بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
تُعدُّ ظاهرة التطرف الفكري واحدة من أبرز المشكلات والتحديات الفكرية التي تواجهها الأمة ويواجهها العالم، وخاصة حين ينتقل هذا التطرف من الفكر إلى السلوك والممارسة من خلال استخدام العنف والقتل والاعتداء على المخالف الفكري أو الديني.
وهذه الظاهرة وإن كانت ليست بالجديدة في التاريخ الإنساني، فموجات التطرف والعنف ما تكاد تتوقف حتى تظهر من جديد مرتدية أثواباً ومسميات جديدة، كما أنها لا يمكن أن تنسب إلى أهل دينٍ واحدٍ أو فكرٍ واحدٍ، إلا أنها أخذت زخماً أكبر في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة والإنسانية، سيما مع الفضاءات الإعلامية المفتوحة والتقارب بين الأمم والشعوب مما يجعل انتقال الأفكار والأخبار وتدوالها وتدويلها أمراً سهلاً وسريعاً.
ولقد شهد العالم عموماً وأوروبا خصوصاً في السنوات الأخيرة مجموعة من الأعمال الإرهابية كما حصل في (تركيا، فرنسا، ألمانيا بلجيكا، لبنان، باكستان وغيرها) وقد أساءت هذه الأعمال إلى الإسلام وتسببت في حرجٍ كبير للمسلمين المقيمين في الغرب، خاصة مع استغلال بعض من يضيقون بهذا الوجود، لهذه الأعمال الشاذة – التي يتبرأُ منها ويستنكرها عموم المسلمين مؤسساتٍ وأفراداً قبل غيرهم- لتشويه صورة الوجود الإسلامي في الغرب، والذي حقق نجاحات كبيرة في مسيرة الاندماج الإيجابي والإسهام الحضاري في هذه القارة التي صار المسلمون جزءًا لا يتجزأُ منها ومكوناً أساسياً من مكوناتها الاجتماعية والدينية.
وبغض النظر عن التضخيم والاستغلال الإعلامي والسياسي لمثل هذه الأحداث من أجل مصالح سياسية أو انتخابية، أو من أجل زيادة التضييق على المسلمين سواءً كأقليات دينية أو كحكومات، وبغض النظر أيضاً عن مدى استخدام وتوظيف هذه المنظمات الإرهابية المنتسبة زوراً إلى الإسلام من خلال ترك بعض المساحة لها وعن الشكوك حول جدية الرغبة في القضاء عليها ومن يقف وراء ذلك بشكل أو بآخر كما تقول بعض التحليلات، إلا أن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بأن هذا الفكر المتطرف العدواني موجود بالفعل وبقناعات ودوافع دينية وله وجود في عدد من الدول الإسلامية والغربية وإن كانت قليلة.
إنه لمن السذاجة والمغالطة أن نرمي بالمسؤلية الكاملة على نظرية التآمر التي تحاك ضد الإسلام، أو أن نكتفي بتبرير مثل هذه الأفكار المتطرفة على أساس أنها مجرد ردات فعل لما يجري في سوريا والعراق وأفغانستان وما جرى ويجري في فلسطين وميانمار وأفريقيا الوسطى وإن كان ذلك لا يمكن استبعاده بالكلية أيضاً ضمن خارطة الأسباب والعوامل، مضافاً إليه الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي.
إن الاكتفاء برمي المسؤلية عن نشأة مثل هذه الأفكار المتطرفة على أنها مجرد ردات فعل لقضايا عادلة يعد هروباً من مواجهة الحقيقة والواقع.
وإن أكثر المتضررين من نار الإرهاب والتطرف هم المسلمون أنفسهم، فمعظم أعمال العنف وقعت وتقع في البلاد الإسلامية نفسها، بل لقد راح ضمن ضحاياها علماء دين مسلمون ودعاة ومصلحون في العراق وسوريا واليمن وغيرها.
هذا كله يستدعي مزيداً من الجهود للوقوف بصرامةٍ أمام هذا الفكر الذي يهدد البشرية ويسيئ إلى الإسلام والإنسان على حد سواء.
وفي هذا الإطار وإسهاماً في معالجة هذا التحدي وهذه المشكلة الكبرى يأتي هذا البحث الذي يتناول عنوان – الخطاب الإسلامي ودوره في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو– ضمن مواضيع وأبحاث الدورة العادية السادسة والعشرين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بمدينة إستانبول في تركيا في الفترة من: 3-7 محرم 1438هـ الموافق لـ 4-8 تشرين الأول (أكتوبر) 2016م، والتي حملت واحداً من أهم العناوين: “منهج الإسلام في إقرار السلام والأمان ودفع الظلم والعدوان “ والذي يحاول المجلس من خلاله الإسهام في معالجة هذه الظاهرة وإبراز رسالة الإسلام كرسالة سلام شاملة.
إن المسؤلية على الأئمة والدعاة والمؤسسات الإسلامية في الغرب لتتضاعف بحجم تضاعف الوجود الإسلامي الذي صار جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي، وبحجم التحديات الناتجة عن انتشار مثل هذه الأفكار المتطرفة والتي أضحت مصدر قلقٍ وخوفٍ، حتى أصبح بعض العامة يتساءل عقب كل عملية عنف: ترى أين ستكون المحطة القادمة للإرهاب؟
وينبغي علينا هنا أن نعترف بأن الخطاب الإسلامي عموماً وفي الغرب على وجه الخصوص لا زال بحاجة إلى الكثير من المراجعات والنقد المنهجي الجريء، وبحاجة إلى تحديث وتطوير مستمر في الوسائل والمضامين والمفردات والإهتمامات، سواء كان ذلك الخطاب موجهاً إلى المسلمين في المراكز والمساجد والملتقيات الخاصة بالمسلمين، أو موجهاً للرأي العام.
المبحث الأول:
بيان المصطلحات
(الخطاب الإسلامي- الوسطية – الغلو- التطرف)
المطلب الأول: المقصود بالخطاب الإسلامي:
هو البيان الذي يوجه باسم الإسلام إلى الناس مسلمين وغير مسلمين لتعريفهم بالإسلام أو دعوتهم إليه أو تربيتهم عليه عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، فكراً وسلوكاً، لشرح موقف الإسلام من قضايا الحياة والإنسان والعالم فرديةً أو اجتماعيةً روحيةً أو ماديةً نظريةً أو عمليةً “([1]) . وهذا الخطاب قد يكون عبر منبر الجمعة أو درس في المسجد أو عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الإجتماعي، وقد يكون نشاطاً حوارياً أو ملتقىً ثقافياً أو بياناً صحفياً-سواءً صدر عن مؤسسة كبيرة أو صغيرة أو عن داعية أو إمام- أوغير ذلك من المنابر التي يمكن من خلالها أن توجه رسالة باسم الإسلام.
ولا يخفى أن الخطاب الإسلامي التقليدي الموجه من على منبر الجمعة أو الدروس المسجدية صار محدود التأثير في صياغة العقلية الدينية في مقابل الخطاب الموجه عبر وسائل التواصل المختلفة من خلال مقاطع الفيديو المصورة أو من خلال المنشورات المكتوبة بطرق أكثر قابلية للتداول والانتشار، وعبر هذا الميدان تم تجنيد الكثير من الشباب الذين انخرطوا ضمن مشاريع العنف أو تيارات الغلو وخاصة في أروبا، وهذا يوجب على دعاة الوسطية التفكير أكثر في حسن استغلال هذه الوسائل ومخاطبة الجمهور خاصة الشباب من خلالها.
المطلب الثاني: مفهوم الوسطية:
إن الحديث عن الوسطية يستدعي الوقوف لتكوين مفهوم حول الماهية العلمية للوسطية، باعتبارها منهجاً شرعياً بعث به سائر الرسل عليهم الصلاة والسلام أولاً، وباعتبارها قانوناً يمثل أفضل صياغة للمعادلة بين العقل والنفس ثانياً ([2]).
والوسطية في العرف الشائع في زمننا تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين،ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع ولا ذل ولا استسلام ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى،ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون ،ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى، ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة ([3]).
ولا تخرج معاني الوسطية عن: العدل والفضل والخيرية، والنِّصف والبينية، والتوسط بين طرفين، فقد استقر عند العرب أنهم إذا أطلقوا كلمة (الوسط)، أرادوا معاني: الخير والعدل، والجودة والرفعة والمكانة العالية.
ولا يصح إطلاق مصطلح (الوسطية) على أمر إلا إذا توفرت فيه الملامح التالية ([4]) :-
1- الخيرية: وهي تحقيق الإيمان الشامل، يحوطه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- الاستقامة: وهي لزوم المنهج المستقيم بلا انحراف.
3- البينية: وذلك واضح في كل أبواب الدين، فالصراط المستقيم بين صراطي المغضوب عليهم والضالين.
4- اليسر ورفع الحرج: وهي سمة لازمة للوسطية.
5- العدل والحكمة: وقد فسر النبي r الوسط بالعدل، وذلك هو معنى الخيار؛ وذلك لأن خيار الناس: عدولهم.
وقد قال الله تعالى:- ﴿إنَّ اللَّهَ يَاًمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ﴾([5])
فالتوازن في الشريعة الإسلامية: النظر في كل الجوانب، وعدم طغيان جانب على آخر، وذلك باجتناب الغلو والجفاء..
وهكذا فإن الوسطية سمة ثابتة بارزة في كل باب من أبواب الإسلام، في الاعتقاد والتشريع، والتكليف والعبادة، والشهادة والحكم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخلاق والمعاملة، وكسب المال وإنفاقه، ومطالب النفس وشهواتها([6]).
والوسطية إحدى الخصائص العامة للإسلام وهي إحدى المعالم الأساسية التي ميز الله بها أمته عن غيرها ” ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ﴾ ([7]) فهي أمة العدل والاعتدال والتي تشهد في الدنيا والآخرة على كل انحراف يميناً أو شمالاً عن خط الوسط ([8]).
المطلب الثالث: معنى الغلو:
الغلو في اللغة: تدور الأحرف الأصلية لهذه الكلمة ومشتقاتها على معنى واحد يدل على مجاوزة الحد والقدر.
قال ابن فارس: (الغين واللام والحرف المعتل أصلٌ صحيحٌ في الأمر، يدلُّ على ارتفاع ومجاوَزةِ قَدْر.
يقال: غَلاَ السِّعر يغلو غَلاءً، وذلك ارتفاعُه. وغَلاَ الرَّجلُ في الأمر غُلُوّاً، إذا جاوَزَ حدَّه. وغَلاَ بسَهْمِه غَلْوَاً، إذا رَمَى به سَهْماً أقصى غايتِه) ([9]).
ويقال غلا فلان في الدين غلوًّا، تشدد وتصلّب حتى جاوز الحد([10]) .
فالغلو مجاوزة الحد، وكل من غلا فقد تجاوز الحد، والمعنى الاصطلاحي للغلو كما عبّر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية “و مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق” ([11]).
وعرفه الإمام ابن حجر بقوله: “المبالغة في الشيء والتشدد فيه بتجاوز الحد” ([12]).
وقد حذرنا الرسول r من الغلو فقال:((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)) ([13]).
المطلب الرابع: معنى التطرف:
في اللغة معناه الوقوف، أو الجلوس في الطرف، وأصل الكلمة في الماديات، ثم انتقل إلى المعنويات، كالتطرف في الدين، أو الفكر أو السلوك، وبهذا المعنى فإنه بعيدٌ عن الوسط، وبالتالي أكثر تعرضاً للخطر والهلاك، وأبعدُ ما يكون عن الحماية والأمان، وهو يعني الغلو والتشدد والتنطع ([14]).
أي أن التطرف هو: “طلب نهاية الحد أي طرفه الأقصى والأبعد، وهو قريب من معنى الغلو في هذا.
فكل من تجاوز حد الاعتدال وغلا، يصح لغوياً تسميته بالمتطرف. جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف: ((تجاوز حدَّ الاعتدال ولم يتوسط) كذلك التنطع والتشدد، وترك الرفق واستخدام العنف.
قال ابن مسعود قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هلك المتنطعون)) قالها ثلاثاً ([15]).
فيشير مفهوم التطرف”إلى حالة من التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه بوجود الآخرين، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا بفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم، والأخذ بما يراه بعد ذلك أنصع برهاناً، وأرجح ميزاناً([16]).
ومن هنا يظهر أن الغلو والتطرف مصطلحان يفيدان معنىً متقارباً أحياناً ويجتمعان في تجاوز حد الوسط والاعتدال فالوسطية ضد الغلو والتطرف.
المبحث الثاني:
دور الخطاب الإسلامي في تأصيل الوسطية ومناهضة الغلو
المطلب الأول
الاهتمام بالعلم الشرعي والتأهيل العلمي
إن من أهم أسباب التطرف الفكري وسلوك مسالك العنف والإرهاب ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وقلة البضاعة في فقهه، وغياب التعمق في معرفة أسراره، وضعف الوصول إلى فهم مقاصده واستشفاف روحه، ويشرح شيخنا العلامة القرضاوي الجهل كمشكلة مفضية إلى التطرف بقوله: “إنما أعني به –الجهل- نصف العلم الذي يظن صاحبه أنه به قد دخل في زمرة العالِمين، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف نتفاً من العلم من هنا وهناك وهنالك غير متماسكة ولا مترابطة يعني بما يطفو على السطح، ولا يهتم بما يرسب في الأعماق، وهو لا يربط الجزئيات بالكليات، ولا يرد المتشابهات إلى المحكمات، ولا يحاكم الظنيات إلى القطعيات ولا يعرف من فنون التعارض والترجيح ما يستطيع أن يجمع به بين المختلفات، أو يرجح بين الأدلة والاعتبارات”([17]).
وقد جاء في وصف الخوارج وهم نموذج واضح من نماذج الغلو والتطرف ما يشير إلى هذا السبب الجوهري من أسباب الغلو فعن أبي سعيد الخدري عنه – قال: “بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r – وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا؛ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه اعْدِلْ! فَقَالَ:
(وَيْلَكَ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ) فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: (دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ..”([18]).
وقوله: (لا يجاوز تراقيهم) جمع تَرقوة “بالفتح” وهي العظم بين النحر والعاتق، وهو كناية عن عدم القبول، والصعود في موضع العرض، قال النووي: قال القاضي: فيه تأويلان أحدهما: معناه: لا تفقهه قلوبهم ولا ينتفعون بما تَلَوا منه، ولا لهم حظ سوى تلاوة الفم والحنجرة والحلق إذ بهما تقطيع الحروف، الثاني : معناه: لا يصعد لهم عمل ولا تلاوة ولا يتقبل([19]).وقال النووي معناه: أن قوماً يقرؤون وليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب([20]).
وجاء في رواية أخرى في البخاري أيضا: ((يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) ([21]).
وقوله قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ : يعني صغار السن ، ليس لهم كبير علم ولا كبير خبرة بالحياة .
وسُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ: سفهاء العقول لا يفهمون نصوص الوحي على وجهه الصحيح.
يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ: يقصد قول وحديث النبي ﷺ يعني أنهم ينطلقون من كلام المصطفىﷺ، ولكن بدون فقه ولا فهم، فيفسدون ويَضِلٌّون ويُضِلُّون باسم الله وباسم رسولهﷺ، وهذا ما يزيد من خطرهم وافتتان بعض العامة بهم،كونهم يتحدثون بحديث الرسولﷺ، ولهذا السبب حذر الرسول ﷺ منهم كثيراً وكان واضحاً صارماً في بيان الموقف منهم وذلك لخطرهم على الدين، وإننا لنجد اليوم من يذبح البشر بأبشع الطرق مستشهداً بالآيات والأحاديث ويهتف بالله أكبر، مستحضراً نصوصاً من القرآن أو السنة قد أساء فهمها واستعمالها والله المستعان.
(يمرقون من الدين) أي يخرجون منه، والمروق عند أهل اللغة الخروج يقال: مرق من الدين مروقاً خرج ببدعة أو ضلالة، ومرق السهم من الغرض إذا أصابه ثم نقره، ومنه قيل للمرق مرق لخروجه([22]) . وقال النووي: قال القاضي : معناه : يخرجون منه خروج السهم إذا نفذ الصيد من جهة أخرى ، ولم يتعلق به شيء منه([23]).
إذاً فبيئة الجهل بالدين التي يغيب عنها العلماء المتخصصون العارفون بحقائق الشرع، المدركون لمآلات الواقع وتحديات ومتطلباته، وتنزيلات أحكام الشرع عليه، تُعدُّ إحدى البيئات الخصبة لظهور التطرف الفكري خاصة إذا ما تصدر فيها الجهلة الحديث عن الإسلام والدعوة إليه والفتيا للمسلمين، وعليه فإن على العلماء القيام بواجبهم في بيان المنهج الوسطي من جهة وبيان خطر التطرف والغلو والتحدث باسم الإسلام دون علم أو تأهل لذلك.
دور العلماء: حمل منهج الوسطية وحمايته:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين” ([24]) إن هذا الحديث العظيم يبين لنا أن محاولات التحريف والانتحال والتأويل الجاهل لنصوص الدين الحنيف ستظل مستمرة مع كل جيل وخلف ولن تتوقف، وأن لكل جيل أساليبه وطرقه في التحريف والانتحال ومحاولة تشويه الدين واختطافه والعبث به وأن مهمة العلماء الربانيين هي حمل العلم الصحيح والدفاع عن مبادئ هذا الدين العظيم ومعانيه وقيمه وأصوله وأحكامه وتعاليمه والذَّود عنه من محاولات تحريف الغلاة المتشددين وانتحال المبطلين المشككين وتأويل الجاهلين المغفلين.
لقد بين الحديث ثلاثة أصناف من الناس ممن يحاولون تشويه المنهج الإسلامي وهم:
الصنف الأول: الغالون الذين يتجاوزون في كتاب الله وسنة رسوله عن المعنى المراد، فينحرفون عن جهته ، من غلا يغلو إذا جاوز الحد والغالون جمع غالٍ وهو الذي تجاوز الحد، فينفون عنه تحريف الغالين.
الصنف الثاني: المبطلون وهم الذين ينتحلون النصوص ويستدلون بها على باطلهم، والانتحال: ادعاء قول أو شعر، ويكون قائله غيره فينسب ذلك إلى نفسه، قيل: هو كناية عن الكذب، وقال الطيبي في النهاية: الانتحال من النحلة وهي التشبه بالباطل، وقال الراغب: الانتحال ادعاء الشيء بالباطل، وقيل: لعل الأول أنسب لمعنى الحديث ا هـ . والمعنى أن المبطل إذا اتخذ قولاً من علمنا ليستدل به على باطله أو اعتزى إليه ما لم يكن منه نفوا عن هذا العلم قوله، ونزهوه عما ينتحله فحملة العلم الصحيح إذاً يبينون هذا الانتحال وهذا الانتساب ([25]).
الصنف الثالث: الجاهلون الجهال الذين ليس لهم علم ولا بصيرة ولا فقه في شريعة الله يتأولون النصوص بسبب جهلهم وقلة علمهم وقلة بصيرتهم؛ فهم يتأولون معناها إلى ما ليس بصواب. فكيف إذا اجتمع مع الجهل الهوى؟!
والملاحظ أن الحديث ذكر أولاً الغاليبن وتحريفهم – وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب بالضرورة- إلا أنه فيما يبدو أن الغلو هو الأكثر أثراً، وكأن مشكلة الغلو هي الأخطر والأكبر فيما يتعلق بفهم الدين والنصوص وهي أيضاً أول هذه التحديات بروزاً في تاريخ الأمة وأكثرها ضرراً، فقد كانت أولى الانحرافات في فهم الإسلام انحراف الخوارج والذين وصف النبي ﷺ عبادتهم بقوله ” تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم” ومع ذلك فقد كانت مشكلتهم في الفهم والتصور، فهم أول مثال على الغلو والتطرف في الفهم والمنهج حيث أفضى بهم ذلك إلى تكفير جمهور الأمة وخرجوا عليها بالسيف واستحلوا الدماء، ولا زالت هذه التجربة تستنسخ بصور مختلفة.
التنزيل على واقع المسلمين في الغرب:
بما أن العلم الشرعي الصحيح هو أحد الضمانات من مثل هذه الانحرافات كالتطرف والغلو والتشدد فإن على المسلمين في الغرب العمل على إنشاء المؤسسات العلمية والمعاهد والكليات الإسلامية التي تخرج أئمة وباحثين وكتاب ودعاة وفقهاء على دراية بالدين وفهم صحيح له، وعلى استيعاب وإلمام بالواقع وخصوصياته ومتطلباته وتحدياته.
إن الحاجة تتسع مع تزايد الأقلية المسلمة وتعاقب الأجيال الجديدة التي أحوج ما تكون إلى الفهم الصحيح المعتدل الوسطي للإسلام، في ظل الصعوبات والتحديات المتعلقة بالهوية، وإن الأفكار المتطرفة إذا قُدّر لها الانتشار فإنها ستسيء إلى سمعة الإسلام وستضيع من يعتنقها من الشباب، وستولد كردة فعل في المقابل طوائف من الشباب تكفر بالدين كله، حين ترى أمامها نماذج متطرفة مغالية في فهم الإسلام، وينبغي على الخطاب الإسلامي أن يتضمن توجيهاً وحثاً للأقلية المسلمة من أجل القيام بمسؤليتها في دعم مثل هذه المؤسسات وتشجيعها، والعمل على تشجيع نسبة من جيل الشباب نحو العلم الشرعي لصياغة خطاب أكثر تلاؤماً مع الواقع الأوروبي، فهم الأقدر على مواجهة التطرف الديني.
كما ينبغي إقامة الدورات العلمية الشرعية للأئمة والخطباء والوعاظ وطلبة العلم والارتقاء بهم في المجال العلمي والتأصيلي وإحياء علوم التفسير والحديث و الفقه وأصوله وعلم المقاصد والمآلات وغيرها من العلوم الضرورية في فهم الإسلام .
ينبغي الإكثار من الندوات المؤتمرات، التي تعالج الظواهر السلبية في المجتمع بصفة عامة، ومنها الغلو والتطرف. وأن تطرح هذه الأمور بشفافية ووضوح؛ حتى نكشف أسبابها، من أجل أن نقف على الحلول المناسبة، وإيجاد البدائل الكفيلة بدعوة الناس إلى منهج الوسطية والاعتدال، المحصِّنة من الانحراف أو الانجرار نحو الغلو أو غيره من الانحرافات.
المطلب الثاني:
إحياء وإبراز فقه المقاصد والعلل في شرح الإسلام والتعريف به:
الاتجاه الظاهري في فهم النصوص من أسباب التطرف والغلو:
إن من أكثر القواسم المشتركة بين الغلاة والمتطرفين الذين اتجهوا نحو العنف ما سماه العلامة القرضاوي بـ: (الاتجاه الظاهري في فهم النصوص)([26])، وإغفال مقاصد الأحكام وغاياتها وعللها بل ومقاصد الإسلامالكلية، لذلك تجدهم يتمسكون بحرفية النصوص وظواهرها دون التعمق والتمعن ومحاولة فهم فحواها ومعرفة مقاصدها فهم لا يعرفون القياس ولا يستخدمونه ولا ينظرون الى العلة والحكمة من وراء التشريع، ولا يراعون ظروف تنزٌّل النصوص ولا تنزيل الأحكام المبنية عليها في واقع الناس، ولا يفقهون في الموازنات والأولويات والمآلات شيئاً، وتزداد خطورة هذا الاتجاه حين يكون أصحابه من الجهلة بالقرآن والسنة وبلغة العرب التي نزل بها القرآن وتحدث بها النبي r وهم بهذا يتجاوزون حتى حدود ما عرف في الفقه الإسلامي بالمذهب الظاهري المعروف الذي وإن خالف المذاهب الأربعة إلا أنه كان مذهباً قائما على أصول وله أئمة كبار من أهل العلم.
إن خطورة النزعة الظاهرية الحرفية وتمكين الجهلة من التعامل بها مع النصوص والبناء عليها والحديث باسم الإسلام بهذا المنطق وبهذه الآلية ليمثل كارثة كبرى ستسيئ حتماً إلى الإنسان وإلى الإسلام باسم الإسلام، والواقع المرير خير شاهد على هذا.
وقد فهم البعض على سبيل المثال ما ورد في حديث الرسول ﷺ من نهى أن يسافر بالمصحف الى أرض الكفار أو أرض العدو، ([27]) حرمة حمل المصحف إلى بلاد غير إسلامية مطلقاً، والناظر في علة هذا المنع يتبين له أن النبي ﷺ لم ينه عن ذلك إلا مخافة أن يستهين الكفار بالمصحف، وحين تنتفى العلة ينتقى الحكم، فهل يعقل أن نأخذ بظاهر الأحاديث الواردة هنا وأقوال بعض المتقدمين من الفقهاء التي تأثرت بطبيعة العلاقة في زمانهم!؟ من غير المعقول أن يقال اليوم للمسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية بأنه لا يجوز لهم حمل المصحف وقد أصبحوا مواطنين، لهم مساجدهم ومدارس لتحفيظ القرآن وقد تخرج المئات من الحفاظ في دول أوروبية مختلفة، وأضحت تنظم مسابقات دولية في حفظ القرآن الكريم ومهرجانات قرآنية يحضرها كبار القراء بل تعدى ذلك إلى تدريس القراءات، وقد بدأت طلائع الحفاظ بالقراءات العشر من هذه البلاد الأوروبية ولقد أصبحت ترجمات القرآن تطبع بالآلاف، فهل يعقل أن يقال بأن حمل المصحف إلى هذه البلاد حرام؟! الجواب: لا، بل أصبح وجود المصحف من الواجبات الضرورية للوجود الإسلامي في هذه البلاد.
المقاصد في القرآن الكريم والسنة:
إن علم مقاصد الشريعة ضاربة أصوله في نصوص القرآن والسنة، ولهذا فإننا نجد القرآن حافـلاً بتعليــلات أحكــام الله – عز وجل – وبيان الحكم التشريعية بما ينشرح له الصدر، ويطمئن له القلب والعقل، والأحاديث النبوية زاخرة بتبيين المصالح المترتبة على أوامر الشرع وإرشاداته. ولذا كان من اللازم لمن يريد فهم هذا الكتاب أن يتأمل فيما وراء ظواهر النص من معان، وما يهدف إليه من مقاصد.
فمن المؤكد أن الله – U – لم يخلق شيئاً باطلاً أو اعتباطاً، فكل أحكامه – سبحانه – منوطة بالحكمة، فهو حكيم فيما خلق، وحكيم فيما شرع، ولا غَرْوَ فإن من أسمائه «الحكيم».
وهذه الحِكَم تتجلَّى في صورتين معروفتين، هما: جَلْب المصالح؛ وذلك عن طريق الأوامر. ودَرْء المفاسد؛ وذلك عن طريق النواهي.
هذا بصفة إجمالية، أما في التفاصيل والجزئيات فالنصوص الشرعية بين ثناياهــا مــا هــو ظاهــر المعنــى وما هو خفي، وقد تخفى بعض حِكَمه على بعض الناس، مثل ما تظهر أخرى لآخرين، ولكن عدم العلم لا يستلزم العلم بالعدم، وشأن أهل العلم أن يبحثوا عن مقاصد الشريعة من خلال النصوص، بعد أن يتجولوا في آفاقها، ويغوصوا في أعماقها، ويربطوا جزئياتها بكلياتها، ويردوا فروعها إلى أصولها، ويشدوا أحكامها بعضها ببعض، بحيث تتسق وتنتظم انتظام الحبات في رابط عقدها ([28])
يقول ابن القيم: «يذكر الشارع العلل والأوصاف المؤثرة، والمعاني المعتبرة في الأحكام القدرية والشرعية والجزائية؛ ليدل بذلك على تعلق الحكم بها أين وجدت، واحتضانها لأحكامها وعدم تخلفها عنها إلا لمانع يعارض اقتضاءها، ويوجب تخلف أثرها عنها» ([29]).
وأضاف مبيناً بعض الأدوات التي استعملها القرآن في مجال التعليل قائلاً: «قد جاء التعليل في الكتاب العزيز بالباء تارة، وباللام تارة، وبأن تارة، وبمجموعها تارة، وبكي تارة، ومن أجل تارة، وترتيب الجزاء على الشرط تارة، وبالفاء المؤذنة بالسببية تارة، وترتيب الحكم على الوصف المقتضي له تارة، وبلمَّا تارة، وبأنَّ المشددة تارة، وبلعلَّ تارة، وبالمفعول له تارة…..» ([30]) وبعد أن ذكر هذه الأدوات التعليلية أعقبها بمجموعة من الأمثلة للذي ذكره.
الصحابة ومراعاة المقاصد:
لقد كان سلفنا الصالح من أصحاب النبي r يدركون مقصد ما أمروا به ومغزى ما نهوا عنه، وعرفوا أنهم لم يؤمروا إلا بما فيه خير ونفع، ولم ينهوا إلا عما فيه ضرر وشر، ولذلك كانوا أكثر الناس اهتماماً بفقه المقاصد وعملاً به وعليه أسسوا كثيراً من الاجتهادات الكبرى في تاريخ الأمة.
يقول وليُّ الدهلوي (الالتفات إلى المقاصد في عصر الصحابة رضي الله عنهم، لوحظ بصورة أوضح مما كان عليه الأمر في العصر النبوي، وذلك لطبيعة عصرهم وبيئتهم، وبسبب الحاجة الماسة إلى بيان حكم الشريعة في العديد من المشكلات والنوازل التي طرأت بسبب اتساع رقعة الدولة وتفرق العلماء وتأثرهم بما تناقلوه وعلموه من أحكام الوحي المتلوِّ والمرويّ، وما أدركوه من تنوع واختلاف في العادات والأعراف والنظم السائدة في البلدان التي فتحوها واستقروا بها ) ([31])، وكان نظرهم إلى المقاصد أيضاً بسبب سنة التطور التي تفرضها طبيعة الحياة، فعصر الصحابة غير عصر النبوة من حيث طروء تلك النوازل والمشكلات، ومن حيث تفاوت فهومهم وملكاتهم، ومن حيث اكتمال الوحي المبين لأحكام ذلك كله، لذلك اجتهد الصحابة في تلك الوقائع، والتجأوا إلى الرأي والنظر والمشورة، وقد كان اجتهادهم يقوم على أسس متنوعة تجمع بين النقل والعقل، بين الدلالة اللغوية والظاهرية للنص، ومقصده وحكمته، بين استنباط الحكم مباشرة من الدليل واستخلاصه بطريق الحمل والإلحاق على نظائره وأشباهه، والتخريج على أصوله وأجناسه، مراعين في ذلك مقاصد الشريعة ومصالح الخلق، عاملين على إزالة التعارض بين النصوص والأدلة، مرجحين بين مراتب المصالح والمقاصد نفسها.
فقد كان النظر إلى المقاصد الشرعية من قبلهم أمرا مهماً جداً، ومستنداً ضرورياً لمعالجة ما أدركوه من أوضاع ومحدثات، وأحد الشروط والمعارف الاجتهادية التي لا يتم استنباط الأحكام إلا بها ([32]).
تجلى العمل بالمقاصد والمصالح زمن الصحابة في كثير من الحوادث المستجدة في زمانهم، وكانت تلك الاجتهادات خطوات جرئية على اعتبار أنها لم تكن على عهد رسول الله r لكنها كشفت عن فهم الصحابة للإسلام وكيفية الاجتهاد بما يتناسب وظروف الزمان والمكان مع مراعاة المقاصد الشرعية المعتبرة ، حتى وإن أفضى ذلك الاجتهاد إلى مخالفة ظاهر النص أحياناً أو استحداث ما لم يكن موجوداً أو معمولاً به على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سرد الدكتور الخادمي نماذج كثيرة من اجتهاداتهم في هذا الباب ومنها: ([33])
- جمع القرآن في عهد أبي بكر، وكتابته في المصحف الإمام في عهد عثمان ، والمقصد هو حفظ دستور الدولة الناشئة، والمنبع الأول للهداية، والمصدر الأساس للتشريع والنظام والقانون.
- تضمين الصناع، والمقصد هو حفظ حقوق الناس وسد حاجتهم من الصناعة، وقد قال الإمام علي رضي الله عنه: (لا يصلح للناس إلا ذلك).
- زيادة الاجتماع في المساجد لقيام رمضان، والمقصد هو المحافظة على الجماعة وفوائدها ومصالحها المتعلقة بزيادة الأجر وتحقيق الوحدة وتعليم الناس وتيسير العبادة بأدائها جماعة، وغير ذلك.
- أمر عثمان رضي الله عنه التقاط ضالة الإبل والتعريف بها وبيعها حتى إذا جاء صاحبها أعطاه ثمنها، ولم يكن هذا موجودا في العصر النبوي لقوة الوازع الديني،بل لقد صح النهي عن التقاطها كما في البخاري عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال جاء أعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها قال يا رسول الله فضالة الغنم قال لك أو لأخيك أو للذئب قال ضالة الإبل فتمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر”([34]) والمقصد من أمر عثمان بالتقاطها هو حفظ حق الغير وسد ذريعة التهاون بممتلكات الغير.
- منع الفقهاء من مغادرة المدينة في عهد عمر رضي الله عنه، والمقصد هو توسيع دائرة الشورى واتخاذ الآراء والمواقف التي فيها صلاح الدولة وتوثيق الأدلة واكتمال صحة الاجتهاد.
- جواز قطع الصلاة لإدراك الدابة الشاردة، والمقصد هو حفظ المال من الضياع، ودفع مشقة العودة إلى الأهل على غير الدابة.
- ورود السباع على المياه لا يغير حكم طهارة تلك المياه، والمقصد هو دفع المشقة ورفع الحرج بالعفو عما لا يمكن الاحتراز منه.
- تدوين الدواوين ووضع السجلات، واتخاذ السجون، وضرب العملة، ومراقبة الأسعار والأسواق، وفصل القضاء عن الإمارة، وضبط التاريخ الهجري، وغير ذلك مما له صلة بتنظيم الإدارة وبعث المؤسسات وتحديد المواقيت والآجال ووضع أدوات التعامل الاقتصادي، ومما يسهل حركة المجتمع ويضمن حقوق أفراده ويحقق أهداف الدولة ومصالحها في الداخل والخارج.
واستمر هذا الوعي جيلاً بعد جيل إلى أن مالت عقول المسلمين إلى التقليد، واسترخت عن طلب التحقيق وإمعان التدقيق، واكتفى أكثرهم بالنظر السطحي في ظواهر الأدلة عن التفكير العميق في إدراك المقاصد وفهم العلة.
التنزيل على واقع المسلمين في الغرب:
من الضروري أن يراعي الخطاب الإسلامي في الغرب هذا الأمر من خلال بيان المقاصد العامة للإسلام ومن أهم هذه المقاصد الكلية مقصد الرحمة للعالمين، قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾([35]).ومقصد العدل والقسط ولو على أنفسكم، والإحسان في كل شيء قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾([36]) وأنه رسالة خير وسلام وتسامح وتعاون وأن تأخذ هذه المعاني والمقاصد حقها من الحضور في الخطاب بأشكاله ووسائله المختلفة، كما ينبغي أيضاً بيان المقاصد الشرعية الجزئية من الأحكام الفرعية وربطها بالمقاصد الكلية أيضاً، وليس المقصود هنا بيان المقاصد كعلم مستقل بذاته بتقعيداته وتعقيداته فليس ذلك إلا في حلقات العلم الخاصة وفي المعاهد والكليات المتخصصة، وإنما المقصود بيان العلل والحكم والمقاصد من الأحكام بطريقة سهلة وبسيطة للعامة في المواعظ والدروس المفتوحة أيضاً، لينشأ هذا الوعي لدى عموم المسلمين وبالأخص منهم الشباب، فلا يتلقوا الأحكام الشرعية كقوانين جافة مجردة عن مقاصدها وغاياتها، فإن معرفة مقاصدها وحِكمها وغاياتها أدعى إلى استيعابها وتقبلها وحسن التعبد بها حين تُعرف.
المطلب الثالث:
إحياء فقه الإختلاف وقبول التعدد والتنوع
الاختلاف حقيقة فطرية ومقصد شرعي:
الاختلاف بين البشر حقيقة فطرية، وقضاء إلهي أزلي مرتبط بالابتلاء والتكليف الذي تقوم عليه خلافة الإنسان في الأرض قال تعالى : ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾([37]) وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾([38]).
واختلاف الآراء وتباين الأفكار ليس فقط على مستوى الاختلاف بين أهل الأديان والملل بل هو أمر طبيعي حتى بين المنتمين إلى دين واحد أو مدرسة واحدة، فلا تكاد تخلو مدرسة من مدارس المعرفة في أي مجال أو جماعة أو حزب أو منظمة من اختلاف في الآراء أحياناً وهذا أمر راجع إلى طبيعة البشر من جهة وإلى طبيعة الواقع وتفسيراته من جهة أخرى، ولهذا نرى تنوعاً واسعاً في تراثنا الإسلامي سواء على مستوى المذاهب الفقهية أو حتى على مستوى المذاهب العقدية، هذا فقط في دائرة السنة أنفسهم فكيف بالخلاف داخل الدائرة الإسلامية عموماً؟
وذلك لأن النصوص المنقولة إلينا والتي تعد أساساً للمعرفة والاستنباط تحتمل أكثر من قراءة وتفسير لاعتبارات لغوية أو متعلقة بالتنزيل وظروفه أو لارتباطها بنصوص أخرى يمكن أن تجمع معها فيُفهم منها معنى وتجمع مع غيرها فيفهم معنى آخر ثم تأتي بعد ذلك قواعد الجمع والترجيح والتي هي أيضاً محل اجتهاد واختلاف في كثير من الأحيان، وذلك ينطبق على نصوص الأحاديث أيضاً بالإضافة إلى الاختلاف في سندها وصحتها.
ولهذا نجد كتب التفسير مليئةً بأقوال مختلفة في تفسير الآيات وهكذا الأحاديث ونجد أيضاً كتب الفقه حافلة بتعدد الأقوال والاجتهادات حتى داخل المذهب الواحد، فمن يقرأ على سبيل المثال في مذهب الإمام أبي حنيفة قد يجد في المسألة الواحدة قولاً لأبي حنيفة وآخر لأبي يوسف وثالثاً لمحمد بن الحسن، وهكذا في بقية المذاهب، بل قد يجد الباحث قولين أو ثلاثة عن إمام المذهب نفسه، كما يكثر هذا عن أحمد.
ونظرة على سبيل المثال في تفسير الإمام الطبري باعتباره من أقدم وأضخم كتب التفسير سيجد القارئ استعراضاً رائعاً وعجيباً وممتعاً لأقوال الصحابة والتابعين وتابعيهم في تفسير الآية الواحدة وقد يكون بين هذه الأقوال تبايناً وتضاداً في كثيرٍ من الأحيان، إلا أن الإمام الطبري وهو من الأئمة القلائل الذين حازوا رتبة الاجتهاد المطلق وكانت لهم مذاهب متبوعة، يستعرض هذه الأقوال بمهنية وأمانة وهدوءٍ ودون ضيق بتعددها واختلافها وتضادها، وكثيراً ما يكتفي بنقلها دون تعليق عليها، وبعضها قد تكون في بعض فروع العقيدة مثل آيات الصفات التي اختلفت فيها آراء السلف بين التفويض والتأويل والإثبات على الحقيقة، يستعرض تلك الأقوال دون تشنُّج أو تحسس مسندة إلى أصحابها، ليترك الباب بعد ذلك للباحث والمحقق والعالم للبحث فيها من حيث أسانيدها ومعانيها، فيترجح لهذا قول ولغيره قول آخر، وهكذا..
نجد أيضاً هذا الاحترام والقابلية للاختلاف، والتنوع المعرفي، ونقله بأمانة علميةٍ دقيقةٍ في موسوعات الفقه المقارن، التي تبهر الباحث حين يلقي عليها نظرة بتلك المساحات الكبرى من الاختلاف الراقي والثراء الفقهي المتعدد النظرات والاعتبارات والمشارب، نظرة في المجموع للنووي أو المغني لابن قدامة أو غيرهما تكشف ذلك بجلاء وتؤكده . حتى بُلينا في زماننا بأقوامٍ لا يرون الحق إلا فيما يعتقدون وما وصلت إليه قناعاتهم أو قناعات مشايخهم الذين لم يبلغوا عشر معشار إمام من الأئمة المذكورين، وإذا بهم بعد ذلك يبدعون ويفسقون ويكفرون مخالفيهم بناء على اختلاف في الاجتهاد له محله من النظر وسلفه من بين الأئمة ، والله المستعان.
وهذا التعدد والتنوع مما سمح به الشارع بل و قصده إذ لو أراد الشارع أن لا تحتمل النصوص إلا معنى واحداً لما أعجزه ذلك سبحانه.وهو كذلك لمصدرٌ من مصادر ثراء فقهنا الإسلامي ومن مصادر فخره وتميُّزه وسعته، ذلك أن الشارع الحيكم منح للإنسان وللعقل الإنساني فرصة إعمال النظر في النصوص لاستخراج ما ينفع الناس من أحكام ويتناسب مع ظروف الزمان والمكان، من خلال الاجتهاد بقواعد الاستنباط المعروفة.
وعليه فأن على الخطاب الإسلامي إبراز هذا الثراء والتعدد، في سبيل بناء المنهجية المنفحتة على الاختلاف وتعدد الآراء، والإشارة إليه على أنه مصدر ثراء وتميز، وبيان فوائده وثمراته الإيجابية من التوسعة على الأمة والتيسير عليها إذ لو كان الفقه كله قولاً واحداً ومذهباً واحداً لشق على الناس احتماله، ليس شرطاً أن يطرح للعامة تفاصيل اختلافات الفقهاء والمذاهب وإنما بعض الإشارات مع بيان فوائد ذلك وآدابه.
ولا ينبغي تناول مسائل الفقه والفكر القابلة للنظر والاجتهاد بأساليب الوعظ التي عادة ما تكون أُحادية الاتجاه والتوجيه ترغيباً أو ترهيباً.
أُحاديَّة الفكر ومخاطرها:
مشكلةٌ أخرى من المشاكل التي نعاني منها وهي انعكاس لمشاكل التربية في كثيرٍ من البلاد الإسلامية وهي أيضاً مما يسهم أو يهيئ أرضية لنشوء التطرف والغلو، ألا وهي: أُحادية الرأي والفكر، وصعوبة قابلية التعدد والتنوع، ومن ثمَّ سوء التعامل مع هذا التعدد و التنوع، لذا نرى الكثير يميل إلى الرَّفض أو التَّشكُّك أو التُّردد في التعامل مع الفكرة الجديدة، والطَّرح الجديد، والمراجعات المنهجية، وهذا راجع إلى الظروف التي نشأ فيها العقل العربي خصوصا والمسلم عموما في العصور المتأخرة -عهود التقليد والتخلف-.
فطريقة التربية من الطفولة توجِّه نحو الأحادية ورفض التّعددية، ينشأ الطفل ولا يعرف إلا أن والديه على الصواب والحق ، وأن رأيه لا قيمة له بوجود رأي والديه أو أحدهما ، بل لا يُستشار ولا ينتظر رأيه حتى فيما يلبس أحياناً، الأب لا يُخطئ! لا يُراجع! لا يَتراجع! لا يعتذر أو يعترف بخطئه إن حدث!
هناك غياب للحوار في البيوت في كثير من الأحيان مع إساءة فهم لكثير من المفاهيم ( الاحترام، الهيبة، طاعة الوالدين، ) وتوظيف لهذه المعاني والقيم العظيمة بشكل سيِّء يُلغِى وجود الإبن.
يذهب إلى المدرسة، فيجد نفس المعنى مع المعلم، فقوله حق مطلق! لا يُراجع ولا يَتراجع! التلميذ مجرد مُتَلَقٍّ ومُستمِع! فرص الحوار والنقاش وطرح الآراء شبه منعدمة! مقابل مساحات التلقين، يردد ما يقال له حتى ولو كانت معلوماتٍ ومناهج قد تجاوزها الزمن، لا يكاد يخطر بباله أن يراجع معلمه أو يناقشه، وإن فكر بذلك سيتردد مراراً قبل أن يفعل.
يدخل إلى المسجد فيسمع الواعظ أو الشيخ غالباً ما يفرض رأياً واحداً ومذهباً واحداً يخلط بين الوعظ وبين الفقه ، فيطرح مسائل الفقه القابلة للنظر والاختلاف بلغة الواعظ التي ترغب وترهب وتبني اتجاهاً واحداً وتعرض وكأنها معقد النجاة أو الهلاك .
يجد نفسه في الشأن العام أمام حاكم مستبد يقمع الحريات ولا يسمح بالرأي المخالف وأمام إعلام يسبح في فلك الحاكم وحده ويدور معه في مجرته دون سواه! إنها سياسة الاتجاه الواحد الإجباري التي ليس له أمامها إلا التسليم أو السجن والنفي!
ينتمي الشاب إلى جماعة أو مدرسة فكرية أو يتتلمذ على شيخ فلا يكاد يرى الحق إلا في المدرسة أو الحزب أو الجماعة أو الشيخ الذي ينتمي إليه، فكرة الطاعة المطلقة التي رافقته مع أبيه ومعلمه وحاكمه ترافقه مع مدرسته وجماعته وشيخه.
حتى الجامعات في العالم العربي والإسلامي تعتمد غالبا منهج التلقى، والامتحانات عبارة عن سؤال يطلب نص الجواب الذي ذهب إليه الأستاذ ودوَّنه في كتابه أو مذكرته، تفتقر في الغالب إلى اعتماد منهجية التحليل وطرح الأفكار ونقدها وتقديم أفكار جديدة. لا أقصد التعميم طبعاً ولا يجوز ذلك فليس كل الآباء أو المعلمين أو الدعاة أو الجماعات والأحزاب أو الجامعات سواء، ولكنها معاني غالبة ثم تختلف نسبتها أيضاً بعد ذلك في الأشخاص والبلدان والجماعات و…
لهذا ظلَّت لدى الكثير عقدةُ الاتجاه الواحد، يرتاحون لذلك ويأنسُون به ، ويُستَفزُّون حين يسمعون الـُمخالف، وقد ينعكس ذلك دون أن شعور على ردَّاتِ فعلهم.. لا يحتملون بسهولة من يتركهم ويختار طريقاً أو فكراً آخر.
يكون التعامل مع الأفكار الأخرى إما الرفض المطلق وربما التصرف بعنف، وإما الانهزام مرة واحدة أمامها والانبهار بها والتَّمرد على كل ما موروث دون فحص أو فرز كردة فعل، تُفقد الحالة الوسط والاتزان في كثير من الأحيان، نكاد نكون بين فريقين، فريق يلعن كل جديد ويرفضه ويتوجس منه، وفريق يلعن كل قديم ويرفضه ويتوجس منه، إلا من وفقه الله فاجتهد وجاهد نفسه في سبيل قابلية النقد والانفتاح على الأفكار والتجرد عن أي هوى أو تقاليد أو انتماء إلا الانتماء الى المعرفة والعلم والدليل.
المطلب الرابع:
إشاعة ثقافة الحوار
فإذا كان الاختلاف والتعددية بين البشر حتميَّةً واقعيةً لا محالة، فإن أفضل آلية للتعامل مع هذه الحتمية هي الحوار الذي يتم من خلاله توظيف الاختلاف وترشيده بحيث يقود أطرافه إلى فريضة التَّعارف، والتكامل ويجنِّبهم مخاطر الشقاق والصراع، وإنما يعالج الحوار قضية الاختلاف من خلال الكشف عن مواطن الاتفاق ومثارات الاختلاف؛ لتكون محل النقاش والجدل بالتي هي أحسن، لمعرفة ما هو أقوم للجميع؛ على أنه ليس غاية كل حوار بالضرورة إقناع الطرفِ المقابلِ واستمالته للفكرة ليؤمن بها ويتبناها، وإنما يمكن أن يكون من أهدافه مجرد فهم الآخر وكيف يفكر ويبني قناعاته؟ وأين يمكن الالتقاء معه؟ وكيف يمكن الاستفادة مما لديه؟ إن فهم ما لدى الآخرين في حد ذاته – حتى وإن لم نقتنع به- قد يشكل مكسباً معرفياً مفيداً، ولذلك نقل القرآن الكريم حوارات كثيرة جداً وفي قضايا متعددة ومختلفة، وتضمن ذلك النقل أقوال أصحاب الكفر والشرك كما هي دون اقتصاص أو اجتزاء أو حجب، مع مناقشتها والرد عليه بالحجة والبرهان.
لقد اعتبر الإسلام الحوار قاعدته الأساسية في دعوته الناس إلى الإيمان بالله وعبادته، وكذا في كل قضايا الخلاف بينه وبين غير المؤمنين به، وكما أنه لا مقدسات في التفكير، كذلك لا مقدسات في الحوار سوى مبدأ الحوار نفسه كقيمة قرآنية كبرى، لأنه لا يمكن ان يغلق باب من أبواب المعرفة أمام الإنسان، المهمُّ التزام الأدب واحترام كل طرف للذي يقابله.
الحوار منهج ومبدأ قرآني أصيل:
إن القرآن الكريم وهو الحجة الباقية الخالدة وفي سبيل ترسخ هذا المبدأ العظيم، وهذه القيمة الرفيعة، قد حشد لنا مشاهد كثيرة من الحوار وخاصة في قضايا الإيمان والتوحيد التي تعدُّ أقدس القضايا وأهمها، ومن اللَّافت أن الآيات التي تنقل بعض مشاهد الحوار من الكثرة بحيث إنها قد تزيد على آيات الأحكام نفسها، وهذا خير دليل على مكانة هذه القيمة في كتاب الله، وبالتالي فإنه ينبغي أن يأخذ من اهتمام المسلمين تنظيراً وتثقيفاً وممارسة حقه كما هو القرآن الكريم.
لقد عرض الله لنا حوار الله سبحانه وتعالى مع الملائكة في قصة خلق آدم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) ﴾([39]) ثم حوار إبليس مع الله سبحانه وتعالى وكيف أساء الأدب مع الله ومع ذلك أجابه الله سبحانه، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [13] قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا ۖ لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) ﴾([40])
وهل كان ربنا سبحانه في حاجة إلى حوار ملائكته أو بحاجة إلى حوار إبليس حاشاه؟! تعالى ربنا أن يحتاج إلى أحد من خلقه، ولكنه يعلمنا وهو الغني أهمية الحوار ويسجل لنا هذه الحوارات لنتعلم منها.
ثم نقل القرآن أيضاً حوار ابني آدم ثم حوارات الأنبياء مع أقوامهم وطغاة زمانهم كحوار إبراهيم مع النمرود، وحواره مع قومه في قضية البحث عن الإله، وحواره معهم فيما يتعلق بقضية الأصنام ونقل لنا حوارات موسى مع فرعون ومع قومه في مشاهد وآيات مختلفة، كما نقل لنا الكثير من حوارات الأنبياء مع أقوامهم وفي كل قصة وحوار نتعلم الكثير عن اهمية الحوار وآدابه وفوائده.
وهذا أيضا ما جسده الحبيب المصطفى ﷺ طيلة حياته الدعوية سواء في مكة أو في المدينة ويكفي هنا الإشارة إلى طاولة الحوار الديني التي عقدت في المسجد النبوي بينه وبين وفد نصارى نجران في الحادثة المعروفة الشهيرة ، وقد ذكرها ابن القيم في زاد المعاد ثم ذكر بعض الأحكام المستفادة منها فقال: “فصل في فقه هذه القصة ففيها : جواز دخول أهل الكتاب مساجد المسلمين، وفيها : تمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم أيضا إذا كان ذلك عارضا ، ولا يمكنون من اعتياد ذلك.”([41])
وفي هذا دليل على انفتاح النبي صلى الله عليه وسلم في الحوار حتى في اختيار المكان الذي استقبل فيه مخالفية في الدين والمعتقد ومع ذلك ورغم إصرارهم على موقفهم وتمسكهم بمعتقدهم فغن ها لم يمنعه من إكرامهم والإحسان إليهم بل والسماح لهم بالصلاة في مسجده النبوي الذي يعد ثاني أقدس مسجد في الإسلام، ويستفاد من هذه القصة أن استقبال الأئمة ومسؤلي المراكز الإسلامية والمساجد للمثلي النصارى أو غيرهم في المساجد والمراكز وعقد ندوات حوارية حول بعض القضايا المشتركة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك أمر لا مانع منه فقد سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما هو أعظم منه وهو السماح لهم بأداء صلاتهم في المسجد.
إن على الخطاب الإسلامي في الغرب أن يعزز من قيمة الحوار بين المسلمين وذلك ببيان أهميتها ابتداءً من الأسرة بين الزوجين من جهة وبين الآباء والأبناء من جهة أخرى، وأن السبيل الأمثل للتربية وحل الخلافات وتقوية العلاقات الأسرية، وبناء المنهجية السليمة للتفكير لدى الأبناء، كما التركيز على الحوار كوسيلة للتفاعل والتواصل مع مكونات المجتمع الأوربي الذي يعيشون ضمنه وفيه، وأن يطبق ذلك بلقاءت حوارية مختلفة ولتكن في المسجد أحياناً وفي المؤسسات الثقافية أو الدينية أحياناً أخرى هكذا.
المطلب الخامس:
تعزيز المشتركات
إن الانتماء الإنساني إلى أب واحد وأم واحدة، كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾ ([42]) ثم الانتماء الإنساني إلى وطن واحد هو الأرض التي سخر الله لبني الإنسان ما فيها، كل ذلك لا شك سيترتب عليه الكثير من القضايا المشتركة بين البشر على اختلاف عقائدهم ومللهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم، وتزداد المشتركات بين المجموعات البشرية بنسب مختلفة بحسب ما يجمع بينها من أفكار أو تحديات أو جغرافيا ، وإن البحث عن المشتركات وتقويتها والبناء عليها من الأمور المهمة التي تعزُّز الاسهام الحضاري والاستقرار الاجتماعي.
وإذا كان الحوار قيمة قرآنية إسلامية أصيلة فإن الانطلاق فيه من المشتركات منهج قرآني أيضاً،حيث إنه ذلك يوفر أرضية انطلاق للجميع، ومن هنا كان من أصول الحوار في القرآن الكريم أن يبدأ المحاور المسلم حواره مع غير المسلمين خاصة أهل الكتاب منهم من النقاط المشتركة التي عبر عنها التنزيل بـ ” كلمة سواء “. قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾([43]) ولاشك أن تحديد النقاط المشتركة بين المتحاورين منذ البداية والبدء بها يساعد على تشخيص نقاط الخلاف وتحرير محل النزاع ومن ثم محاولة معالجتها بروية وتدرج.
ولكنه ينبغي التنبه هنا إلى ان تعزيز المشتركات في المجتمع ليس مطلوباً فقط عند الحوار، بل هو أمر مطلوب بشكل عام، فما من مجتمع إلا ويسعى جاهداً إلى إظهار التماسك واللحمة المجتمعية، وهنا يأتي تعزيز القيم المشتركة التي من شأنها ان تقوي علاقات أبناء المجتمع وتسهم في قوته وتماسكه.
ولقد صدر عن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث في دورته الخامسة والعشرين وثيقة مبادئ العيش المشترك التي تستحق أن تأخذ حقها من الترجمة إلى اللغات الاوروبية ثم نشرها على اوسع نطاق، كما تستحق أن تشرح في خطب الجمعة والدروس وأن تنشر على وسائل التواصل الاجتماعي فهي تمثل رؤية أكبر مرجعية فقهية ومؤسسة علمية في إسلامية في أوروبا. وهي أيضاً تمثل رؤية وسطية متوازنة بعيدة عن أي غلوٍّ أو تطرف.
قرار 1/25
“وثيقة مبادئ العيش المشترك”
إن العيش المشترك بين أبناء المجتمع وبين الشعوب الإنسانية هو غاية نبيلة تسعى لها سائر الأديان والشرائع الدينية ويدعو لها العقلاء والحكماء في سائر العالم. وإنه لمن المهم أمام المشكلات والتحديات التي تعيشها البشرية في علاقات الناس بعضهم ببعض أن يتم التأكيد على أهمية العيش المشترك ومقتضياته. وإن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وقد خصص دورته الخامسة والعشرين لبحث موضوع “العيش المشترك في أوروبا، تأصيلًا وتنزيلًا” يعلن بهذه المناسبة وثيقة مبادئ العيش المشترك من خلال صياغة كونية للقيم الإسلامية في هذا المجال، يخاطب بها جميع المواطنين الأوروبيين، حتى يتعاون الجميع لإقامة العيش المشترك على أسس سليمة وراسخة.
ويرى المجلس أن مستلزمات العيش المشترك ومقتضياته تعود إلى مبادئ عشرة، وهي الآتية:
1 – التسليم بوحدة الأصل الإنساني، فلقد خلق الله عز وجل الناس جميعًا من أصل واحد فقال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13]، ويقتضي التسليمُ بوحدة الأصل الإقرارَ بمساواة الناس جميعًا في الاعتبار الإنساني والكرامة.
2 – احترام الكرامة الإنسانية ومراعاة حقوق الإنسان. فالبشر جميعًا متساوون في هذا الأصل فلا يقبل الاعتداء عليهم أو امتهان كراماتهم أو سلب حقوقهم وقد أكد القرآن هذا المبدأ في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، وكما أن هذا الحق في التكريم حال الحياة فهو كذلك حال الموت، وإن الإنسان بموته لا يسقط حقه في الكرامة، فالإنسان نفس مكرمة حيا أو ميتا ولقد قام النبي صلى الله عليه وسلم لما مرت جنازة فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: “أليست نفسا” (متفق عليه).
3 – التعامل بالعدل والإحسان والخلق القويم والبعد عن الظلم والجور، والتزام ما يؤلف بين فئات المجتمع المختلفة، وقد أمر الله تعالى بذلك في كتابه الكريم: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
4 – الوفاء بالعهود والمواثيق لأن هذا يبعث على الثقة والاطمئنان بين جميع الأطراف ويدعو إلى استقرار الحياة وحفظ الحقوق، وقد جاء الأمر بذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]، وقوله تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 34]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” (أخرجه أحمد).
5 – التعاون الإيجابي لتحقيق المواطنة السليمة، ودرء المخاطر عن المجتمع، والحفاظ على البيئة، لما في هذا من الدلالة الواضحة على الحرص على التعايش والأخذ بالأسباب التي تعين على ذلك، يقول الله تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
6 – القول بالتعددية وحرية الاعتقاد والعبادة وهو من باب الإقرار بالحق في الاختلاف الذي يتيح للأطراف المتعددة العيش في أمن وأمان فيما يرتضونه لحياتهم، قال تعالى {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].
7 – اعتماد الحوار في التواصل وحل المشكلات، وهذا هو الأسلوب الأمثل الذي يهيئ الأذهان للالتقاء على الحق، وهو ما قرره القرآن في آيات كثيرة ومواقفَ عديدةٍ في مجادلات الأنبياء لأقوامهم، وفى مقدمتهم سيدنا إبراهيم الخليل المقتدى به في الرسالات السماوية الثلاث، وما أمر الله به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من المجادلة بالحسنى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
8 – العمل على كل ما يؤدي إلى التصالح وتحقيق السلم الاجتماعي، وحسن التواصل والتراحم والرفق المتبادل، ونبذ التشدد والعنف؛ لما يعود به من الخير وتحقيق الغايات والمقاصد الاجتماعية، قال صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه” (أخرجه مسلم)، وقال: “يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا” (متفق عليه)، وقال لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري: “يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا” (متفق عليه)، وقال: “من صنع إليكم معروفًا فكافئوه” (أخرجه أبو داود).
9 – احترام المقدسات وعدم الاعتداء والاستهزاء أو المساس بها. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى في حال الحرب يأمر أمراء الجيش باحترام المقدسات ودور العبادة، وينهى عن قتل الشيوخ والرهبان والقساوسة والنساء والأطفال، وعدم المساس بالأديرة كما ورد في وثيقة عمر المشهورة لأهل إيلياء؛ لما فيه من تعزيز الاحترام المتبادل والعيش المشترك، بعيدًا عن الاستفزاز وإشاعة العداوة، وكل ما يؤدي إلى الكراهية بين طوائف وأفراد المجتمع سواء عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المرئية أو المسموعة ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11].
10 – رفض كل ما يؤدي إلى العنف أو التطرف أو الإرهاب قولًا أو سلوكًا، ويجب أن يجرَّم حسب النظم والقوانين، فإن الله قد حرم قتل الأنفس والظلم والبغي بغير الحق، فقال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33]، وقال تعالى: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وقال تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
3-7 محرم 1438هـ الموافق لـ 4-8 تشرين الأول (أكتوبر) 2016م اسطنبول أمين الحزمي
([1])انظر الخطاب الإسلامي مقاربة منهجية لخالد روشة رابط المقال: ttp://www.almoslim.net/node/83776
([2]) حول مفهوم الوسطية مقال لسلمان العودة رابط المقال: http://www.islamtoday.net/salman/mobile/mobartshows-28-117.htm
([3])إذا اختل ميزان الحق والعدل والتوسط في الأمور ، للدكتور وهبة الزحيلي: مجلة الوعي الاسلامي، العدد رقم: 481،وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية الكويت ،2005-10-09
([4]) الوسطية من أبرز خصائص هذه الأمة، عبد الحكيم بن محمد بلال، مجلة البيان .
([6])الوسطية من أبرز خصائص هذه الأمة ،مرجع سابق _بتصرف_
([8])الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف، للدكتور :يوسف القرضاوي، كتاب الأمة، الطبعة الثالثة :ص 24 .
([9])معجم مقاييس اللغة، لابن فارس ،( مادة غلوى )،ج 4،ص387.
([10]) انظر : الصحاح في اللغة :للجوهري (مادة غلا) (2/ 24، ،واللسان لإبن منظور، مادة غُلُوَّ ج 15،ص131.
([11])انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية، ص 289.
([12])فتح الباري، لابن حجر العسلاقني، ج13، ص 278.
([13]) سنن النسائي كتاب المناسك ،باب التقاط الحصى ج5،ص278 ، وسنن ابن ماجه كتاب المناسك باب قدر حصى الرمي ج2،ص1008 ، وصححه الألباني في صحيح النسائي له ج2،ص640.
([14])المعجم الوسيط: لإبراهيم مصطفى ـ أحمد الزيات ـ حامد عبد القادر ـ محمد النجار مادة طرف ج2،ص 555.
([15])رواه مسلم ،كتاب العلم ، باب هلك المتنطعون، تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي رقم الحديث 2670،ج4،ص2055.
([16])الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف،مرجع سابق ص39.
([17])الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ص 62.
([18])صحيح البخاري تحقيق البغا كتاب المناقب ،باب علامات النبوة في الإسلام رقم الحديث(3610) ج3،ص 1321.
وصحيح مسلم ، كتاب الزكاة ، باب ذكر الخوارج وصفاتهم رقم الحديث(1063) ج2، ص740 مرجع سابق.
([19])المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج،لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي (1063)ـ ج4،ص 19.
([20])المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج مرجع سابق رقم الحديث 1358 ،ج3،ص 176.
([21])صحيح البخاري رقم الحديث 4770. ج4 ،ص 1927.
([22])شرح البخاري لابن بطال ج16ص136.
([23])المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج رقم الحديث،1761، ج4 ،ص19
([24])رواه البيهقي _تحقيق العلامة الألباني / مشكاة المصابيح كتاب العلم ،ج1 ص 53.
([25]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح رقم الحديث ،248.
([26])الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ص 63
([27])البخاري رقم 2828 و مسلم رقم الحديث 1869
([28])المرجعية العليا في الإسلام للقرآن والسنة، ضوابط ومحاذير في الفهم والتفسير، د. يوسف القرضاوي، ص 229.
([29])المقاصد عند أبي بن العربي عبد العظيم مجيب، ص 226.
([31])الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف الدهولي ص22.
([32])الاجتهاد المقاصدي حجيته ضوابطه مجالاته للخادمي- كتاب الأمة -ج1، ص 91.
([33])الاجتهاد المقاصدي حجيته ضوابطه مجالاته للخادمي -ج1، ص 94 وما بعدها.
([38]) سورة هودـ، الآية118-119.
([39]) البقرة الآيات من 30_ 33
([40]) الأعراف الآيات من 11-18