قضية انتزاع الأطفال من عائلاتهم في السويد: المشكلة والحلول

إدارة الإعلام

إدارة الإعلام

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله،  وبعد:

هذا تعليق وكلمة لابد منها بمناسبة الضجة الإعلامية الحالية حول انتزاع الأطفال من عوائلهم المسلمة في السويد كنموذج أوربي.

تعاطف:

ابتداء من الواجب الطبيعي والأخوي أن نتعاطف نفسيا ومعنويا مع كل أب وأم تم سحب أطفالهم منهم وحرموا من حضانتهم، لأن ذلك يمثل صدمة كبيرة على القلوب نشعر بآثارها النفسية ونعي مدى صعوبة ذلك لأننا مثلهم لدينا أطفال كذلك، ونتمنى أن لا نقع ولا يقع أي أحد في هذه الصدمة لا قدر الله، كما ندعو لكل عائلة وقعت في مثل ذلك بأن تكون العاقبة سليمة ويعود لها أطفالها في أقرب وقت إن شاء الله!

الهدف هو الوعي: 

بعيدا عن الفيديوهات والمنشورات العاطفية المثيرة التي انتشرت بشكل واسع في الآونة الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها حول حرمان بعض العوائل المسلمة في السويد من حضانة أطفالهم، ذلك التصعيد الإعلامي الذي يؤجج الغضب وينشر الخوف في السويد وخارجها، تلك الفيديوهات يصعب الخروج بحكم جازم عليها للمتابع البعيد، فقد تكون بعضها صحيحة ولكن القصة التي تشير إليها غير كاملة ويغيب عنا تفاصيلها وسياقه، وبعضها قد تكون فيها مبالغات وتهويل لاستدرار عواطف الآخرين.

وبعيدا أيضا عن التهم الخطيرة غير الصحيحة والمصطلحات المستفزة جدا مثل إطلاق مصطلح “المافيا” على مؤسسة الخدمات الاجتماعية في السويد “السوسيال”، ووصف ما يحدث بأنه ” اختطاف – واسترقاق – واستعباد – وسبي وتنصير لأطفال المسلمين” !! وتشبيه ذلك بمحاكم التفتيش في أسبانيا وبما يحدث من عداء واضطهاد للمسلمين في الصين وغيرها!!!

بعيدا عن ذلك كله الذي يقع حوله الخلاف فقد يصنفه البعض أنه صورة من الحقيقة والواقع، ويصنفه البعض الآخر على أنه تهويل وتشويه لصورة المجتمعات الجديدة التي استقبلت المهاجرين ووقفت معهم في أزمتهم، فإن الحقيقة التي ينبغي أن تعرف هي:

أن سحب الأطفال من حضانة والديهم هي قضية طويلة ومعقدة جدا، وهي في جوهرها قانونية وتربوية عميقة، أي أن ذلك يحدث بناء على قانون رسمي في الدولة السويدية وهي مثال فقط لدول أوربا، والتي بينها تشابه كبير في هذا النظام إلا أن الفرق بينها هو من حيث التشدد أو التساهل في هذا الجانب، وتعد النرويج مثلا من أقرب الدول التي تماثلها في مثل هذا التشدد مع قضايا الأطفال والأسرة عموما.

أقول نعم قد يختلف هذا أو ذاك مع هذا القانون من أساسه أو في بعض جزئياته، لكنه يبقى قانونا يخص هذه البلدان ويسري على كل من ارتضى العيش معهم والإقامة في بلدهم بطبيعة كل قوانين الدولة الحديثة في عصرنا اليوم، وهذه القوانين تأسست بناء على دراسات واقعية وبحوث متخصصة، وبعد بذل الجهود الكبيرة في ذلك صدرت قرارات رسمية بها.

لست هنا بصدد تناول الموضوع من جهة قانونية تخصصية بحتة فلست متخصصا ولا أهلا لذلك، وإنما الهدف هو المساهمة في نشر الوعي والتثقيف للعوائل المسلمة في النرويج وغيرها من دول أوربا، وذلك بحسب ما أملك من تجربة ومعلومات في هذا الملف المعقد والحساس جدا، وأرى أن هذا من واجبي خاصة أن لدي اهتمام وانشغال بملف الأسرة، وسوف أحاول التركيز على النقاط التالية المتعلقة بهذا الجانب وهي على سبيل المثال لا الحصر:

– أن قوانين رعاية الطفل والمنظمات التي تعمل على تطبيقه مثل “السوسيال” في السويد “والبارنفان” في النرويج، ينبغي معرفة أنه لم يتم صياغتها وإنشاؤها مؤخرا مع دخول المسلمين إلى السويد والنرويج وأروبا عموما، وليست مفصلة على العوائل المسلمة أو أنهم هم المقصودون بها بحال، بل هي في أصلها قديمة قبل مجيئ الكثير من المسلمين بل اغلبهم  وبعضها موجودة بشكل أو آخر من قبل نصف قرن بل أكثر من ذلك، يعني المقصود بها ابتداء هم أهل البلد من المواطنين الأصليين، والهدف منها هو الحماية والرعاية للطفل والنظر في مصلحته العليا، خاصة أن الطفل هو العنصر الأول في دائرة الاهتمامات وله الأولوية في نظام الدولة، بل ترى أبعد من ذلك وهو أن الطفل ملكها ويجب عليها حمايته!

– أن هذه القوانين يتم تطبيقها على كل المواطنين سواء أصليين أو غير أصليين، وهناك أعداد كبيرة من أسر غير المسلمين انتزع منهم أطفالهم بناء على هذا القانون!!

– نعم هناك ملاحظات كثيرة وانتقادات واسعة على عمل هذه المؤسسات، وهناك خروقات وتجاوزات في التطبيق خاصة، وقد تكون بعضها بدافع عنصري من أحد الموظفين، ولكن إن ثبت ذلك فسوف يحاكم وقد تم فعلا محاكمة بعضهم في السويد النرويج ومعاقبتهم، بل وهناك بعض القضايا وصلت إلى محاكم أوربية خارج البلدين وتم الحكم فيها لصالح الوالدين!

– هناك لجان تحقيق رقابية ومحاكم قضائية هي من تقرر في كل حالة سواء بفصل الطفل عن أسرته أو لا؟ وليس الأمر موكلا بشخص بعينه.

– وأود التأكيد أننا لسنا هنا في مقام الدفاع عن هذه المنظمات المتخصصة في حماية الطفل، ولا مقام سرد حالات معينة والوقوف مع أو ضد!

النرويج نموذجا:

وبحكم الإقامة في النرويج ومن خلال متابعتي الشخصية واطلاعي وقربي من بعض الحالات، إضافة إلى تواصلي مع بعض المهتمين والمطلعين على هذا الملف،  فقد خرجت بهذه النتيجة وهي : أن قرار حرمان العوائل من حضانة أطفالهم قد يشوبه أحيانا بعض التسرع في البلاغ عن حالة القلق على الطفل، والبلاغ يتم عادة من قبل الجهات التي يتواجد فيها الطفل مثل الروضة أو المدرسة، أو له ارتباط معين بها مثل الطبيب الخاص والجيران وغيرهم، وقد يطلب الطفل نفسه مساعدة المؤسسة، وقد لوحظ أحيانا التفسيرات المبالغ فيها وسوء الظنون الخاطئة، وتأثير لأحكام مسبقة عن المهاجرين مثل أن العنف من عادتهم وثقافتهم، ولكن هذه الجهات التي تبلغ عادة تتعذر بأن القانون يوجب عليها ذلك وتخاف جدا أن تقع تحت طائلة المسؤولية القانونية إذا حدث ضرر على الطفل، ويتعذرون أيضا بأن واجبنا القانوني هو رفع البلاغ فقط، وليس علينا البحث عن الحقيقة وتلك هي مسؤولية مؤسسة حماية الطفل، أيضا لوحظ من جانب آخر بعض التسرع في قرار انتزاع الأطفال من ذويهم من قبل منظمة رعاية الأطفال في النرويج “بارنفان”،  لكن القانون مرة أخرى هنا يعطي الحق للمنظمة على أساس  أن أي بلاغ من أي جهة لها علاقة بالطفل عن قلق على وضعه النفسي أو البدني فهو يؤخذ على محمل الجد حتى يثبت خلافه، خاصة إن كان الأمر يتعلق بحالة عنف تعرض لها الطفل، والمنظمة تسعى لاكتشاف الحقيقة عن طريق أطراف عدة وأهمها أسرة الطفل سواء الأب والأم أو الإخوة، من خلال اللقاء بهم والنقاش معهم حول ذلك.

وأيضا من جهة أخرى فإن الحقيقة المؤسفة أن الملاحظ حدوث الأخطاء من الوالدين في رعاية أطفالهم في هذه الحالات التي اطلعت عليها على الأقل، ولذلك فيمكن لنا أن نقول أن الأسرة هي من تفتح الباب لمنظمات رعاية الطفل بسبب تلك الأخطاء، إضافة أننا لاحظنا جهلا كبيرا بقوانين البلاد وخاصة في هذا الشأن، وهناك أيضا مبالغات كبيرة من قبل الوالدين لكسب التعاطف وكمحاولة للدفاع عن النفس والتهرب من التهم بحجة العنصرية وغيرها!

ومن الإنصاف في حق مؤسسة حماية الطفل ملاحظة أنها تهتم بتقدير أولياء أمور الأطفال، وتبدي نية المساعدة لهم لما فيه مصلحة الطفل، وترسل رسائل تطمين مختلفة في هذا الجانب، ولذلك فإن تفهم الوالدين لعمل المؤسسة والوعي بالقانون والتفاعل مع القضية والإجراءات المتبعة، والتعامل بشكل حكيم ومتعقل وسعة صدر كل تلك العوامل لها دور كبير في حل المشكلة وإغلاقها في أقرب وقت، وأي تعامل بعكس ذلك من حمق وتهور وتعنت فإنه يعقد المشكلة أكثر ويطيل القضية ويؤخر الحل.

ولمزيد من التوضيح لمسألة فصل الأطفال عن ذويهم فإن الحالة ليست واحدة ولا متساوية، ومؤسسة حماية الأطفال في النرويج “بارنفان” لا تقوم بانتزاع الأطفال مباشرة في كل حالة بلاغ قلق وصل إليها، وإنما يمكن تقسيم الحالات إجمالا بناء على تقدير الخطر والضرر النفسي والصحي والبدني على الطفل في كل حالة على حدة وهذا حسب اطلاعي واطلاع آخرين كما يلي:

– حالات ترى المؤسسة أنها لا تستحق قرار انتزاع الأطفال أصلا وإنما تستحق فتح ملف للتحقيق وللنقاش حول بلاغ القلق للتأكد من حقيقة وضع الطفل وغالبا تغلق القضية في وقت قصير بعد الاتفاق على إجراءات معينة لمصلحة الطفل وحسب القانون.

– حالات فيها شيء من التعقيد وخاصة التهمة بموضوع “العنف الأسري “وترى المؤسسة أنها تستحق سحب الطفل بمجرد وصول البلاغ إلى المؤسسة حماية للطفل من الأذى بقرار عاجل، ثم يتم التواصل مع الوالدين بعد ذلك والتحقيق في القضية، وقد يعاد الطفل في وقت قصير خلال ثلاثة شهور مثلا أو أكثر حسب كل حالة.

– حالات يشتد فيها التعقيد جدا مثل حالة العنف الواضح، وقد تطول مدة انتزاع الاطفال، وترفع القضية إلى المحكمة وتستمر لسنوات وأحيانا إلى بعد بلوغ الطفل سن 18 عام.

– وفي كل الحالات للأسرة ممثلة بالوالدين حقوق منها على سبيل المثال حق النقاش مع مؤسسة رعاية الطفل والتوضيح لملابسات القضية، وحق تعيين محامي والتقاضي، وحق التواصل مع الاطفال واللقاء معهم أثناء فترة مكوثهم تحت رعاية المؤسسة، وحق مراعاة الثقافة الخاصة بهم وأن تكون الأسرة الحاضنة البديلة من نفس الثقافة والدين، وحق التأهيل والتدريب وغيرها من الحقوق.

– وفي الحقيقة فإن الملاحظ أن من أهم العوامل التي تساعد في حل المشكلة وإغلاق الملف واستعادة الأهل لأطفالهم في أقرب وقت هي: مقدار التفاهم والثقة بين مؤسسة رعاية الأطفال والأسرة وكذلك مقدار الوعي لدى الأهل وإلمامهم بالقانون وأسلوب التعامل معه.

تحذير لابد منه:

هناك خطر كبير يجب التحذير منه وهو تحويل النقد لمؤسسات حماية الطفل في السويد والنرويج وأروبا عموما إلى نقد على أساس  ديني أو عنصري، أي أن يتم تفسير حالات سحب الأطفال أنه  بسبب الدين والجنسية، وأن المقصود هو تغيير ديانة  أطفال المسلمين بتنصيرهم والقضاء على ثقافتهم الخاصة، أو تفسير ذلك بدافع العنصرية والتقصد للمهاجرين، وهذا خطر جدا، وأخشى ما نخشى أن تضيع القضية الحقيقية الجوهرية في خضم حمى الصراع والتصعيد والاستقطاب، وقد يتم استغلال الأمر من قبل المتطرفين سواء من جهة اليمين العنصري والذي يفرح بمثل ذلك وينتظره، ولا يستبعد وجود موظفين عنصريين في مؤسسة حماية الطفل هدفهم إشعال الفتنة بافتعال ممارسات مستفزة مع بعض العوائل المسلمة، فضلا عن منصات الإعلام الخاصة بناشري الكراهية والحقد، كذلك من جهة أخرى قد يستغل هذه الأحداث بعض التيارات الإسلامية المتطرفة التي تحمل أفكار العنف، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على المجتمع ككل، فالحذر الحذر!!.

لذلك لابد من التعقل والحكمة في التعامل مع الحدث وخاصة من قبل المؤسسات والمراكز الإسلامية في أوربا، ورأس الحكمة هنا تركيز النقد وتوجيهه إلى القانون ذاته إن كان فيه أخطاء، واتخاذ تدابير ووسائل صحيحة وحضارية مثل التواصل مع الجهات المدنية والرسمية المعنية، والدعوة  لإعادة دراسة القانون وتصحيح وتعديل ما يمكن وإن كان ذلك ليس بالسهل، ويبقى أسهل وأهم خطوة هو نقد سوء التطبيق له في الواقع، وعدم الصمت أمام أي ممارسة ظالمة من قبل موظفي مؤسسة حماية الأطفال، والدعوة لمحاكمة ومعاقبة أي موظف تثبت عليه الإدانة وتحقيق العدالة فيه!!

رسالة قلق ورجاء للأسرة المسلمة:

صراحة ومن خلال اهتمامي وانشغالي بقضايا الأسرة المسلمة في النرويج، وتجربتي ومتابعتي لمشاكلها ومنها كما ذكرت سابقا متابعة بعض حالات انتزاع الأطفال من ذويهم،  فإنني وبكل أسف ينتابني قلق كبير جدا ليس بسبب قوانين رعاية الطفل وسوء تطبيقها والتي لا ندافع عنها ولا نبرأ ساحتها كما أشرت سابقا، ولكن قلقي العميق بسبب عدم الوعي والجهل المريع في بيئة الأسر المسلمة بمنهج وأساليب التعامل مع الأطفال، للأسف الشديد الآباء والأمهات لا يهتمون بالتعلم والدراسة لمنهج التربية في الإسلام ولا مناهج التربية الحديثة، إضافة إلى عدم الوعي والثقافة بقوانين مؤسسة الأسرة ورعاية الطفل الرسمية في البلد، وأعتبر ذلك هو السبب الرئيسي والأكبر لما يحدث من مشاكل حرمان الأسر من حضانة أطفالهم.

رجائي بصدق وإخلاص من كل أب وأم إذا كانوا حقا يحبون فلذات أكبادهم ويخافون عليهم ويريدون المحافظة عليهم، أن يهتموا برعاية أطفالهم من كل الجوانب سواء النفسية أو الصحية أو التعليمية وبشكل أفضل وبطرق حديثة أنسب، وليحذروا أي نوع من أنواع الإهمال، وليعلموا أن القانون يعطيهم الحق في الحرية في تنشئة أطفالهم على الإسلام ومبادئه ، ولكن مع هذا لابد أن تكون الطرق والوسائل التي يسلكونها بعيدة عن أي شكل من أشكال الضغط والعنف والإكراه، والتربية للأطفال في الإسلام قائمة على الترغيب والحب والحوار والإقناع والرفق والحكمة، وكل ذلك ما كان في التربية إلا زان ونجح وأصلح بعد توفيق الله وعونه،  ويضعوا نصب أعينهم التوجيهات النبوية في التربية والتعليم في أهمية اللطف والرفق ويستلهموا منها منهجهم مع أطفالهم ويستنيروا بها في طريقهم التربوي المعقد والصعب وليس هذا مقام سردها وشرحها ولكن من باب التذكير فقط  على سبيل المثال أشير إلى هذه الأحاديث الرائعة في هذا الجانب والتي وردت صحيحة من كلام المربي الحبيب رسولنا العظيم الحكيم عليه الصلاة والسلام:

– “إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»

– “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”

– «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه».

– «من يحرم الرفق يحرم الخير»

– “إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق”

– “إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق”

والأمل منهم أن يتعلموا أكثر ويتدربوا ويطوروا من أنفسهم في هذا الجانب، وأن يدعو الكسل واللامبالاة والاستمرار على التقليد لبيئاتهم التي جاؤوا منها، وأن يلتحقوا سريعا بالدورات والأنشطة التي تقيمها المنظمات والمؤسسات التربوية المتخصصة سواء الخاصة أو الرسمية لتأهيل وتدريب الأسرة.

دعوة للمؤسسات الإسلامية:

 أدعو المؤسسات الإسلامية إلى الاهتمام أكثر بالدورات والأنشطة في مجال الأسرة، وإطلاق برامج التأهيل والتدريب في هذا المضمار، من باب القيام بالواجب والمسؤولية نحو المسلمين، وأنا هنا لا أنفي عدم وجود ذلك ولكن أدعو إلى تكثيف وتركيز العمل في هذا المجال الحساس والمعقد جدا.

إضافة إلى الدعوة للنقاش حول القانون وتطبيقاته مع الجهات المدنية والرسمية وتكوين لجان قانونية لدراسة مدى إمكانية تعديله بالطرق والأدوات المتاحة الحضارية والقانونية، إضافة للسعي لمعرفة نسبة الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة من موظفي الرعاية الاجتماعية أثناء تطبيق القانون، وكذلك مدى أهلية الأسر البديلة التي تسلم لهم الأطفال لحضانتهم ومدى تلائمها مع خصوصيات الطفل وثقافته التي نشأ عليها، ونجاح ذلك مرهون بمدى التواصل مع الأسر التي انتزع منها أطفالها، وعرض قضاياها على محامين متخصصين والتثبت من جوانب المخالفة والخرق للقانون، وقد علمت من خلال تواصلي مع بعض الجهات في السويد أن مثل ذلك يجري حاليا هناك وذلك عن طريق استبيان يرسل لكل أسرة حرمت من أطفالها، وهذه مبادرة وخطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن الاستفادة من هذه التجربة في بلدان أوربية أخرى تكثر فيها مثل هذه القضايا.

ملاحظة أخيرة جديرة بالذكر: وهي أن مثل هذه المشاكل والتحديات تكثر مع كل موجة لجوء وهجرة جديدة،  فمثلا بعد أحداث الربيع العربي وخروج أعداد كبيرة من بلدانهم بسبب تدهور الأوضاع، وأكثرها من إخواننا السوريين ولذلك نرى كثرة حالات سحب الأطفال منهم، ولأنهم جدد على بيئة غريبة عليهم ولم يأخذوا وقتا كافيا للتأقلم وقسطا مناسبا من التوعية بثقافة المجتمع الجديد وقوانينه، ولذلك صدموا بمثل هذه الأمور، وهكذا من سبقهم من المهاجرين القدامى مروا بمثل ذلك، ثم فهموا ثقافة المجتمع الجديد وتعاملوا معها بشكل أفضل مع مرور الوقت وبدأت تقل مشاكلهم نوعا ما، ويبقى المهاجرون الجدد بحاجة دائما من المجتمع الجديد الذي استقبلهم إلى مزيد من المساعدة والدعم والتوجيه، ليس فقط في الجانب المعيشي وفرص العمل وهو مهم جدا، ولكن أيضا في ما لا يقل عن ذلك أهمية مثل التوعية بطبيعة وثقافة وقوانين البيئة الجديدة، وتأهيلهم مرحليا للاندماج في المجتمع والصبر عليهم، وفهم ثقافة بيئتهم التي جاؤو منها، والقرب منهم وبناء الثقة بينهم وبين وطن المهجر، وإشعارهم بالعدالة والمساواة وعدم التمييز والعنصرية والانتقائية، وسماع أصواتهم والإنصات لمعاناتهم،  وإرسال رسائل التطمين والإيجابية لنفوسهم المكلومة وقلوبهم المجروحة، خاصة أولئك الذين عانوا نفسيا في بلدانهم الأصلية من ويلات الحروب والتشرد والقهر!!

وعلى كل حال يظهر أن الجدل والخلاف الحالي حول هذه الإجراءات القانونية في السويد، وغيرها مثل النرويج سوف تستمر لفترة ولن تتوقف في وقت قريب، وسوف يستمر البعض في تصوير مؤسسة رعاية الطفل بأنها بعبع وينشر الخوف منها بين أوساط الناس، معتقدا أنها تفصل الأطفال عن ذويهم بدون سبب أو لمجرد سبب غير وجيه لا يستحق، وأن كل قراراتها تقوم على تفسيرات خاطئة، والبعض الآخر سوف يبقى على قناعته أن المؤسسة على حق دائما في كل قرارتها وإن الأسر هي مخطئة على كل حال، وكلا النظرتين فيهما مبالغة وتهويل وعدم إنصاف ولذلك ندعو إلى تكثيف الوعي والبحث عن الحقيقة والتجرد لها والحوار حولها بشكل حضاري بعيدا عن التهم والتخوينات، والتوافق على وسائل مناسبة ومؤثرة في إيصال صوت العوائل التي تعاني وتشتكي من قرارت مثل هذه المؤسسات المختصة بحماية الطفل في أوربا.

ومن المهم جدا في الأخير أن نؤكد على قضية التفكير الجيد والتشاور قبل التحرك، وعدم الانجرار وراء العواطف، أو الاستعجال في أي فعل أو ردة لآخر، والواجب الدراسة الدقيقة لمآلات الأفعال ورداتها وآثارها على التواجد الإسلامي في أي بلد وفي أوربا والغرب عامة!

فكم من ردة فعل غير مناسبة أنتجت مفسدة كبرى؟!

وكم من تصعيد أعقب ندما؟!

وكم من تهور وحماس أورث خسارة وفشلا؟!

وكم من تجييش وإثارة للعواطف خرج عن إطار الضبط وصار إلى فوضى لا تحمد عقباها ؟!

ولا زلت أذكر أن بعض الإخوة في الدنمارك تمنوا أنهم لم يصعدوا الأمور إلى تلك الدرجة أثناء أزمة الرسوم المسيئة في عام 2005 م وندموا على ذلك أشد الندم عندما اكتشفوا مفاسد وسلبيات ذلك لاحقا.

ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة

والحكمة مطلب ملح في مثل هذه القضايا الكبيرة والمعقدة والشائكة” ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”.

والله أسأل أن يحفظ أولادنا وجميع أولاد المسلمين في كل مكان من كل سوء ومكروه، وأن يوفق كل أسرة مسلمة لما فيه خيرها وصلاحها.

بقلم: علي فتيني

النرويج 2022/2/8م


 [91]