Posted on Leave a comment

الخوف على الآخرين – تعليقاً على حادثة تحويل القبلة

مقدمة بين يدي الموضوع:

  1. من روائع الرعيل الأول وما امتازوا به خوفهم وإشفاقهم علي إخوانهم 
  2. من الناس من لا يُعرف إلا في موطن الخوف، ولكن ليس على نفسه بل على إخوانه 
  3. لكل خُلُقٍ أهله، وكلما اندثر الخلق أو تغيب صاحبه، فقدت البشرية جمالاً من جمالها، وارتدت ثوباً قبيحاً ليس لها.
  4. إن السيرة النبوية تُعلمنا مكامن الأخلاق الحميدة، وروعة اللحظات السعيدة، ونبل الغايات المجيدة.  
  5. أنا خائف عليك: كلمة جميلة خفيفة المحمل كثيرة التبعة، قل استعمالها يا ليتها ترجع. 

أولاً – حادثة تحويل القبلة وترسيخ ثقافة الخوف على الأخرين

–  البخاري ومسلم/ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ  صلى الله عليه وسلم كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ المَدِينَةَ… وَأَنَّهُ «صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلاَةٍ صَلَّاهَا صَلاَةَ العَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ» فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، … 

– وعَنِ البَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى القِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} 

– وفي رواية أحمد عن ابن عباس: “وَلَمَّا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ، قَالَ أُنَاسٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصْحَابُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فنزلت…”

ثانياً – صور الخوف على الآخرين في القرآن الكريم

الصورة الأولى- خوف الله تعالى على رسله وعباده: 

” يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون”.

 “إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم “.

 ” يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين “

 ” لا تخف إنك أنت الأعلى ” 

” الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”

– قاعدة وآية ” فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ” ستة عشر مرة في القرآن

” فمن تبع هداي …”

” بلى من أسلم لله وهو محسن فله أجره ….”

” الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون …. “

” فمن آمن وأصلح …”

“يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آيتي فمن اتقى وأصلح….” 

“إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا …” 

الثانية –  خوف الرسل والأنبياء على العباد والأمم:

 ” لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم “

 ” وأن استغفرا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا …فإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير “

 ” وإلى مدين أخاهم شعيبا …إني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ” 

الثالثة – خوف الملائكة علينا:

  الذين يحملون العرش ومن حوله … الآيات “

الرابعة –  خوف الوالدين على الأبناء:

” وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين “

 ” ونادى نوح ابنه يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ” 

” وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق ” 

الخامسة –  خوف الولد على والديه:

” يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا “

السادسة-  خوف الصالحين على أممهم:

” وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب “

 ” ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ” 

ثالثاً: بعض مواطن الخوف على الآخرين من خلال سنة الأمين  (صلى الله عليه وسلم) 

1 – الخوف من الفتور عن الأعمال الصالحة والقعود عنها :

أحمد/ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: جَمَعْتُ الْقُرْآنَ، فَقَرَأْتُ بِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ  صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَطُولَ عَلَيْكَ زَمَانٌ أَنْ  تَمَلَّ اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي كُلِّ عِشْرِينَ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي عَشْرٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، قَالَ: ” اقْرَأْهُ فِي كُلِّ سَبْعٍ “، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَسْتَمْتِعْ مِنْ قُوَّتِي وَشَبَابِي، فَأَبَى”

2 – الخوف على الآخر من التنافس الدنيوي ونسيان الآخرة:

البخاري: عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، َقَدِمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ البَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَوَافَتْ صَلاَةَ الصُّبْحِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمُ الفَجْرَ انْصَرَفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُمْ، وَقَالَ: «أَظُنُّكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ جَاءَ بِشَيْءٍ؟»، قَالُوا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «فَأَبْشِرُوا وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوَاللَّهِ لاَ الفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخَشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

3 – الخوف من الاتكال وترك العمل. 

أحمد/ عَنْ أَبِي موسى قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي فَقَالَ: ” أَبْشِرُوا وَبَشِّرُوا مَنْ وَرَاءَكُمْ، أَنَّهُ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ صَادِقًا بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ” فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُبَشِّرُ النَّاسَ، فَاسْتَقْبَلَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَجَعَ بِنَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم  فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا يَتَّكِلَ النَّاسُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ  صلى الله عليه وسلم .

4 – الخوف من الشهوات والمضلات: 

أحمد/ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلَّاتِ الْهَوَى “

5 – الخوف على ضياع الثروة العلمية وما تحمله من ميراثها.

 البخاري / أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْيَ – قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لَأَرَى أَنْ تَجْمَعَ القُرْآنَ “، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: «كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟» فَقَالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ اتِّبَاعَ الْهَوَى، وَطُولَ الْأَمَلِ، فَإِنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَيُذَكِّرُ الدُّنْيَا، وَطُولُ الْأَمَلِ يُنْسِي الْآخِرَةَ، فِيهِ حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ لِذَلِكَ صَدْرِي

6 -الخوف على الأمة من المنافقين والمضلين:

– أحمد عن عمر/ أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمَ اللِّسَانِ” 

– وعَنْ عُمَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْمُنَافِقُ الْعَلِيمُ، قَالُوا: كَيْفَ يَكُونُ الْمُنَافِقُ عَلِيمًا؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ، أَوْ قَالَ: الْمُنْكَرُ.

أَي كثير علم اللِّسَان جَاهِل الْقلب وَالْعَمَل اتخذ الْعلم حِرْفَة يتأكل بهَا وأبهة يتعزز بهَا يَدْعُو النَّاس إِلَى الله ويفرّ هُوَ مِنْهُ

7الخوف علينا من التزكية والرياء 

أبو داود/ عن أبي بكرة مرفوعا لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ صُمْتُ رَمَضَانَ كُلَّهُ وَلَا قُمْتُهُ كُلَّهُ قَالَ الْحَسَنُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَخَافَ عَلَى أُمَّتِهِ التَّزْكِيَةَ إِذْ لَا بُدَّ مِنْ رَاقِدٍ أَوْ غَافِلٍ

أحمد عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ ” قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً “

رابعاً – الصور المعاصرة للخوف على الآخرين ومالات ذلك  

  1. الخوف على الآخر من عدم التوفيق في الدراسة أو العمل
  2. من مسيرته وحركته
  3. الخوف من تفلته وتخلفه
  4. الخوف من عزلته وعدم تواجده
  5. الخوف من تقييد حريته أو ترويعه
  6. الخوف عليه عند وقوع البلاء به من عدم تحمله وصبره
  7. الخوف عليه عند التضييق عليه في تعسير إقامته أو حمله على الهجرة
  8. الخوف على الأخر عند مصاحبته لقرين السوء وتركه الخل الصالح 

خامساً: مآلات الخوف على الأخرين:

– نموذج عملي لتعميق الحب الحقيقي

– دافع قوي لاستفراغ الجهد والمساعدات في إزالة الخوف عليهم

– ترسيخ ثقافة الاهتمام بالآخر

– شد العضدّ بالأخر وتقوية العود لتجاوز العقبات

– ادخار الشعور لك ” كما تدين تدان “

Posted on Leave a comment

المنهج النبوي في الاستفادة من خيرية كل إنسان

أفكار بين يدي الموضوع:

– الاستفادة من خيرية كل إنسان تعني (الحفاظ عليه والتقرب منه – تعني بعد الشيطان عن واديه – تعني الانتصاف له – معرفة أوزان الرجال وعدم هدر طاقاتهم – وتعني معرفة كيفية استيعابهم – وتعني ادخار تلك الخيرية لمواطن السلبية وغير ذلك).

أشكال الخيرية في الإنسان متعددة (بين طيبة القلب – وحسن الأخلاق – ورجاحة العقل – وثبات الموقف والمبادئ – حسن الأداء والحركة …،وكل ما يحمد بين الناس بسلامة الفطرة واستقامة السلوك الخ )

الكمال البشري والخيرية الكاملة لن تجدها إلا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 مقدمة

الخيرية في الإنسان كنز لا يُتنازل عنه من فهم أبعادها واعتبارها إضافة لمجتمعه،

 روى البخاري عن عائشة: “لَمَّا ابْتُلِي الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنَّ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدُ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ وَلَا يَخْرُجُ إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ،

 فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَلَا يَخْرُجُ مِثْلُهُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَأَمَّنُوا أَبَا بَكْرٍ” 

فهذا الحديث فيه دلالات مهمة مع خيرية أبي بكر رضى الله عنه.

دلالات من القرآن الكريم

قال تعالى:” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ” قال المفسرون: الإنسان خير بفطرته مستقيم بطبعه.

وقال تعالي:” فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى “

وقال تعالى” وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم  اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير ”  

الاستفادة من خيرية كل إنسان منهج نبوي جميل

أولاً: في هدايته والتزامه.

أخرج عبد الرزاق عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَطَبَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ، فَقَالَتْ: «أَمَا إِنِّي فِيكَ لَرَاغِبَةٌ، وَمَا مِثْلُكَ يُرَدُّ، وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ، وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَلِكَ مَهْرِي، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ»، فَأَسْلَمَ أَبُو طَلْحَةَ وَتَزَوَّجَهَا

وكان أبو طلحة معروف بخصال خير فزادت بالإسلام فكان شجاعا مقداما جواد كريما.

– وروى البخاري ومسلم عن/ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالًا مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أَحَبُّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ… الحديث” 

– وكذا إسلام عمر كما عند أحمد.

ثانياً: تنمية خيره وثباته عليه: 

– روى مسلم/ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَشَجِّ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ: ” إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ “

– روى أحمد/ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَبْطَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” مَا حَبَسَكِ يَا عَائِشَةُ؟ ” قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فِي الْمَسْجِدِ رَجُلًا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ قِرَاءَةً مِنْهُ. قَالَ: فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا هُوَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَكَ “

ثالثاً: في توظيفه واستعماله فيما يصلح فيه: 

قال تعالى: “وأخي هارون هو أفصح مني لسانا” وقال تعالى “يا أبت أستأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين “

– روى البخاري ومسلم / عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ»

– روى البخاري عن نَافِع بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ، لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ».

رابعاً: في استيعابه وتغيير قناعاته.

– حديث أحمد في أبي محذورة وتعليم الأذان (خَرَجْتُ فِي عَشَرَةِ فِتْيَانٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيْنَا، فَأَذَّنُوا فَقُمْنَا نُؤَذِّنُ نَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ائْتُونِي بِهَؤُلَاءِ الْفِتْيَانِ ” فَقَالَ: ” أَذِّنُوا ” فَأَذَّنُوا فَكُنْتُ أَحَدَهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نَعَمْ، هَذَا الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ، اذْهَبْ فَأَذِّنْ لِأَهْلِ مَكَّةَ “، فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَقَالَ: ” قُلْ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مَرَّتَيْنِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ… الخ “

 “وفي رواية: قُمْ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ ” فَقُمْتُ، وَلَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مِمَّا يَأْمُرُنِي بِهِ، فَقُمْتُ بَيْنَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” بَارَكَ اللهُ فِيكَ “، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مُرْنِي بِالتَّأْذِينِ بِمَكَّةَ، فَقَالَ: ” قَدْ أَمَرْتُكَ بِهِ، وَذَهَبَ كُلُّ شَيْءٍ ” كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرَاهِيَةٍ، وَعَادَ ذَلِكَ مَحَبَّةً لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمْتُ عَلَى عَتَّابِ بْنِ أُسَيْدٍ عَامِلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ، فَأَذَّنْتُ مَعَهُ بِالصَّلَاةِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

خامساً: في رد الظلم عن الإنسان وخاصة عند النيل منه.

قال تعالى في حادثة الإفك: “لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم” 

وقال تعالى ” يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها “

وروى البخاري عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، أَنَّ رَجُلًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ اللَّهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأُتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»

روى أحمد/ عن عكرمة بن خالد قال: نَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: ” لَا تَقُلْ لِبَنِي تَمِيمٍ إِلَّا خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَطْوَلُ النَّاسِ رِمَاحًا عَلَى الدَّجَّالِ ” وفي رواية لأبي هريرة: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْأَحْيَاءِ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْهُمْ، فَأَحْبَبْتُهُمْ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا “

سادساً: في الشفاعة له عند وقوع الخطأ أو الزلة. 

ومنه قال تعالى:” فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ” 

روى البخاري عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم  أنا والزبير وأبا مرثد وكلنا فارس

وفي حديث قصة حاطب بن أبي بلتعة….وفيه (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: ” يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ ” قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ مَا بِي أَنْ لَا أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ أَهْلِهِ، وَمَالِهِ. قَالَ: ” صَدَقْتَ، فَلا تَقُولُوا لَهُ إِلا خَيْرًا ” فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: ” أَوَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمِ الْجَنَّةُ ” فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)

سابعاً: في الصبر عليه وتحمل ما جبل عليه:

– روى مسلم/ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ».

ثامناً: في الخوف عليه من التغيير والتحويل 

 روى البخاري عن عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِمَالٍ – أَوْ سَبْيٍ – فَقَسَمَهُ، فَأَعْطَى رِجَالًا وَتَرَكَ رِجَالًا، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتَبُوا، فَحَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَأَدَعُ الرَّجُلَ، وَالَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلَكِنْ أُعْطِي أَقْوَامًا لِمَا أَرَى فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الجَزَعِ وَالهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْوَامًا إِلَى مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِنَى وَالخَيْرِ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ» فَوَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُمْرَ النَّعَمِ،

تاسعا: في قبوله وتقريبه لإخوانه وعدم الطعن فيه: 

ومنه قوله تعالى :” ما علمنا عليه من سوء”

روى مسلم/ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ – وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ – أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَأَنَا أُصَلِّي لِقَوْمِي، وَإِذَا كَانَتِ الْأَمْطَارُ سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَلَمْ أَسْتَطِعْ أَنَّ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ لَهُمْ، وَدِدْتُ أَنَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَأْتِي فَتُصَلِّي فِي مُصَلًّى، فَأَتَّخِذَهُ مُصَلًّى، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللهُ»، الحديث … 

وفيه قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرٍ صَنَعْنَاهُ لَهُ، قَالَ: فَثَابَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ حَوْلَنَا حَتَّى اجْتَمَعَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدُّخْشُنِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ، لَا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُلْ لَهُ ذَلِكَ، أَلَا تَرَاهُ قَدْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ؟»

 قَالَ: قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّمَا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ لِلْمُنَافِقِينَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “فَإِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ”

عاشرا: في قبول رأيه ووجهة نظره 

روى مسلم / عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَطَبَ أُمَّ هَانِئٍ، بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، وَلِي عِيَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ، صَالِحُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ» 

قال النووي: فِيهِ فَضِيلَةُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَفَضْلُ هَذِهِ الْخِصَالِ وَهِيَ الْحَنْوَةُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا يَتَامَى وَنَحْوُ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتِهِ

 وبالله التوفيق .

Posted on Leave a comment

دورة: مهارات الإصلاح والوساطة الأسرية وتطبيقاتها في الواقع الأسري الأوروبي

يسر المجلس الأوروبي للأئمة بالتعاون مع روابط الأئمة
بتقديم دورة مهارات الإصلاح والوساطة الأسرية وتطبيقاته في الواقع الأسري الأوروبي

يقدمها فضيلة الشيخ سالم الشيخي
عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ومدرب معتمد من الاكاديمية البريطانية لتنمية الموارد البشرية

عدد ساعات الدورة:
12 ساعة، مقسمة على أربعة أيام متفرقة

تاريخ ومواعيد الدورة
من السادسة إلى التاسعة مساء بتوقيت بروكسل

في الأيام التالية

  • 26 يناير، 28 يناير
  • 2 فبراير، 4 فبراير

شروط الدورة الدورة

  • أن يلتزم المشارك بحضور ساعات الدورة كاملة.
  • أن يقرأ ملف الدورة قبل حضورها .
  • أن يحضر المحاضرات المقررة قبل وقتها بعشر دقائق .
  • أن يلتزم بفتح الكاميرا وقت المحاضرات.
  • أن يملأ استمارة التسجيل
  • سيمنح المشارك شهادة من المجلس الأوروبي نهاية الدورة .

آخر موعد للتسجيل 20 يناير 2021

(تم إغلاق باب التسجيل لاكتمال العدد)

Posted on Leave a comment

أسماء الفائزين بمسابقة رسول الإنسانية الثقافية

تم الإعلان عن الفائزين بمسابقة رسول الإنسانية الثقافية، والتي أطلقها ‏المجلس الأوروبي للائمة في مطلع شهر ربيع الأول من عام 1442 هجرية.
وقد تكونت المسابقة من من 40 سؤالا في السيرة النبوية تشمل جميع نواحي حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وشارك فيها 940 متسابق من شتى دول أوروبا.

الفائزون بجوائز مسابقة رسول الإنسانية

الفائزة الأولى: سندس الزعبي – ألمانيا (300 يورو)
الفائز الثاني: صبري علي الدَبّو – ألمانيا (200 يورو)
الفائز الثالث: محمد بن محمد – إيطاليا (200 يورو)

شاهد الفيديو من هنا

Posted on Leave a comment

آفة “بتوع كُلُه”..!

بعض العلماء وطلبة العلم وقادة الرأي، لا يجد أحدهم حرجاً من الحديث عن الموازنات السياسية المعقدة، والصفقات التجارية المركبة، والاتجهات الاجتماعية المتداخلة؛ فتجده يُفتي، ويُرشد، ويُوجه الناسَ بوثوقية عالية في علم النفس، والأسرة، والإدارة، والفن، والعمارة، بل لا يستنكف عن الحديث عن التخطيط العسكري والتدبير الاستراتيجي .!!
يعود السبب في ذلك لاعتبارات متعددة؛منهجية وتربوية ونفسيه واجتماعية، … ويساهم كثير منا في تغذية تلك الظاهرة دون قصد.
*
قديما قرر العلامة بن خلدون: “أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة ومذاهبها؛ والسبب في ذلك أنهم معتادون النظر الفكري والغوص على المعاني، وانتزاعها من المحسوسات وتجريدها في الذهن، أموراً كليه عامة، ليحكم بأمر على العموم، لا بخصوص مادة ولا شخص ولا جيل ولا أمة ولا صنف من الناس، ويطبقون من بعد ذلك الكلي على الخارجيات”…
ثم يقول: “والسياسة يحتاج صاحبها إلى مراعاة ما في الخارج وما يلحقها من الأحوال ويتبعها، فإنها خفية، ولعل أن يكون فيها ما يمنع من إلحاقها بشبه أو مثال، وينافي الكلي الذي يحاول تطبيقه عليها”.
لقد خان ابن خلدون التعبيرُ عندما عمّم الحكم، ولو كان حياً بيننا لاتهمناه بفهم قاصر لشمولية الإسلام، أو لربما اتهمناه بالعلمانية المبطنة، كما يقول بعض المراهقين (المراهقة هنا ليست مرحلة عمرية).
*
عبر ربع قرن ونيِّف وجدت من خلال احتكاكي بشريحة كبيرة من العلماء والدعاة، ومتابعة جيدة لما يصدر عنهم من كتب ومقالات ومواقف، بل من خلال “مواقفي وأخطائي الشخصية؛ “أن كلمة ابن خلدون تستحق الوقوف طويلا على ما فيها من تعميم مُخل.
صحيح أن تاريخنا عرف علماء موسوعيين، كانت لهم مطالعة وسياحة واسعة في فنونٍ شتى، كوّنت لديهم ما وصفه ابن خلدون “قدرة على الغوص في المعاني بشكل كلي”، ولكنهم لم ينسِبوا لأنفسهم تخصصاً في هذا الشأن، أو يزاحموا أهل الفن، ويتشبّعون أمام الجماهير -زورا- بما لم يُعطوا ! لأن المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوب زور كما قال صلى الله عليه وسلم ! والتشبع يكون بالمعرفة والعلم كما يكون بالمال والجاه.
قد يقبل ذلك في العصور البسيطة الغابرة، ولكن عصرنا اليوم بما وصل إليه من ثورة معرفية وتوسع رقعة العلم؛ اضطر إلى فصل عشرات التخصصات في مجال معرفي واحد، ولو توسع كل متخصص في تخصصه، وحَفَر فيه عميقا، لكان إنتاجه أوفر، وأثره أعمق، بدلا من مسلك التشتت والمشاركة المتشظية في كل شيء، بدعوى الموسوعية أو تحت شعار علو الهمة والإيجابية !
*
مما ساعد الغرب على نهضته الحضارية اليوم – بحسب ظني – هو أنه قاوم التمدد الأفقي لرهبان الكنيسة في حقل المعارف الإنسانية، حتى وصل بهم الحال لإصدار قرارات بحرق المخترعين، ومطاردة المبدعين، وإقصاء المفكرين، بعد أن حرفوا الدين نفسه واحتكروا أدوات معرفته بما في ذلك تعلم لغة الإنجيل !!
*
أمتُنا اليوم تحتاج إلى مبدأ التخصص الدقيق “تأسيساً وتكريساً”حتى نُفسحَ للمتخصصين من علماء الاجتماع، والسياسة، والطب، والهندسة، والتاريخ، والفن.. المجالَ للمساهمة في صناعة الحياة، وإعمار الوطن.
كل هذا لا ينافي حريةَ التعبير عن كل رأي، ولا يتعارض مع التفكير في كل شأن، شريطة أن يكون ذلك على سبيل المطارحة والمقاربة، من منطلق التثاقف وتلاقح الأفكار، لا على سبيل القطع والجزم، من منطلق التخصص وحيازة الصواب.
*
إن طبيعة الحياة لا يصلح لها أحزاب وأفراد وعلماء ” بتوع كله”.. والله تبارك وتعالى برحمته ولطفه وعدله، أمِرِنِا بالتعاون والتكامل، وجَعَلَ بعضَنا لبعضٍ سِخْرِيا، و لم يُكلِّف الناس ما ليس في وسعهم، وما لايستطيعون !
وفي وصيةِ دُريد طرفٌ من الحكمة، حين قال:
إِذا لَم تَستَطِع شَيئاً فَدَعهُ * * * وَجاوِزهُ إِلى ما تَستَطيعُ.

Posted on Leave a comment

صدى التطبيع في أوساط المسلمين في الغرب

لعلّ السمة الأساسية في مسار التطبيع الذي تسلكه بعض الأنظمة العربية اليوم هو غلبة طابع النخاسة على تفاصيله وتحكمها في بواعثه ومساراته.  

النخاسة في اللغة   

في لسان العرب: « نَخَسَ الدَّابَّةَ وغيرها يَنْخُسُها ويَنْخَسُها ويَنْخِسُها نَخْساً غَرَزَ جنبها أَو مؤخّرها بعود أَو نحوه حتى تَنْشَط» ولا يخفى حضور هذا المعنى اليوم في مشهد التطبيع، فكأني بهذه الأنظمة قد نُخِست في خاصرتها لتنشط للتطبيع علناً بعد أن استمرأته سراًّ، ضَعُف الناخس والمنخوس.

وفي لسان العرب أيضا: « والنَّخَّاسُ بائع الدواب… وحِرْفته النِّخاسة والنَّخاسة وقد يسمى بائعُ الرقيق نَخَّاساً»، لذلك ارتبط مصطلح النخاسة في المخيال العربي بالصفقات المشبوهة التي تفتقر إلى النزاهة والأخلاق ولا تراعي القيم والمبادئ الإنسانية.

القضية الفلسطينية

بعيدا عن اللغة واشتقاقاتها، فإن القضية الفلسطينية تحتل مكانة مركزية في وعي ووجدان المسلمين في الغرب وذلك لاعتبارات عديدة من أهمها:

أولاً: أن الفلسطينيين يمثلون مكوناً أساسياً من الوجود المسلم في الغرب، بحكم المظلمة التاريخية التي تعرضوا لها، والهجرة القصرية التي أُلْجِئُوا إليها، فهم يتوارثون عبر الأجيال آلام الماضي وآمال المستقبل.

ثاني: التزام المسلمين في الغرب أفراداً ومؤسساتٍ بدعم الشعوب المستضعفة وقيم العدل والحرية والدفاع عن القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ثالثاً: الأبعاد الدينية والقيمية التي تحملها القضية الفلسطينية باعتبار مكانة القدس الإسلامية والأحداث التاريخية المرتبطة بها.

من هذا المنطلق يشعر أكثر المسلمين في الغرب بمزيج من القلق والأسى لما آلت إليه المواقف الرسمية العربية من خذلان للقضية الفلسطينية وتضييع  لمصالح الأمة على وقع خيبات وأزمات تعصف بالوطن العربي والأمة الإسلامية عموماً.

 ويعتبر الموقف الرافض للهرولة نحو التطبيع قاسماً مشتركاً بين أغلب مكونات الوجود المسلم في الغرب، ويتأسس هذا الموقف على قناعات وقراءة لهذه الظاهرة، متحررةٍ من طغيان السلطة والإرهاب الفكري كما هو الحال في أغلب العالم العربي والإسلامي، ومنها:

فقدان الشرعية

يؤكد أكثر أهل العلم والفكر أن موجة التطبيع الأخيرة في سياقاتها وتفاصيلها وانعزالها عن مسار ورغبة الفلسطينيين أنفسهم، طعنةٌ في ظهر الفلسطينيين وخيانةٌ للأمانة ومخالفةٌ للمبادئ الإنسانية والشرعية والأخلاقية، وقد عبر عن ذلك بوضوح الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهو شخصية علمية مغربية وازنة، عندما قال: “موقف الشريعة، من هذا التطبيع، بهذه المعاني، لا يمكن أن يكون إلا التحريم الشديد والرفض التام. بل حتى الموقف الإنساني والأخلاقي، لا يمكن أن يكون إلا على هذا النحو… تحريم التطبيع في الحقيقة ليس سوى تحريم للظلم والاغتصاب والاحتلال وشتى أنواع الجرائم التي قام ويقوم بها الصهاينة ودولتهم منذ ثمانين سنة، وهذا هو الشرع الذي لا مرية فيه، وهذا أيضا موقف سياسي، نزيه وعادل…»

 بل لا تكاد تجد عالماً واحداً متحرراً من سلطة الحكم أو المصلحة يبرر هذا المسلك ويرضاه، ومثلما أشار إلى ذلك الدكتور الريسوني، فإن رفض الظلم والاحتلال والتطبيع مع العدوان موقف متأصل في وجدان الضمير الإنساني الحر، ولئن تنكبت عنه بعض الأنظمة العربية فإن كثيرا من الأصوات الحرة، أفراداً وشعوباً وحكومات، مازالت متمسكة به، تتداعى إلى نصرة المظلوم والوقوف في وجه دولة الاحتلال وجرائمها المتكررة في فلسطين، تصدح هذه الأصوات من  ماليزيا وباكستان إلى جنوب إفريقيا وجنوب القارة الأمريكية، وقد دعا(ديزموند توتو- Desmond Tutu) رئيس أساقفة في جنوب إفريقيا وحائز على جائزة نوبل للسلام، دعا قبل أيام إلى وقف التستر على دولة الكيان ودعم سياستها القمعية تجاه الفلسطينية، ورفعَ شعارَ:  ” أوقفوا المهزلة “   

منطق المقايضة

شملت كل صفقات التطبيع مقايضة صريحة للحقوق التاريخية في فلسطين بمكاسب محلية أو إقليمية، كالاعتراف بالسيادة على أجزاء من الأرض أو الرفع من قوائم الإرهاب وتحرير الأصول المالية أو تثبيت أركان الحكم والحصول على الحماية الإقليمية، وهذا انحدار مفضوح وغير مسبوق لتعامل الأنظمة العربية مع القضية الفلسطينية، حيث تحولت هذه القضية من رمز للنضال من أجل العدالة والتحرر ووحدة المصير العربي والإسلامي إلى بضاعة مُزجاة في سوق نخاسة أمريكي .

والأنكى من ذلك أن أغلب المكاسب التي تحصلت عليها الأنظمة المطبعة حقوق طبيعية وقضايا عادلة، أزرى بها أصحابها عندما أوردوها مورد التوسل والمقايضة.

تطبيع أنظمة

إن الغائب أو المغيب الأكبر في هذا الخضم (التطبيعي) هو الشعوب المغلوبة على أمرها، فمعظم مبادرات التطبيع الأخيرة صادرة عن أنظمة غير ديمقراطية، لا تعير اهتماماً لإرادة شعوبها وخياراتها، هذه الشعوب التي رضعت حب المقاومة والثبات على الحقوق، تجذرت في ثقافتها ووعيها الجَمْعِيِّ نصرة القضية الفلسطينية، حتى أن شعار الحملة الانتخابية للرئيس التونسي المتمثل في قوله: « التطبيع خيانة» كان سبباً حاسماً في فوزه بمقعد الرئاسة.

بل إن هذه الأنظمة نفسها، لا تملك إرادتها وخيارها فهي مَقُودة رَهَباً أو رَغَباً من إدارة أمريكية جامحة ورغبة صهيونية في اختراق الواقع العربي عبر استغلال الضعف الراهن وامتداد الأزمات على خريطته المثخنة بالجروح والصراعات.

إن المسلمين في الغرب يجددون التزامهم برفض الظلم والاحتلال ومنطق الأمر الواقع والتطبيع مع الكيان الصهيوني من منطلق الاستسلام والمقايضات غير الأخلاقية، كما سيبقى الوجود الإسلامي في الغرب رصيداً استراتيجياًّ لكل قضايا التحرر والعدالة في العالم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ليس ذلك من باب الخطاب العدمي أو رفض منطق الصلح والسلام، ولكن من باب الإيفاء بالحد الأدنى من الالتزام بنصرة المظلوم ودعم أهلنا في فلسطين، ومقاومة منطق الاستسلام وبيع المبادئ والثوابت في سوق نخاسة يفتقد إلى أدنى مقومات الإنسانية والأخلاق.

وإن كل اتفاق لا يكون معبراً عن إرادة الشعوب، ومراعياً لثوابت الأمة ومصالحها، وموافقا لرغبة الشعب الفلسطيني وطلائعه المقاومة المرابطة، سيبقى نشازاً مرفوضاً من مسلمي أوربا ومؤسساتهم.

Posted on Leave a comment

حب الذات.. السلوك الإبليسي الخطير

يقول الحق تبارك وتعالى {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }(الأعراف: 12)

جُبلت النفوس على حبّ الذات، فتراها تتباهى بما عندها من فضائل، وتنزلق أحيانًا إلى العُجب والتكبّر، وتستمرئ بعض السلوك الهدّام للذات قبل الغير، فتصدر الأحكام جزافاً على الغير لاعتقاد راسخ فيها أنها خير من الجميع.

وتبلغ بها نرجسيتها حتى لا ترى إلا نفسها في هذا الوجود من يملك أقفال الحق والحقيقة، فلا علم إلا ما تقوله، ولا حكم إلا ما تصدره، ولا قول إلا قولها. ومن هنا كانت مصائب النفوس والجماعات والمجتمعات والأمم، فهي تتّبع سلوك ابليس، وقوله، وخطاه، الذي حجب عنه حقيقة الفضل، وجعله يسكن إلى ظنونه النرجسية.

وعندما ننظر في واقعنا نرى عِظَم خطر وآثار هذا السلوك (الابليسي) على المجتمعات، حتى تحوّلت معه الحوارات إلى صمم، لا يسمع الواحد منّا إلا صدى نفسه. وذلك لمعتقد فاسد شرع به ابليس، واقتفينا أثره، وجعل كل واحد منا صورته، وجوهره، وعلمه هي مادة التفضيل

 يقول الفخر الرازي

 ” أن من كانت مادته أفضل فصورته أفضل، فهذا محل النزاع والبحث. لأنه لما كانت الفضيلة عطية من الله ابتداء لم يلزم من فضيلة المادة فضيلة الصورة، فـالفضيلة لا تحصل إلا بفضل الله تعالى لا بسبب فضيلة الأصل والجوهر، وأيضا التكليف إنما يتناول الحي بعد انتهائه إلى حد كمال العقل، فالمعتبر بما انتهى إليه لا بما خلق منه، وأيضا فالفضل إنما يكون بالأعمال وما يتصل بها لا بسبب المادة”.

فلا عبرة بالأصل ولا بالنسب الحزبي أو الفكري، إنما العبرة بما انتهى إليه من سلوك وممارسة وعمل وإنجاز تفيد المجتمع و الإنسانية. وكل من يقدّم عُجبه، فهو يقتفي السلوك غير القويم، وآثاره على نفسه وغيره كأثر معصية ابليس.

فهل نعي خطر عقلية “أنا خير منه” ونتخفّف من حِملها و وزرها الذي يثقل كاهل مجتمعاتنا. فلا حوار ولا تعاون ولا تنسيق تحت سقف هذه العقلية، بل هو الوهم الذي نتلهّى به.

Posted on Leave a comment

فرقة الدين…خطر يهدم الأمة

يقول الحق تبارك وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159[

يقول العلامة ابن عاشور “وتفريق دين الإسلام هو تفريق أصوله بعد اجتماعها”، ويضيف رحمه الله “إن كل تفريق لا يُكفّر به بعض الفرق بعضا، ولا يفضي إلى تقاتل وفتن، فهو تفريق نظر واستدلال وتطلّب للحقّ بقدر الطاقة”.

من الابتلاءات التي ابتليت بها كل الأمم، الفرقة في الدّين، وهو من أعظمها وأخطرها وأشدّها وقعا، وأطولها زمنا. ولكن “تفريق الآراء في التعليلات والتّبيينات فلا بأس به” كما يقول العلامة ابن عاشور، أمًا التفريق المنحرف داخل دوائر الدّين الواحد، فهو معول هدم للدّين والمجتمع والأمة الواحدة.

وهذه الآية تحذّرنا من خطر بان ضرره في كل مراحل التاريخ، ومن نقيصة إذا استشرت في دين، نقضت عراه وتهدّمت أركانه، حتى تنال من أسسه، بل ترى العدو يستثمر في هذا الجانب، ويبذل جهده فيه لأنه يعرف أن به يستقيم أمره ويقوى عوده، وتطول هيمنته.

ومما ابتليت به أمتنا سابقاً من فرق ونحل، نعلمه ولكن كأنّنا لم نستفد من تاريخنا وقد أطلّت علينا اليوم وجوه التفريق في الدّين باستدعاء صور الماضي أحيانًا، وتكييفها بصور الحديث والمعاصر، وأحيانا أخرى بتمييز مميّع تحت عباءة العلم الوهمي، تميّز بين صور الإسلام، وكأن كل صورة معرفية هي الصورة الحقيقية للإسلام، حتى يتحوّل الإسلام إلى (إسلامات)، ونُدخل العامّة من النّاس في صور جديدة من التفريق، لا ينال إلا من الدّين وقوامه، ومن وحدة المجتمع ونسيجه. 

الدّين جاء ليوحّد النّاس على أساس الكرامة، ويحرّرهم من كل أنواع الأسر والقيد، ويعيش الجميع في كنف التنوع والتعدّد على أسس من السلم الاجتماعي، دعامته الدّين وقيمه، وإذا انحرفنا بالدّين من عامل وحدة إلى عامل فرقة، فما فهمنا حقيقة الدّين ودوره، ونسقط في ما حذّرتنا منه هذه الآية الكريمة.