Posted on Leave a comment

الإنسان بين تكريمه وتكليفه وحقوقه

لماذا سمي الإنسان إنساناً؟

معنى كلمة إنسان: كلمة إنسان ترجع إلى معنى (الظهور)، عكس الجن فهم مختفون.

 أو معنى آخر هو: (النسيان)، فعن ابن عباس: “إنما سمي الإنسان إنسانا؛ لأنه عهد إليه فنسي”.

ومعرفة هذه النتيجة لها دور مهم في تحديد ما يجب أن يكون الإنسان عليه، فما دام أن الظهور أصل معناه فينبغى أن يكون الظهور سمته البارزة، فيحقق هذا المعنى في نفسه وطريقته وحياته، فيكون ظاهراً في مبادئه وقيمه وأخلاقه ودينه الذي يؤمن به، فلا يستخفي، ولا يتوارى كما يتوارى الجن.

 وهناك رأي آخر، وهو أن أصل كلمة إنسان من (الأنس) وتعني الوناسة فهو الكائن الذي أنست الأرض بوجوده، وعكسها الوحشة، ومكان موحش يعني المكان الذي يخلو من الإنسان.

كرامة الإنسان :

لقد رفع اللّه تعالی قدر الإنسان في القرآن وأعلی مکانته بحیث لایطاوله في ذلك أی مخلوق من المخلوقات، وذلك ظاهر فى نواح مادية ومعنوية عديدة :

التكريم المعنوي

فمن التكريم المعنوي: خلقه الله وسواه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، ووهبه عقلاً عظيماً يتمكن به من معرفة الأسرار والظواهر، ويسيطر به على كثير من القوى والمخلوقات، ومع أن الإنسان محدود فى أعضائه وخلقته، إلا أن طاقات ضخمة أودعها الله فيه جعلته يخترق الفضاء، وينسف الجبال، وأعظم من ذلك كله معرفته ربه الذى خلقه وسواه ورفع قدره واجتباه.

ومن التكريم المعنوى للإنسان قبول توبته بعد خطئه، واستقباله بالفرح والحفاوة به إذا رجع عن ذنبه.

التكريم المادي

ومن التكريم المادي الذى كرم الله به الإنسان أن سخر له جميع المخلوقات: ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ ” 20لقمان.

 ومن هذه المخلوقات ما لا ترى لضخامتها كالمجرات، وما لاترى لتناهى صغرها كالبكتريا، وكلها تشترك فى خدمة الإنسان، وتنعيمه، وتأمين غذائه وكسائه ولباسه ودوائه، وكثير ما يذكر الله تعالى هذا التسخير والتنعيم بين يدى قصة خلق الإنسان، كما فى سورة البقرة، والأعراف، والحجر، وسور أخرى:

 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ ) البقرة.

 وفى تكريم لله للإنسان بصفة عامة

 قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) 70 الإسراء.

تكليف الإنسان :

ولما كان الإنسان بها القدر، وتلك المنزلة شاء الله تعالى أن يجعله مكلفا مسؤولاً، فاستخلفه فى الأرض وحمله الأمانة.

فالمفهوم الصحيح للأمانة :

 هو استخلاف الله لهذا الإنسان فى الأرض يَسكُنها ليعمرها بعبادته،

قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ الذاريات: 56 – 58،

 وقال سبحانه: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30]،

 فالآيات تُشير بوضوح إلى إرادة الله لهذا الإنسان أن يمثِّل الأنموذج السويِّ في حمل أمانة الله؛ وهي عبادته على النحو الذي يُريده – سبحانه وتعالى – لا كما فعلت الجن الذين سكَنوا الأرض فأساؤوا وأفسَدوا وتمرَّدوا على الله، فسلَّط عليهم ملائكته فقتلتْهم وطارَدتهم حتى ألجأتهم إلى سُكنى البحار والجبال، ولم تقم لهم قائمة، واستخلف مكانهم هذا الإنسان بتكوينه الطِّيني المنسجم مع ذات الأرض؛ ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].

 وفى تحميل الله الأمانة للإنسان يقول تعالى -: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72.

ومما يساعد الإنسان على تحقيق الاستخلاف العقل والعلم والعدل: فالبعقل يفكر ويتأمل، وبالعلم يعرف الحقائق، وبالعدل يحسن فلا يجور، ولا يظلم، لا مع البيئة والطبيعة، ولا مع الناس.

والأمانة يتسع مفهومها فى الإسلام ليشمل كل وظائف الدين، وكل شئ  يؤتمن عليه الإنسان،

” فالتكاليف الشرعية من عبادات ومعاملات، والأموال والثروات، والمناصب الاجتماعية والإدارية والسياسية، والماء والهواء والتربة، وكل عناصر البيئة، والأولاد والأزواج، والآباء والأمهات، والطلاب بين أيدى المعلمين، والأعمال والأشغال والوظائف والمجالس والأسرار بين الناس، كل ذلك وغيره داخل فى مفهوم الأمانة التى كلفنا الله بتحملها وأدائها.

حقوق الإنسان :

ولمّا كانت مكانة الإنسان بهذا المستوى الرفيع، فإنّ الدين الحنيف ضمن له حقوقا تصونه، وتدعمه، وتبعد عنه أسباب الزلل والهبوط، وأولها أن يحيا موفور الكرامة عزيز النفس لا يشكو حيفا ولا هوانا.

  • فضمن له حق الحياة، فلا يعتدى على حياته أحد ولو كان نطفة ولو من والديه، ولو من نفسه لنفسه كالانتحار.
  • وضمن له حق الكرامة، فكما يحيا الجسد بالطعام والشراب، تحيا النفس بالتكريم.
  • وضمن له حق الحرية فى اختيار كل شئ ، بداية من اختيار الدين، واختيار الحاكم، إلى أهون الأمور .
  • وضمن له حق التعليم، وللإسلام فى ذلك ماله من توجيهات معروفة نحو العلم وتحصيله والتمكن من كل العلوم النافعة.
  • وضمن له حق التملك والتصرف فى ماله بالبيع والشراء والهبة والكراء، وغير ذلك.
  • وضمن له حق العمل، وبين حقوق العمال من أجر عادل وراحة مناسبة، وحق الضمان، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول ” أنا أولى بكل مؤمن ..”

– وعظم الإسلام حقوق الوالدين والأزواج والأولاد ، وحقوق الأقارب واليتامى والأرامل والمساكين وابن السبيل ، وعظم كذلك حق المسلم على غير المسلم.

Posted on Leave a comment

الإنكار القلبي وأهميته للمسلم الأوروبي

بين يدي الموضوع:

  1. الكراهية للمنكر لا تساوي بالضرورة الإنكار فثم فروق بينهما، فكل كراهية يتبعها سلوك وحركة.
  2. غياب البيئة والمحضن الإسلامي يجعل المنكرات والمعاصي بعد فترة أمر اعتيادي لا تأنف منه النفس ولا ينكره القلب  .
  3. إسلامنا وظف الجنان والأركان توظيفا رائعا بين أمر يعمله ونهي ينكره  .
  4. لغة الإنكار القلبي موجودة في حياة الجميع لكن توظيفها توظيف خاطئ والناس في إعماله متفاوتون.

دلائل القرآن والسنة على الإنكار القلبي:

من القران الكريم

  • ” كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ” آل عمران-110
  • -” لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ” المائدة 78-79
  • -” فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَـئيس بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ” الأعراف – 165
  • – ” وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦٓ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا ” النساء – 140
  1. فمنه المشاركة في المعصية والانسحاب لها دون الترك فضلا عن الانكار .
  • ومنه رؤية المحرمات والمنكرات دون ان يتمعر القلب أو ينكر خبث فاعله .
  • 3.     ” رؤية الخمور وحضور مجالسها ومشاهدتها – الخنث – الفواحش – العري – القمار – الزنا وبائعي الهوى… الخ “

من السنة النبوية

  1. أخرج الإمام مسلم عن أبي سعيد الخدري / سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ».

صور المنكر في المجتمع الأوربي وخطورته:

  • حضور الاحتفالات التي يحدث فيها كثير من المحرمات والمنكرات .

أخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَضَرَ مَعْصِيَةً فَكَرِهَهَا فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَأَحَبَّهَا فَكَأَنَّهُ حَضَرَهَا»

خطورة عدم الانكار القلبي للمنكر :

 “موت القلب – غياب معالم المنهج القرآني والنبوي – إلف المعصية وعدم الابتعاد عنها – عدم التعريف بالإسلام لغياب عنصر الانكار – الانخراط في الشبهات والشهوات – التغريب التدريجي لفوارق الإسلام”

ضرورة الإنكار القلبي وأهميته:

1-  بقاء صاحبه على درجة الإيمان وأدني درجات السلامة.

  • أخرج مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ»
  • وأخرج مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ»

والمعنى: من عرف المنكر ولم يشتبه عليه فقد صارت له طريق إلى البراءة من إثمه وعقوبته بأن يغيره بيده أو بلسانه، فإن عجز فليكرهه بقلبه وقوله ولكن من رضى وتابع معناه ولكن الإثم والعقوبة على من رضى وتابع.

2 – لا يحشر صاحبه مع شرار الخلق أتباع الشيطان.

روى مسلم عن ابن عمرو عن علامات الساعة/ قَالَ ثُمَّ يُرْسِلُ اللهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّأْمِ، فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ، حَتَّى تَقْبِضَهُ “: سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ، لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا، فَيَتَمَثَّلُ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، فَيَقُولُ: أَلَا تَسْتَجِيبُونَ؟ فَيَقُولُونَ: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ”.

3 – الخوف من سوء عاقبة فاعل المنكر، أوعدم الاعتبار بمآلهم.

روى مسلم عنَ عَبْدِ اللهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: مَرَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحِجْرِ،- ديار ثمود – فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ حَذَرًا، أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ» ثُمَّ زَجَرَ فَأَسْرَعَ حَتَّى خَلَّفَهَا”.

4 – حفظ حيوية القلب وصفائه وبقاء النور فيه.

روى مسلم عن حُذَيْفَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».

5 –  الحفاظ على الهوية الإسلامية والخوف من طمسها.

روى الطحاوي عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَانَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ إِذَا عَمِلَ الْعَامِلُ مِنْهُمْ بِالْخَطِيئَةِ نَهَاهُمُ النَّاهِي تَعْزِيرًا، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ جَالَسَهُ وَآكَلَهُ وَشَارَبَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ عَلَى خَطِيئَةٍ بِالْأَمْسِ، فَلَمَّا رَأَى الله عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ صَلَّى الله عَلَيْهِمَا، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلْتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَنَكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ “

6 – عدم غربة الدين الإسلامي بعد فترة

7 – تعليم الناشئة والجيل الثاني فقه الانكار للخطأ .

8 – التعريف بالإسلام واستمرارية العمل به  .

Posted on Leave a comment

فتفشلوا!.. التنازع طريق فشل الأمة

من روائع كتاب الله العزيز، هذه الآية التي تضمنت نهياً جازماً، وإخباراً صادقاً، وسنة ماضية

“وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” الأنفال -46.

والقرآن لا يَنهى عن تحقق مظاهر النزاع في واقع الحياة، إنما ينهى عن “أسبابه” لأن تنازع الناس -قلّ أو كثر- سنّةٌ ماضيةٌ جُبل عليها البشر كالغضب والغيرة،…

 ويعود أكثره لاختلاف مدارك الناس في تقدير المصالح ومعرفة الصواب والخطأ، والشارع الحكيم لا ينهى عن غير المستطاع، ولا يأمر الناس بتغيير الطباع، وكل من غذى النزاع بهمسة وأضرم نيرانه بكلمة فقد خالف مقصود الشارع وحقق علة النهي.

في زمن التنازع ستكون هناك فرصة -دون شك- لإنفاذ الغيظ الدفين، وتصفية الحساب القديم، والانتصار للرأي، والاستكثار من الأنصار، والاستقواء بالأتباع… ومثل ذلك أو قريب منه حدث بين صفوة البشر عندما تنادوا لإحياء يوم بُعاث!.

في زمن التنازع، تخرج النفوس عما اعتادته من السكينة والحكمة والتأني، ويتطاير في جنباتها الشر والشرر، حتى إذا تمالك الإنسان نفسه وملك غيظه، جاءت “محاريك الشر” لتثير خصومة اندثرت، أو تذكر بإساءة نسيت؛ فتنفخ في رماد النزاع، وتلتقط الحصى لتصنع منه جسرا تعبر به الأطراف للفشل “فتفشلوا”!.

النوايا الحسنة والحماسة الصادقة في إذكاء النزاع، قد تزيد من شعبية المرء، ورصيد المعجبين به، أو توهمه بأنه قد أدى ما عليه، ولكنه عمل سيء! ولا يضفي على قول صاحبه وفِعاله المشروعية.

إن تدبير النزاع (فقه)، وإصلاح ذات البين فضيلة، فإن كان الإسلام يبيح الكذب -وهو أرذل الأخلاق- لإصلاح ذات البين، فإن النفوس الملتوية هي التي تتزيد أو تكذب لإفساد ذات البين، وليس أقل منها التواء، تلك التي تصدق لإفساد ذات البين!.

فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

Posted on Leave a comment

احذر أن يمتزج إيمانك بالظلم

يقول الحق تبارك وتعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام: 82).
ذهبت أغلب الروايات إلى أن المراد بالظلم هنا الشرك، لقرينة الحديث النبوي الشريف عند نزول هذه الآية. ولكن البعض توسّع، ومن ألطف ما ورد، ما ذكره القاضي عياض رحمه الله تعالى “الظلم في كلام العرب: وضع الشيء في غير موضعه، ثم استعمل في كل عسف” ثم يقول ” والأظهر من مفهومه إطلاقه في العسف والتعدي والعدول عن الحق في غير الكفر”.
وكتوجيه تربوي، فإن حياة المؤمن، رغم صدق إيمانه وحرصه، فلا يخلو الأمر من نقصان واضطراب وتعثّر، ويعتري النفس ضعفا أمام الشدائد والصعوبات، وتضطرب الرؤى والتقدير مما يسقطها في ظلم نفسها وظلم غيرها.
وهذه الآية إنما هي تذكير وجرس يرن في آذان المؤمنين: احذروا الظلم. احذروا أن تظلموا أهليكم وأنفسكم وذويكم ومن حولكم!.
فهو يقرع آذاننا ليكون إيماننا خالصا لوجهه الكريم ولا تشوبه شائبة مما يُنقصه ويخدش صورته.
فالتعدي على حقوق الناس ظلم، والحديث في أعراضهم ظلم، وتعطيل قوى الانتاج ظلم، والركون إلى الظلم ظلم، وتشويه القيم ظلم، والتقصير المتعمّد في أداء الأمانة ظلم. فكل ما فيه عسف ظلم.
وكلّما تحرّرت النفس من هذه الالتباسات، كانت أنقى وأجمل وأكثر فاعلية وإنتاجية، والإيمان بطبعه نقي وجميل وقوة فعل وزيادة في الانتاجية. وإذا حاد الإيمان عن ذلك، فما عقلنا الإيمان، وما ذقنا حلاوته، ولا تمتّعنا بفيوضه وأنواره.
فالأمن والهداية نتيجة طبيعية لنقاوة الإيمان وطهره، وهي بين أيدينا ونحن من نصنعها، فكل ترقّي ذاتي وجماعي يجعل من العدل نقيض الظلم هو السائد، نكون قد حقّقنا مقاصد الإيمان وجعلنا من الإيمان وسيلة أمن وهداية، وما عداها فقد انحرفنا بالإيمان وذلك هو الظلم الحقيقي، ونتيجته لا أمن ولا هداية. وتتحول حياتنا إلى ظلم وظلام.

Posted on Leave a comment

كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الأطفال؟

مقدمة

أما بعد، زينة الحياة الدنيا وعدّة الزمان بعد الله هُم شباب الإسلام والناشئون في طاعة ربهم، لا تكاد تعرف لهم نزوة أو يعهد منهم صبوة، يتسابقون في ميادين الصالحات، أولئك لهم الحياة الطيبة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة، يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه. في الحديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((شابًا نشأ في طاعة الله)).

إن العناية بالنشء مسلك الأخيار وطريق الأبرار، ولا تفسد الأمم إلا حين يفسد أجيالها الناشئة، ولا ينال منها الأعداء إلا حين ينالون من شبابها وصغارها

لهذا كان محمد هو القدوة في هذا الباب، فقد راعى الأطفال واهتم بأمرهم. فلم يكن يتضجر ولا يغضب منهم، إن أخطؤوا دلهم من غير تعنيف، وإن أصابوا دعا لهم. وإليكم ـ يا عباد الله ـ نماذج من معاملته للأطفال :

نماذج من معاملة الأطفال في السنة

 روى الإمام أحمد في مسنده أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي العشاء، فإذا سجد رسول الله وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما من خلفه أخذًا رفيقًا ووضعهما على الأرض، فإذا عاد إلى السجود عادا إلى ظهره حتى قضى صلاته، ثم أقعد أحدهما على فخذيه، يقول أبو هريرة: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله، أردهما؟ فبرقت برقة في السماء، فقال لهما: ((الحقا بأمكما))، فمكث ضوؤها حتى دخلا.

روى البخاري/ عن أم خالد رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله مع أبي وأنا صغيرة، وعلي قميص أصفر، فقال رسول الله: ((سنه سنه))، أي: حسن حسن، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة على ظهر رسول الله، فزبرني أبي، فقال رسول الله : ((أبلي وأخلِقي، ثم أبلي وأخلقي))، فعمرت أم خالد بعد ذلك.


عباد الله، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يلاعب الأطفال، ويمشي خلفهم أمام الناس، وكان يقبلهم ويضاحكهم، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت أذناي هاتان وبصر عيناي هاتان رسول الله أخذ بيديه جميعًا بكفي الحسن أو الحسين، وقدماه على قدم رسول الله، ورسول الله يقول: ((ارقه ارقه))، قال: فرقى الغلام حتى وضع قدميه على صدر رسول الله، ثم قال رسول الله: ((افتح فاك))، ثم قبله، ثم قال: ((اللهم أحبه فإني أحبّه)) رواه البخاري في الأدب المفرد والطبراني في معجمه.


وجاء الأقرع بن حابس إلى رسول الله  فرآه يقبّل الحسن بن علي، فقال الأقرع: أتقبّلون صبيانكم؟! فقال رسول الله: ((نعم))، فقال الأقرع: إن لي عشرةً من الولد ما قبلت واحدًا منهم قط، فقال له رسول الله : ((من لا يرحم لا يرحم)) متفق عليه.


وكان رسول الله يخطب ذات يوم فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال: ((صدق الله ورسوله: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن:15]، نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما))، ثم أكمل خطبته. رواه أهل السنن.


عباد الله، هذا رسول الله، وهذه معاملته لأطفاله، أترونه يهمل تعليمهم؟! روى البخاري ومسلم أن عمر بن أبي سلمة قال: كنت غلامًا في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله : ((يا غلام، سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)).

ولما أراد الحسين أن يأكل تمرة من تمر الصدقة قال له الرسول : ((كخ كخ، أما علمت أنا لا تحل لنا الصدقة؟!)). وروى البخاري أن النبي كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: ((أعيذكما بكلمات الله التامة من كلّ شيطان وهامة، ومن كل عين لامة))

عباد الله، أن ثمة أمورًا جعلها الله من فِعل الأب وتنفع الابن من بعده، ومن أهمّ هذه الأمور صلاح الوالد في نفسه، فإنه سبب لحفظ الله عز وجل لأبنائه من بعده، يقول الله سبحانه: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ[الكهف:82]،

يقول ابن عباس رضي الله عنهما: (حفظهما الله بصلاح والدهما ولم يذكر الله للولدين صلاحًا). وإن الله بفضله وكرمه إذا أدخل المؤمنين الجنة يلحِق بالآباء أبناءهم وإن كانوا دونهم في العمل، يقول الله سبحانه: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور:21]، يقول ابن عباس رضي الله عنهما عند هذه الآية: (إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل كي تقرّ بهم أعينهم).

عباد الله، لا يغلبنّكم الشيطان على باب آخر مفتوح للمؤمنين وهو دعاء الوالد لولده، فقد صحّ عنه من حديث أبي هريرة أنه قال: ((ثلاث دعوات مستجابات لا شكّ فيهن))، وذكر منهن: ((دعوة الوالد لولده)).

دأب الأنبياء

ولقد كان دأب الأنبياء عليهم السلام الدعوة لأبنائهم،

  • يقول إبراهيم: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ [إبراهيم:35]، رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40]،
  • وقال هو وولده إسماعيل: رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [البقرة:128].
  • وقال زكريا: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [آل عمران:38].

ألا فاتقوا الله عباد الله، وراقبوه فيما تحت أيديكم وما استرعاكم ، فإنه سائل كل راع عن رعيته . والحمد لله رب العالمين .

Posted on Leave a comment

الإمام الأوروبي: «12» الإمام عارفٌ بزمانه

القرآن الكريم

 يعلّم الناس الاهتمام بزمانهم والانفتاح على الناس، ولذلك نزلت سورة الرّوم المكية( الم ۝ غُلِبَتِ الرُّومُ ۝ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) [الروم:1- 3[ 

نزلت تُعزّي المسلمين وفيهم نبيهم عليه السلام أنّ إخوانهم من أهل الكتاب(الرّوم) أصيبوا بقرح الغلبة من لدن غير أهل الكتاب، سمع المسلمون بتلك الهزيمة فحزنوا فجاء القرآن يعزّيهم ويسلّيهم ويعدهم أنّ الرّوم المغلوبة ستغلب بعد سنوات قليلات.

أيّ فرق نوعيّ بيننا نحن اليوم؟

و كيف نفكّر وبين الأصحاب؟، أيّ شانئات علقت بنا حتى أضحت مسَلّمات هنّ أمّ الكتاب؟ أيّ علاقة تصل المسلمين المقهورين في مكة بالرّوم الذين يبعدون عنهم آلاف الأميال حتى يحزنوا على هزيمتهم؟ ألسنا أحكم منهم إذ نقول بما لا يجد منّا جميعا -إلاّ قليلا من قليل ممّن رحم الله بمنهاج تفكيريّ إسلاميّ صحيح- إلاّ الارتياح والابتهاج ،اذ نقول:( الكفر ملّة واحدة –  واللهمّ إضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين).

 نزل عليهم ذلك وهم بين فكّي رحى القهر والقمع من لدن قريش وليس وهم آمنون في المدينة، ألا يعني ذلك أنّ المسلم – بل المسلمين كلّهم- مدعوّون إلى الانفتاح تفكيراً واهتماما على الناس من غيرهم بغضّ النّظر عن وضعهم أمنا أو خوفا؟

رحم الله إمرأً عرف زمانه

جاء في أثر صحيح وليس هو حديث نبويّ  (رحم الله إمرأً حفظ لسانه، وعرف زمانه، واستقامت على الله طريقته) هذا المعنى صحيح قطعاً، فهذه القيمة هي التي ثبّتها القرآن الكريم إذ جمع في أكثر من موضع منه بين قيمتي الكتاب أي القرآن الكريم والميزان الذي يسمّيه أحيانا حكمة المسلم ،فما بالك بالإمام المصلح ـ لا يفرّق بين ظالم وظالم إهتماماً.

أمّا الإصلاح والانخراط فيه فذاك ميزان أو حكمة تقدّر بقدرها، إذا كان الإسلام لم يتردّد أن قصّ علينا قصّة بطلتها هرّة أدخلت صاحبتها النّار، وأخرى بطلها كلب أدخل صاحبته الجنّة، وثالثة بطلتها ناقة لعنت فحرّرت، ورابعة بطلتها نملة أحرق نبيّ منها آلافا مؤلفة إذ قرصته واحدة منهنّ فحسب .. 

إذا كان ذلك كذلك فلا شكّ أنّ الإسلام يغذونا بقيمة الرحمة والعدل والإحسان والرّفق غذواً عجيبا دون تمييز بين كائن وكائن إذ قال عليه السلام( في كلّ ذات كبد حرّى أجر) [صحيح البخاري[ 

الإمام عليه أن يعرف زمانه قبل أن يعرف زمان غيره

الإمام عليه أن يعرف زمانه قبل أن يعرف زمان غيره كائناً من كان غيره، إذ أنّ العصمة العظمى للوحي الكريم وهو الذي يحقن الناس بالقيم التي بها يصلحون، ولو شهد زماننا هذا رجالاً نتعلّم منهم وقد ماتوا منذ قرون طويلات لفعلوا مثل ما فعل أحدهم أي الإمام الشافعي الذي إشتهر بمذهبيه : مذهب العراق ومذهب مصر والمسافة بينهما مسيرة أسابيع في تلك الأيام. فكيف إذا كان المسير بيننا وبينهم سنوات ضوئية؟

 أليست قصّة (بيع السّلم) إلاّ مشهداً من مشاهد معرفة الزمان وحسن معالجته؟ إذ جاء عليه السلام إلى المدينة ناهيا عن بيع السّلم (وبيع السلم هو حضور الثمن وغياب المثمون) أي على الضدّ من بيع الأجل فما إن علم بأنّ بيع السلم حاجة للناس انتظمت بها معاملاتهم (والحاجة تنزل منزلة الضرورة) حتى أباحه بالقيود التي ذكرها في الحديث الصحيح. 

ومثل ذلك عقد (الاستصناع) في زمن عليّ عليه الرّضوان، والتضمين على خلاف الأصول،إذ لا مناص للإمام من التمييز بين الأصل المعصوم الحاكم وهو الشريعة وبين الفقه الذي تختلف أحكامه الظنّية وفتاواه من زمان لزمان ومن مكان لمكان.

فعلى الإمام اليوم أن يلتقط بحكمة وذكاء المشكلات التي تطحن الناس بغض النظر عن دينهم طحنا فهي المقدّمة درسا ومعرفة وبحثاً.

 وهو الذي سمّي قديما وحديثا : فقه المحلّ أو فقه المآل أو فقه الواقع،إذ على الإمام أن يدرك المقصد الأعلى الأسنى الأعظم الذي ما تنزلت شريعة الرحمان سبحانه إلاّ لتحققه ولقد أجمع الناس غابرهم وحاضرهم أنّ ذلك ليس سوى نُشدان مصلحة الإنسان من حيث أنه نوع أو جنس، ولا يعني ذلك مداراة أهوائه كما يريد الذي يشغبون على ذلك عندما لا يوافق ذلك أهواءهم.

قائد رحلة الفقه المقاصديّ

الإمام الشاطبيّ عليه الرّحمة إذ أفاض في ذلك بما لم يكد يترك لغيره موضع سمّ خياط فيه هو نفسه القائل أنّ الشريعة إنما جاءت لقمع الأهواء، أظنّ أنّ تحديات زماننا معلومة منا معروفة لفرط استبدادها بنا، ومنها أنّ الناس بعضهم لم يفقه من رسالة الدين إلاّ قليلا لا يكاد يسمن من جوع ولا يغني، وبعضهم أغوته الدنيا ببريقها وبما تجنّد لها من سراب الحضارة الغربية. وبعضهم أختلط الذلّ بعصبه ولحمه وشحمه اختلاطاً عجيبا فأعماه، فهو لا يرى عدا منفعته العاجلة، وللذلّ سلطان لا يقاوم.

 كما حقّق ذلك صاحب  (طبائع الاستبداد) أي الكواكبيّ، غرضي هنا هو أن أذكّر نفسي وإخواني الأئمة أنّ عصرنا أولى بالمعالجة،أما ابتلاع بطون الكتب وما روت من تحديات تصدّى لها رجال ذلك الزمان فهو حفظ، والإمام مدعوّ إلى العلم ثمّ إلى الفقه والإصلاح وليترك الحفظ لأهله.

 من تلك التحديات العظمى التي تأتي اليوم على كثير من الأخضر واليابس مشكلات الأسرة، ولا شكّ أنه ما من إمام من أئمة أروبا إلاّ وقد عرضت عليه قضايا طلاق وخلافات مرّات ومرّات،(رحم الله إمرأً عرف زمانه ثمّ إستقامت على الله طريقته) والله أعلم

Posted on Leave a comment

مالك بن نبي منظر النهوض الحضاري

‎ للكاتب كمال العياشي

عضو إدارة الاتحاد المنظمات الإسلامية في إيطاليا

مولده و نشأته:

ولد المفكر الإسلامي مالك بن نبي بمدينة (تبسة) التابعة آنذاك لمحافظة (قسنطينة) شمال شرق الجزائر في شهر يناير من سنة 1905 لأسرة متواضعة الحال، حيث كان والده عمر يشغل وظيفة بسيطة في إحدى إدارات مدينة (تبسة) بينما كانت والدته زهيرة ربة بيت تعمل في الحياكة ولكن الأسرة كانت عميقة التدين، عزيزة النفس.

ولقد كان لأحاديث جدته عن جرائم الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري وأهمية الاعتزاز بعقيدة التوحيد ودين الإسلام ناهيك عن غرس حب اللغة العربية في نفسه الأثر البالغ في تشكيل وعيه وشخصيته.

كما كانت صلة عائلته بالحركات الإصلاحية والطرق الصوفية آنذاك دافعاً له للاهتمام بقضايا الإصلاح والتجديد والنهضة الحضارية.

ثم كان حرص والدته على تعليمه القرآن الكريم – حتى أنها رهنت سريرها ذات مرة لدفع أجرة معلمه- سبباً إضافيا عمق في مالك بن نبي حب القرآن وحمل راية الدفاع عنه ضد المستشرقين فكان كتابه الرائع الظاهرة القرآنية.

وجمع مالك بن نبي بين الدراسة في الكتاب و المدارس الفرنسية بالجزائر، ثم تخرج من معهد سيدي الجليس الإسلامي ليواصل دراسته العليا بفرنسا لاحقاً.

وقد تلازمت هذه الثنائية الثقافية بين الحضارتين الإسلامية والغربية في التكوين الفكري لمالك، وكانت لها انعكاساتها الواضحة في كتاباته بعد ذلك حيث تميز بالموازنة بين المصدرين، بين الانتماء لحضارة الإسلام والرغبة في النهضة والتطور.

وكان لمالك شغف كبير بالقراءة حيث كان شديد الحرص على تطوير معارفه بشكل لا يضاهى، وصارت المطالعة من أهم مصادر المعرفة لديه.

الرحلة إلى باريس

سافر مالك إلى باريس للمرة الأولى وهو ابن العشرين، ثم عاد إلى الجزائر بعدما عانى البطالة هناك ثم قرر أن يعود مجدداً إلى فرنسا ليواصل دراسته فوصل إلى باريس في جمادى/سبتمبر 1930.

وكان لتلك الفترة الأثر البالغ على فكره و شخصيته، فقد عاش تطورات مختلفة من التجارب كان قوامها المشترك التحصيل العلمي المتعدد المجالات مع بعض الإسهامات في أنشطة علمية وثقافية.

ورغم حرصه على دراسة الحقوق إلا أن طلبه رفض في الالتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، فاتجه إلى الدراسة العلمية فتعلم منها الضبط و المنهج التجريبي الاستقرائي في التفكير.

وخاض مالك في باريس نقاشات متعددة في العقائد مع المسيحيين، و تزوج عام 1931 من امرأة فرنسية اسلمت على يديه.

وساهمت زوجته في تنمية ذوقه وحسه الجمالي، وتمكن من توسيع دائرة علاقاته الفكرية والثقافية في باريس، فكانت له فرصة اللقاء بشكيب أرسلان وغاندي.

كما كان له حضور متميز في أوساط المغاربة، والجزائريين حتى لقب بزعيم الوحدة المغاربية، كما استطاع أن يقيم جزيلاً من التواصل و التعارف مع أبناء المستعمرات الأخرى

وتخرج مالك بن نبي سنة 1935 مهندساً في الالكترونيات فعاد إلى الجزائر و إذا به يفاجئ بأن المستعمر الفرنسي حول حقول القمح إلى زراعة الكروم لإنتاج الخمور للفرنسيين، وتعجب من بلاده كيف يروى فيها سكارى فرنسا ويحرم فيها الشعب الجزائري من رغيف الخبز.

فما كان منه إلا أن عاد إلى فرنسا ليتفرغ للعمل الفكري، فعمل صحفياً بجريدة لوموند، وأصدر أول كتبه وهو “الظاهرة القرآنية”، ثم توالت كتبه في باريس فكان كتاب “شروط النهضة” سنة 1949، وكتاب “وجهة العالم الإسلامي” الذي عرض فيه مفهوم قابلية الاستعمار، ثم كتاب “لبيك” وكتاب ” الفكرة الافريقية الاسيوية”

الرحلة إلى القاهرة

وكان السفر إلى القاهرة أملاً يراود مالك بن نبي، إذ كانت مصر يومها تحتضن قضايا التحرر والعروبة، ورأى فيها إحدى مناطق الإشعاع الثقافي ومواقع التغيير الهامة في العالم الإسلامي.

وامتدت حياته بالقاهرة من سنة 1956 حتى سنة 1963 نما فيها عطاؤه الفكري في أكثر من اتجاه، واستطاع إتقان اللغة العربية، وحاضر في عديد من الجامعات و المعاهد.

وأصبح بيته أشبه بمنتدى فكري يرتاده العديد من المثقفين وأُصدر له أول كتاب باللغة العربية، وهو “الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.

ثم “تأملات في المجتمع العربي” و كتاب “ميلاد مجتمع” و ” حديث البناء الجديد” إلى أن تم تعيينه مستشارا للمؤتمر الإسلامي بالقاهرة .

وبالقاهرة ترجم له د. عبد الصبور شاهين عدداً من أهم كتبه ترجمة بديعة، فاشتهر ذكر مالك، وتعرف عليه الأكابر بمصر والشام، كما بنى مالك صلة بالرئيس جمال عبد الناصر، وخصصت له القيادة المصرية راتباً شهرياً مكنه من التفرغ للكتابة والمحاضرات خلال سبع سنين.

وأثناء إقامته بالعاصمة المصرية اندلعت الثورة التحريرية المجيدة بالجزائر فجرد مالك قلمه لها وكتب الكثير عنها، معرفاً بمبادئها وأهدافها وفاضحا جرائم المستعمر الفرنسي الذي أحرق الأخضر واليابس وعمل على اقتلاع الشعب الجزائري من جذوره الثقافية و الحضارية.

عودته إلى الجزائر

وبعد الاستقلال عام 1963 عاد مالك إلى الجزائر وتقلد العديد من المناصب الأكاديمية والمسؤوليات الإدارية، منها منصب مستشار للتعليم العالي، ثم مديراً لجامعة الجزائر، ثم مديراً للتعليم العالي.

وكان من بين نشاطاته الهامة بالجزائر ندوته الأسبوعية التي كان يعقدها في بيته وكانت قبلة الشباب المثقف.

ومع استمرار هذه الندوات و نجاحها، وتكريماً لشخصية مالك بن نبي حولتها الدولة الجزائرية إلى ملتقى للفكر الإسلامي يعقد سنوياً، ويحضره نخبة من العلماء ورموز كبيرة في الفكر والثقافة والعلوم الشرعية والانسانية.

وفي سنة 1967 فضل الاستقالة من العمل الوظيفي والتفرغ للعمل الفكري، وكانت آخر محاضرة ألقاها عام 1972 بسوريا تحت عنوان “دور المسلم و رسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين”

ويعتبر الكثيرون أن هذه المحاضرة كانت بمثابة وصيته للعالم الإسلامي قبل وفاته في ال 31 أكتوبر 1973 عن عمر يناهز الثمانية والستين سنة.

إلى أن وافته المنية يوم 31 أكتوبر.

Posted on Leave a comment

موقفنا من ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا

بعد مخاض عسير وبطلب من الرئيس الفرنسي وضغط من السلطات الرسمية، أصدر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا” بموافقة خمسةٍ من المنظمات الأعضاء فيه ومعارضة أربعة آخرين امتنعوا عن التوقيع، لتُفتَتَح بذلك صفحة جديدة أراد من خلالها المؤيدون “أن يكونوا جزءًا من كتابة صفحة مهمة في تاريخ فرنسا” كما ذكروا في الديباجة، في حين يرى فيها المعارضون انتكاسة تاريخية وصفحة جديدة من التباين والاختلاف بين المسلمين الفرنسيين.

ورغم تأييدنا في «المجلس الأوربي للأئمة»، وإشادتنا بالكثير من البنود الواردة في الميثاق، والتي يمكن أن تكون محل توافق بين أغلب الأئمة وقيادات المؤسسات الإسلامية في فرنسا وأوروبا عموماً، فإن المجلس يعلن اعتراضه على المنهجية التي تم اتباعها في إصدار هذا الميثاق، الذي يُراد له أن يكون مُعبّرا عن الأئمة ومُلزما لهم؛ فقد تم تنزيل هذا الميثاق بعد تداوله في دائرة ضيقة على جميع الأئمة دون مناقشته وإنضاجه قبل التوقيع عليه وعرضه على الرأي العام.

كما يعلن المجلس عن تحفظه على بعض البنود الواردة فيه ويدعو إلى مراجعتها وإزالة مواطن اللبس والخلاف فيها ليكون الميثاق بحق محل توافق بين جميع فئات المسلمين، ويكون مرجعاً ودليلاً لترشيد الخطاب الإسلامي وعمل المؤسسات الإسلامية.

ومن هذا المنطلق نؤكد على الملاحظات التالية:

– من حيث المنهج والسياق العام

أولاً؛ يرى المجلس أن تنظيم وتأطير عمل الأئمة والمؤسسات الإسلامية أمر مطلوب ومحمود، ولكن يجب أن يتم عبر توسيع دائرة المشاركة والاستشارة بين المسلمين ومؤسساتهم التمثيلية ومراجعهم الدينية دون وصاية أو إقصاء، ودون إملاء أو توجيه سياسي.

ولا يخفى غياب الأئمة في صياغة هذا الميثاق، ومن ثم إقصاؤهم في النقاش الدائر حول دورهم ورسالتهم، ووضع الأطر والضوابط الحاكمة لعملهم، كما لم يخضع المشروع إلى استشارة وسبر آراء المسلمين وممثليهم المحليين وأصحاب الفكر والرأي منهم، وهذا من شأنه أن يضعف مخرجات المشروع ويضيق من مجالات التفاعل معه وآفاق تنزيله والاستفادة منه.

ثانياً؛ يعرب المجلس عن قلقه من السياقات التي ولد فيها الميثاق، والأجواء السياسية والإعلامية المشحونة التي مهدت له. حيث جاء استجابة مباشرة للضغط الذي مارسته الطبقة السياسية والإعلامية على المسلمين إثر الأعمال الإرهابية التي حصلت مؤخرا في فرنسا، وفي سياق المشروع العام لمقاومة ما يسمى بالانفصالية، مما يكرس الصورة النمطية السلبية عن طبيعة الوجود المسلم في فرنسا، ويضعه في موضع شبهة وتُهَمة.

وإذ نؤكد أن الضغط والتخويف لا ينتج فكراً ولا يثمر إصلاحاً، فإننا ندعو إلى النأي بمؤسسات المسلمين ومصالحهم عن التوظيف السياسي الداخلي والخارجي والمصالح الحزبية أو المعارك الانتخابية.

– من حيث المضمون

أولا؛ يثني المجلس على ما ورد في الميثاق من الدعوة إلى الالتزام بالقانون والمساواة بين المواطنين وإعلاء قيم المواطنة واحترام قيم الجمهورية الفرنسية وضمان الحرية للجميع، وعدم توظيف الإسلام أو المساجد لخدمة أغراض سياسية. كما يشيد المجلس بالبنود التي تؤكد على رفض التأثيرات والإملاءات الخارجية على المساجد والأئمة في فرنسا، وأن أي مساعدة مالية أو عملية من الخارج يجب أن تكون شفافة وخاضعة بصرامة إلى القوانين المعمول بها في البلاد. كما يعتبر المجلس نفسه شريكاً فيما ورد في الميثاق من الدعوة إلى محاربة الخرافات والممارسات المؤذية باسم الدين ومواجهة التطرف والغلو ومنطق التكفير والدعوة إلى العنف، ويعتبرها من قواعد الإسلام العامة ومبادئه السامية.

مع الإشارة إلى أن هذه المبادئ ليست بجديدة في أوساط المسلمين، بل هي قناعات راسخة لدى أكثرهم، وحاضرة لدى أغلب الأئمة فكراً وممارسةً، وهي أساس جهدهم اليومي ورسالتهم التي انتُدِبوا لها، ولطالما عبرت المؤسسات الممثلة للمسلمين على استعدادها للتعاون مع أي جهة في خدمة هذه الأهداف وترسيخها خطاباً وممارسة في الواقع الأوربي.

ثانياً؛ يعلن المجلس عن تحفظه على هذه النقاط الواردة في الميثاق ويدعو إلى مراجعتها لضمان أكبر قدر من التوافق حولها، وهي:

1.  ما ورد في المادة الثالثة من تجريم استعمال اصطلاحات دينية ككلمة الردة، رغم أنها اصطلاحات قرآنية، ولو اعتمد هذا المنهج الضيق في فهم الاصطلاحات وتحديد السياقات فسيؤدي إلى إلغاء آيات قرآنية والتعامل معها بصورة انتقائية. في حين أن النظرة السليمة تؤكد على حق كل دين في بناء تصوراته وبيان رؤيته للوجود دون المساس بحرية الآخرين أو الاعتداء على أحد، مع بقاء حرية الدين والضمير قواعد أساسية يحتكم إليها الجميع من منطلق المواطنة وقيم الجمهورية. وبتعبير آخر فإذا سئل الإمام عن الردة عن الإسلام فقال إنها تحبط العبادات السابقة وتغضب الله كما ورد في العديد من الآيات، مع توجيه المسلمين إلى أن ذلك حكم الله الأخروي أما الأحكامُ الدنيويةُ والعلاقات الإنسانية فمحكومة بقوله تعالى: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي” وقائمة على احترام القانون وقيم الجمهورية، فيكون بذلك قد أدى أمانة التبليغ الديني وواجب التوعية والإرشاد في المعاملات الدنيوية.

وهذا ينطبق أيضا على كثير من القضايا الأخرى، إذ لا يجب أن يدفعنا سوء فهم البعض لها أو توظيفها، إلى المغالاة في التضييق على التعبير أو منع بيان رأي الإسلام في بعض القضايا الإنسانية الجدلية، في إطار رؤية علمية معتدلة ومنهج وسطي يحفظ للإسلام جوهرَه ووقارَه، وللمجتمع أمنَه واستقرارَه.

وإن مما يجدر التأكيد عليه في هذا السياق أن ضبط الاصطلاحات الدينية الإسلامية وتحديد أُطُرِ فهمِها أو تنزيلها مسألة علمية دينية يتكفل بها أهل الاختصاص من العلماء والأئمة المسلمين والمؤسسات العلمية الإسلامية، بما يتوافق مع قواعد الدين ومصلحة المجتمع، وليست بموكولة للجان تنظيمية أو سلطات سياسية. ومثلما لا يتدخل المسلمون في ضبط وتحديد الآراء الدينية للآخرين فإنهم ينتظرون من الجميع احترام خصوصيتهم الدينية ومؤسساتهم الشرعية.

2.  ما ورد في المادة السادسة من إقحامٍ لمصطلح الإسلام السياسي في الميثاق بتكَلُّفٍ بيِّنٍ واستنساخ شبهِ حرفي لما ورد في البيان الحكومي المؤسس لمشروع قانون مقاومة الانفصالية، مع تجريمٍ وإدانةٍ لهذا المصطلح دون أيِّ تعريف أو تحديد لعناصره ومجالاته. ولم يكتف الميثاق بذلك بل قام بتصنيف تيارات وجماعات ضمن هذا الإطار المبهم.

ونؤكد في هذا المجال أن إشكالية الإسلام السياسي في فرنسا والغرب عموماً هي إشكالية مُفْتَعلة مُسْتَوردة، لا تمت إلى الواقع الإسلامي الفرنسي  بصلة، حيث لا نجد في الأدبيات والممارسة الإسلامية في الغرب حضورا لهذا التوجه أو دعوة لممارسة السياسة من منطلق ديني أو التطلع لتغيير الوضع السياسي أو التشريعات القائمة، ولا يمكن القطع بأن هذا من دأب التيارات التي صنفها الميثاق، بل إن بعضها أبعد ما يكون من أي ممارسة أو تصورات سياسية ولو في حدودها الدنيا، مما يؤكد طابع العجلة في صياغة الميثاق وعدم استناده على أسس علمية وقراءة موضوعية.

3.  مما يُلاحظ في ثنايا الميثاق ولغته، حرصٌ على تكوين تصور للإسلام يفصله عن مناحي الحياة ويقتل فيه روح التحرر والتجدد المتفاعل مع المستجدات الفكرية والواقعية، والترويج لرسالة جامدة لا تتجاوز حدود الوعظ والصلاة والقيم التي يحدد أهل الميثاق صلاحيتها للتداول والاعتماد. ونحن إذ نقر بحق أي جهة في بناء تصور للإسلام خطابا وممارسة، فإننا نرفض أن تصبح هذه الاجتهادات – التي لا تحظى بتوافق واسعٍ – أمرًا مفروضاً وسيفاً مسلطاً على الأئمة وسائر المسلمين، فضلاً عن أن يكون الميثاق أساساً لإضفاء الشرعية أو نزعها عن الجهات الممثلة للمسلمين، أو أساساً قانونيا لإدانة أي مخالف أو معارض.

4.  ينبه المجلس الأوربي للأئمة على أن بعض البنود المطروحة في المشروع الفرنسي لمقاومة الانفصالية وميثاق مبادئ الإسلام، فيها توجه إلى تقييد الحقوق المدنية التي أقرها الدستور الفرنسي ومواثيق حقوق الإنسان لكل مواطن في حرية الاعتقاد والعبادة والتعبير عن الآراء الدينية دون حجر أو تقييد ما دامت ضمن الأطر القانونية.

كما ننبه إلى مخالفتها لمبدأ العلمانية وحياد الدولة فيما يتعلق بشؤون المجموعات الدينية ومعتقداتها وممارساتها العبادية.

وأخيرا نؤكد على ما ورد في مقدمة هذه الورقة من أن احترازنا على بعض بنود الميثاق لا ينفي تأييدنا لكثير من النقاط التي وردت فيه، رغم حاجتها إلى الدقة والتركيز والاختصار. وندعو إلى ضرورة مراجعة النقاط الخلافية حتى يكون الميثاق بحق صفحة جديدة وخطوة نحو حضور إسلامي فرنسي راشد وفاعل؛ كما ندعو إلى فتح باب الاستشارة حول نص الميثاق، خصوصا بين الأئمة وقيادات الفكر المسلمين، من أجل تطويره والوصول إلى نص يمكن أن يشكل قاعدة توافق يجتمع حولها أغلب المسلمين، ولا يكون عامل تفرقة بينهم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كمال عمارة

رئيس المجلس الأوروبي للأئمة

25 يناير/كانون الثاني 2021

Posted on Leave a comment

ردا على تصريحات رئيس أساقفة اليونان (إيرونيموس)

أولا : من المُشين أن تأتي هذه التصريحات العدوانية على الإسلام ونبيه وأتباعه من رجل دين بمكانة رئيس الأساقفة الذي يُفترَض أن يدعو للسلام والوحدة بين أتباع الديانات السماوية.

ثانيا : إن هذه التصريحات غير مسؤولة ومن شأنها أن تنشر الكراهية وتقسم المجتمعات وترسخ للخوف والتحريض ضد المسلمين.

ثالثا : تعكس تصريحات رئيس الأساقفة جهلا معيبا بالإسلام وتعاليمه وتاريخه وحضارته وعطائه للإنسانية، والخدمات الجليلة التي أسداها المسلمون في المحافظة على التراث الثقافي اليوناني القديم في زمن الخليفة المأمون وغيره.

رابعا : نرفض توظيف الخلافات السياسية بين الدول للإساءة والتطاول على الإسلام والمسلمين.

خامسا : ما أحوجنا إلى خطاب يجمع ولا يفرق، يدعو إلى التكامل والتعايش والتعاون وليس التنافر والتدابر والقطيعة.

سادسا : ندعو العقلاء أن يعملوا على محاصرة ونبذ خطاب الكراهية والعمل المشترك لدعم سبل العيش الواحد داخل المجتمع اليوناني والأوروبي والعالمي .

والله يقول الحق ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم.

الشيخ طه عامر
عضو المكتب التنفيذي للمجلس الأوربي للأئمة

Posted on Leave a comment

أيّ أيامك أجمل يا محمد؟ (1)

(خواطر إيمانية في حب خير البرية)

((( 1 ))) أيام التعظيم والتكريم

أيّ أيامك أجمل يا محمد؟

أيوم خلع عليك ربك أجمل حلّة وأقشب رداء فقال فيك : (وإنك لعلى خلق عظيم)؟

 هكذا بكلّ أدوات التأكيد البيانية والمعنوية، لم يرض الخُلُق العظيم أن يتسربل بك سربالاً، أو أن يكون لك نطاقاً، لا.. فذلك لا يشفي غليله، ما أرضاه إلاّ أن تستوي فوق عرشه الكريم. كما يستوي الملك المظفّر فوق عرشه. فلا ينازعه فيه أحد.

 هكذا نكّر الخلق ليشمل كلّ خُلُق طيب عظيم كريم، لم يتردّد الوحي أن يجلسك هذا المجلس العالي إذ جاء ذلك في الأيام الأولى من بعثتك نبياً هادياً مهدياً. 

خلقك مع ربك عظيم، وخلقك مع نفسك عظيم، وخلقك مع الناس كلّهم عظيم، أنّى لي أن أتصور أنّ العظيم سبحانه أجلس محمداً عليه الصلاة والسلام على عرش الخُلُق العظيم، ميدالية أغلى من الذهب، وأطيب من المسك، لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك، هنيئاً لك وهنيئاً للإنسان بك.

أيّ أيامك أجمل يا محمد؟

أم يوم أخبرك أنه يصلّي عليك سبحانه وملائكته معه صلاةً ويسلّمون تسليماً؟ 

آالله في علياء عليائه يصلّي عليك؟! والملائكة؟ كم عددهم؟ الله أعلم بجنوده. كلّهم يصلّون عليك بصيغة الاستمرار بقاءاً ومضاءاً واطراداً لا يتخلّف.

 الصلاة دعاء، ودعاء الله قضاء. قضى عليك. بل لك بالخير كلّه، بل إنّ الكون كلّه الحياة والوجود في حركة صلاة وتسبيح إذ قال: (هو الذي يصلّي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) أي أنّ الله نفسه سبحانه وملائكته يصلّون على المؤمنين، والمؤمنون يصلون على محمد عليه الصلاة والسلام، ألا ترى أن الكون كله وهو في حالة حركة يصلي؟ ألا ما أكفر الإنسان وهو يكفر والكون كله في حالة ضراعة.

أيّ أيامك أجمل يا محمد؟

أم يوم أسري بك وعرج من مهجعك بمكة إلى القدس الشريف. ثمّ إلى أعلى نقطة في الوجود، وآخر لبنة في الكون؟

 براقٌ يخترق بك الحجب بأسرع من سرعة الضوء ليصل بك إلى سدرة المنتهى، حيث المنتهى وحيث جنة المأوى، مكانٌ أعلى في الكون لم يصل إليه جبريل (أمين الوحي) نفسه، إذ تأخر في مكان ما وتقدمت يا محمد صلى الله عليك وسلم. 

أبعد هذا التكريم تكريم؟ أبعد هذا التجليل تجليل؟ أبعد هذا التجميل تجميل؟ كلاّ.. هناك حيث يأنس العابد بالمعبود، هناك حيث يكرم الضيف ويبجل ويقدم. 

هناك حيث رأيت الذي رأيت. رأيت من آيات ربك الكبرى. ما الذي رأيت يا محمد؟ لم ما زاغ منك البصر وما طغى؟ هل رأيت ربك يا محمد؟ نور أنّى تراه كما أخبرت السائلين.

 هي رحلة التكريم، جائزة تشجيعية على سعيك صبراً وشكراً في المرحلة المكية ملؤها العذاب والتهجير والنفي والقتل والقهر والسحق والمقت. هي محطة تأهيلية لمرحلة مدنية أخرى فيها الكيد الإسرائيليّ. وفيها المكر العربيّ. وفيها الزحف الروميّ. المقاوم يحتاج إلى ساعة أُنس وجائرة تشجيع.