كلمة عن العشر الأوائل من ذي الحجة

الشيخ كمال عمارة

الشيخ كمال عمارة

إن لله في أيامه نفحات، اختصها الله تعالى بزيادة فضل، تحقيقا لمقصد الذكر وتعميقاً لمسلك الشكر في حياة عباده المؤمنين، واستنهاضاً لهممهم نحو مزيد من الطاعة وكسب الحسنات، حتى يستقيم المجتمع على منهج الهداية وسبيل الرشاد. والعشر الأوائل من ذي الحجة إحدى هذه النفحات، وهي موسم البركات والمسابقة إلى الخيرات.
روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضلُ منه في هذه العشر – يعني العشر الأوائل من ذي الحجة – قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.
وقد يخطئ البعض، فهماً أو عملاً، إذ يظن أن العشر الأوائل من ذي الحجة محطة للعمل والانقطاع بعدها! أو أن العمل المطلوب فيها هو العبادة المحضة بمعناها الضيق دون أن يتعدى أثرها إلى الناس ويصل نفعها إلى المجتمع! وهذا خطأ بينٌ تأباه قواعد الإسلام ومقاصد الأحكام.
إذ لا شك أن العمل الصالح وفعل الخير وبذل المعروف مطلب قرآني ومسلك إيماني في وكل وقت وحين، ولكنه في هذه الفترة الزمنية أكثر ثواباً وأعظم منزلة عند الله تعالى من سائر الأيام، فهي فرصة للمسلم، بعد إتيانه بالفرائض وحسن أدائها في أوقاتها وعلى هيئاتها، لكي يستزيد من نوافل العبادات وفضائل العادات والطاعات، كالصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين وخدمة القضايا الإسلامية العادلة، وغيرها من الأعمال الجليلة.
تصورْ أن أجر الأعمال الصالحة في هذه الأيام تعدل أجر المجاهد في سبيل الله، وهو صاحب المقام العلي والأجر العظيم عند الله تعالى، وهذا يؤكد أن عشر ذي الحجة فرصة عظيمة للمؤمن يجبر فيها ما انكسر من فروض الطاعة ويتزود منها لسائر الأيام وقابل المحطات.
ويرجع هدا الفضل العظيم لعشر ذي الحجة لما اجتمع فيها من دواعي التفضيل، من حج وصلاة وصيام وأضحية وغيرها.
فهذه الأيام المباركة تأتي في شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم التي عظَّمها الله تعالى وشهد لها بالفضل، والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
قال الله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلَق السماوات والأرض منها أربعة حرُم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» التوبة: 36
ومن علاماتها الفارقة عرفة، التي شرفها الله زمانا ومكانا ونسكاً، قال رسول الله ﷺ: «الحج عرفة» فجعله ركن الحج الأعظم، فمَن فاته فاتَهُ الحجُّ كله، ويجب عليه قضاؤه، أما غير الحاج فقد جعل له صيام يوم عرفة كفارة لصغائر الذنوب للسنة التي قبله والسنة التي بعده، وفرصة للتذكر والتدبر للتوبة النصوح من الكبائر ورد حقوق العباد.
قال رسول الله ﷺ: “صيام يوم عرفة أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلَه والسنة التي بعده” «رواه مسلم»
وهكذا يكون المسلمون كلهم، بحاجّهم وقارّهم، وقوفاً بين يدي الرحمن يرجون رحمته ويخشون عذابه ويستشعرون روح الشريعة وفضل الطاعة ومنحة الجماعة.
قال رسول الله ﷺ: “ما من يوم أكثر من أن يعتِق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء”، «رواه مسلم»، وفي رواية: “إن الله يباهي بأهل عرَفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبْرًا.
إن إحياء العشر الأوائل من ذي الحجة والاحتفال بالعيد، يعتبر مناسبة مهمة للمسلمين في الغرب لتجديد الصلة بالإسلام وربط الناشئة بمعالم الدين وشعائره، واغتنامه فرصة لاجتماع المسلمين وتعاونهم وتجديد العهد والميثاق على الثبات على الإسلام والدعوة إلى الخير وبذل المعروف والتواصي بالحق والصبر عليه.
وبخاصة أنهم يعيشون في بيئة خالية من عوامل الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتعترضهم كثير من التحديات المتعلقة بانتمائهم وهوية أبنائهم ومستقبلهم.