Posted on Leave a comment

توجيهات وضوابط في نصرة القدس والمسجد الأقصى ضد العدوان الصهيوني

الحمد لله ولي المتقين وناصر المستضعفين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين. 

تتوالى عمليات استهداف الأقصى وتهويد بيت المقدس من قبل قطعان المستوطنين والعصابات الصهيونية، عبر إذلال المقدسيين واغتصاب أرضهم وهدم منازلهم والاستيلاء على أملاكهم. إضافة إلى استهداف المسجد الأقصى مباشرة عبر الحفر تحته وتهوين أساساته والاقتطاع منه ومن أوقافه سرا وعلانية.

وإن كان هذا العدوان على أهلنا ومقدساتنا في بيت المقدس سياسة قارة دائمة من قبل الكيان الصهيوني فإنه يزداد بطشا وصلفا في أشهر رمضان المبارك، حيث تغيضهم حشود القائمين المرابطين الذي باهى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله:

“لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” ( رواه أحمد والطبراني، وقال الهيثمي في المجمع ورجاله ثقات ).

وأمام ما تشهده ساحات المسجد الأقصى هذه الأيام من عدوان سافر على المصلين والمعتكفين من قبل جنود ومستوطني الكيان الصهيوني، من غير اعتبار لأي حرمة إنسانية أو قداسة دينية، فإن المجلس الأوروبي للأئمة يدعو الأئمة والدعاة  وخطباء المنابر إلى أن لا يألوا جهدا في التعريف بقضية المسجد الأقصى وبيت المقدس ومعاناة المسلمين الفلسطينيين المهددين في أنفسهم وبيوتهم ورزقهم ومساجدهم ومقدساتهم، وحث المسلمين على تقديم الدعم المالي والإعلامي والتضرع في هذه الأيام الرمضانية المباركة أن يحفظهم الله ويكف عنهم كيد الكائدين.  

كما يتقدم المجلس الأوربي للأئمة بالشكر والامتنان لكل من يساهم في حملة التضامن الأوروبية مع أهلنا في فلسطين، للتنديد بالمجازر الصهيونية والانتهاكات العنصرية التي تمارسها القوات الإسرائيلية وقطعان المستوطنين على أرواح الفلسطينيين ومقدساتهم وممتلكاتهم، وبخاصة التطهير العرقي في مدينة القدس وتدنيس المسجد الأقصى الشريف والعدوان الغاشم على غزة وأهلها.

ومما يبشر في جهود الدعم هذه:

  • تنوع المناشط والفعاليات الرافضة للعدوان وتوسعها.
  • مشاركة كثير من الأوربيين في هذه الفعاليات.
  • انخراط الشباب المسلم في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية.    
  • تزعزع التوجه الرسمي الأوروبي التقليدي المؤيد للكيان الصهيوني، وتعرضه إلى إرباكات عديدة على المستوى الإعلامي والمؤسساتي.
  • بروز أصوات منصفة في الدوائر الأوربية الرسمية، تدعو إلى التوازن ومراعاة الحقوق الفلسطينية.  

والمجلس الأوربي للأئمة، إذ يبارك كل هذه التحركات، فإنه يذكر أعضاءه وكل مناصري العدالة والحرية، بالمسائل التالية:

توجيهات عامة:

أولاً؛ الاستمرار في دعم القضية الفلسطينية واعتماد آليات ثابتة في التعريف بحقوق الشعب الفلسطيني وفضح الممارسات العنصرية الصهيونية.  

ثانياً؛ اعتماد البناء المؤسساتي لخدمة القضية الفلسطينية، عبر إنشاء جمعيات قانونية في مجالات الإغاثة والإعلام وحقوق الإنسان.

ثالثاً؛ توفير المواد الإعلامية والدراسات العلمية المتعلقة بأبعاد القضية الفلسطينية وحقوق شعبها باللغات الأوربية.

رابعاً؛ الحرص على استقطاب مؤسسات المجتمع المدني الأوروبي، المتعاطفة مع القضية الفلسطينية للمشاركة في الفعاليات التضامنية.

رابعاً؛ تأهيل الشباب وتشجيعهم على حمل راية الدفاع عن الحقوق الإنسانية عامة والحقوق الفلسطينية خاصة.

خامساً؛ تكثيف التواصل مع السياسيين والإعلاميين والشخصيات المؤثرة على الساحة الأوربية، لتبيين الحقائق وحثهم على اتخاذ مواقف منصفة.

سادساً؛ تشجيع المسلمين على المشاركة في الحياة السياسية والحقوقية الأوربية لمواجهة تأثير الدوائر الصهيونية، والانحياز الرسمي لدولة إسرائيل.  

ضوابط عامة

  1. حصر الاحتجاجات في الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية على أرض فلسطين، وعدم استهداف أي فئة أو طائفة خارج هذا الإطار.
  2. تجنب أي شكل من أشكال العنف اللفظي أو العملي، أو تعطيلٍ لمصالح الناس، وعدم الانجرار وراء أي استفزاز.
  3. احترام قوانين البلاد ومراعاة التراتيب والإجراءات المعمول بها، سواءً في تنظيم الاحتجاجات أو جمع التبرعات أو أي نشاط آخر.
  4. تجنب كل ما يثير الرأي العام المحلي، ويصادم ثقافته بأي قول أو عمل أو شعار، والحرص على استعمال اللغة الرسمية في التحركات والدعايات.    
  5. عدم المبالغة في استعمال الشعارات الدينية في التحركات العامة، لأنها قد تؤدي إلى نتيجة عكسية، والتركيز على البعد القانوني الحقوقي الإنساني لقضية فلسطين.
  6. التأكيد على أن المظاهرات والاحتجاجات مجرد وسيلة للتعبير عن الرأي والتعريف بالقضية، ويجب التحلي بالفطنة والشجاعة لتجنب أو إلغاء أي منشط قد يحيد عن هذا الهدف.
  7. تجنب الانفعالات العاطفية وتحري الدقة والموضوعية في عرض القضية، واعتماد الوسائل والمناهج المستساغة في البيئة الأوروبية.

كلمة إلى إخواننا الأئمة

لا يخفى ما للأئمة من دور محوري في خدمة قضايا الأمة ونصرة المستضعفين ودعم قضايا التحرر، حيث تتطلع إليهم أنظار المسلمين في كل مكان طلبا للريادة والتوجيه.

لذلك ننبه إخواننا الأئمة إلى النقاط التالية:

  • تخصيص خطبة الجمعة والدروس في هذه الفترة لبيان الأبعاد الدينية الإسلامية للقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، وحث المسلمين على نصرتها ودعمها، وبيان الضوابط والمحاذير المتعلقة بذلك.
  • تذكير المسلمين بأهمية الصدقات للفلسطينيين والدعاء لهم بأن يخفف الله عنهم وينصرهم ويجعل لهم فرجاً ومخرجاً
  • قنوت النوازل في الصلوات.
  • مد جسور التواصل مع الهيئات الدينية المحلية – إن أمكن – لاتخاذ موقف مشترك ضد العدوان الإسرائيلي.

أخيراً

قد يتوقف العدوان قريباً، ولكن الاحتلال الإسرائيلي للأقصى والأراضي الفلسطينية، والحصار اللاإنساني على شعب غزة منذ سبعة عشر عاماً لن يزول، لذلك نهيب بأصحاب النفوس الأبية والضمائر الحرة أن يبقوا قضية الشعب الفلسطيني المظلوم حية في نفوسهم، وأن يعملوا لها بمنهج ثابت وسعي دائم.

وذلك واجب فرضه علينا الإسلام في نصرة المستضعفين ورد الظالمين عموما، فما بالك إذا كان الأمر متعلقاً بمسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين وثاني الحرمين.

ندعو الله تعالى أن ينصر عباده الصالحين ويرفع الظلم عن المظلومين وأن يجعل لأهل فلسطين فرجا ومخرجاً. إنه قريب سميع مجيب الدعاء

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.   

المجلس الأوروبي للأئمة

Posted on

القدس والمسجد الأقصى | خطبة جمعة

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه.

القدس في القرأن

 القدس أرض مباركة نص القرآن على بركتها في عدد من المواضع منها:

بسم الله الرحمن الرحيم

{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..}

{وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}

{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}

القدس في الحديث النبوي الشريف

وردت أحاديث كثيرة في بيان فضل القدس ومكانتها وواجب الحفاظ عليها، منها:

القدس في التاريخ وشبهة اختصاص اليهود بها

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله. أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّل؟ قال: (المسجدُ الحرَام)، قلت: ثم أي؟ قال: (المسْجِد الأقْصَى)، قلت: كَمْ بينهما؟ قال: (أربعُونَ سنة) متفق عليه.

يتبين من هذا الحديث الصحيح، أن بين بناء البيت الحرام والمسجد الأقصى أربعين عاماً، ومن المعلوم أن بين إبراهيم عليه السلام مجدد بناء الكعبة بعد بناء آدم الأول- وبين سليمان عليه السلام ما يقارب الألف عام؛ مما يؤكد قطعاً أن المسجد الأقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين.

وإنما كان لسليمان عليه السلام شرف إعادة البناء والتجديد الثاني؛ كما فعل ذلك أولياء الله من أنبيائه بمساجد الله ومواضع عبادته، وكما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن بعده من خلفاء الإسلام.

ومن المقرر في القرآن أن دينَ الأنبياء واحد، وإن اختلفت تفاصيل الشريعة؛ فكلهم دعوا إلى الإسلام والتوحيد، وإلى إفراد الله – تعالى – بالعبادة، وطاعته في شرعه وأحكامه.

وهذه الأحكام تتنوع من أمةٍ إلى أمة ومن رسولٍ إلى رسول؛ لذا فإن كلَّ نبيٍّ يرثُ أرضَ الله بكلمته ورسالته؛ فهذا إبراهيمُ ولوطٌ – عليهما السلام -، وهما قبل يعقوب وإسحاق وسليمان؛ يقول الله عنهما: ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء:71) قال الحسن: (هي الشام).

وهكذا تبقى فلسطين – والمسجد الأقصى خاصة – مآلها لعباد الله المؤمنين؛ من قبل أن يولد يعقوبُ (الذي هو إسرائيل) وأبوه إسحاقُ بن إبراهيم. ثم إنه بعد مئات من السنين أنجا الله – تعالى – بني إسرائيل من ظلم فرعونِ مصر، وهاجر بهم موسى – عليه السلام – من مصر إلى سيناء.

وأمرهم بدخول الأرض المقدسة لكنهم أبوا وقالوا: ﴿ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولم يُجِبْ موسى منهم إلا رجلان فقط، وكتب الله – تعالى – عليهم التِيه في الأرض أربعين عاما؛ توفي فيها موسى -عليه السلام-؛ حتى خرج جيلٌ آخر أكثر صدقاً من آبائهم؛ فدخلوا الأرض المقدسة ضيوفاً على أهلها، وليسوا فاتحين: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 58]، قال قتادة: القرية هي بيت المقدس.

وكتب الله عليهم الإخراج إذا أفسدوا في الأرض وطغوا؛ فكان ما كتبه الله، إذ أفسدوا وطغوا؛ فأُخرِجُوا وتشرذموا في الأرض بعد ثلاثة قرون فقط.

ثم إنه بعد سنين؛ أورث الله الأرض المؤمنين أتباعَ عيسى عليه السلام؛ لأن الأرض لله يورثها من يشاء؛ فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيل؛ فقد كانت للمؤمنين بعدهم: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].

حتى أذن الله – تعالى – ببعثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وكان فتح بيت المقدس إحدى بشاراته صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح البخاري -، وكانت وراثته ووراثة أمته للأرض المباركة؛ هي سنة الله الممتدة على مرِّ العصور، ومنذ عهد إبراهيمَ عليه السلام.

وكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في (بيت المقدس) ليلةَ الإسراء؛ إعلاناً بأن ما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأن آخر صبغة لـ (المسجد الأقصى) هي صبغة أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالتصق نسبُ المسجد الأقصى بهذه الأمة الوارثة.

وفي السنةِ الخامسةِ عشرة للهجرة؛ تحققت بشارة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ودخل المسلمون (بيتَ المقدس)، وجاء عمر رضي الله عنه من المدينة المنورة إلى فلسطين، وتسلم مفاتيح (بيت المقدس) تسلماً شريفاً في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور.

هذا هو الطريق إلى فلسطين، دخل عمر بعزة الإسلام، ولم يهدم صومعةً، ولا كنيسةً، ولا معبدًا، ولا داراَ، بل ترك للناس دور عبادتهم، وكتب لأهل البلد عهداً وأماناً وأشهد عليه.

وعلى هذا النهج سار المسلمون إلى يومنا هذا، وشهد التاريخ أن اليهود والنصارى عاشوا أسعد فترة في ظل حكم المسلمين لفلسطين، ومارسوا عبادتهم بحرية لم يجدوها في ظل أي حكم قبله أو بعده.

إن المسلمين هم الوارثون الحقيقيون لكل شريعة سماويةٍ سابقة، وهم الأولى بكل نبي ورسول سابق، وفلسطين -تاريخاً وأرضاً ومقدساتٍ ومعالمَ- هي إرث المسلمين، دافع عنها المسلمون أجيالا بعد أجيال. وقدموا لها التضحيات تلو التضحيات، ولا يزالون كذلك لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ.

لا أحد يكره السلام ولا أحد يريد الحرب، ولكن عندما تُغتصبَ أرضٌ؛ وتُهجَّر أسرٌ؛ ويُنفى شعبٌ؛ ويُعبثَ بمقدساتٍ؛ ويُزوَّرَ تاريخٌ؛ وتُغيَّرَ معالـمٌ؛ ويقعَ ظلمٌ شديدٌ بشعبٍ ما زال يُسقى المرَّ منذ عشرات السنين؛ عند ذلك، يبلغ الظلم مداه! ولا يفت الحديد بعد ذلك الا الحديد.

إنك لتعجب من هذا العالم الذي يدعي التحضر واحترام حقوق الإنسان، كيف لا يحرك ساكنا أمام هذا العدوان السافرعلى الإنسان والمقدسات في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

وإن كان الأولى العجب من العجز العربي، والخذلان الرسمي، عجب ممزوج بألم وحيرة عبر عنها عمر أبو ريشة في قصيدته:

أمتي هل لك بين الأمم *** منبر للسيف أو للقلم
أتلقاك وطرفي مطرق *** خجلاً من أمسك المنصرم
ألإسرائيل تعلو راية *** في حمى المهد وظل الحرم ؟
كيف أغضيت على الذل ولم *** تنفضي عنك غبار التهم ؟
أو ما كنت إذا البغي اعتدى *** موجة من لهب أو دم ؟
اسمعي نوح الحزانى واطربي *** وانظري دمع اليتامى وابسمي
رب وامعتصماه انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتّم
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته *** لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه *** إن يك الراعي عدو الغنم

المسجد الأقصى
صورة أرشيفية للمسجد الأقصى

الخطبة الثانية

القدس معناه مطهر، منزه، مقدس..

ذكرها الله تعالى بالبركة في 5 مواضع من القرآن..

هي أرض النبوات، ومهد الرسالات..

ديار أيوب ومحراب داود وعجائب سليمان ومهد المسيح ومهاجر الخليل..

منتهى الإسراء ومبتدأ المعراج..

أرض المحشر والمنشر، أرض الرباط والثبات..

عظمتها الملل، وأكرمتها الرسل، وتُليت فيها الكتبُ الأربعة المنـزلة من الله – عز وجل -: الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن..

هي قبلة المسلمين الأولى وأية المسلمين الكبرى..

أرض الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة..

هي الأرض التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمرسلين إماما إيذانا بإمامة هذه الأمة لغيرها من الأمم.

هي التي ارتبطت بالمسجدين الشريفين الآخرين ارتباطا وثيقا محكما: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ..}

فالمبتدأ المسجد الحرام / والأقصى: المسجد الأقصى / والقصي المسجد النبوي

هذا الرباط المحكم الوثيق لا تستطيع قوى الأرض ولو اجتمعت أن تفك عراه

القدس أعظم من بلفور ووعده، وهي أشرف من كراسي الرؤساء وعروش الملوك التي يحافظ عليها أصحابها بتقديم الرشى وتضييع الحقوق والتفريط في الاقصى.

واجبنا كمسلمي أوروبا في هذه المرحلة التاريخية الصعبة:

  • إن للمسلمين في الغرب حضوراً فاعلا على الساحة الأوربية، وقد تشكلت لديهم قاعدة مادية وفكرية صلبة وشبكة علاقات قوية مع مكونات المجتمع الأوروبي المختلفة.   وواجبهم تجاه قضية المسجد الأقصى وبيت المقدس كبير، وذلك من خلال المساهمة في نقل الرواية الصحيحة حول ما يجري في بيت المقدس – كلٌّ بحسب موقعه ومساحاته المتاحة – وإظهار زيف الرواية الصهيونية التي تشوه عقول الغربيين وتحرف مواقفهم من القضية الفلسطينية العادلة.
  • التواصل مع الجهات الفاعلة في بلادنا الأوروبية الديمقراطية التي تنادي بحقوق الإنسان، فإن ما يقوم به الاحتلال في فلسطين ينافي كل المبادئ الإنسانية الأوروبية، ومن واجبنا أن تتخذ بلادنا الأوروبية المواقف المنسجمة مع قيمها ومبادئها، وأن نحرضها على ذلك بكل الوسائل القانونية الممكنة
  • تفعيل كل وسائل الدعم الإنساني لأهلنا في فلسطين عامة وبيت المقدس خاصة لتثبيتهم، بالكلمة والمقالة ووسائل التواصل الاجتماعي والمال والدعاء، ضمن القانون وعبر الوسائل الرسمية ومن خلال الجهات المختصة الموثوقة، والباب مفتوح لكل الصادقين، ولن يعدم المخلصون الوسائل.

وختاماً القدس إسلامية وستبقى إسلامية، ولا يجب أن يفت من عضدنا أو يوهن من عزائمنا ما نشهده من تآمر وخذلان، بل يجب أن نستغل هذه المناسبات لتأكيد الحقوق وتثبيت المبادئ، وربما تكون هذه الاعتداءات الصارخة فرصة لإيقاظ الأمة من سباتها. وتفعيل طاقاتها.

وليحاول كل واحد منا أن يكون وعد الله ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِس.

المجلس الأوروبي للأئمة

Posted on Leave a comment

إذا كان القرآن شفاء فما بالنا مرضى؟

أخبر القرآن الكريم عن نفسه أنّه شفاء. ورد ذلك عامّا ثمّ خصّص بقوله سبحانه (يا أيّها النّاس قد جاءتكم موعظة من ربّكم وشفاء لما في الصّدور). ولكن عندما نقرأ القرآن بأعيننا لا بأفئدتنا فإنّنا لا نلقي بالا لهذا التّخصيص. وعندما نقرأ القرآن الكريم مجزّأ مشتّتا فإنّنا لا نظفر منه بشيء. إذا كان القرآن الكريم شفاء عامّا مطلقا غير مقيّد فأيّ معنى لقوله (شفاء لما في الصّدور)؟ وإذا كان شفاء للأبدان والأجسام فلم كان يوجّه (عليه السّلام) المرضى من صحابته إلى طبيب مشرك هو (الحارث بن كلدة)؟ ولماذا ازدهرت مهنة الطّب في بغداد وقبل ذلك وبعده حتّى جمع بعض العلماء في التّاريخ بين علمي الدّين والطبّ؟ وعندما يقضي الله سبحانه بأن يبرأ سيّد قبيلة لديغ بسبب قراءة سورة الفاتحة عليه فهل يعني ذلك نسخ آيات طلب العلم في كلّ المجالات والحقول؟ ماذا لو فهم ذلك المسلمون الأوّلون؟ إذن لما كان ابن رشد وابن سينا وغيرهما ممّن جمعوا بين الدين والدنيا.

ما هي العاهات العربية التي عالجها القرآن؟

إذا كان الصّحابة هم الذين حملوا هذا الشّفاء بقوّة إلى واقعهم فأصلحوه فهل لنا اليوم أن ننسخ المنهاج الذي وضعوه فشفاهم الله به؟

من أكبر العاهات العربية لمّا نزل هذا الشّفاء تأبّيهم عن الانقياد والانضباط والاجتماع أنفة وكبرا. ولمّا فقهوا أنّ إجتماعهم شفاء حملوا أنفسهم حملا عجيبا على بناء سقف واحد يؤويهم ولكنّه لا يصادر حرياتهم ولا يشطب تنوّعاتهم. لا زلت على رأيي القديم أنّ تلك المعجزة لا تضاهيها معجزة. معجزة هذا الشّفاء العظمى هي توحيد الصفّ العربيّ تحت سقف سياسيّ واحد. وكلّ واحد منهم كان قبيل ذلك بقليل مارجا من نار يفور أبّهة. من العاهات كذلك حالة الأمّية التي كانت تستبدّ بالوجود العربيّ. كلّ ضروب الأمّية: الابتدائية والحضارية العمرانية. ولمّا عالجوا أنفسهم بهذا الشّفاء فإنّهم قادوا الأرض كلّها بعلومهم ومعارفهم في كلّ التخصّصات الكونية. وأضحت عواصمهم السياسية قبلة طلبة العلوم والمعارف (من دمشق إلى بغداد و من غرناطة إلى القسطنطينية). والحقّ أنّه من لم يدرس كلّ ذلك من كتاب المستشرقة الألمانية (سغريد هونكه) ” شمس الله تسطع على الغرب ” لن يقدّر هذا الشّفاء قدره. وهل قامت حضارة الغرب المعاصرة سوى من بعد استيرادها لتلك العلوم والمعارف في إثر حروب الفرنجة؟ تلكما عاهتان نجح العرب في شفاء أنفسهم منهما إذ فقهو كيف يعالجون أنفسهم (عاهة التفرّق أنفة وعاهة الأمّية).

منهاج تناول الشّفاء القرآنيّ:

١- الجمع بين الكتاب والميزان. بمثل ما ورد في الوصفة الطبية في سورة الحديد. إذ لا يتحقّق مقصد القيام بالقسط حتّى يؤخذ بكفتي الشّفاء معا (الكتاب + الميزان).

٢- الجمع بين حرف القرآن وحدّه معا. كما قال حبر الأمّة (يأتي على النّاس زمان كثير قرّاؤه قليل فقهاؤه).

٣- الوعي الكافي برسالة القرآن الكريم أنّها رسالة تحريرية جامعة شاملة. كما صدع بذلك واحد من الذين تشرّبوا هذا الوعي الصّحيح وهو يثقب بسيفه بلاط فارس. (ربعيّ بن عامر: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد).

٤- تناول الشّفاء القرآنيّ أنّه حركة جماعية لا فردية. وأنّه جاء ليشفي النّاس. وليس أمّة بعينها فحسب. أو فردا بعينه فحسب. ولولا ذلك لما صاغ كلّ نداءاته بضمير الجمع خطابا للمؤمنين وللنّاس ولبني آدم.

٥- توظيف كلّ الولاءات الجزئية والانتماءات الفرعية لأجل رصّ صفّ واحد وتشييد سقف واحد. وليس تحكيم الفرعيّ في الكلّيّ.

٦- الوعي منذ البدء بأنّ إصلاح النّفس ليس مقصودا لذاته. بل تأهّلا لخوض معركة الإصلاح أمرًا بالمعروف ونهيا عن المنكر. أمّا تزكية النّفس لأجل الفرار من النّاس بزعمه أنّهم هلكوا فهو أحبولة شيطانية.

٧- فقه سنن الاجتماع وقوانين العمران جنبا إلى جنب مع فقه الدين في أوامره ونواهيه وحلاله وحرامه. وليس تضخيم هذه وإهمال تلك.

ما هي عاهاتنا المعاصرة؟

١- جاء الشّفاء القرآنيّ يأمر بالعلم والمعرفة. ولكنّ حصيلتنا المعاصرة من ذلك هي : أكثر من ثلاثة أرباع المسلمين هم أمّيّون بالكامل. أيّ نصيب لك أن تتصوّره لأمّة عنوان دينها (اقرأ) وسلاحه (القلم) وهي أمّية في عالم يتنفّس علما ومعرفة؟

٢- جاء الشّفاء القرآنيّ يعلّمنا أنّ الاختلاف إرادة ربانية ماضية مطّردة. وأنّ التدين هو تركيب الخلافات في بوتقة التعاون. ولكنّ حصادنا هو: صوفية تكفّر السّلفية. وسلفية تكفّر الصوفية. ووهابية تزدري الأشعرية. وثكنة عسكرية تسمّي نفسها (أهل السنة والجماعة) تقصي من تشاء وتؤوي من تشاء.

٣- جاء الشّفاء القرآنيّ يأمر بإقامة العدل والحكم به بين النّاس وفق منهاج عنوانه (طاعة الله أوّلا ثمّ طاعة رسوله ثانيا ثمّ طاعة الاجتهاد من أهله في محلّه ثالثا). وليس كسبنا مذ دهسنا الشّرعية عام 40 هجرية عدا إعادة إنتاج بليد لنظام كسرويّ هرقليّ وراثيّ عشائريّ قبليّ ما جاء الإسلام إلاّ لتحرير البشرية منه.

٤- جاء الشّفاء القرآنيّ يأمر بالجهاد تحريرا للأرض المحتلة والعرض المنهوك. ولم يكن حظّنا من ذلك سوى تنافسا محموما على التّطبيع مع الكيان الغاصب لأغلى أرضنا (مسرى محمّد عليه السّلام وثالث الحرمين وأولى القبلتين). 

خلاصة:

١- القرآن الكريم شفاء لما في الصّدور أوّلا. في الصّدور شخصية معنوية تتركّب من العقل والرّوح والنّفس والعاطفة والذّوق. وهو في الآن ذاته شفاء نفسيّ ووقاية من الأمراض الرّوحية. هو لقاح عنيد يقوّي المناعة الداخلية. وعندما يأذن له الله أن يبرىء علّة بدنية فهو استثناء. وليس هو القاعدة الأصلية.

٢- القرآن الكريم شفاء ككلّ شفاء. أي أنّ الذي وصفه أرفق معه بمنهاج وقائيّ وعلاجيّ. كما يفعل كلّ طبيب يفحص مريضا. لا يصف له دواء حتّى يشترط عليه لزوم منهاج تناول ذلك الدّواء. حمل الشّفاء القرآنيّ معه منهاج تناوله وشدّد في ذلك على أمرين: الميزان الذي ينزّل ذلك الشّفاء من جهة وإتّباع محمّد عليه السّلام. إذ هو خير من تشرّب ذلك الشّفاء وخير من عالج به الإنسان. القرآن الكريم شفاء لمن يؤمن به أنّه كذلك ثمّ يتوقّى به من الأمراض توقيّا ثمّ يعالج به الحياة. أمّا الحبّ وحده فلا يصنع شفاء ولا يطرد علّة.

٣- القرآن الكريم شفاء يعالج كلّ زمان وكلّ مكان. فإذا تناولناه لمعالجة أدواء ذهبت في سبيل حالها فإنّا لا نجني عدا قعود وعطالة وبطالة وكسلا. هو شفاء متجدّد ينبض حياة. ومؤهّل لمن يفقهه لمعالجة كلّ تحدّ جديد. وهو شفاء يبرئ الأحياء الذين يسمعون. أمّا الموتى فلا يشفيهم. وهل يحتاج الموتى إلى شفاء؟

القرآن الكريم شفاء دون ريب.

ولكن كيف ندّعي به وصلا ونحن مرضى منذ قرون سحيقات غابرات؟

ذلك هو السّؤال المفتاحيّ الصّحيح.

بقلم الشيخ: الهادي بريك.