Posted on Leave a comment

وما أعجلك عن قومك يا موسى؟

يقول الله تبارك وتعالى {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى [83] قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]

يقول الدكتور عبد العظيم ابراهيم المطعني صاحب التفسير البلاغي للاستفهام في القرآن الكريم في هذه الآية “وكأن الله يريد أن ينبّه موسى إلى الالتزام بما يرسمه الله من منهاج، ومنها تحديد موعد اللقاء الذي سبقه موسى، وأنه كان ينبغي أن يكون بين قومه حتى لا يستخفوا بهارون ويسيئوا معاملته”.

وهي صورة تبيّن لنا أن الغايات الصادقة، بما في ذلك ظنّنا بأنها مزيد قرب من الله، لا تبرّر لنا تجاوز أو خرق المنهاج المرسوم. فهي عجلة ملبّسة بالحق، والنيّة الصادقة، وأنّ مآلاتها لا تكون سليمة كما نظن ونتوقّع. فما يغيب عنّا أكثر مما كُشف لنا، وكل عجلة ستتجاوز بعض الحقائق، وتخرق منهج الفهم القويم للتغيير.

ورحم الله صاحب (في ظلال القرآن) الذي قال في هذه الآية “ولكن الاستعباد الطويل والذل الطويل في ظل الفرعونية الوثنية كان قد أفسد طبيعة القوم وأضعف استعدادهم لاحتمال التكاليف والصبر عليها، والوفاء بالعهد والثبات عليه، وترك في كيانهم النفسي خلخلة واستعدادا للانقياد والتقليد المريح.. فما يكاد موسى يتركهم في رعاية هارون ويبعد عنهم قليلا حتى تتخلخل عقيدتهم كلها وتنهار أمام أول اختبار. ولم يكن بد من اختبارات متوالية وابتلاءات متكررة لإعادة بنائهم النفسي”.

فالمطلوب ليس الانتصار السريع أو استسلام القوم وخضوعهم لما يقوله موسى عليه السلام، بل المطلوب هو تحريرهم وإعادة بنائهم النفسي، حتى تقف سلسلة تراجعهم عن الإيمان والركون إلى الاستعباد الذي تفرضه عليهم الفرعونية.

فالتغيير لا يستقيم حتى يبلغ إعادة البناء النفسي للإنسان المقهور والمهدور مبلغه، ويتحرّر من مكبّلات سياسات القهر والهدر، وتُعاد الثقة بالنفس وإعادة امتلاك حق الحياة بحرية. فالقابلية للاستعباد هي من آثار طول مراحل الاستبداد والظلم. ولا مجال أكثر أثرا في إعادة البناء النفسي مثل مجالي التربية والتعليم، ومن لا ينتبه إليهما لن يحصد إلا الوهم والنّصب.

Posted on Leave a comment

فرحة بالعيد رغم كثرة المكدرات

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، وبعد،

 فهذا هو عيد الفطر الثاني الذي يهل علينا في ظل استمرار جائحة كورونا وتضرر العالم منها روحياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً، ومذ وقعت الجائحة فقدنا الكثير من أحبابنا، وتأثرت حياة معظمنا بالاحتجار  وآثاره على الأفراد والمجتمعات، ثم ختم الشهر بالاعتداءات والانتهاكات الصارخة على مسجدنا الأقصى المبارك والمرابطين فيه مما ضاعف الهمَّ في نفوسنا للشعور بالعجز عن النصرة الواجبة في صورتها الكاملة لأهلنا في فلسطين ومسجدنا الأقصى المبارك.

وما سمي العيدُ عيداً إلا لأنه يعود بالفرح والسرور على المسلم، قال تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]،

فلماذا نفرح بالعيد مع كثرة المكدِّرات والمشوشات على فرحتنا به.

 *أسباب الفرح في يوم العيد السعيد*

1-  زيادة الإقبال على الطاعات في رمضان: ومن مظاهره: ارتياد المساجد وحضور دروس العلم وحلق الذكر وتكرير الصلوات، واغتنام البقاء في البيوت في الارتقاء الروحي بالعائلة، ومبادرة عموم المسلمين إلى إغاثة الملهوفين ودعم المراكز والمؤسسات مالياً.

2-  سرعة الوصول إلى لقاح يحمي الناس من خطر الإصابة بكورونا وقرب الخلاص منها: فرغم كثرة الإصابات والوفيات إلا أن الوصول إلى اللقاحات بسرعة كان مبشرا بقرب زوال الجائحة مقارنة بالأوبئة والطواعين التي مرت بالعالم فيما مضى وأعداد الذين قضوا فيها ومدتها الزمنية.

3-  اجتماعنا بأحبتنا الذين فقدناهم في الجنة: إن حزننا على أحبتنا الذين فقدناهم سريعاً بسبب كورونا يتبدَّد ويزول؛ لأن لقاءنا بهم في الدنيا قصير والله يبشرنا باجتماعنا الأطول بهم في الجنة فيقول: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد: 23] وقد بشرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات بالطاعون له أجر الشهيد.

4-  اغتنام الجائحة في تطوير عمل المؤسسات الدعوية في أوروبا: وقد ظهر في توظيف التقنيات الحديثة بالتواصل مع العلماء والدعاة والإفادة منهم، والتعاون بين الدعاة والأئمة رغم تباعد البلدان وهو تواصل له ما بعده بعد زوال الجائحة إن شاء الله، وإعمار المساجد وإصلاحها في فترة الإغلاق.

5-  التزام المساجد والمؤسسات بالقوانين والنظم الصحية: فلم تشكل المساجد بفضل الله بؤرا للعدوى وكانت على قدر المسؤولية، وقد توجهت السلطات الرسمية في أكثر من بلد أوربي إلى القائمين عليها بالشكر والتقدير على انضباطهم بالقوانين والنظم الصحية.

6-  اجتماع كلمة المسلمين في صومهم وعيدهم: فقد اجتمعنا أول رمضان واجتمعنا في العيد وهو أمر مبشر بدوام الاجتماع والثقة في المؤسسات الإفتائية والحسابات الفلكية وهو يؤسس للتخلص من الاختلاف بشأن الأعياد في أوروبا في قابل الأعوام بعون الله.

7-  عيد مقدسي بامتياز: تتجبه قلوب ومشاعر المسلمين حول العالم صوب بين المقدس وأرض فلسطين المباركة في هذا العيد، ورغم قتامة الصورة لخذلان الحكومات والأنظمة العربية للقضية الفلسطينية، إلا أن ما يفرح ويبهج في المشهد المقدسي أكبر وأعظم ومن مظاهره:

– اجتماع كلمة المسلمين حول العالم لنصرة القضية الفلسطينة والتضامن مع المرابطين في القدس الشريف.

– صمود المقدسيين المشرف رجالا ونساء أمام انتهاكات قوات الاحتلال وردهم وأدائهم للصلاة في مشهد تاريخي مهيب.

– كشف وفضح عورة المطبعين والمفرطين في القضية من الزعماء والعلماء والبرهنة على حياة الأمة وأن القضية الفلسطينية محور اجتماع الأمة واختبار صلابتها، وإن أُريد غير ذلك من خصومها وأعدائها.

وواجبنا نحو القضية يتخلص فيما يلي:

– الدعم الروحي بالدعاء والتضرع الدائم أن يحفظ الله المرابطين والمسجد الأقصى.

– الدعم الثقافي بمتابعة القضية ودراسة تاريخ فلسطين وتعليمه لأولادنا خاصة الأجيال التي ازدادت في الغرب ونشأت ضعيفة الثقافة والصلة بالقضية الفلسطينية.

– التواصل مع الهيئات الحقوقية والإنسانية لإدانة وإنكار صور الانتهاكات والتهجير للمقدسيين في حي الشيخ جراح.

أيها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الكريمات، صلوا أرحامكم في يوم العيد، وأشعروا أولادكم بفرحة العيد، واستبشروا وأملوا خيرا في غد أجمل وأفضل بإذن الله. استمروا في الالتزام بالقوانين والنظم الصحية، وحافظوا على زادكم الإيماني من رمضان.

اللهم اجعل هذا العيد عيدا مباركا على أمة الإسلام، وعجل برفع الوباء والبلاء عنا وعن البشرية جمعاء، وكل عام أنتم بخير.

Posted on Leave a comment

بيان حول الانتهاكات ضد المصلين في المسجد الأقصى المبارك

يدين المجلس الأوروبي للأئمة الانتهاكات المستمرة لحرمة المسجد الأقصى المبارك، وآخرها اقتحام المسجد في آخر جمعة من رمضان والاعتداء الوحشي على المصلين فيه.
إن هذا العدوان يمثل استفزازاً لمشاعر الملايين من المسلمين حول العالم، وذلك لما يمثله المسجد الأقصى من رمزية روحية ودينية لهم، كما يمثَل ذلك استفزازاً لمشاعر كل المؤمنين بحقوق الإنسان وانتهاكاً صارخاً لمواثيق حقوق الإنسان.
ويدعو المجلس الشخصيات والهيئات الدينية في العالم وجمعيات حقوق الإنسان إلى إدانة هذه الاعتداءات الخطيرة.
كما يدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته والتحرّك سريعاً لوضع حدٍّ لمثل هذه الاعتداءات وحماية الشعب الفلسطيني وحقه في ممارسة شعائره واحترام مقدساته.

المجلس الأوروبي للأئمة
التاسع من مايو 2021 م، الموافق السابع والعشرين من رمضان 1442 هـ

Posted on Leave a comment

كيف نحتفل بعيد الفطر في ظل جائحة كورونا؟

يُقبل علينا عيد الفطر المبارك هذا العام في ظرف استثنائي، فلن يتاح لنا أن نعيش شعائر العيد ككل عام، حيث لا يتيسر لكثير من المساجد إقامة صلاة العيد، ولن تتمكن كثير من الأُسر أن تذهب للمساجد مع أولادها، لا ريب أننا سنفتقد طقوسا نُقِشَت على جدران القلب، وسكنت أعماق الروح، حيث الخروج من بيوتنا مكبرين لله تعالى، والحنين لصوت دوي التكبير الجماعي بالمسجد الذي يُنعش الروح ويغذي القلب، ثم الخطبة ولقاء الأحبة، والجلوس مع من نشتاق لهم، ولا تكتمل فرحة العيد بغيرهم، وهدايا الأطفال ومَرَحهم وفرحهم، والارتواء من المحبة والمودة والفرحة الجماعية .

أمَا وهو تقدير الله تعالى الحكيم العليم، فإننا سنواجه القدر بقدرٍ آخر، وهو حسن التدبير في البحث عن بدائل أخرى لإحياء فرحة العيد والتفكير في صناعة السعادة الربانية، إننا نفرح لأن الله يريد منا أن نفرح وأن نبتهج ونُسعد مَن حولنا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه “رواه مسلم”.

📍وتلكم بعض الأفكار والوصايا 📍
1- نبدأ يومنا المبارك بصلاة الفجر جماعة، ثم نُفطر بعدها على تمرات أو ما تيسر، وذلك إعلانا بالاستجابة لأمر الله تعالى، فقد أمرنا الله فصمنا، وأمرنا فأفطرنا، وتلك هي معنى العبودية.

2- نؤدي صلاة العيد جماعة مع أولادنا وأهلنا، وهي سنة مؤكدة ويجوز أداؤها في البيوت جماعة أو فرادي لمن فاتته بعذر، كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة. ووقت صلاة العيد هو وقت صلاة الضحى.

3 – علينا أن نعيش فرحة التكبير الجماعي داخل البيت مع الأسرة، ولنحرص على عدم رفع الصوت حتى لا نزعج الجيران.

4- كما قمنا بتزيين البيوت لاستقبال شهر رمضان علينا أن نُزين بيوتنا وقلوبنا لاستقبال عيد الفطر المبارك . وذلك من تعظيم شعائر الله، “ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب” 32 سورة الحج

5- اصنع السعادة والفرحة والبهجة مع أسرتك وأولادك، وإن كانت لك عادة حسنة في كل عيد، كالهدايا فاحرص عليها.

6- على المساجد والجمعيات التي ستقيم صلاة العيد مع الالتزام بالإجراءات الصحية، أو المساجد التي لن يتيسر لها إقامة الصلاة أن لا تنسى هدايا الأطفال، فما أجمل أن يشعر الطفل وهو في بيته أن المسجد يذكره في العيد بهدية، وتلك سُنة حسنة.

7 – يمكن ترتيب حفلات العيد بأسلوب جديد، من خلال شبكة الإنترنت بصورة مبتكرة في الفقرات المتنوعة، الإنشاد والمسابقات.

8 – قم بترتيب زيارات للمتاحف والأماكن التاريخية في مدينتك أو المدن المجاورة، وقضاءِ وقتٍ ممتعٍ مع العائلة.

9 – صلة الأرحام والإحسان إلى جيراننا المسلمين وغير المسلمين من تجليات ومظاهر يوم العيد، فلنشارك الآخرين فرحتنا بالكلمة الحسنة والهدية الطيبة.

10- لا تنسوا الفقراء والمساكين واليتامى والمظلومين من مواساتكم بالمال والهدية والدعاء وإدخال السرور على قلوبهم.

Posted on Leave a comment

«كل نفس ذائقة الموت» حقيقة يمر بها الجميع!

يقول الحق تبارك وتعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء:35]

لم تشهد البشرية انتشارا جغرافيا لمشاهد الموت كما يحدث في أيامنا. وزادته وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا، فلا يوم ولا ساعة بل أقل من ذلك إلا وتصدمك أخبار الموت من هنا وهناك.

هذه الحقيقة التي سيمرّ بها الجميع {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} بلا استثناء. وهي تطوّق الإنسان، ولا تفرّق بين كبير أو صغير، وبين صحيح أو سقيم، وبين غني أو فقير، وبين مؤمن أو ملحد، ولا بين العوالم التي انقسمت إليها البشرية. فهي الحقيقة التي نعلم قدومها لا محالة، ونخشى نزولها على الأهل والأحباب والأصدقاء.

ومن المفارقات العجيبة أن هذه المشاهد تنزل بالبشرية في مرحلة تراجع القيم والأخلاق، وروح الإيمان وصدقه. وكأنها تقرع أبوابنا بالتذكير قبل فوات الأوان.

وترشدنا هذه الآية إلى الذي يجب التنبّه إليه استعدادا لهذا القدر المحتوم وما بعده {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} يقول الفخر الرازي “فالآية دالة على حصول التكليف وتدل على أنه سبحانه وتعالى لم يقتصر بالمكلّف على أمر ونهي وإن كان فيه صعوبة بل ابتلاء بأمرين:

أحدهما: ما سمّاه خيرا وهو نِعم الدنيا من الصحة واللذة والسرور والتمكين من المرادات.

والثاني: ما سمّاه شرا وهو المضار الدنيوية من الفقر والآلام وسائر الشدائد النازلة بالمكلّفين، فبيّن تعالى أن العبد مع التكليف يتردّد بين هاتين الحالتين، لكي يشكر على المنح ويصبر في المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم”. وهو الذي يجب تركيز النظر فيه، فلحظة الموت قادمة لا مفرّ منها، والأصوب لك أيها الإنسان التفكير وتركيز النظر والعمل على ما تكسبه من خير أو شرّ في دنياك، فهي التي بها صورتك بعد الموت.

واعلم أيها الإنسان أن حقيقة الموت هي حقيقة الرجوع إلى الله {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} يقول الفخر الرازي ” أنهم يرجعون إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته”. فلا يذهبن ظنّك بأن موتك نهاية الحياة، نهاية ما زرعته وبذلته واقترفته، بل هي بداية الفصل الآخر للحياة، فما تزرعه اليوم تحصده غدا.

Posted on Leave a comment

إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملًا!

يقول الحق تبارك وتعالى {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:7]

يقول العلامة ابن عاشور “إن الإخبار عن خلق ما على الأرض زينة يجمع الامتنان على النّاس والتذكير ببديع صنع الله إذ وضع هذا العالم على أتقن مثال ملائم لما تحبّه النفوس من الزينة والزخرف” ويضيف رحمه الله ” ولا تكون الأشياء زينة إلا وهي مبثوثة فيها الحياة التي بها نماؤها وازدهارها.

وهذه الزينة مستمرّة على وجه الأرض منذ رآها الإنسان، واستمرارها باستمرار أنواعها وإن كان الزّوال يَعرض لأشخاصها فتخلفها أشخاص أخرى من نوعها. فيتضمّن هذا امتنانا ببث الحياة في الموجودات الأرضية”.

فمظاهر الزينة والزخرف في الأرض عطيّة من عطايا الله، وهي خُلقت للإنسان للتمتّع بها ولتضفي على حياته مسحة إضافية من الجمال.

فجمال ما في الأرض من الزينة، تفتح النفوس على قيمة الجمال لتتقوّم حياته عليها، فحسن القول من الجمال، وحسن العمل من الجمال، وتمثّل الأخلاق من الجمال. يقول ابن عاشور “ومن لوازم هذه الزينة أنها توقِظ العقول إلى النظر في وجود منشئها وتسبُر غورَ النفوس في مقدار الشكر لخالقها واجعلها لهم، فمِن موفٍ بحق الشكر، ومقصّر فيه، وجاحد كافر بنعمة هذا المنعم ناسبٍ إياها إلى غير موجدها”.

ويمضي ابن عاشور في تدقيقه ويقول “ومن لوازمها أيضا أنها تثير الشهوات لاقتطاعها وتناولها فتستثار من ذلك مختلف الكيفيات في تناولها وتعارُض الشهوات في الاستيثار بها مما يفضي إلى تغالب الناس بعضهم بعضا واعتداء بعضهم على بعض، وذلك الذي أوجد حاجتهم إلى الشرائع لتضبط لهم أحوال معاملاتهم”

ويضيف رحمه الله ” ولذلك عُلل جعل ما على الأرض زينة بقوله {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}، أي أفْوَتَ في حسن العمل من عمل القلب الراجع إلى الإيمان والكفر، وعمل الجسد المتبدّي في الامتثال للحق والحيَدة عنه”.

فهذه التي جُعلت زينة للأرض، وتتشوّف النفوس لها، ويتسابق الناس عليها، هي نعمة وامتحان.

ومن طبع الإنسان الضعيف أصلا أمام مظاهر الزينة التي تزخر بها الحياة، أنّه يركن لبهجتها وينسى فعل الشّكر المطالب به، وحسن استخدام وتوظيف الزّينة لتكون عامل قرب لخالقه، وعامل ضياء في علاقاته، “ليبصّرهم أيّهم أطوع لله وأشد استمرارا على خدمته” كما قال الفخر الرازي.

وذكر أن الزينة لا يدخل فيها المكلّف “فمن يبلوه يجب أن لا يدخل في ذلك”. وفي تقديري أن حسن العمل هو زينة له ومنه لمن حوله، وللأرض ككل.

فالتمتّع والاستفادة من زينة الأرض، يجب أن يُقابلها تزيينه للأرض من خلال حسن العمل والأداء، والعمران، الذي هو واجب الاستخلاف، وهو مدار “البَلْو: الاختبار والتجربة” كما يعرّفه ابن عاشور. وهذا ملازم للإنسان.

فعندما تكون حياة الإنسان تجمّلا بالخلق الحميد وحسن القول وحسن المعاملة وحسن العمل، تكون الحياة جمالا في جمال، وزينة في زينة، وذلك هو مقصد الاستخلاف. فالإيمان زينة وجمال، والعبادات زينة وجمال، لذلك وجب أن تكون المعاملات زينة وجمالا.

Posted on Leave a comment

مشهد نبوي لو ترجم اليوم لدخل الناس في الدين أفواجا

أجل ورب الكعبة، هو مشهد هزّ الفؤاد مني هزّا مذ قرأته منذ عقود، هو مشهد ليس لي أحبّ منه ربما، هو مشهد لكم أرجو من الناس ترجمته عملا سيما المنتصبين إلى تعليم الناس وتفقيههم والمتصدين لإفتائهم وقليل من هؤلاء من يفتي بفتاويه عليه الصلاة والسلام، كما أرجو ترجمته إلى الألسنة الأخرى أي الترجمة المعروفة. لا مناص من الترجمتين.

المشهد هو أن رجلاً جاء إليه عليه السلام وهو يقول له: يا رسول الله وقعت على امرأتي في يوم رمضان، قال له النبي صلى الله عليه وسلم «والحديث متفق عليه» هل لك أن تعتق رقبة؟ قال :لا، قال له : هل لك أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل لك أن تطعم ستينا مسكينا؟ قال: لا، وإذ عرض عليه السلام الكفارات الثلاث وصرّح الرجل أنه لا يقوى على أيّ واحدة منهن قال له: لا تبرح مكانك ثم غاب عنه برهة وجاءه بعذق من تمر وناوله إياه وقال له: خذ هذا وتصدق به، فقال الرجل: وهل بين لابتيها -أي المدينة- يا رسول من هو أفقر مني؟ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال له: اذهب فأطعمه أهلك.

هذا المشهد الصحيح لا أظن أن مسلما لا يهزّ له فؤاده هزّا عجيبا، كيف وهو يعرض صورة من صور النبوة لم تتوفر في البشرية جمعاء قاطبة؟ كيف وهو يصور لنا هذا النبي الكريم وقد تربع على عرش الحلم والعلم وخفض الجناح، بل على عرش المعلم المؤدب الناجح، بل على عرش الكريم الذي لا يتقمص دور القاضي الذي يقضي بقضائه الحق ولا يلوي على شيء ولا يتقمص دور المفتي الذي يفتي صاحبه ويذهب في سبيل حاله.

لا يعجز قلمي ولا لساني إلاّ في هذا الموضع والله، مشهد لو تدبره المرء مرة من بعد مرة ما شبع منه، مشهد يصور لنا النبوة كما لم نكن نعرفها، الرجل وقع على امرأته في رمضان وما حدث النبي عليه السلام بذلك إلاّ لأنه يعلم أنه عليه الصلاة السلام حليم كريم ليس بينه وبين الناس حواجز.

قولوا لي بالله عليكم: هل هناك اليوم عالم أو فقيه أو شيخ مثله أي يحدثه الناس بما فعلوا وهم مطمئنون؟ لا، لم؟ لأن المنسوبين إلى الدين اليوم إلاّ من رحم الله سبحانه أول ما يشيدون بينهم وبين الناس حجرا فلا يجرؤ أحد منهم على أن يحدثهم بمثل هذا؟ الرجل صرح بذلك أمام نبي كريم عظيم وهو مطمئن آمن، ألا ترون أنه عليه السلام لم ينبذ إليه بأيّ كلمة تحزنه؟ وقعت الواقعة الآن فأي حاجة إلى مثل هذا، أليس يفيد من هذا المشهد منا اليوم رجال التربية والتعليم والأولياء والمربون؟ بلى والله.

الرجل يعرض عليه النبي عليه السلام الكفارات وهو يقول بكل طمأنينة وأمن وتلقائية وصدق أنه لا يستطيع ذلك ولم يتحرج من شيء، كان يمكن أن يتحرج في الثانية أو الثالثة ولكنه لم يفعل، لم؟ كان الرجل صادقا مع نفسه، كان الرجل يضع نفسه أمام مؤسسة النبوة التي يعلم أنها ستعالج مشكلته ليس دينيا فحسب كما يفعل الناس اليوم إفتاء يلقونه ثم يدبرون ولكن يعالجها دنيويا كذلك.

لَكَم نشتاق إلى هذا النبي الذي حرمنا من رؤيته والله نسأل أن نلقاه على حوضه غير مبدلين، هذا النبي الكريم لم يسأل الرجل لم لا تستطيع ذلك؟ صدقه لأنه أُذُن خير كما قال عنه ربه ردّا على المنافقين الذين قالوا عنه أنه أُذُن، أُذُن خير يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين.

وبعد أن استوفى الفتوى ولم تعالج المشكلة ظل عليه الصلاة والسلام مشغولا بالأمر فذهب هو بنفسه يبحث عمّن يقرضه أو يعطيه عذق تمر وجاء به إلى السائل وكأنه الملك الوقور الذي تقضى حاجاته من لدن نبي كريم عظيم والحال أن الرجل واقع على امرأته في يوم رمضان وهو يعلم علم اليقين حرمة ذلك، بل إن الرجل لفرط صدقه وطمأنينته إلى النبي عليه السلام وشعوره بالأمن عنده لم يتردد أن قال أنه ليس في المدينة من هو أفقر منه، عندئذ لم يملك النبي نفسه عليه السلام فأنفجر ضاحكا حتى بدت نواجذه لأنه ربما لم يكن يتوقع أيلولة المشهد إلى ما آل إليه.

وفي النهاية عاد الرجل الذي اقترف حراما كبيرا بعذق تمر إلى أهله، كأنه قام بعمل خير يثاب عليه وليس بخطأٍ يعاقب عليه، سبحان الله، ذلك هو محمد صلى الله عليه وسلم، ذلك هو المشهد الذي لكم أرجو من سويداء فؤادي أن يتدبره المفتون والمتصدون للناس مرة ومرة ومن الناس أنفسهم حتى يطلعوا على جوانب أخرى من نبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ذاك هو النبي الذي يتهم اليوم بعداوة الإنسان والتطرف والعنف والإرهاب والقمع والتشدد. لَكَم هي مهمتنا كبيرة.

Posted on Leave a comment

رمضان مدرسة نتعلم فيها فقه اليسر

اليسر نعمة من الله سبحانه. من يقرأ القرآن الكريم يباغت بأن أكثر ما ورد اليسر مبنى ومعنى معا في آيات الصيام في سورة البقرة، أيّ معنى لذلك؟ المعنى هو أنه إذا كان اليسر هو سدى عبادة الصيام ولحمتها فمن باب أولى وأحرى أن يكون ذلك اليسر هو لون ما عدا الصيام وكلّ ما عدا الصيام هو دونه إلا عبادة مثله لأن الصيام ينتمي إلى العبادات والتي لا تعلوها عدا العقائد.

من مظاهر اليسر في تلك الآيات أن الله سبحانه شدّد مرتين في السياق نفسه على ضرورة إفطار المريض والمسافر إذ قال في البداية «فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدّة من أيام أخر» وقال في آخر الآيات الكلام نفسه تقريبا «فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر» هو تكرار مقصود حتى لا يتسلل أيّ ريب إلى الصائمين والصائمات أن الصيام حرج وعنت.

ومن مظاهر اليسر في هذه الآيات كذلك حطّه الصيام عن الذي لا يطيقه أي يطيقه بالمبني العربي القديم «وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين». ومن تلك المظاهر كذلك ذكره اليسر إرادة منه مرادة سبحانه وجاء بكل أدوات التأكيد منها بناء التركيب في جملة فعلية ذاكرا الفاعل باسم الله العلم «الله» لإضفاء كل الجدية والتشديد في هذا الأمر، وما كانت الجملة بصيغة المضارع إلا لتفيد التأبيد والاستمرار والاستقرار والترسخ والدوام فلا ينسخها ناسخ.

وجاء بكلمة اليسر معرفة مستغرقة لا منكّرة ثم أكد كل ذلك بنفي ضده إذ قال بعدها مباشرة «ولا يريد بكم العسر». أي إثبات بكل أدوات التأكيد والإثبات ثم نفي للضد، فهل بعد هذا من ريب أن الإسلام كله ليس هو سوى اليسر الذي لا عسر فيه.

لست من القائلين بأن الإسلام يتحمل اليسر بل إن الإسلام هو اليسر وما كان الرفق في شيء إلاّ زانه كما قال نبي الإسلام عليه السلام وما كان العنف في شيء إلاّ شانه، أليس اليسر رفقا؟ أليس العسر عنفا؟

بل واصل في ذلك الاتجاه التيسيري وهو في عبادة تغشى الناس مرة واحدة كل عام إذ ذكر بعد ذلك مسألة غشيان الزوج زوجه في ليلة رمضان، إذ كان الناس برواسب من ثقافة إسرائيلية يحجمون عنه. قرأت الإسلام فما وجدت سوى أنه دين يضع عن الناس آصارهم التي كانت على بني إسرائيل بما شوهوا الدين وحرفوه وزيفوه.

ومن أمثلة التيسير من السنة أمره عليه الصلاة والسلام بالتعجيل بالفطر وتأخير السحور وأناط البركة في ذلك والخيرية، وبيان ذلك هو أن الله يحول دوننا ودون التحملات والتعسيرات والأثقال والآصار باسم المبالغة في التقوى، ولذلك لم يتردد عليه الصلاة والسلام أن قال «التقوى هاهنا» مشيرا إلى صدره الكريم.

من اليسر أن الإنسان -وهو يتأهل للكف عن الطعام والشراب لساعات طويلات قد تصل إلى حد تسع عشرة ساعة في أوروبا في بعض الفصول وقد تكون لاظية حارة في المناطق المحيطة بالحزام الأرضي- لا مناص له من التوقي لذلك بالأكل والشرب وغير ذلك.

الله لا يريد تعذيبنا ولكن يريد إعدادنا لمعركة الحياة بما نستطيع فحسب، ولقد قرّر الفقهاء حدبا على ذلك اليسر الذي يطبع شريعة الإسلام إذ قالوا أن الفطر ممّا يدخل وليس مما يخرج ومظاهر أخرى من اليسر لا تتسع لها هذه المصافحة عدا أن كثيرا من الشباب المتدين حديثا شغبوا على فقه اليسر، فظنوا أنه في مقابل الالتزام بالشريعة والحقيقة أن اليسر هو ضد العسر وليس هو التقصي من تكاليف الشريعة؛ ولذلك لا يأمن كلّ من يتحدث عن يسر الإسلام اليوم بعلم وفقه وليس بصفاقة من سهام أولئك.

Posted on Leave a comment

أي سرّ لحرف الصاد هذا؟

أجل، هي صادات صاغت أكثر قيم الإسلام. لست مولعا بكثير مما يسمى تفسيرا علميا إذ فيه كثير من التحملات ولا بالتفسير العددي أو الإعجاز العددي إذ هو مثله. عدا أني رأيت أن كثيرا من قيم الخير لا مناص لها من احتواء هذا الحرف العجيب «ص».

الصدق الذي هو مخ الإيمان بالله سبحانه وهو ضد النفاق؛ أي الصدق العقدي ومثله الصدق المسلكي الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: «إنّ الصدق يهدي إلى البر»، الصلاة أمرها معلوم، الصيام مثل ذلك، الصدقة التي يسميها القرآن أحيانا زكاة عندما يمدح أهلها أو يأمر بها ولكنه يسميها صدقة أو صدقات عندما يعين مصارفها كما فعل في سورة التوبة.

كما أن أكثر استخدامات الحديث النبوي تكون بكلمة الصدقة وليس الزكاة وهي الواجبة والمندوبة معا، الصبر الذي أخرجه سبحانه من جدول الحساب فقال عنه أن أهله يؤتون أجورهم بغير حساب، حتى الإخلاص الذي هو في جانب منه الصدق عدا أن حرف الصاد هنا جاء في ذيله وليس في صدره كما هو الحال في القيم الأخرى.

ست قيم إسلامية عظمى منها يتشكل الهيكل العظمي للدين كلها لا بد أن تحتوي إليها هذا الحرف العجيب «ص»: الصدق والإخلاص عقيدة والصلاة والصيام والصدقة عبادة والصبر خلقا.

تأويل ذلك عندي هو أنه لا بدّ لتلك القيم العظمى من أن تتقوى وتتعزز بهذا الحرف المفخم الكبير الذي يملأ الفم تناسبا بين المبنى والمعنى وهو الأمر الذي جرى عليه اللسان العربي الذي هو علم مسموع لا مكتوب إذ أن الصوت هو من يحدد معنى الكلمة كما كان العهد عند أرباب هذا اللسان العربي العظيم الذي تحدى به الرحمان سبحانه أهل السليقة الأقحاح فكبتهم تكبيتا وجاء كتابه يحمل ذلك التحدي إلى يوم الدين، ربما يكون ذلك.

 كذلك إذ أن إحدى حلقات هذا العقد القرآني العجيب اسمها بهذا الحرف «سورة صاد»، وربما أقسم به سبحانه.

Posted on Leave a comment

رمضان مدرسة تعلمنا قيمة الأمل

رحلة المرء في حياته ككل رحلة لها بلغة، وبلغتها: الصبر والأمل وهما وجهان لقطعة قيمية واحدة فلا يمتلأ المرء صبرا إلا بأمل يهذبه من شوائب اليأس ولا يترع أملا إلا بصبر يجعله بالخطوب هازئا؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى ذات مرة على لسان يعقوب عليه السلام «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون».

وقال ذات مرة مكمّلا المعنى ذاته من جانبه الآخر «فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون» وبذلك تكتمل الصورة أي صورة الحياة فهي أمل في الله لا ينضب ورجاء لا ينقطع وهي في الآن ذاته خوف منه سبحانه وخشية ومن بهذا امتلأ فؤاده ـ قائد قاربه وربّان سفينته ـ فقد أمن الحياة وسعد إن شاء الله.

رمضان مدرسة تعلمنا الأمل إذ قال النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث ثلاثة كلها متفق عليه عن أبي هريرة عليه الرضوان: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه«، وقال: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه»، وقال: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا فقد غفر له ما تقدم من ذنبه».

 وهكذا يبشر البشرية جمعاء قاطبة أنّ رمضان مدرسة تعلّم الأمل فمن صام ولم يقم فقد غفر ذنبه، ومن قام ولم يصم لسبب شرعي معلوم كالمرض أو السفر فإنه ينال مثل ذلك، وحتى من لم يصم ولم يقم لعذر شرعي ولكن قام ساعة واحدة سيما في ساعات السحر الغالية من ليلة القدر فقد نال ذلك الفضل كله وبحذافيره: غفران الذنب السالف كله عدا ما يتعلق بحق الإنسان طبعا، ذلك أن حقوق الإنسان مبناها المشاحة والإنسان مدعو إلى مغفرتها إن شاء «قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله».

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بشر الأمة جمعاء قاطبة أن دعوة الصائم عند إفطاره لا تردّ وأي بشارة هي، بل إنه عليه الصلاة والسلام قال في حديث المنبر: «بعُد من أدرك رمضان ولم يغفر له» أي أن أشقى الأشقياء من أدرك رمضان – وهو موسم العفو الرحماني الرباني الشامل- ولم يغفر له، وكيف لا يغفر له وفيه الصيام وفيه الصلاة وفيه القيام وفيه الدعاء وفيه التدبر وفيه الإنفاق وفيه كل خلال الخير؟

لا شك أن هذا لا يريد أن يساق إلى الجنة حتى بالسلاسل. الأمل قيمة أخلاقية عظمى من وشّح بها صدره فقد احتوى الخير كله إذ أن الأمل امرئ مبتسم ضاحك يحتضن الناس ويعين على نوائب الحق ويبسط فضله لكل مكلوم ومحتاج، الأمل تدبر من وجهه الخطوب العاتية مولية، لا مصل يعالج كروب الدنيا المتوالية عدا هذين المصلين المتكاملين؛ الصبر من جانب والأمل من جانب آخر.

عدا أن بعض الناس يقصرون الأمل على الله قائلين ببلادة شديدة أنهم آملون في الله ويائسون من الناس، أولئك أشد الناس يأسا من الله نفسه ولكنهم لا يعلمون.

لا أفهم الأمل في الله سبحانه إلا أملا في النفس من جهة أن يحقر المرء نفسه فلا يفعل خيرا ولا يضرب له بسهم في الخير، وأملا في الإنسان من حوله كذلك، أما مدعي الأمل في الله يأسا من الناس فهو من الله أشد يأسا، ذلك لأن ترجمان الأمل الصحيح في الله سبحانه هو الأمل في الناس إذ من ييأس من الناس فلن يفعل خيرا.