بين يدي رمضان

الشيخ كمال عمارة

الشيخ كمال عمارة

في غمرة تَلَوُّنِ الحياة وتقلبها وكثرة الانشغالات وتعددها، حل علينا شهر شعبان بما يحمله من تباشير قرب حلول شهرر مضان، فإذا كان رمضان الضيف السنوي المبجل للمؤمنين فإن شعبان رسوله إليهم. رمضان الذي يتجدد علينا عاماَ بعد عامٍ فيجدد فينا الإيمان، ويحيي فينا نوازع الخير، ويفتح لنا أبوابا جديدة نحو التأمل وإعادة ترتيب الأولويات، والتزود بخير الزاد لسائرالأيام وبقية الأوقات .

إن طبيعة العيش في البيئة الأوربية، حيث لا تتوفر العادات الراسخة في استقبال شهر الصيام تؤكد على المسلمين أهمية الاستفادة من شهر شعبان للإعداد ماديا ومعنويا، وتوفير كل وسائل التشجيع والتحفيز  

لجعل شهر الصيام قاعدة لبناء الشخصية الإسلامية لدى الأطفال والشباب خصوصاً.

ولا بأس بصيام بعض أيام شعبان تعويدا للبدن على أيام رمضان. عن أسامة بن زيد قال: “قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم” (رواه أبو داود )

كما يجدر بالمسلم أن يتعهد إيمانه ويجرد قلبه لله تعالى، ويحرص على نقاء سريرته من الآفات وأمراض النفوس، حتى يتهيأ لتلقي نفحات شهر رمضان الكريم، فإن العبد إذا استقبل الشهر بقلب غافل أو ذهن شاردٍ فإنه سيكون بعيدا عن نفحاته وبركاته، ويخرج منه كما دخل فيه، لم يصب منه سوى الجوع والتعب، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: “إن الله ليطّلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن “ (رواه ابن ماجة ) وفي هذا الحديث إشارة لطيفة إلى أن شهر شعبان محطة مهمة لتجديدالإيمان وتنقية القلوب استعدادا لرمضان.

رغم تعلق المسلمين بختم القران في رمضان، فقد تبين من خلال التجربة أنه يصعب على بعض الأطفال والشباب ختمه خلاله في السنوات الأخيرة لتزامنه مع فترة الامتحانات، لذلك يستحب حثهم على أن يبدؤوا ختمة في شعبان ليكملوها في رمضان ويستمتعوا ببهجة ختم القران في أجواء الصيام. وقد كان هذا عهد السلف الصالح في تعهد القران الكريم في شعبان والبدء في التفرغ لتلاوته وتدبره والعناية به حتى قال بعضهم: شهر شعبان شهر القراء.

لا شك أن ظروف جائحة كورونا اليوم تفرض على المسلمين تحديات جديدة وحلولا إبداعية في كيفية الاستفادة من مواسم الخيران ، فإذا تعذرت بعض مظاهر إحياء شعائر رمضان بسبب غلق المساجد وامتناع الاجتماع، فإن الله سبحانه وتعالى قد يسر لنا من السبل والوسائل الأخرى ما يبلغنا به مقصد التقوى ومبلغ الهداية، وذلك من رحمة الله ومرونة التشريع.

بل إن ظروف هذا الوباء قد لفتت الانتباه إلى مجالات كانت غائبة وقطاعات كانت مهملة في مواسم الخيرات السابقة. فالبيوت صارت معتكفا للإيمان وإطاراً لدروس العلم وحلقات الذكر العائلية، والأبناء صار لهم النصيب الأوفر من العناية والتوجيه الرمضاني. كما أقبل الأئمة والدعاة على وصل ما انقطع من حبل التواصل بالمصلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغرف الاجتماع عن بعد.

وإن كانت هذه الحلول، على أهميتها، لا يمكن أن تعوضنا عن بهجة المساجد العامرة في رمضان بالذكر والصلاة والقيام، ومتعة برامج الإفطار الجماعي،فإنها من باب أداء المتاح والقيام بأقل الواجب، فما لا يدرك كله لا يترك جله.

اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان وتقبل منا يا رحمن.