون تمحيص وغربلة ووزنها في ميزان الشرع والعقل ورصيد التجارب المعتبرة، يؤدي إلى نتائج وخيمة.

ولو أننا بذلنا أقصى جهدنا وحصَّلنا من المعارف التربوية والتجارب العملية الكثير والكثير، وقرأنا عشرات الكتب في التربية وفنونها ومهاراتها، فإن ذلك وحده لا يُفضى إلى صلاح الذرية لو خلت تلك الجهود من التوكل على الله تعالى وصدق اللجوء إليه والتضرع بين يديه والحرص على أكل الحلال وتقوى الله تعالى.

 «وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» (9) النساء  

 2- التجارب الواقعية باب الأمل:

نعم، رغم الصعوبات التي تعترض أولادنا وشبابنا في عالمنا المعاصر، فتهدد هويتهم وعقيدتهم، غير أن هناك كثيراً من الأسر المسلمة قدمت نماذج رائعة في تربية أبنائها، حيث جمعت بين الصلاح والإصلاح، والتألق الإيماني والتأنق الأخلاقي.

والتجارب بين أيدينا كثيرة، ولعلي أذكر بعضاً منها، لأسر بسيطة في تكوينها العلمي والثقافي:

– دُعيت يوما لعقيقة في بعض المساجد بضواحي مدينة فرانكفورت، وجلست بجوار رجل مغربي تجاوز السبعين، وأثناء الحوار سألته كم عدد أولادك؟ قال: خمسة، وبدأ يذكرهم بأسمائهم ووظائفهم، فيهم الطبيب والمهندس والمعلم، فسألته كيف نجحتَ في تربية أولادك؟ قال: أردت أن يكونوا للدنيا وللدين، قلت: كيف؟ قال: لقد اشتريت بيتا في المغرب وحينما كبر أولادي قمت ببيعه حتى ألبي حاجاتهم التعليمية كاملة غير منقوصة، يقصد اللغة العربية والتربية الإسلامية، ورفع مستواهم العلمي والثقافي. العجيب أن هذا الرجل لم يحصل على شهادة جامعية ولا متوسطة، فكيف فعلها هو وزوجته؟ 

إنه بركة الصدق والجهد والصلاح واكل الحلال.

– سألت عددا من الشباب الذين لا يبدو عليهم أنهم وُلدوا في ألمانيا، لأنني لاحظت أن لغتهم العربية قوية لا يظهر عليها لحن جلي أو خفي، وسألتهم عن سر اتقانهم للعربية فأجاب بعضهم – وأمه ألمانية مسلمة – أن الفضل يعود لأبيه، إذ  كان يتولى تعليمه ويقضي معه أوقاتا لتعليمه.

وأمَّا بقية الشباب فقد أجمعوا على أن الفضل يعود لمجاهدة الأم مع أولادها تعليما وتحفيزا، فلغة التواصل بالمنزل كانت اللغة العربية، مع ما تلاقيه الأم في ذلك من جهد عظيم، إضافة إلى دور المساجد والمدارس العربية نهاية الأسبوع، والعطلة الصيفية التي كانوا يقضونها في البلاد العربية في عطلة الصيف.

وأحب التنويه هنا لأمر هام وهو:

إن كثيرا من المهاجرين القدامى والجدد  – من غير المسلمين –  يحرصون على تعليم أولادهم لغاتهم الأم، مثل اليونانيين والإيطاليين والكروات وغيرهم، وأسسوا لذلك مدارس نهاية الأسبوع وقد لقيت بعض الشباب الكروات المولود في ألمانيا فرأيته يتقن  الكرواتية مع الألمانية، قراءة وكتابة ومحادثة، وأخبرني أن والدته كانت تذهب به منذ الصغر إلى المدرسة الكرواتية بفرانكفورت نهاية الأسبوع،  ولا ريب أن  المحافظة على لغات الآباء له أثره الإيجابي على المجتمع، إنسانيا وثقافيا واجتماعيا وتواصلا حضاريا .

علينا معاشر الآباء والمربين وكل مهموم ببناء الجيل أن نجالس أصحاب التجارب الناجحة، فنفيد من خبراتهم وننتفع بنصائحهم لنعرف مَنْ نجا كيف نجا، فإننا أحيانا نقف على ظاهر الأشياء دون سبر أغوارها والوقوف على حقائقها.

 يجب أن ندرك أسباب النجاح والفشل في التجارب التربوية، فنتأمل أسرار التوفيق لنهتدي بها، ونقف على عوامل الفشل فنحذرها. والسعيد من اتعظ بغيره.

  3- لا تكليف إلا بوسع:

تلك القاعدة الجليلة مستنبطة من قول الله تعالى:

«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا …» البقرة (286)

إن الله جلَّ وعلا لم يكلفنا فوق طاقتنا، وإن كلفنا بشيء أمدنا بأسبابه، ولم يأمرنا بما لا قدرة لنا على القيام به، فالواجبات التي كلفنا الله بها تدخل عادة ضمن قدرتنا وإمكاناتنا، فإن عجزنا عن شيء لظرف خارج عن إرادتنا فقد جعل الله لنا سبيلا فيما رخص لنا، وما نهانا الله تعالى عنه نستطيع أن ننتهى عنه، فهو الخالق الذي يعلم السر وأخفى ويعرف طبيعة خلقه «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (14)  {الملك}

فمن رسم طريقه وعرف قبل أن يتزوج غايته من الزواج، وغايته من الإنجاب هانت عليه التكاليف، ولنتعلم من السادة الأنبياء عايهم أزكى صلاة وسلام كيف تكون الغاية من وجود الأولاد في حياتنا، ها هو زكريا عليه السلام دعا ربه: «قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» (38) {آل عمران}

 هب لي من لدنك ذرية طيبة …. طيبة النشأة، طيبة القلب، طيبة الفكر، طيب الروح، طيب الخلق، طيبة السلوك، طيبة الحياة.

وفي موضع آخر : «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)»   {مريم}

هب لي من لدنك وليا، لك خالصا، لك عابدا، لك داعيا مخبتا منيبا. والوراثة هنا هى وراثة العلم، ووراثة الحكمة، ووراثة رسالة الإصلاح والتغيير والهداية والنور، والقيام بحق الخلافة في الأرض.

 قال رسول الله ﷺ: «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر» رواه أبو داود والترمذي.

 4-  أطفالنا .. فطرة سوية وقلوب نقية:

تناول القرآن الكريم الحديث عن الفطرة في مواضع كثيرة، قال تعالى: «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (30) {الروم}

يقول الإمام الطبري في معنى قوله جلَّ ذكره: ” فطرة الله “: “صنعة الله التي خلق الناس عليها” 

قلت: لقد أسرتني هذه العبارة من الإمام الطبري. وإنني أرجو من القاريء الكريم أن يقف عندها.

 “صنعة الله”….. الكاملة الوافية المباركة التي لا عِوج فيها ولا تفاوت.

 إن الله جلَّ في علاه لم يصنع شيئا إلا وهو في غاية الإتقان والإحكام والنظام والتناسق والجمال، أما الفوضى والتشتت والفساد فهى مما جنته يد بني آدم.

خلق الله الكون مباركا فسيح الأركان جميل البنيان متناسق التركيب، طيبا مباركا فيه، وما أصابه من فساد وخلل وثلوث بيئي ظاهر يهدد البشرية بالفناء، واعتداء على الطبيعة فهو أثر من جشع الإنسان وطمعه وحجوده لنعمة الله وأنانيته البغيضة.

يقول النبي ﷺ موضحا حقيقة الفطرة السوية التي خُلق عليها الإنسان:

«ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة -رضي الله عنه- فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم» رواه البخاري ومسلم .

وفي حديث رواه مسلم في الصحيح يقول الله تعالى: «إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا».

تلك هى الحقيقة، حنفاء: أى مائلين وقابلين للحق بفطرتهم السليمة.

فالطفل ورقة بيضاء وقطعة من نور الحق وضياء التوحيد، وهى كالأرض الخصبة تجني منها ما زرعت فيها، فإن غرستَ في أحشائها ورْداً رجعت عليك بورود زاهية الألوان عطرة الرائحة، وإن غرستَ صبَّارا، {نبات شديد المرارة} لن تجده إلا مُرَّاً، وإن زرعتَ شوكا لن يكون ياسميناً.

اغرس في قلب ولدك محبة الله تعالى والرغبة في لقائه والشوق إلى جنته، ستراه يخشى الله ويتقه إذا خلا بمحارمه. 

 اغرس في قلبه محبة الرسول ﷺ ومعرفته عن علم وفهم، وصِل قلبه به بكثرة مطالعة سيرته الشريفة والصلاة عليه، سيترسم خطاه ويهتدي بهداه ويقتفي أثره يترنم بالصلاة والسلام عليه.

واعلم أيها القارئ الكريم أنك بقدر ما تتمنى تتعنى كما قال أهل العلم، أي: على قدر غايتك وعلو همتك تكون التكاليف، وكدّ الليل والنهار، وكما قال الشاعر:

لا تحسبنَّ المجد تمراً أنت آكله *** لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرَ

– هل تريد أن يكون ولدك صالحاً مصلحاً، نقياً تقياً، راشداً مرشداً، كريماً وفياً، شجاعاً أبياً؟

اصنع له عالَماً وبيئة تعينه على طريق الإيمان والصلاح والإصلاح، والطهر والنقاء، والعطاء والوفاء.

–  هل تريد أن يكون ولدك رفيقاً حنوناً لطيفاً كريماً إيجابيا ًمبادراً  للخيرات وصَّالاً للرحم مجافياً للمنكرات ؟

كن به رحيما قريبا ودودا.

–  هل تتوق أن يكون بك باراً حَفِياً؟

  املأ قلبه حباً وعطفاً تجده بك عطوفاً رحيماً وفيَّاً رضياً، اجعل الرفق لك شعارا والرحمة دثارا والحنان رداءً.

يبين الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء تلك الحقيقة التربوية الهامة في عبارة ذهبية رائعة:

«والصبيان أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نُقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، فإن عُود الخير وعُلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له مؤدب، وإن عُود الشر وأُهمل إهمال البهائم شقى وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له».

كم أشعر بالألم والحزن حينما قرأت كلام الإمام أبي حامد… نعم، قلوب أطفالنا طاهرة نقية وفطرتهم خالية من الشهوات والشبهات ومن فتنة الدنيا وزينتها، قلوب طاهرة من الحقد والحسد، طاهرة من الكراهية، قلوب بريئة، تُسعدها كلمة وتأسرها بسمة، قلوب لا يَعْلَق بها أثر خصام عارض ولا غضب طاريء، لا تعرف الكيد والمكر السيء، كأن قلوبها قطعة من السماء في يوم رائق لا تبصر إلا الصفاء والنقاء، فكيف نحافظ عليها، وكيف نبقيها بجمالها وروعتها ورقتها؟

ولماذا تتغير الفطرة وتنحرف وتنجرف، وتتبدل وتتغير؟ هذا سيكون موضوع مقالنا القادم بحول الله تعالى.

طه سليمان عامر

عضو المكتب التنفيذي للمجلس الأوروبي للأئمة

رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا

Posted on Leave a comment

بمناسبة العشر الأوائل من ذي الحجة

بقلم الشيخ عبد المجيد نوار

إن من نعم الله علينا أن جعل لنا مواسم خير وعطاء، نستجلب فيها رحمته ومغفرته، ونتزود منها للقائه. ومن هذه المواسم المتميزة العشر من ذي الحجة، والتي جمع الله فيها أُمهات العبادات كما أشار إلى ذلك ابن حجر رحمه الله بقوله: ” والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أُمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره ” فتح الباري. وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: ” وقد دلت الأحاديث على ان العمل في أيام ذي الحجة أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء شيء منها، وإذا كان أحب إلى الله فهو أفضل عنده”.

فهيا بنا أيها الأحباب نري الله من أنفسنا خيرا، فإننا مقبلون على عشر مباركة، أقسم الله بها في كتابه، فقال: وَالفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ والعظيم لا يقسم إلا بعظيم.. وهي الأيام المعلومات التي شرع الله ذكره فيها، فقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ

وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام))، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟! قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء)) أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

أولا: من أرادَ الصلاةَ تطهَّر لها، وكذا من أراد أن يتقبل الله منه صالح العمل ويستجيب دعاءه ويغفر له في موسم الخير والغفران، فعَليه أن يتطهَّر من أدرانِ الذنوب وأن يغسِلَ قلبَه من أوحالِ المعاصي، فالتّوبةُ والاستِغفار من أولى ما تُستَقبَل به مواسمُ الخير، فكيف نلقَى الله تعالى وندعوه ونَرجو خيرَه وبِرَّه وإِحسانَه ونحن مثقَلون بالأوزارِ، فالمعَاصي تحرِم العبدَ من   قبول الأعمال وإجابةِ الدعاء.

ثانيا: تجديد النية باغتنام هذه الأيام بما يرضي الله تعالى، مع كثرة الدعاء، عسى أن يفتح لنا ربنا أبواب طاعته ورحمته ومغفرته في هذه الأيام المباركة.

ثالثا: من أهم مقاصد العبادات تحقيق مقام التقوى {لعلكم تتقون} {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنْكُمْ}، وهي من أهم شروط القبول {إنما يتقبل الله من المتقين}، وما يناله العبد من الفضل والثواب عند الله مرتبط بما في قلبه من تقوى الله عز وجل {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. والمولى عز وجل إنما أعد دار كرامته لعباده المتقين {إن المتقين في جنات وعيون}، فمن أراد اللحاق بهم فليبذل المجهود من نفسه لتحصيل صفاتهم، فليست التقوى بالمظاهر والأقوال، ولا حتى بظاهر الأعمال، وإنما تقاس بما يزين العبد من صفات المتقين، وبما وقر في قلبه من الإيمان والخشية.

رابعا: إننا في حاجة إلى فقه صحيح لمعاني العمل الصالح الذي يقربنا من الله مع احترام سلم الأولويات.. فالعمل الصالح لا يقتصر على الشعائر التعبدية، بل يشمل أعمال كثيرة حث عليها الإسلام ورغب فيها، وبها نتقرب إلى الله.. لما سئل نبينا عن أحب الناس إلى الله وأحبِّ الأعمال إلى الله، قال عليه الصلاة والسلام: ((أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخلُه على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبّ إليّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا ـ أي: المسجد النبوي الذي الصلاة فيه بألف صلاة ـ، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظمَ غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزولُ الأقدام))  .

وخيرُ عبادِ الله أنفعهم لهم           رواه من الأصحاب كلُّ فقيه

وإن إله العرش جلّ جلالُه           يُعينُ الفتى ما دامَ عون أخيـه

الساعي لقضاء الحوائج موعود بالإعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. وفي خدمة الناس بركةٌ للعبد في الوقت والعمل، وتيسيرُ ما تعسَّر من الأمور، يقول النبي: (من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة). وقال عليه الصلاة والسلام: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة) رواه ابن حبان. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (من مشى بحق أخيه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على أناس جلوس فقال (ألا أخبركم بخيركم من شركم) قال: فسكتوا ، فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل : بلى يا رسول الله أخبرنا بخيرنا من شرنا، قال (خيركم من يرجى خيره ويؤمن شره وشركم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره). رواه الترمذي  وصححه الألباني.

من يرد الله به خيرا يجعله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، ويقضي حوائج الخلق على يديه.. روى الإمام ابن ماجه، وابن أبي عاصم وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ».

وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم كان لا يرد صاحب حاجة حتى بعد أن تقام الصلاة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: “كَانَتِ الصَّلاَةُ تُقَامُ، فَيُكَلِّمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ فِي حَاجَةٍ تَكُونُ لَهُ، فَيَقُومُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَمَا يَزَالُ قَائِمًا يُكَلِّمُهُ ، فَرُبَّمَا رَأَيْتُ بَعْضَ الْقَوْمِ لَيَنْعَسُ مِنْ طُولِ قِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ”.أخرجه أحمد والتِّرْمِذِي.

ومن أهم الأعمال وأجلها وأعظمها أجرا عند الله، ما نقوم به من جهد في خدمة دينه ودعوته، وللعامل منا من الأجر والثواب على قدر نيته وجهده، فحري بنا أن نتحرى الإخلاص في أعمالنا كلها، ونبذل المجهود من أنفسنا في خدمة هذه الدعوة المباركة التي أكرمنا الله بالانتماء إليها

خامسا: من أهم الشعائر المشروعة في هذه الأيام المباركة:

  1. الحج والعمرة: وهما من أفضل الأعمال في هذه العشر، لما فيهما من الأجر الجزيل. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة).

2. التكبير والذكر: لقوله تعالى : (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقد فسرت بأنها أيام العشر، واستحب العلماء لذلك كثرة الذكر فيها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) وذكر البخاري رحمه الله عن ابن عمر وعن أبي هريرة رضي الله عنهم انهما كانا يخرجان إلى السوق في العشر، فيكبرون ويكبر الناس بتكبيرهم.  

3. الصيام: وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها ففي سنن أبي داود والنسائي وغيرهما عن بعض أزواج النبي صلى الله ‏عليه وسلم قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم ‏عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر). وروى مسلم رحمه الله عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والتي بعده). وفيه أن دعاءَ يوم عرفة أفضل الدعاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أفضل الدعاء دعاءُ يومِ عرفة، وإن أفضلَ ما أقوله أنا وما قال النبيون من قبلي: لا إله إلا الله “. أخرجه مالك في الموطأ.

4. الصلاة: تعتبر الصلاة من أعظم العبادات وأكثرها فضلا، وفي هده الأيام المباركات نتقرب إلى الله بالنوافل كصلاة الليل والسنن، وفي الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

5. الصدقة: ومن الأعمال الصالحة التي ترفع الدرجات وتكفر الخطايا وتزكو بها النفوس (الصدقة)، خصوصا في هذه الأيام المباركة التي تضاعف فيها الأجور وتتزل فيها من الله البركات والرحمات..

6. صلاة العيد: صلاة العيد يوم النحر من أبرز شعائر الإسلام الظاهرة، وهي سنة مؤكدة عند اكثر اهل العلم، واعتبرها بعضهم من الواجبات كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

7. الأضحية: وقد أجمع أهل العلم على مشروعيتها، وكونها من شعائر الدين الظاهرة، ولهذا كان حريا بنا أن نحافظ عليها ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

نسأل الله تعالى أن يدخل علينا هذه العشر المباركة باليمن والبركة والرحمة، وأن يفتح لنا فيها أبواب طاعته ويوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه، وأن يغفر لنا أجمعين.

Posted on Leave a comment

كلمة عن العشر الأوائل من ذي الحجة

إن لله في أيامه نفحات، اختصها الله تعالى بزيادة فضل، تحقيقا لمقصد الذكر وتعميقاً لمسلك الشكر في حياة عباده المؤمنين، واستنهاضاً لهممهم نحو مزيد من الطاعة وكسب الحسنات، حتى يستقيم المجتمع على منهج الهداية وسبيل الرشاد. والعشر الأوائل من ذي الحجة إحدى هذه النفحات، وهي موسم البركات والمسابقة إلى الخيرات.
روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضلُ منه في هذه العشر – يعني العشر الأوائل من ذي الحجة – قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.
وقد يخطئ البعض، فهماً أو عملاً، إذ يظن أن العشر الأوائل من ذي الحجة محطة للعمل والانقطاع بعدها! أو أن العمل المطلوب فيها هو العبادة المحضة بمعناها الضيق دون أن يتعدى أثرها إلى الناس ويصل نفعها إلى المجتمع! وهذا خطأ بينٌ تأباه قواعد الإسلام ومقاصد الأحكام.
إذ لا شك أن العمل الصالح وفعل الخير وبذل المعروف مطلب قرآني ومسلك إيماني في وكل وقت وحين، ولكنه في هذه الفترة الزمنية أكثر ثواباً وأعظم منزلة عند الله تعالى من سائر الأيام، فهي فرصة للمسلم، بعد إتيانه بالفرائض وحسن أدائها في أوقاتها وعلى هيئاتها، لكي يستزيد من نوافل العبادات وفضائل العادات والطاعات، كالصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين وخدمة القضايا الإسلامية العادلة، وغيرها من الأعمال الجليلة.
تصورْ أن أجر الأعمال الصالحة في هذه الأيام تعدل أجر المجاهد في سبيل الله، وهو صاحب المقام العلي والأجر العظيم عند الله تعالى، وهذا يؤكد أن عشر ذي الحجة فرصة عظيمة للمؤمن يجبر فيها ما انكسر من فروض الطاعة ويتزود منها لسائر الأيام وقابل المحطات.
ويرجع هدا الفضل العظيم لعشر ذي الحجة لما اجتمع فيها من دواعي التفضيل، من حج وصلاة وصيام وأضحية وغيرها.
فهذه الأيام المباركة تأتي في شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم التي عظَّمها الله تعالى وشهد لها بالفضل، والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
قال الله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلَق السماوات والأرض منها أربعة حرُم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» التوبة: 36
ومن علاماتها الفارقة عرفة، التي شرفها الله زمانا ومكانا ونسكاً، قال رسول الله ﷺ: «الحج عرفة» فجعله ركن الحج الأعظم، فمَن فاته فاتَهُ الحجُّ كله، ويجب عليه قضاؤه، أما غير الحاج فقد جعل له صيام يوم عرفة كفارة لصغائر الذنوب للسنة التي قبله والسنة التي بعده، وفرصة للتذكر والتدبر للتوبة النصوح من الكبائر ورد حقوق العباد.
قال رسول الله ﷺ: “صيام يوم عرفة أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلَه والسنة التي بعده” «رواه مسلم»
وهكذا يكون المسلمون كلهم، بحاجّهم وقارّهم، وقوفاً بين يدي الرحمن يرجون رحمته ويخشون عذابه ويستشعرون روح الشريعة وفضل الطاعة ومنحة الجماعة.
قال رسول الله ﷺ: “ما من يوم أكثر من أن يعتِق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء”، «رواه مسلم»، وفي رواية: “إن الله يباهي بأهل عرَفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبْرًا.
إن إحياء العشر الأوائل من ذي الحجة والاحتفال بالعيد، يعتبر مناسبة مهمة للمسلمين في الغرب لتجديد الصلة بالإسلام وربط الناشئة بمعالم الدين وشعائره، واغتنامه فرصة لاجتماع المسلمين وتعاونهم وتجديد العهد والميثاق على الثبات على الإسلام والدعوة إلى الخير وبذل المعروف والتواصي بالحق والصبر عليه.
وبخاصة أنهم يعيشون في بيئة خالية من عوامل الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتعترضهم كثير من التحديات المتعلقة بانتمائهم وهوية أبنائهم ومستقبلهم.