Posted on Leave a comment

هلال رمضان بين الرؤية والحساب الفلكي.. هل الخلاف في طريقه إلى الزوال؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
لا يخفى على أحد ما يعاني منه المسلمون في البلاد الغربية من فرقة وحيرة كلما دخل عليهم رمضان أو حل عليهم العيدان، وذلك لاختلاف المساجد والأئمة في الطرائق المعتمدة في تحديد أوائل الشهور القمرية، حتى لم يعد غريبًا ان يختلف أهل بيت واحد في صيام رمضان أو الاحتفال بالعيد.

وقد خلف هذا الواقع سلبيات كثيرة على الوجود الإسلامي في الغرب من أهمها:
1) غياب الوحدة والاجتماع على إحياء هذه المواسم وأداء الشعائر
2) تغييب المقاصد الروحية والأبعاد الاجتماعية من الشعائر الإسلامية عبر التركيز على المظاهر والوسائل.
3) تبديد الجهود والأوقات في جدالات عقيمة كل سنة مما يعمق الخلاف والشقاق بين المسلمين.
4) عزوف بعض المسلمين عن حضور الجماعات وإحياء المناسبات
5) إعراض الشباب عن المساجد وفقدان الثقة في الأئمة والقائمين على مصالح المسلمين.
6) تشكيك المتربصين بكمال الدين وجمال الإسلام.
7) عدم اعتماد المؤسسات الحكومية والجهات الرسمية على رزنامة موحدة لأعياد المسلمين.
8) صعوبة حصول المسلمين على عطلهم بمناسبة الأعياد.
9) إعطاء صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين في البيئات الغربية.
10) تصوير الإسلام بأنه دين مناف للعلم معارض للحقائق الفلكية.

وقد كان المسلمون في الغرب، عبر هيئاتهم الإفتائية ومؤسساتهم العلمية كالمجلس الأوربي للبحوث والإفتاء، وهيئات الأئمة ومشرفي المراكز والمساجد الأوربية، على وعي بهذه المشكلة منذ عشرات السنين، فتداعوا إلى ملتقيات عديدة ومؤتمرات وندوات كثيرة، شارك فيها علماء الشريعة ورواد الفلك، وعرضت فيها دراسات مستفيضة حول طبيعة المشكلة وأبعادها الدينية والاجتماعية، وتأثيراتها على حياة المسلمين في أوربا وانسجامهم مع فرائض دينهم ومتطلبات حياتهم، ورغم ذلك لا يعتمد المسلمون في أوربا إلى اليوم، نظاماً موحداً لتحديد أوائل الأشهر القمرية ولا يرجعون إلى رزنامة موحدة تبين مواعيد المناسبات الدينية وبخاصة بداية رمضان وشوال وذي الحجة.

وقد ترددت الحلول طيلة هذه السنوات بين اعتماد الرؤية واعتماد الحساب للنفي لا للإثبات أو اعتماد الحساب مطلقاً، وبقيت الحيرة والسجال السمة الغالبة في حياة المسلمين الأوربيين كلما اقترب موعد رمضان أو أحد العيدين، فتفسد عليهم فرحتهم وتفرق كلمتهم وتضعف من ارتباطهم بأعيادهم ومواسم الخيرات في حياتهم.

وبعد كل هذه السنوات من الدراسات وتراكم الخبرات ومعايشة هموم الناس وآمالهم لا أرى سبيلا للمسلمين لتجاوز هذه الأزمة المتجددة كل سنة إلا بالاعتماد على نظامٍ دقيقٍ موحدٍ ثابتٍ، يحفظ عليهم وحدتهم ويسهل عليهم حياتهم وسبل الاستفادة من مواسم الخيرات وشعائر دينهم، وهذا لا يتوفر – بنظري – إلا بالاستعانة بالحساب الفلكي الدقيق لتحديد أوائل الأشهر القمرية، وهذا مسلك تؤيده الأدلة الشرعية والمقاصد العامة ومذاهب جمع من أئمة الدين قديماً وحديثاً.

ولعل هذا ما خلصت إليه عدة مؤتمرات وندوات كان آخرها مؤتمر التقويم الموحد الذي أقيم في إسطنبول سنة 2016، برعاية رئاسة الشؤون الدينية التركية ومشاركة المجلس الأوربي للبحوث للإفتاء، ونخبة من علماء الشريعة والفلك من شتى أنحاء العالم حيث خلص المؤتمر إلى اعتماد الحساب لإثبات دخول الأشهر القمرية ضمن المبادئ التالية:

يثبت دخول الشهر الجديد شرعيًا إذا توافر ما يلي:
أولًا:
أن يكون الاقتران قد حدث فعلًا قبل غروب الشمس.
ثانيًا: أن يكون هناك إمكانية لرؤية الهلال بالعين المجردة أو بالاستعانة بآلات الرصد، ولا عبرة لاختلاف المطالع لعموم الخطاب بالأمر بالصوم والإفطار.

ثالثًا: لقبول إمكانية رؤية الهلال لابد أن تتحقق الشروط الفلكية التالية:
أ – أن يغرب الهلال بعد غروب الشمس في موقع إمكانية الرؤية.
ب – ألا تقلّ زاوية ارتفاع القمر عن الأفق عند غروب الشمس عن (5°) خمس درجات.
ج – ألاّ يقلّ البعد الزاوي بين الشمس والقمر عن (8°) ثماني درجات.

ويتضح من هذه الضوابط اعتماد الحساب لتحديد إمكانية الرؤية والبناء عليه، مما يمَكِّن من الإعلان عن بداية الشهر القمري وعدم تأجيله حتى رؤية الهلال بالعين المجردة، وهذا يجنب حالة التخبط عند بداية ونهاية شهر رمضان، ويسهل على المسلمين الاستعداد لإحياء شعائر العيدين والصيام وحسن الاستفادة منها، كما ييسر عليهم الحصول على عطلهم.
علماً أن هذه المبادئ تضبط اعتماد الحساب باعتبار إمكان الرؤية لا بالولادة أو الاقتران. وقد أخذ بهذا القرار أيضا كثير من البلدان والهيئات العلمية والمراكز الإسلامية في أوربا.

ورد في بيان المجلس الأوربي للإفتاء: «والحساب الفلكي أصبح أحد العلوم المعاصرة التي وصلت إلى درجة عالية من الدقة بكل ما يتعلق بحركة الكواكب السيارة وخصوصًا حركة القمر والأرض ومعرفة مواضعها بالنسبة للقبة السماوية، وحساب مواضعها بالنسبة لبعضها بعضًا في كل لحظة من لحظات الزمن بصورة قطعية لا تقبل الشك».

وورد في بيان مجلس الديانة التركي: «إن وقت اجتماع الشمس والأرض والقمر أو ما يعبر عنه بالاقتران أو الاستسرار أو المحاق حدث كوني يحصل في لحظة زمنية واحدة، ويستطيع علم الفلك أن يحسب هذا الوقت بدقة فائقة بصورة مسبقة قبل وقوعه لعدد من السنين، وهو يعني انتهاء الشهر المنصرم وابتداء الشهر الجديد فلكيًا. والاقتران يمكن أن يحدث في أي لحظة من لحظات الليل والنهار».

1- الحساب الفلكي طريقة شرعية ووسيلة مقاصدية.
إن الاختلاف في كيفية تحديد بداية الأشهر القمرية أمر اجتهادي لا ينبغي فيه الإنكار، وهو راجع إلى فهم النص لا إلى رده، وإذا كان الأمر كذلك فإن أولى الأقوال بالأخذ والاعتبار ما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة ويرفع الحرج والمشقة.

والأخذ بالحساب، بالضوابط المنصوص عليها في البيان أعلاه هو خير سبيل لتحقيق ذلك الهدف.

وقد جوَّز العمل بالحساب أو الاستعانة به كثير من الأئمة قديما وحديثاً كالتابعي البصري مطرِّف بن عبد الله (95 هـ) وإمام الشافعية في عصره أبي العباس بن سريج (249 هـ 306 هـ) وأبي القاسم القشيري (376 هـ – 465 هـ) وأبي عاصم العبادي (375 هـ – 458 هـ) وابن قتيبة الدينوري (213 هـ 276 هـ) وابن دقيق العيد ( 70 هـ ) وتقي الدين السبكي (683هـ — 756هـ ) ، وجعلوا ذلك مقتضى حديث ابن عمر في الصحيح “اقدروا له” نقله عن بعضهم الإمام النووي في المجموع ( المجموع 6/270 ).

بل ذهب الإمام أبو العباس بن سريج إلى أن قوله: “فاقدروا له”: خطاب لمن خصه الله بهذا العلم، وأن قوله: “أكملوا العدة” خطاب للعامة (فتح الباري 6/23).

قال ابن دقيق العيد في إحكامه، في شرح حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – «إذا رأيتموه فصوموا. وإذا رأيتموه فأفطروا. فإن غم عليكم فاقدروا له».

«أما إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه يرى، لولا وجود المانع – كالغيم مثلا فهذا يقتضي الوجوب، لوجود السبب الشرعي. وليس حقيقة الرؤية بشرط من اللزوم؛ لأن الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بإكمال العدة، أو بالاجتهاد بالأمارات: أن اليوم من رمضان، وجب عليه الصوم وإن لم ير الهلال، ولا أخبره من رآه». ( إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، كتاب الصيام، حديث 179)

أما المعاصرون فنذكر منهم شيخ الأزهر الشيخ المراغي، والمحدث أحمد شاكر وأحمد الغماري ومصطفى الزرقا ويوسف القرضاوي وغيرهم كثير، وإلا فإن هذا المقام لا يتسع لذكر كل القائلين بجواز الاستعانة بالحساب.
قال الشيخ شاكر: “وكنت أنا وبعض إخواني ممن خالف الأستاذ الأكبر في رأيه، وأنا أصرح الآن أنه كان على صواب. وأزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب في كل الأحوال، إلا لمن استعصى عليه العلم به.” (رسالة أوائل الشهور العربية، ص 15)

وللشيخ مصطفى الزرقا رسالة بعنوان: حول اعتماد الحساب الفلكي لتحديد بداية الشهور القمرية هل يجوز شرعا أو لا يجوز؟ مضمنة في كتاب مجلة مجمع الفقه الإسلامي. (ج2 ص744)

ركز فيها على ثلاث نقاط:
• أن تعليق الصوم بالرؤية في الأحاديث داخل في باب الوسائل لأنها كانت الوسيلة الميسورة في ذلك الوقت ، وليس فيها معنى التعبد.
• أن علة تعليق الصوم بالرؤية هو الأمية وعدم معرفة الحساب، والحكم يدور مع علته وجودا وعدماً.
• أن إنكار العلماء القدامى للأخذ بالحساب يعود إلى ما كان معروفا في زمانهم من العرافة والتنجيم.
ثم قال في خلاصة بحثه: «فحينئذ لا يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلال، ومن الفوضى التي أصبحت مخجلة بل مذهلة، حيث يبلغ فرق الإثبات للصوم والإفطار بين مختلف الأقطار الإسلامية ثلاثة أيام، كما حصل في هذا العام، وفي معظم الأعوام الماضية.»

وليس قصدي من بسط بعض أقوال أهل العلم في جواز الأخذ بالحساب الفلكي مطلقاً أو جزئياّ هو البحث والتأصيل الفقهي فهذا باب قد صنفت فيه مطولات وأشبعت بحثاً وتحقيقاً، كما ليس القصد أن أنتصر لرأي محدد وأنكر خلافه، فإن كل رأي في هذه المسألة يقف وراءه جهابذة في العلم وأئمة في الفقه، وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
إنما مقصدي أن أنبه إلى أن الأمر ليس من باب القطعيات أو الواضحات البينات كما يدّعي البعض، فينكرون ما لا يجوز الإنكار فيه ويضيقون واسعاً ويحجرون على الناس إعمال الفهم ومراعاة المصلحة والاجتهاد في النص فهما وتنزيلا.

ولا جرم أن المسلمين اليوم، وفي الغرب خاصة، لفي أمس الحاجة إلى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ورفع الحرج عنهم في أداء فرائضهم وإحياء شعائرهم ضمن قواعد الشرع ومقاصد الإسلام.

وأيًا كان الاختلاف في الرأي بين المسلمين في هذه المسألة فإنهم مطالبون بالتوافق على النقاط التالية:-

أولاً؛ أن لا ينكر بعضهم على بعض في المسائل الاجتهادية، وهذا الأمر اجتهادي تتسع له نصوص الشرع، والاختلاف فيه تيسير ورحمة للأمة.

ثانياً؛ أن الخطأ في بداية الشهر سواءً أكان بالرؤية أو بالحساب مغتفر، والخطأ في الوسائل لا يبطل أصل العبادة ومقاصدها، والمجتهد الذي بذل وسعه في معرفة حكم الله مأجور في الحالين. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون” (الترمذي، وقال: حسن غريب (697) وفي لفظ: “وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون” (أبو داود -2324 ؛ وابن ماجه -1660 بلفظ “الفطر يوم تفطرون، والأضحي يوم تضحون” رواه من طريق حماد عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال الشيخ شاكر: وهذا إسناد صحيح جدًا على شرط الشيخين ا هـ)
وبوب أبو داود لهذا الحديث تحت عنوان: (باب إذا أخطأ القوم الهلال)، قال الإمام الخطابي: معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوما اجتهدوا، فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين، فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعًا وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، فلا شيء عليهم من وزر أو عنت، وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة، فإنه ليس عليهم إعادته ويجزيهم أضحاهم كذلك، وإنما هذا تخفيف من الله سبحانه ورفق بعباده.

ثالثا؛ أن أولى ما يجب على المسلمين التفكير فيه ورعايته هو السعي إلى وحدتهم في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم ، دون الجمود على اجتهادات محددة أو الانغلاق على انتماءات قومية أو قطرية أو لغوية، قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى 13] فاجتماع الكلمة وعدم التفرق المفضي إلى الفشل وذهاب الريح، أصل من أصول الدين العظيمة ومقصد من مقاصد الشريعة، وهو مقدم في الاعتبار والمراعاة على فروع الشريعة وجزئياتها ووسائلها.

وإن كان المسلمون في البلدان الإسلامية يرجعون في أمور دينهم إلى سلطة سياسية تلزمهم وتجمع شملهم، فليس للمسلمين في أوربا سوى وعيهم وفهمهم للحفاظ على هويتهم واجتماع كلمتهم، ولن يتأتى ذلك إلى بنبذ العصبيات والالتزام بقرارات المؤسسات الشرعية والإدارية التابعة للمسلمين، فهي تقوم مقام السلطات الرسمية والمراجع الدينية في البلاد الإسلامية.

وذلك حتى لا تتكرر المآسي التي حصلت في السنوات الأخيرة، حيث اختلف المسلمون في البلد الواحد والمدينة الواحدة، فمنهم مفطر ومنهم صائم، واحتفل بعضهم بالعيد فيما بقي آخرون صائمين، ومنهم من هو لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا يدرون صبيحة يومهم أيمسكون سائر يومهم أم يفطرون وقد بيتوا نية الصوم من الليل احتياطاً!

ويعلم الله شدة المشقة التي نلقاها، نحن أئمة المساجد والمسؤولين على المراكز الإسلامية، في بداية رمضان وشوال، فشخصياًّ لا يهدأ لي بال ولا يتوقف هاتفي عن الرنين إلى وقت متأخر جدا من الليل في ليالي اشتباه دخول رمضان أو حلول العيد، من كافة أنحاء البلاد الأوربية التي أعيش فيها، من مسلمين حائرين لا يدرون ما يصنعون، أو مسؤولي وأئمة مساجد في المناطق النائية لا يدرون كيف يتصرفون ولا ماذا يقولون. وتزداد حرقتنا عندما لا نملك لهم حلاً كافيأً ولا جوابا شافياً، فننصحهم بالالتزام بقرار مدينتهم، فإن تعذر للاختلاف فيها، فبقرار مسجدهم الذي ينتسبون إليه ويصلون فيه. وقد شذت جماعة تائهة من أهل الفضل، لكنهم سئموا أحاديث المطالع واختلاف المجامع ومشكلة دخول وخروج رمضان السنوية، فاختاروا مكة، يصومون لصومها ويفطرون لفطرها، فعزلوا أنفسهم عن محيطهم الاجتماعي وانفصلوا شعوريا ووجدانيا عن بقية المسلمين، في موسم أريد له أن يمثل قمة الأخوة والتضامن ووحدة الشعور والتعاون بين المسلمين.

بل الأدهى من ذلك أننا شهدنا قبل سنتين اختلافا بين أفراد العائلة الواحدة، حيث أصبح الزوج معيِّداً والزوجة صائمة، وصام الابن وأصبح الأب معيداً، وهذا كلام من وحي التجربة ووردت علينا فيه استفتاءات عديدة.

وهذا، لعمري، لا يرضاه الله ولا رسوله، وتأباه مقاصد الدين وروح الشريعة، فما لهذا شرع الصيام. ولا يمكن أن يستمر الأمر على هذه الشاكلة، ولابد للمسلمين الأوربيين من إيجاد حل لهذه المعضلة.

وبحسب رأيي الخاص وبعد سنوات طويلة من المدرسة والمعايشة والمكابدة، لا أرى سبيلاً لذلك إلى بالاعتماد على الحساب الدقيق الموحد الثابت لتحديد إمكان الرؤية، والبناء عليه لتحديد بدايات الأشهر القمرية، ضمن تصور يستجيب لقواعد الشرع ويراعي مقاصد الدين ويحقق مصلحة المسلمين في التيسير ورفع الحرج وإيلاف قلوبهم.

وهذا ما ذهب إليه مؤتمر إسطنبول 2016 وتبناه المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء وسار عليه كثير من الهيئات والبلدان في أوربا، كما بينّا في مقدمة هذا المقال.

ومما يبعث على التفاؤل، أن تطور الأحداث يوحي بتوافق مستقبلي -إن شاء الله- حول هذا الخيار ليطوي المسلمون في أوربا بذلك، صفحة التشرذم والحيرة كلما أقبل رمضان أو راح، وليتفرغوا إلى تحديات أخرى لا تزال تنخر الجسد المسلم الأوربي وتهدد المصالح والمكتسبات التي ضحت من أجلها أجيال وقضى على طريقها رجال.

اللهم أبرم لعبادك المؤمنين في أوروبا خطة رشد تجمع بها شملهم وتوحد بها كلمتهم وتجبر بها كسرهم وترحم بها ضعفهم، إنك على الإجابة قدير
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

Posted on Leave a comment

مشروع الحملة الإيمانية العالمية حملة القانتين

مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد القانتين محمد بن عبد الله الصادق الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فانطلاقاً من قول الحق ﷻ: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب).
وقوله: (من قامَ بعشرِ آياتٍ لم يُكتب منَ الغافلينَ ومن قامَ بمائةِ آيةٍ كتبَ منَ القانتينَ ومن قامَ بألفِ آيةٍ كتبَ منَ المقنطرينَ) أخرجه أبو داود (1398)، وابن خزيمة (1144)، وابن حبان (2572) وصححه الألباني
تطلق الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين، وعدد من المؤسسات الإسلامية في أوروبا الحملة الإيمانية العالمية (حملة القانتين) بين يدي رمضان ترويضاً للقلوب وتهيئة للنفوس للعيش مع الشهر الكريم بروح المنافس المثابر المغتنم لأوقاته، المطرقي في درجاته وكمالاته، والمتعرض لنفحاته.
ولقد تعددت الصفات التي ميز الله تعالى بها المسلم الحق ليصبح عمله مقبولاً، وينال عظيم الثواب في الدنيا والآخرة، ومن أبرز هذه الصفات صفة (القنوت) والمداومة على الطاعات.
وإننا في زمن تمكنت فيه الغفلة، وثقلت فيه الطاعة، وكثرت فيه الشواغل، ومفسدات القلوب، وكسلت فيه النفوس عن معالي الأمور، حتى إننا لنجد الواحد منا لا يمل من قضاء ساعات مع الأجهزة ومواقع التواصل والمتابعات الهامشية، ولكنه يستثقل ويعجز أن يقف بضع دقائق بين يدي ربه يناجيه، ويسأله ما يتمنى، ويشكو إليه ما يخشى، ويسأله الثبات في وقت كثر فيها التساقط.
نستكثر ونستثقل – إن لم نستنكر- لو سمعنا من يطلب من ولده الشاب المعاصر أن يقوم الليل!!
قيام ليل في عصر التكنولوجيا؟! قيام ليل في زمن الشاشات والهواتف والألعاب والتواصل والعولمة؟!
نعم.. قيام الليل، العبادة التي أصبحت مهجورة منسية، في الزمن الذي تشهد كل المعطيات والأدلة أنها آكد ما تكون؛ ليستمد العبد الضعيف الغارق في لجج الفتن مدد الرحمن وسنده، والقيام أول عبادة كلف الله بها نبيه ومن معه، فقال سبحانه: (يَٰأَيُّهَا ٱلمُزَّمِّلُ (1) قُمِ ٱلَّيلَ إِلَّا قَلِيلٗا (2) نِّصفَهُۥٓ أَوِ ٱنقُصۡ مِنهُ قَلِيلًا (3) أَوۡ زِدۡ عَلَيهِ وَرَتِّلِ ٱلقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلقِي عَلَيۡكَ قَوۡلٗا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡ‍ٔٗا وَأَقوَمُ قِيلًا (6) المزمل: ١ – ٦
ثم أمره الله بأن يستعين بالقيام على مصائب الدنيا ومصاعب الرسالة بالقيام أيضاً (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26) الإنسان: ٢٤ – ٢٦

فدوّن اسمك في السجل الذي تختاره كل ليلة:

  • فإذا نمت ولم تقم فاسمك في سِجِلّ الغافلين.
  • وإذا قمت بعشر آيات محوت اسمك من هذا السجل.
  • وإذا قمت بمائة آية فاسمك في سجلِّ القانتين.
  • وإذا قمت بألف آية فاسمك في سجل المقنطرين.. يعني أصحاب القناطير المقنطرة، والكميات الهائلة من الأجر والثواب.

الأهداف:

  1. إحياء شعيرة القيام التي هي شرف المؤمن، ودأب الصالحين، والقُربة لرب العالمين.
  2. تشجيع الأبناء على عبادة القيام والتدرب على التذلل بين يدي الله، وحسن التقرب إليه.
  3. الاستعانة بعبادة القيام على مصائب الدنيا وفتن الحياة (إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيۡلِ هِيَ أَشَدُّ وَطۡ‍ٔٗا وَأَقۡوَمُ قِيلًا)
  4. اغتنام ساعات الإجابة في الأسحار للتضرع واللجوء إلى الله لرفع الوباء وكشف الغمة، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)
  5. مجاهدة النفس على اغتنام بعض الأوقات وعدم الارتهان للأجهزة الحديثة ووسائل التواصل.
  6. التخلي قبل التحلي استعدادا لرمضان، وتدريب النفوس قبله لتكن أعلى همة، وأكثر عزماً في اغتنامه.
  7. الشعور بتعانق أرواح القانتين من كل حدب وصوب، وهم يقومون لله قانتين.
  8. نطمح أن تَنْضم أفواج القانتين من أرجاء الأرض المختلفة لهذه الحملة يُعطِّرون الأرض بسجداتهم لله، ويُنِيرون الليالي بتلاواتهم لكلام الله، وتعرُج إلى الله دعواتهم فتملأ السماء.

مدة الحملة:
تمتد الحملة خلال شهري شعبان ورمضان 1442ه – 2021م

طريقة المشاركة في الحملة:

  1. أن تقوم من الليل بما تيسر لك من ركعات (بـ 100 آية) أو أكثر، فهناك بعض السور في بعض الأجزاء آياتها كثيرة وقصيرة مثل ” الأجزاء 28، 29، 30 ” (كسورة النبأ، والنازعات، وعبس) مثلاً تبلغ مجموعها 128 آية.
  2. أن تلتزم كل ليلة خلال شهري شعبان ورمضان، على أمل أن يقذف لله حب القيام في قلبك فتلازمه ولا تنساه، فعلى قدر ما معك من الأوصاف في مقامات العبودية ترتقي منازل عالية عند الله.
  3. يمكن أن تقوم الليل حسب ما يتيسر لك إما قبل الفجر وهو أفضل الأوقات، وإما قبل أن تنام، كما يمكن لمن يعملون ليلاً أن ينشغلوا بالذكر وسماع القرآن الكريم.
  4. يمكنك أن تختار 100 آية حسب المتاح لديك إما من حفظك ولو تكررت في بعض الأيام، وإما أن تقرأ من المصحف.
  5. أن تشارك في الحملة على الرابط المرفق، والذي لا يوجد فيه كتابة الاسم، وإنما تشجيعاً لغيرك.

من هم القانتون؟
قال الله تعالي في وصف القنوت: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) آل عمران: ١٧
تقترن صفة القنوت بالصبر والصدق مع الله عز وجل؛ فالشخص القانت هو الشخص الحريص على الاجتهاد في أداء العبادات والطاعات بدون تقصير في أوقاتها وإتقانها بحيث يجد راحته في التقرب من الله لسلامته النفسية والجسدية.
كما يشير مصطلح القانت إلى العبد المطيع، والخاضع، والمتضرع لله عز وجل، المُستغرق في الطاعات والمواظب عليها.

كيف يكون الشخص قانتا لله عز وجل

  • الالتزام بالعبادات وأداء الصلوات بخشوع، والسعي الدائم لجهاد النفس وعدم الاستسلام لوساوس الشيطان.
  • التقرب والتضرع إلى الله بالدعاء وطلب الهداية وعدم الانحراف عن الطريق المستقيم مع الدعاء بدوام الثبات على الطاعة والحق.
  • انتقاء صحبة الأخيار فالقانتون يُعينون بعضهم على الخير والاستمرار في الأعمال الصالحة، فالنفس أمارة بالسوء وقد تهزم الإنسان شهواته ” فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد”.
  • الحرص على تجديد التّوبة النّصوح لله تعالى، ومُجاهدة النّفس وخاصّة في قيام الليل لعظيم ثوابه، وفي الصّلاة عموماً.
  • أن يتأمل القانت معاني آيات الذكر الحكيم عند تلاوتها، واستحضار الخضوع والخشوع.
  • المواظبة على ذكر الله تعالى، مثل: الالتزام بأذكار الصّباح والمساء، حيث تجعل الإنسان مرتبطاً بالله تعالى دائم الذكر لفضله ونعمه واستشعار قربه طول الوقت.

ختاماً:
أبناءنا، بناتنا، إخواننا، أخواتنا:

هي دعوة للصغار قبل الكبار، وللشباب قبل الشيوخ، ألا يُحب أحدنا أن يُكتب عند الله في لائحة الشـرف أنه في (زمرة القانتين) “ومن قام بمائة آية كتب من القانتين”
ألا تحب أن تتصف بهذا الوصف الكريم؟!
أما تحب أن يكون لك مع الله في كل ليلة خلوة، تُلبي نداءه وهو يقول: (هل من سائلٍ فأُعطيَه، هل من داعي فأستجيبَ له، هل من تائبٍ فأتوبَ عليه، هل من مستغفِرٍ فأغفرَ له) استعن بالله وقل: (أنا يا رب، أنا يا رب)
والله ولي التوفيق.

Posted on Leave a comment

بين يدي رمضان

في غمرة تَلَوُّنِ الحياة وتقلبها وكثرة الانشغالات وتعددها، حل علينا شهر شعبان بما يحمله من تباشير قرب حلول شهرر مضان، فإذا كان رمضان الضيف السنوي المبجل للمؤمنين فإن شعبان رسوله إليهم. رمضان الذي يتجدد علينا عاماَ بعد عامٍ فيجدد فينا الإيمان، ويحيي فينا نوازع الخير، ويفتح لنا أبوابا جديدة نحو التأمل وإعادة ترتيب الأولويات، والتزود بخير الزاد لسائرالأيام وبقية الأوقات .

إن طبيعة العيش في البيئة الأوربية، حيث لا تتوفر العادات الراسخة في استقبال شهر الصيام تؤكد على المسلمين أهمية الاستفادة من شهر شعبان للإعداد ماديا ومعنويا، وتوفير كل وسائل التشجيع والتحفيز  

لجعل شهر الصيام قاعدة لبناء الشخصية الإسلامية لدى الأطفال والشباب خصوصاً.

ولا بأس بصيام بعض أيام شعبان تعويدا للبدن على أيام رمضان. عن أسامة بن زيد قال: “قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” (رواه أبو داود )

كما يجدر بالمسلم أن يتعهد إيمانه ويجرد قلبه لله تعالى، ويحرص على نقاء سريرته من الآفات وأمراض النفوس، حتى يتهيأ لتلقي نفحات شهر رمضان الكريم، فإن العبد إذا استقبل الشهر بقلب غافل أو ذهن شاردٍ فإنه سيكون بعيدا عن نفحاته وبركاته، ويخرج منه كما دخل فيه، لم يصب منه سوى الجوع والتعب، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: “إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن “ (رواه ابن ماجة ) وفي هذا الحديث إشارة لطيفة إلى أن شهر شعبان محطة مهمة لتجديدالإيمان وتنقية القلوب استعدادا لرمضان.

رغم تعلق المسلمين بختم القران في رمضان، فقد تبين من خلال التجربة أنه يصعب على بعض الأطفال والشباب ختمه خلاله في السنوات الأخيرة لتزامنه مع فترة الامتحانات، لذلك يستحب حثهم على أن يبدؤوا ختمة في شعبان ليكملوها في رمضان ويستمتعوا ببهجة ختم القران في أجواء الصيام. وقد كان هذا عهد السلف الصالح في تعهد القران الكريم في شعبان والبدء في التفرغ لتلاوته وتدبره والعناية به حتى قال بعضهم: شهر شعبان شهر القراء.

لا شك أن ظروف جائحة كورونا اليوم تفرض على المسلمين تحديات جديدة وحلولا إبداعية في كيفية الاستفادة من مواسم الخيران ، فإذا تعذرت بعض مظاهر إحياء شعائر رمضان بسبب غلق المساجد وامتناع الاجتماع، فإن الله سبحانه وتعالى قد يسر لنا من السبل والوسائل الأخرى ما يبلغنا به مقصد التقوى ومبلغ الهداية، وذلك من رحمة الله ومرونة التشريع.

بل إن ظروف هذا الوباء قد لفتت الانتباه إلى مجالات كانت غائبة وقطاعات كانت مهملة في مواسم الخيرات السابقة. فالبيوت صارت معتكفا للإيمان وإطاراً لدروس العلم وحلقات الذكر العائلية، والأبناء صار لهم النصيب الأوفر من العناية والتوجيه الرمضاني. كما أقبل الأئمة والدعاة على وصل ما انقطع من حبل التواصل بالمصلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغرف الاجتماع عن بعد.

وإن كانت هذه الحلول، على أهميتها، لا يمكن أن تعوضنا عن بهجة المساجد العامرة في رمضان بالذكر والصلاة والقيام، ومتعة برامج الإفطار الجماعي،فإنها من باب أداء المتاح والقيام بأقل الواجب، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان وتقبل منا يا رحمن.