الجمال بين الباطن والصورة

الشيخ طه عامر

الشيخ طه عامر

العالم مفتون بالقوة والجمال غير ملتفت إلى ما وراء الهيئة والمظهر، وتلك طامة تعمي عن رؤية الحقائق.

وهؤلاء فريق من الناس هذا وصفهم:  

 وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (4) سورة المنافقون  

بينما العناية بالباطن هو الذي يجب أن نتوجه له ونحتفل به.

عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم))

 رواه مسلم

روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:

 إنَّه لَيَأْتي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَومَ القِيامَةِ، لا يَزِنُ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَؤُوا {فَلا نُقِيمُ لهمْ يَومَ القِيامَةِ وزْناً.

إنَّ المبالغة في تجميل الظاهر لهو دليل على نقص داخلي، ولسنا في حاجة إلى التأكيد على عناية الإسلام بالجمال والتأنق في الجسد والملبس والمسكن والمركب، والنصوص في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مستفيضة في هذا الباب، ويلفت القرآن أنظارنا إلى هذه الحقيقة حينما يتحدث عن الدنيا:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) سورة آل عمران

الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) سورة الكهف

لكن تأملوا الآيات جيداً سنجد أن الله تعالى يوقظ عباده من غفلة الافتتان بالزينة الفانية عن المتاع الباقي والنعيم المقيم.

  من الواضح أن الاعوجاج والانتكاسات الأخلاقية التي يصاب بها بعض الناس تتكرر عبر العصور، وكأننا نرى مشاهد الاستعلاء والكبر التي وردت في قصة قارون تتكرر مرات ومرات، فها هو قارون يخرج على قومه في خيلاء وبطر مقيت، وقد أجلب عليهم بخيله ورجله حتى فتن طائفة منهم ممن غرتهم الحياة الدنيا فقالوا ليت لنا ما لقارون من نعيم.

غير أن أهل البصيرة الذين يميزون بين الذهب والخزف صاحوا محذرين من الهزيمة النفسية.

 وانظر إلى تصوير القرآن الكريم لهذا المشهد:

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)

 وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80)

فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81)

وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)

  هذه الهزة النفسية الشديدة التي لحقت بمن يريد الحياة الدينا جرَّاء إرهاب زينة قارون يصاب بها بعض شبابنا الوافدين على الغرب أول قدومهم، فإمَّا أن ينبهروا ويحسبون أن التطور المادي قرين مجافاة الدين مقارنة مع الأحوال الاقتصادية والعلمية في العالم الإسلام، فتكون عاقبة أمرهم خسراً. أو يتداركهم الله برحمته ويقيض لهم الذين أوتوا العلم.

وعلى الدعاة والمؤسسات الإسلامية في الغرب أن يستوعبوا الوافدين الجدد والأجيال الجديدة، ويحفظوا عليهم دينهم وهويتهم.

  إنَّ كثيراً من الناس يغرهم ظاهر الحياة الدنيا، يحسبون الرزق في مالٍ وفيرٍ، أو بيتٍ وسيعٍ أو زوجةٍ حسناءَ، أو منصبٍ رفيعٍ، أو جاهٍ عريضٍ، ويغفلون عن عطاء الروح والقلب، لا يُقدرون معنى الرضا بما قسم الله ورزق ووهب.

 لطالما سمعنا من كبار الأغنياء أنهم يودون أن يناموا مليء جفونهم كما ينام رجل بسيط، أو يأكلوا طعاماً هو طعام الفقراء غير أنهم حُرموا منه. ذلك العطاء الخفي المتعدد أخبرنا عن جانب منه رسول الله ﷺ: قال: “..وما أعطى أحد عطاء أوسع من الصبر ” صحيح النسائي

قد يظن القارئ أننا نفضل الفقر على الغنى والمرض على الصحة، كلا، ولكن حينما يحترق المسلم في أتون الدنيا ويتلظى بلهيبها، فحينئذ يجب أن نطفئ نارها بجرعة من اليقظة والبصر بحقيقتها.

وها هم قوم قارون يستشعرون لطف الله تعالى وحكمته في المنع والعطاء، ويعلمون أن وفرة المال ليست علامة الرضا والقبول، وأن رقة الحال ليست دلالة الغضب والعقاب.

ولكن الإنسان يغفل عن حقائق الوحي:أَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)

بقلم الشيخ: طه عامر.

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) سورة الفجر.

 إنَّ التكريم الوافر والمنزل السامي والحظوة الكاملة والمكان الرفيع، سيكون بالآخرة، فرب صعلوك في الدنيا ملك يوم القيامة، ورب ملك جبار عنيد في الدنيا لا يزن في الآخرة جناح بعوضة. هذا الحقيقة القرآنية من شأنها أن ترسخ في نفس المؤمن العزة والكرامة، وألا يستطيل بنعم الله تعالى على خلقه، وأن يرعاها حق رعايتها.