تحت شعار «معرفة متجدّدة وحضور فاعل»؛ شهدت مدينة إسطنبول الملتقى الأوروبي الثاني للأئمة والدعاة في الفترة من 18 / 20 نوفمبر 2022 الموافق 25 / 27 ربيع الثاني 1444، بحضور 90 من الأئمة والدعاة والواعظات من كافة الدول الأوروبية وسط أجواء علمية وروحية وتواصلية.
وقد شارك في الملتقى أصحاب الفضيلة / أ. د. عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمستشار العلمي للمجلس الأوروبي للأئمة، وقد قدم فضيلته محاضرة بعنوان: (مدخل إلى السنة النبوية / منهجية التعامل / التحديات والشبهات).
وأشار فضيلته إلى أن: “السيرة النبوية في مجموعها، النموذج المتجسد لهداية القرآن الكريم، ويجب أن ننظر ونتأمل في السنة النبوية من خلال السيرة من مرحلة الدعوة إلى مرحلة التمكين.”
وتناول فضيلته مسألة عدالة الصحابة ومكانتها في فهم السنة، قائلا: “الناس يخلطون بين العدالة والعصمة، لا أحد معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحابة في محل الثقة في روايتنا، فهم عُدُول معدّلون بتعديل الله والرسول لهم ولا يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا.”
كما شارك أ. د . عبد المجيد النجار – المفكر الإسلامي الكبير- بإلقاء محاضرة تحت عنوان: الأصل والعصر بين تحديات الواقع والاستجابة الفاعلة (أنماط الفقه).
أشار فضيلة الدكتور النجار أن “كل من يريد أن يخاطب قوما وأن يقنعهم بما يريد أن يقتنعوا به، الشرط الأول لذلك أن يعلم علما عميقا بواقع هؤلاء القوم، فإنك لن تقنع شخصاً إلا إذا عرفت عقله وواقعه ومشاكله. وأن الواقع الذي يواجهه الإمام الأوروبي هو واقع معقد شديد التعقيد…”.
وعن واقع الأئمة في أوروبا قال فضيلته: “رأيت دروسا وندوات وتكوينات مختلفة وكثيرة في علم الدعوة، ولكن لم أر تدريبات وندوات في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي والفلسفة، فلماذا؟” .. “لابد أن يكون الإمام على دراية عميقة بالعلوم التي تكشف له عن واقع المجتمع والدولة التي يعيش فيها.”
وأكد أن: “العلم بفقه الأحكام المجردة لا يكفي وحده، ولا بد أن يكون للإمام حظ لا بأس به من فقه التنزيل، أي يعرف كيف ينزل العلم الذي برأسه على واقع الحياة. وإذا لم يكن له حظ في هذا الفقه، سيجد نفسه في حرج شديد ومشاكل كبيرة.”
وقدم د. وصفي عاشور أبو زيد -أستاذ مقاصد الشريعة- محاضرة بعنوان: “فقه المقاصد وأثره في ترشيد العمل الدعوي”.
وقال الدكتور وصفي عاشور أبو زيد في كلمته مخاطبًا الأئمة: “قد أقامكم الله في مقامٍ كريم، وهي مهمة استمرار الهدي السماوي، وعلينا أن نقدرها، ومن تقديرها أن نقوم بمقتضياتها، وأول مقتضيات هذه المهمة هو تحصيل العلم.”
وذكر فضيلته: أن المقاصد في الشريعة هي فقه الفقه، وهي الفقه الذي يدخل على النفوس السوية بغير استئذان، فالمقاصد بنت الشريعة أي مأخوذة من الشريعة، فهي مُستقاة من الوحي، والشريعة لا يُمكن أن تُفهم إلا في ضوء مقاصدها. وأن البصيرة هي الروح وهي الغايات وتقتضي أن نكون على بصيرة من الوحي الشريف ومن الواقع الذي نعيش فيه، وإن وُجد الداعية في بيئة ما ولم يعرف ما في هذه البيئة، فلن يستطيع أن يبلغ الرسالة أو يبين للناس، وسيقع منه الفساد والإفساد.
ثمّ أردف قائلاً؛ أنّ التدرج في تطبيق الشريعة هو فرع التدرج في التنزيل للوحي السماوي، وكل هذا فرع التدرج عن الخلق في الأساس، فالإسلام لا يُطبق مرة واحدة حتى في بلاد المسلمين، وأنّه قد ثبت عن كثير من العلماء التراجع عن فتاوى كثيرة، بسبب أنها لم تنزل على مناطها الصحيح، أو لم تحقق مقصدها وأدت إلى مفاسد في المجتمعات، والفتوى تحتاج إلى عيون كثيرة في العلوم الإنسانية وليست الشرعية فقط.
وقد حرص المجلس الأوروبي على لقاء أئمة ودعاة أوروبا برموز الدعاة والمربين في العالم الإسلامي، فقدم الداعية المربي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي محاضرة بعنوان: “مدارج الترقي الروحي وسؤال: أين الخلل؟”.
وذكر الدكتور النابلسي في كلمته أن “الحقيقة المرة خير من الوهم المريح؛ المسلمون يتنافسون ويتقاتلون وبينهم ٩٥ ٪ من القواسم المشتركة، والغربيون يتعاونون وبينهم ٥ ٪ من القواسم المشتركة.
وقال أيضا أن: “الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف، وهناك دعوة هي فرض كفاية إذا قام بها البعض في التفرغ والتعمق والتبحّر في البحث والعلم. وأن من خصائص الدعوة إلى الله، الاتباع لمنهج الله من الكتاب والسنة، لا الابتداع. “
وقال فضيلته موجهًا خطابه للأئمة والدعاة: “ا لقدوة قبل الدعوة، لا تتوهم أن أحدًا يصغي إليك إلا إذا كان يراك تفعل ما تقول، وهذه الحقيقة يحتاجها المعلم في المدرسة والموظف في العمل والداعية في المسجد، ولنعلم أن كل أخطاء أبنائنا شئنا أم أبينا هي أخطاء الآباء في البيت والمعلم في المدرسة. وأن الاستقامة وحدها دعوة.”
وقد استضاف ملتقى أئمة ودعاة أوروبا هذا العام فضيلة الداعية المربي الدكتور عمر عبد الكافي، الذي قام بتقديم محاضرة بعنوان: “مدارج الترقي الروحي في الواقع المعاصر.”.
وقال فضيلته ناصحًا أئمة ودعاة أوروبا؛ أن “هناك من يسمع إليك بهواه، فإذا وافق كلامك هواه يمدحك، لكن إذا اصطدمت الفتوى مع هواه يتهمك بشتى الاتهامات… لذا يجب أن نصلح قلوب الذين سيستقبلون الكلام أولًا، كحرث التربة اولًا، وهناك من إذا أعطيناه علما قبل محاولة إصلاح قلبه، يتعالى به على الناس.
وقال فضيلته أنّ وباء الجهل أكبر وباء يواجه الأئمة والدعاة، فالنفوس الإنسانية بصمات والقلوب أيضًا بصمات… وأنّ العالم بقدر الله والإمام والفقيه والداعية هو غرض للسهام، فيجب أن يكون ذلك دافعًا يقوي من إيمانه، ويعلم الناس القرآن وسنة رسوله، فالناس تركز عليه في كل حركة وسكنة، والمهم أن يلاحظ أن الله هو الذي يراه، وعليه أن يتعامل مع الناس كأن لا أحد يراه، وأن يكون صادقًا ومعتصمًا بالقرآن والسنة قدر استطاعته.
كما شارك فضيلة الدكتور فارس العزاوي -مدير وحدة البحوث بمركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة- بمحاضرة عن بُعد بعنوان: “مدخل إلى القرآن الكريم / محددات الهدى المنهجي ومعالم التدبر”.
كما شارك في الملتقى فضيلة الأستاذ عبد الله بن منصور (رئيس مجلس مسلمي أوروبا)، والذي بإلقاء كلمة حول جهود العلماء والأئمة في أوروبا. وفي كلمته المؤثرة قال: “نعتقد أن الإمام هو محطّة الإشعال، وهو مرجعية المسلمين، وهو في مدينته أو قريته هو قبلة الجالية، وهو أسوتهم وقدوتهم ومرشدهم، ولذلك الاهتمام بالأئمة هو اهتمام بالوجود الإسلامي، وعندما تأسس في أوروبا تجمّع الأئمة من سنوات عديدة، وبدأوا في جمع الأئمة، رأينا أنه لا بد من إعطاء نفسٍ جديد لهذه الرسالة النبيلة وتأسيس “المجلس الأوروبي للأئمة”، وأن يأتي علماؤنا لترشيد وتأهيل علمائنا، فهذا من علامات الخيرية في هذه الأمّة”.
كما شارك فضيلة المفكر الإسلامي الدكتور خالص أي دمير (ممثلا لرئاسة الشؤون الدينية التركية)، وقام بإلقاء كلمة تزكية للمجلس الأوروبي للأئمة وللملتقى الثانية للأئمة والدعاة بأوروبا.
وقال فضيلة الدكتور آي دمير في كلمته: “يتعلم الشباب في عصرنا الحديث حول نقاط الضعف عن السنة النبوية، وهذا يقلل من مصداقيتها، وهناك وحي بين شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ويأتون بنقاط الضعف، وهنا يتساءل الشباب لماذا لم يذكرها لنا أساتذتنا، فعلينا أن نخبر شبابنا أننا على علم بهذه النقاط، والرد عليها بشكل وافٍ يزيل الشك من قلوب الشباب.”
كما شارك فضيلة الدكتور خالد حنفي -الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث- بكلمة طيّبة خاصّة في فعاليات الملتقى، قال فيها أنّ “المقاصد يجب أن تكون خادمة للامتثال، وليست هادمة للأحكام، والخطاب المقاصدي غائب في السياق الأوروبي والأدلة على ذلك كثيرة جدًا، وأن هناك ثلث الشباب الجديد يُلحد، و70٪ من الشباب المسلم لا يُصلي الجمعة في الغرب.”
وتساءل فضيلته: “لماذا غابت المقاصد عن الخطاب رغم كثرة الكتابات والخطب؟”، وأردف أن وجود الخطاب المقاصدي يحصن الشباب المسلم في الدول الأوروبية.
وقد اختتم المجلس أعماله بورشة عمل حول “واقع الإمام في أوروبا والتحديات والفرص”؛ قدمها الشيخ كمال عمارة (رئيس المجلس الأوروبي للأئمة)، وتفاعل معها الدعاة بالعديد من الأفكار والمقترحات التي من شأنها تطوير العمل الإسلامي في أوروبا.
كما حظي الملتقى في دورته الثانية هذا العام بتغطية إعلامية مميزة من قناة الجزيرة مباشر وقناة دعوة الفضائية وفضائية وطن، مع حضور عدد من المهتمين بالإعلام الدعوي.
والمجلس يتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح الملتقى والخروج به على هذا المستوى الرائع شكلا ومضمونا.
والحمد لله أولاً وآخراً.