واجب الأمة تجاه قضية فلسطين | خطبة جمعة

الحمد لله ولي المتقين وناصر المستضعفين وقاهر الجبارين

اللَّهمَّ استُرْ عَوراتنا، وآمِنْ رَوعاتِنا، اللَّهمَّ احفَظْني من بينِ أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فَوقِنا، ونعوذ بعظمتِكَ أن نغتال مِن تحتنا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده نصر عبده وأعزّ جنده وهزم الأحزاب وحده، لا شيء قبله ولا شيء بعده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المجاهدين وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله عز وجل ف{ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} (البقرة 223)

أما بعد، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:

  أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)

هذه الآية من سورة الحج مدنية، وهي أول آية في القران والإسلام تتحدث عن الإذن بالقتال والجهاد في سبيل الله، وقد بقي المسلمون قبلها أكثر من 13 سنة يرزحون تحت الظلم والقهر والحصار والعدوان، والقران يدعوهم إلى التحمل والصبر وكف اليد، وقد كانَ المُسْلِمُونَ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِن بَيْنِ مَضْرُوبٍ ومَشْجُوجٍ يَتَظَلَّمُونَ إلَيْهِ. فَيَقُولُ لَهُمُ: اصْبِرُوا فَإنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِالقِتالِ. فَلَمّا هاجَرَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بَعْدَ بَيْعَةِ العَقَبَةِ إذْنًا لَهم بِالتَّهَيُّؤِ لِلدِّفاعِ عَنْ أنْفُسِهِمْ ولَمْ يَكُنْ قِتالٌ قَبْلَ ذَلِكَ.

إن هذا البيان القرآني الأول في الإذن بالقتال يحمل في طياته مبادئ ثلاثة من مبادئ القتال في الإسلام:

أولها: أنه رغم أن الإسلام يمنع المسلم من أن يعتدي أو يظلم، فإنه يأبى عليه أن يكون ذليلا مستسلمًا للظلم والطغيان، ويبدو ذلك جليًا في قوله تعالى وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: 75]

الثانية: أن الصراع بين الحق والباطل سنة من سنن الله في الكون، لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُۥ عَلَىٰ بَعْضٍۢ فَيَرْكُمَهُۥ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُۥ فِى جَهَنَّمَ، وإن من مستلزمات هذه السنة نقص في الأموال والأنفس والثمرات وابتلاء بالخوف والجوع، وذلك مما يتعبد به المسلم ربه ويرفع به مقامه.

الثالثة: أن النصر من عند الله تعالى فهو لا يخذل عباده المؤمنين إذا أخذوا بالأسباب وتوكلوا على رب الأرباب

على ضوء هذه المبادئ العامة يجب أن نفهم الصراع الدائر اليوم على الأراضي الفلسطينية، فقطاع غزة شريط ساحلي لا يتجاوز طوله 40 كلم يعيش فيه أكثر من مليوني فلسطيني، هجر أكثرهم من مناطقهم الفلسطينية الأصلية مناطق الـ48 ويمارس عليهم حصار فضيع منذ 16 سنة تخللته اعتداءات مروعة، دون أن يحرك أحد ساكنا، وبمجرد أن حصلت ردة فعل متوقعة قامت الدنيا ولم تقعد في حملة تحريض وتضليل لم يسبق لها مثيل.

اليوم أعلنت حرب عالمية على هذا الشعب المسكين المحاصر، حاملات طائرات أمريكية وبوارج بريطانية وطائرات المانية ومقاتلين تم نقلهم من الأراضي الأوروبية، وتنديدات عالمية باستهداف الإسرائيليين، دون أن يتحدث أحد عن حرب الإبادة وخطة التطهير العرقي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وهنا دعونا نكون واضحين، إنه لا وجه للمقارنة بين اقتحام المستوطنات وردة الفعل الإسرائيلية الهمجية، لا من حيث منطلقاتها ولا من حيث أهدافها ووسائلها ونتائجها.  

فالفلسطينيون اقتحموا حواجز وواجهوا الجنود الإسرائيليين رجلًا لرجل ووجهًا لوجه، وكل الادعاءات الصهيونية بارتكاب الفلسطينيين فضائع بحق المدنيين مجرد أكاذيب تبين زيفها، أما الحملة الإسرائيلية فتقصف المساجد والمستشفيات والبيوت الآهلة بالسكان، وتقطع الماء والدواء والكهرباء. حقيقة إنه عالم نكد، وأنظمة عالمية منافقة دنيئة، رغم ظهور بعض الأصوات المنصفة لكنها كصرخة في واد، كالتصريحات المنددة بالجرائم الإسرائيلية التي صدرت عن رئيس الحكومة الترويجية ووزيرة خارجيتها، وهم مشكورون على ذلك.

أيها الإخوة المؤمنون إن ما صدر من الجهات الرسمية الغربية وأدواتها الإعلامية، ربما يكون مفهومًا في سياق التحالف العدائي ضد حقوق الشعب الفلسطيني وازدواجية المعايير في التعامل مع قضايا الصراعات الدولية.

لكن ما يدمي القلب حقيقة ويذوب منه من كمد، هو مواقف أغلب الأنظمة العربية والإسلامية وتخاذلها في نصرة أهل غزة المستضعفين، بل إن بعضهم متواطئ في هذا العدوان الهمجي، وهذا لعمري من أبرز مظاهر الهوان الذي وصلت إليه أمتنا، تدوي منها صرخة من قال:

أمــتــي هــل لك بــيــن الأمــم 

مــنــبــر للســيــف أو للقــلم 

أتـــلقـــاك وطـــرفـــي مـــطـــرق 

خــجــلاً مـن أمـسـك المـنـصـرم 

ألإســـرائيـــل تـــعـــلو رايــة 

فـي حـمـى المـهد وظل الحرم 

كــيــف أغـضـيـت عـلى الذل ولم 

ولم تنفضي عنك غبار التهم 

أو مـا كـنت إذا البغي اعتدى 

مــــوجــــة مـــن لهـــب أو دم 

اسـمـعـي نـوح الحزانى واطربي 

وانـظـري دم اليتامى وابسمي 

ودعــي القــادة فــي أهـوائهـا 

تـتـفـانـى فـي خـسـيـس المغنم 

رب وامــعــتــصــمــاه انــطـلقـت 

مـلء أفـواه الصـبـايا اليتّم 

لامــســت أســمــاعــهـم لكـنـهـا 

لم تـلامـس نـخـوة المـعـتـصـم 

أمـــتـــي كــم صــنــم مــجــدتــه 

لم يـكـن يـحـمـل طـهـر الصـنم 

لا يــلام الذئب فــي عـدوانـه 

إن يــك الراعـي عـدو الغـنـم 

فـاحـبـسـي الشكوى فلولاك لما 

كـان فـي الحـكـم عبيد الدرهم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم

أيها المؤمنون والمؤمنات إن واجبكم اليوم كبير في نصرة الحق والوقوف إلى جانب إخوانكم المظلومين المقهورين، فلا تستصغروا أي جهد ولا تحقروا أي عمل في سبيل ذلك.

ولتبثوا الوعي ولتنشروا الحقيقة في مواجهة حملات التضليل، ولتؤكدوا على هذه الحقائق الثلاث: أولًا أن الاحتلال والمظلمة التاريخية المسلطة على الشعب الفلسطيني هي أساس كل البلايا والرزايا، ثانيًا: أنه من الظلم التسوية بين المحتل ومن احتلت أرضه والغاصب والمغتصبة حقوقه، ثالثًا، أنه لا شيء يبرر التغاضي أو التأييد عن هذه الجرائم البشعة والمذابح المروعة بحق أهلنا في غزة، وأن أي سكوت أو تأييد سيبقى وصمة عار في جبين من أتاه، لا يمحوه الدهر بأسره

ثم لا تنسوا إخوانكم بدعائكم وصدقاتكم فهم في أمس الحاجة إليكم، فرب فضل مال تنفقه، تنقذ به حياة أو تداوي به جراحًا أو تكفكف به دمعة طفل يتيم

الدعاء   

المقالات المنشورة بالموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس الأوروبي للأئمة