Posted on Leave a comment

فتاوى الأقليات المسلمة مع الشيخ سالم الشيخي على «قناة ق»

ي لقاء متلفز مع فضيلة الشيخ/ سالم الشيخي على «قناة ق» الفضائية، تناول الشيخ/ سالم الشيخي: دور المسلمون في نصرة إخوانهم في فلسطين، ودواعي وأسباب دعم القضيّة الفلسطينية، ولماذا يجب أن ينتفض المسلمون لأجل المسجد الأقصى؟

وأشار الشيخ إلى مسئولية المسلمون في الغرب تجاه المسجد الأقصى وقضيّة فلسطين، وماذا تقتضي هذه المسئولية؟ والحكم الشرعي في مناصرة الأقليّات المسلمة في أوروبا لأهل فلسطين وهم يعيشون في بلاد تعتبر دولة الاحتلال دولة صديقة!

لمتابعة اللقاء يُرجى مشاهدة الفيديو ..

Posted on Leave a comment

حقيقة نصر القدس وتجليّاته

يقول الحق تبارك وتعالى {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:160]

يقول العلامة ابن عاشور ليس المراد من هذا ظاهر الإخبار “فإن مثل هذا المعنى محقّق في جانب الله لا يجهله معترف بإلوهيته، مؤمن بوحدانيته، وهل بعد اعتقاد نفي الشريك عن الله في ملكه مجال لاعتقاد وجود ممانع له في إرادته؟”.
ويذهب ابن عاشور إلى أن في هذه الآية تسلية المؤمنين، و”تنبيه إلى أن نصر الله قوما في بعض الأيام، وخذله إياهم في بعضها، لا يكون إلا لحِكم وأسباب، فعليهم السعي في أسباب الرضا الموجب للنصر، وتجنّب أسباب السخط الموجب للخَذل”.

فالمؤمن مطالب بقراءة الدروس من تجارب النصر والهزائم “وفي التفكير في ذلك مجال واسع لمكاشفات الحقائق والعلل والأسباب والحكم والمنافع والمضار على قدر سعة التفكير في ذلك، ففي هذا الخبر العظيم إطلاق للأفكار من عقالها، وزجّ بها في مسارح العبر، ومراكض العظات، والسابقون الجياد”.

تقرر هذه الآية حقيقية سننية، طالما نغفل عنها، رغم تشبّعنا بها، ويقيننا فيها، إلا أن النفوس تركن إلى الدنيا، وكلما زاد ركونها، أُشبعت حبّا لها، فيغفل القلب والعقل عن أقرب الحقائق التي تظلّل حياته. فإرادة الله نافذة في كل وقت وحين، ومن فضله أن كتب الله على عباده المؤمنين، أن جعل نصرهم في نصره، وخذلانهم في خذله. فكلما كان سعينا في نصر الله بالتجرّد والإخلاص والصدق والتقوى والبذل، كلما قربنا من عطاء نصرنا.

فقد كُتب على هذه الأمة أن نصرها في نصر الله تعالى، ونصر الله يتحقّق بشيوع قيم الحق والعدل والحرية فينا، وتطهير بواطننا من كل قيمة إبليسية تدفعنا إلى النكوص عن طريق الله. فلا عزّة لنا إلا في هذا الطريق. ومن عجائب التاريخ أن يذكّرنا الله من حين إلى آخر بهذه الحقيقة، فتعلو النفوس لتحاذيها، وتنهل من معينها، ولكن ما إن يجذبنا النسيان إلى ناحية بعيدة عنها حتى تحلّ بنا الهزائم وتكسونا الذلّة!.

تُذكّرنا فلسطين في هذه الأوقات بهذه الحقيقة العظيمة، فما إن مال قلبها النابض، وأزالت ما ران على قلبها من درن، واتجهت إلى نصرة الله، حتى احتضنت النصر، وبنصرهم انتصرت الأمة. ياله من درس عظيم تقدّمه لنا فلسطين!. ونحن نعلم أن أفواج حفظة كتاب الله، وتقاة الله، هم من يتصدّرون قوافل العطاء، فكانت معية الله معهم أينما كانوا، وكان الله هو الذي يرمي برميهم، فأوجعوا عدوّهم كما لم يوجع من قبل.

هذه الأمة جُعل نصرها في ما تأسست عليه، ويتقوّم وجودها به، هو الدين في معناه السامي الذي يعلو على كل الألوية، وقيمه السمحة التي تنبع من الفطرة، وروحانيته المتعالية التي ترفع النفوس لتزاحم الملائكة في نقاوتها، فتحتضنهم الذات العليّة فتزيدهم من فضله، وتعطيهم في أضيق الممرات، وأحلك الأوضاع، ما لا يخطر على بال. فيأتي النصر من أضعف ما خُيّل وتوهّمنا ضعفه، ولكن الله أودع فيه من القوّة وسدّد رميه، لا تدركها الحسابات البشرية. اللهم لك الحمد والمنّة. وهذا درس جديد تُعطاه الأمة في أصعب ظروفها، فهل نلتقطه ونبني عليه، أم نضيّعه ونضيع!.

Posted on Leave a comment

رسالة إلى السادة الأئمة لدعم أهلنا في فلسطين

الحمد لله ولي المتقين وناصر المستضعفين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. 

يتوجه المجلس الأوربي للأئمة بالشكر والامتنان لكل من ساهم في حملة التضامن الأوروبية مع أهلنا في فلسطين، للتنديد بالمجازر الصهيونية والانتهاكات العنصرية التي تمارسها القوات الإسرائيلية وقطعان المستوطنين على أرواح الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم، وبخاصة التطهير العرقي في حي الشيخ جراح وتدنيس المسجد الأقصى الشريف والعدوان الغاشم الأخير على غزة وأهلها.

فقد حفلت كل العواصم الأوربية تقريباّ بمظاهر الاحتجاج والتنديد، في شكل مظاهرات وكتابات وحوارات ومساعدات، مما أقض مضاجع الدوائر الصهيونية وفتح عيون كثير من المنصفين على عدالة القضية الفلسطينية. 

ومما يبشر في حملة الدعم الأخيرة:

  • تنوع المناشط والفعاليات الرافضة للعدوان وتوسعها.
  • مشاركة كثير من الأوروبيين في هذه الفعاليات.
  • انخراط الشباب المسلم وتقدمهم الصفوف في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.    
  • تزعزع التوجه الرسمي الأوروبي التقليدي المؤيد للكيان الصهيوني، وتعرضه إلى إرباكات عديدة على المستوى الإعلامي والمؤسساتي.
  • بروز أصوات منصفة في الدوائر الأوربية الرسمية، تدعو إلى التوازن ومراعاة الحقوق الفلسطينية.  

والمجلس الأوربي للأئمة، إذ يبارك كل هذه التحركات ويدعو إلى تكثيفها، فإنه يذكر أعضاءه وكل مناصري العدالة والحرية، بالمسائل التالية:

توجيهات عامة:

أولاً؛ الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية واعتماد آليات ثابتة في التعريف بحقوق الشعب الفلسطيني وفضح الممارسات العنصرية الصهيونية.  

ثانياً؛ اعتماد البناء المؤسساتي لخدمة القضية الفلسطينية، عبر إنشاء جمعيات قانونية في مجالات الإغاثة والإعلام وحقوق الإنسان.

ثالثاً؛ توفير المواد الإعلامية والدراسات العلمية المتعلقة بأبعاد القضية الفلسطينية وحقوق شعبها باللغات الأوربية.

رابعاً؛ الحرص على استقطاب مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي، المتعاطفة مع القضية الفلسطينية للمشاركة في الفعاليات التضامنية.

رابعاً؛ تأهيل الشباب وتشجيعهم على حمل راية الدفاع عن الحقوق الإنسانية عامة والحقوق الفلسطينية خاصة.

خامساً؛ تكثيف التواصل مع السياسيين والإعلاميين والشخصيات المؤثرة على الساحة الأوروبية، لتبيين الحقائق وحثهم على اتخاذ مواقف منصفة.

سادساً؛ تشجيع المسلمين على المشاركة في الحياة السياسية والحقوقية الأوربية لمواجهة تأثير الدوائر الصهيونية، والانحياز الرسمي لدولة إسرائيل.  

ضوابط عامة

  1. حصر الاحتجاجات في الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية على أرض فلسطين، وعدم استهداف أي فئة أو طائفة خارج هذا الإطار.
  2. تجنب أي شكل من أشكال العنف اللفظي أو العملي، أو تعطيلٍ لمصالح الناس، وعدم الانجرار وراء أي استفزاز.
  3. احترام قوانين البلاد ومراعاة التراتيب والإجراءات المعمول بها، سواءً في تنظيم الاحتجاجات أو جمع التبرعات أو أي نشاط آخر.
  4. تجنب كل ما يثير الرأي العام المحلي، ويصادم ثقافته بأي قول أو عمل أو شعار، والحرص على استعمال اللغة الرسمية في التحركات والدعايات.    
  5. عدم المبالغة في استعمال الشعارات الدينية في التحركات العامة، لأنها قد تؤدي إلى نتيجة عكسية، والتركيز على البعد القانوني الحقوقي الإنساني لقضية فلسطين.
  6. التأكيد على أن المظاهرات والاحتجاجات مجرد وسيلة للتعبير عن الرأي والتعريف بالقضية، ويجب التحلي بالفطنة والشجاعة لتجنب أو إلغاء أي منشط قد يحيد عن هذا الهدف.
  7. تجنب الانفعالات العاطفية وتحري الدقة والموضوعية في عرض القضية، واعتماد الوسائل والمناهج المستساغة في البيئة الأوروبية.

كلمة إلى إخواننا الأئمة

لا يخفى ما للأئمة من دور محوري في خدمة قضايا الأمة ونصرة المستضعفين ودعم قضايا التحرر، حيث تتطلع إليهم أنظار المسلمين في كل مكان لما لهم من المكانة والريادة في التوجيه.

لذلك ننبه إخواننا الأئمة إلى النقاط التالية:

  • تخصيص خطبة الجمعة والدروس في هذه الفترة لبيان الأبعاد الدينية الإسلامية للقضية الفلسطينية، وحث المسلمين على نصرتها ودعمها، وبيان الضوابط والمحاذير المتعلقة بذلك.
  • تذكير المسلمين بأهمية الصدقات للفلسطينيين والدعاء لهم بأن يخفف الله عنهم وينصرهم ويجعل لهم فرجاً ومخرجاً.
  • قنوت النوازل في الصلوات.
  • مد جسور التواصل مع الهيئات الدينية المحلية – إن أمكن – لاتخاذ موقف مشترك ضد العدوان الإسرائيلي.

أخيراً

قد يتجدد العدوان، ولكن الاحتلال الإسرائيلي للأقصى والأراضي الفلسطينية، والحصار اللاإنساني على شعب غزة منذ خمسة عشر عاماً لم يزول، لذلك نهيب بأصحاب النفوس الأبية والضمائر الحرة أن يبقوا قضية الشعب الفلسطيني المظلوم حية في نفوسهم، وأن يعملوا لها بمنهج ثابت وسعي دائم، مع ضرورة استمرار الدعم للقضيّة، وعدم جعله موسميًا.

وذلك واجب فرضه علينا الإسلام في نصرة المستضعفين ورد الظالمين عموما، فما بالك إذا كان الأمر متعلقاً بمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثاني الحرمين.

ندعو الله تعالى أن ينصر عباده الصالحين ويرفع الظلم عن المظلومين وأن يجعل لأهل فلسطين فرجا ومخرجاً، إنه قريب سميع مجيب الدعاء.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   

Posted on Leave a comment

مشاهد وعِبر من يوم القيامة «يوم يفر المرء من أخيه»!

من صور الحياة العجيبة، سرعة تبدّلها. ففي أوقات انتشار الأوبئة لا تبقى حقيقة قائمة كاملة غير حقيقة اللا مرئي، والمتمثّلة في حقائق الإيمان كدرع أولي في المواجهة، ويجلب الإيمان معه العلم تدريجيا ليواجها معا تلك المخاطر.

فقد كانت الحياة مليئة بالحب والتضحية، وبالقُبل والاحتضان، وبكل صور العلاقات الحميمية المعهودة بين بني البشر المحبّين لبعضهم البعض. بين الزوج وزوجته، بين الوالدين وأبنائهم، بين المعلمين وطلابهم، بين الشيخ ومريديه، وبين كل حبيب وحبيب.

فسبحان من قال ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَـحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)﴾.

فهذه صورة تهتزّ لها القلوب، وتنخلع لها النفوس، وتعجز عن إدراكها العقول. يا الله كيف {يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَـحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)}؟ هل يمكن أن يحدث هذا؟ وكلّهم؟

فربما نشاهد في صور الحياة اليومية مشاهد من الفرار والابتعاد عن بعض الأحبة كرها، أو ضعفا، ولكن أن يفرّ الكل من الكل، فهي صورة صعبة الادراك.

عندما نُرجع بصرنا إلى ما نحن فيه، تنجلي الصورة ونعيش بعض أجزائها ولكن دون وعي روحي. فكم واحد أصابه هذا الفيروس اللعين، فبقي وحيدا، فحتى طواقم الصحة لا يلامسونه إلا من خلال الواقيات المغلّضة!.

أما أهله وذويه الذي هو بأمسّ الحاجة إلى قُبلهم وحضنهم ولمسات أيديهم حتى تمسح عنه آلامه، وتعطيه من قوّة الصبر ما يمكّنه من مغالبة هذا القادم اللعين، ولكن هيهات هيهات، فكل قُهر بالفرار طلبا للسلامة!. وكل يكتفي بالدعم الماورائي ولا يجرأ على القُرب.

هي صورة صغيرة من الألم النفسي العميق، الذي يجعلنا نقدّم السلامة الذاتية على كل من نحب، وتلك غريزة ركزها الله فينا، هي حب الحياة وحب البقاء. فأمام فيروس لا يُرى بالعين المشاهدة فرّ الجميع من الجميع، واكتفى الجميع بالمتابعة عن بُعد. ولم يجد المُبتلى إلا يدا واحدة وحيدة هي أقرب إليه من حبل الوريد، هي معية الله تعالى. فمتى ندرك أن القُرب من الله وحبّه هو نجاة قيمة الحب في حد ذاته؟

أما آن لقلوبنا أن تخشع وتنظر إلى صور اليوم وتقارنها بمشاهد يوم الصّاخّة؟!. اللهم لطفك بعبادك.

Posted on Leave a comment

وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا!

يقول الحق تبارك وتعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]

يقول العلامة ابن عاشور “فحكيت شكاية الرسول إلى ربّه قومَه من نبذهم القرآن بتسويل زعمائهم وسادتهم الذين أضلوهم عن القرآن، أي عن التأمل فيه بعد أن جاءهم وتمكنوا من النظر. وهذا واقع في الدنيا والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم”. ومن لطف الله ورحمة الرسول صلى الله عليه وسلم ما أشار إليه الفخر الرازي أن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتفى بفعل الشكاية و “ما دعا عليهم بل انتظر فلما قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان:31] كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم فظهر الفرق” مع ما حدث من النبي نوح عليه السلام.

فلو جمع الحبيب المصطفى الشكاية مع الدعاء لهلك القوم وهلك كل من يعمل عملهم، فقد وصف الله تعالى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم بالرحمة في قوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فكان رحمة مهداة.

والشكاية من هجران القرآن قائمة في كل مراحل التاريخ بتفاوت، ولعل ما نشهده في أيامنا من هجران مقصود، وتطاول البعض بجهل على كتاب الله، حتى بلغ ببعضهم الدعوة المفضوحة إلى التحرّر منه ظن جاهل أنه عامل تخلّف.

لن تُضير دعوتهم غيرهم، فسيكتب التاريخ أنهم صُنّاع هجر القرآن، وسيضيع معهم زمن الأمة في نقاشات عقيمة، بدل استثمار كنوز القرآن، وتحرير فاعليته.

فتحرير فاعلية القرآن في المجتمع بقراءته وحفظه وتدبّره والتفكّر فيه واستخراج درره، لهو مطلب المرحلة. فبه يتحقق الأمن اللغوي، هذا المنسي في برامج دولنا ومجتمعاتنا. وبه نتمثّل أرقى القيم بعيدا عن التنطّع والتطرف، وتعلو روحانيتنا وتسمو في معاني الانسانية لتبشّر بفجر جديد يُبنى على العلم والعمل والقيم. ويحق لنا القول بأن كل داع إلى هجر القرآن هو يستهدف أمننا اللغوي، الذي هو مقدمة للأمن الثقافي والاجتماعي بكل تعبيراته.

فواجب اللحظة أن يتحرّر كل واحد منا من فعل الهجر القسري أو المتخفي بعلل واهية، كي نحذر من دخولنا في شكاية الرسول لقومه ونحن من قومه، فهو منا ونحن منه.

Posted on Leave a comment

لا تتبعوا خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر!

يقول الحق تبارك وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:21]

يفسّر الفخر الرازي خُطوات الشيطان “والمراد بذلك السيرة والطريقة، والمعنى لا تتبعوا آثار الشيطان ولا تسلكوا مسالكه في الاصغاء إلى الإفك والتلقي له وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، والله تعالى وإن خصّ بذلك المؤمنين فهو نهي لكل المكلفين”.

ويقول العلامة ابن عاشور “فإن أرسل المكلّف نفسه لاتباعها ولم يردعها بما له من الإرادة والعزيمة حققها في فعله، وإن كبحها وصدّها عن ذلك غلبها.

ولذلك أودع الله فينا العقل والإرادة والقدرة وكمّل لنا ذلك بالهدى الديني عونا وعصمة عن تلبيتها لئلا تضلّنا الخواطر الشيطانية حتى نرى حسنا ما ليس بالحسن”.

ويعرّف العلامة ابن عاشور الفحشاء: ” كل فعل أو قول قبيح” والمنكر: “ما تنكره الشريعة وينكره أهل الخير” أما صاحب مفاتيح الغيب فيقول ” الفاحشة ما أفرط قيحه، والمنكر ما تنكره النفوس فتنفر عنه ولا ترتضيه”.

ومن لطائف صاحب التفسير التوحيدي قوله “والسياق هنا هو اتقاء الذين آمنوا نزغ الشيطان خاصة في العلاقات والفتن الزوجانية بين الذكور والإناث، فذلك مجال تغشاه الشهوات ويهيج نزعها البليغ ليستغلها ذلك الشيطان ويشفي كيده عدوًّا للإنسان”.

فالنهي عن خطوات الشيطان هو لأن هذا الأخير لا يأمر إلا بكل فعل أو قول قبيح، وبما تنكره الناس المجبولة على فعل الخير، فانحرف بها التشويه والتزيين الشيطاني للنفوس، فاستمرأ فعل ما تنهاه عنه الشرائع السمحة.

وفي الآية تذكير بالهدى الديني المتمثل في فضل الله على بني آدم أن يسّر لهم طريق الهداية. وكما يقول صاحب التفسير التوحيدي “لولا ذلك الفيض من الفضل والرحمة ما زكا منهم أحد أبدا ليتطهّر من دنس الهوى ورجس الشيطان وليرقى إلى درجة الزكاة والإحسان”.

فبما أودعه الله فينا من العقل والإرادة والقدرة والهدى الديني يمكننا التحرّر من خواطر الشيطان، ويرسم المرء لنفسه طريقا نقيا، لا يتعدّى فيه على حقوق الآخرين. فمن حق الآخر عليك أن تكبح هواك، وتلجم فعلك، وقولك الجارح والقبيح عنه، وفي ذلك انتصار لك على نفسك، وانتصار تشارك فيه الآخرين على كل ما ينحرف بالحياة ويسقطها في أتّون الفحش والمنكر الذي يفحّشه وينكره الجميع.

فقد رسمت لنا هذه الآيات ما يمكننا أن نعيش به حياة سعيدة نقية، يسعد فيها الجميع، ويكبح فيها كل واحد منا ما يمكن أن يسبّبه من جروح نفسية للآخر. وإذا سلمت النفوس، سلمت الأجساد.

مع تذكير دائم بأهمية الهدي الديني المتأسّس على البيان الحكيم، الذي بدونه تضطرب الرؤية. وفي كل خطوة نجاح للمرء في الابتعاد عن خطوات الشيطان، يستذكر فضل الله عليه، فهذا الاستذكار تغذية مستديمة له إن شاء الله تعالى.

Posted on Leave a comment

ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن!

يقول الحق تبارك وتعالى {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:71]

يميل العلامة ابن عاشور إلى تعريف الحق في هذه الآية بأنه “الشيء الموافق للوجود الواقعي ولحقائق الأشياء” ويعرّف الهوى بأنه” شهوة ومحبّة لما يلائم غرض صاحبه” وكي لا يقع الالتباس يميّز ابن عاشور بين شهوات الأفعال التي تقتضيها الجبلّة وغيرها ” فشهوة الطعام والشراب ونحوهما مما تدعو إليه الجبلّة ليست من الهوى، وإنما الهوى شهوة ما لا تقتضيه الفطرة كشهوة الظلم وإهانة الناس”. والاتّباع كما يشير إليه هو ” معنى موافقة الحق الأهواء أن تكون ماهية الحق موافقة لأهواء النفوس”.

ويميّز ابن عاشور بين صنفين من الحقائق “الحقائق الوجودية وهي الأصل فهي مقررة في نفس الأمر، مثل كون الإله واحدا، وكونه لا يلد، وكون البعث واقعا للجزاء” وما بين الحقائق الموجودة في الاعتبار (الحقائق المعنوية) “وكونها حقا هو كونها جارية على ما يقتضيه نظام العالم مثل كون الوأد ظلما، وكون القتل عدوانا”.

يقول صاحب التفسير التوحيدي الدكتور حسن الترابي رحمه الله ” ولو صُرف مورد الحق عن علم الله وحكمته البالغة واتّبع الحقُّ في تعاليم الوجود و هوادي الحياة أهواءَ أولئك المخاطبين المعرضين المحصورة في العالم المشهود غفلةً وجهالةً المفتونة بشهواته تعلّقاً وفجوراً المقصورة عن ميزان العدل ظلماً وفسقاً ومضى الأمر في غياهب الباطل والضلال، إذاً لفسدت السماوات المحكم بناؤها، الموزونة كائناتها الطبيعية، والمنظومة فيها حركة المخلوقات الجنيّة والمَلَكيّة المطوّعة، ولفسدت أيضا الأرض المسخّرة بسنن منسوقة، وأفسدها مَن فيها من البشر ينطلقون بخيار عربيد ضربا في الضلال وإحالة لنظام مهاد حياتهم ورزقهم وبيئتهم إلى خراب واضطرابا في العلاقات بينهم لاختلاف الأهواء وارتباك التنازعات”.

لذلك اقتضت حكمة الله تحرير الحق مما يشوبه من نزاعات وأهواء هي من طبيعة الكائن البشري، فجعل الحق فوقها، ومعاييره أعلى منها، لأنه يعلم ضعف خلقه. فالبشر يميلون بطبعهم إلى الجدال في كل شيء، فحتى ما يتواضعون عليه من وثائق ونصوص، جعلوها حكما بينهم، ولأنها من صيغهم فتجد كل طرف يميل إلى تأويله ويعتبره التأويل الأدق وتضيع مع اختلافاتهم المصالح.

وما الخلافات في أغلبها إلا اتباع لهوى هذا وذاك، سواء كان فردا أو جماعة، والحمد لله الذي أودع في كتابه من الثوابت والأصول والقصص ما يمكّن الإنسان من قدرة التحرّر الذاتي من الهوى، فالهوى لا يتحكّم في النفس إلا إذا هي خضعت له.

Posted on Leave a comment

خطر الانزلاق للعصبيات والطوائف «كل حزبٍ بما لديهم فرحون»

يقول الحق تبارك وتعالى {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53]

يقول الفخر الرازي {فَتَقَطَّعُوا} “معنى المبالغة في شدة اختلافهم والمراد بأمرهم ما يتصل بالدين”.

ويعرّف العلامة ابن عاشور الحزب “الجماعة المجتمعون على أمر من اعتقاد أو عمل، أو المتفقون عليه” ويضيف” قديما كان التحزّب مسببا لسقوط الأديان والأمم”. وطبعا الحديث هنا لا يمكن أن ينطبق على الظاهرة الحزبية في الشأن السياسي الْيَوْم، فهذا اسقاط هجين. فالظاهرة الحزبية في الشأن السياسي هي في دائرة التنوّع وتعدّد الرؤى والمقاربات لحل مشكلات المجتمع والدولة دون أن تكون بالضرورة اختلافا عقديا أو دينيا، بل في أغلبها في دائرة الدين الواحد.

ولكن ظاهرة التقطّع التي تطال العقائد والأفكار هي تطال كل مجالات الحياة، وشدّة التفرّق حتى بلوغ درجة العداوة البينية هي من مصائب الحياة، وهي مذمومة دينيا واجتماعيا.

يقول صاحب التفسير التوحيدي ” ولكن أتباعهم الأخلاف المتعاقبون ترتّب على ابتلائهم بطول الآماد بعد عهد الأصل والقدوة أن ضيّعوا وحدة الأمة وتقطّعوا بينهم وفرّقوا أمرهم بعد الدين الموحّد والمسلك المستقيم في الإيمان والحياة وصاروا هم زبرا، قطعا أو كتلا مغلّظة وعصبيّات أقوام وطوائف” ويضيف ” أصبحت تلك الفرق الملّية من الخَلَف كل حزب يتمسّك بخيار ضلاله عن الأمة الواحدة الأحقّ وعرف فتنته فرحا بسكرة الفتنة”.

ومن المفارقات التي يجب التنبّه إليها أن البعض يريد أن يحوّل التعدّدية الفكرية والسياسية من كونها إثراء للحياة وتحفيز لإبداع طرق إدارة الاختلاف إلى اختلاف ايديولوجي مُسقط ومغلق لا يؤدي إلا إلى الكراهية وزرع الحقد.

وهنا يكمن الخطر الذي تنبّه إليه هذه الآية. فالأمة والوطن الواحد من الطبيعي أن تتعدّد فيها الرؤى ووجهات النظر ومقاربات الحلول للمشاكل، وفي المنظومة القانونية ما يضبط ذلك، ولكن الانزلاق إلى العصبيات والطوائف حتى يصير معه الوضع “أن كل فريق منهم مغتبط بما اتخذه دينا لنفسه معجب به يرى المحق أنه الرابح، وأن غيره المبطل الخاسر” كما يشير إلى ذلك الفخر الرازي، سيحلّ التمزّق بجسد الأمة والوطن وهو ما تفوح نذره إن لم يتدارك العقلاء ما يفعله الجهلاء بالأوطان.