Posted on Leave a comment

من فقه التّعامل مع المسلم الأوروبي الجديد

مقدّمة

حركة اعتناق الإسلام في أوروبا تغذّ السّير غذّا عجيبا. لم تعد تخطئها عين سيما في قطاع المرأة والشّباب بصفة عامّة. أمّا الحديث عن المعتنقين الجدد – من الذين يكتمون إيمانهم خوفا من عذابات لا تقلّ كثيرا عن العذابات ذاتها التي رزح تحتها المؤمنون الأوّل في مكّة – فهو مثل الحديث عن مخاض يوشك أن يستهلّ وليده باكيا يشكو ضيق الأرحام أو فجر صادق يهجم على مناكب الأرض فما يدع فيها ظلال غلس إلاّ بدّدها.

من فقه معالجة المسلمين الجدد

أيّ خصوصية لهؤلاء؟

هؤلاء أشبه شيء بالمؤمنين الأوّل الذين انضموا إلى دعوة النبيّ محمّد (عليه السّلام) في مكة. مهما كانت إغراءات الإسلام مدوّية في صدورهم ومهما ساقتهم إلى الله وعوده فإنّه علينا نحن أن نعلم أنّ المؤمن الجديد فسيلة جديدة غضّة طريّة نبذتها شجرتها الأمّ فهي في العراء. ليس بدعا أن تكون العذابات التي يئنّ تحتها سياطها هؤلاء – وهم ينعمون في أوروبا بالأمن ورغد العيش – أشدّ وقعا عليهم ووطئا ممّا كان يلقاه بلال الحبشيّ عليه الرّضوان أو سميّة أمّ عمّار بن ياسر. ما ينبغي لنا أن نكون أخبابا فنظنّ أنّ منطوقات الديمقراطية وحقوق الإنسان كفيلة بحماية حقوق هؤلاء. روى لي صديق في ألمانيا قبل ثلاثة عقود أنّ موظّفة مصلحة التّجنيس قالت له: سنتغاضى عن بعض شروط التّجنيس لأجل البراعم الثّلاث الذين يؤمّون مدرستنا! يعني أنّ المعركة بين الوجود المسلم في أوروبا وأوروبا نفسها (دولة ومجتمعا) هي معركة حامية الوطيس، وموضوعها من يفرّ بتلك البراعم ليصنعها على عينه (الأسرة المسلمة والمسجد أم البيئات الأخرى)، ولو لم تكن حركة الإكراه ضدّ كلّ مؤمن جديد حركة ناشبة لا تموت ما حفل بها الذّكر الحكيم مرّتين في كتابه (سورة العنكبوت وسورة لقمان).. بسبب مهنة الإمامة عرفت هذا وعالجته مرّات في ألمانيا.

ما ينبغي لنا أن نتجاهل ما تعانيه الفتاة الأوربية التي تحرم من خمارها في البيت وفي المدرسة وفي كلّ الفضاءات إلاّ فضاء المسجد الذي قد تأتيه متسلّلة خائفة كما يأتي الصّحابة دار الأرقم، ربّما لو تكافل أئمّة أوروبا على حشد كلّ ما عالجوه ممّا يرزح تحته المسلم الجديد (وخاصّة المرأة) في سفر واحد لنفد مداد أقلامهم. ولكن استحكمت العداوات بيننا وبين القلم وما يسطر. هؤلاء بكلمة واحدة: لفظتهم مجتمعاتهم بل أوصدت في وجوههم أبواب العلم والعمل وما انفتحت لهم أبواب الوجود المسلم الأوروبيّ. أولئك هم الغرباء حقّا.

من عناوين فقه معالجتهم

1- اغتسال المسلم الجديد

لا صحّة مطلقا لوجوب اغتسال المسلم الجديد. ولا حتّى هو مسنون. لم يثبت في السنّة أبدا أنّه أمر مسلما جديدا بذلك ولو على وجه التّرغيب. الذين اخترعوا ذلك اجتهادا منهم لا سلطان لهم على ما ثبت في الوحي الكريم. فما بال أئمّة يفرضون على المسلم الجديد ما ليس لهم به من سلطان؟ مثل هذا حتّى لو ثبت من الدين علينا تيسير الأمر فيه، فكيف وهو اختراع لا يلزم عدا من اخترعه؟!

2- تغيير المسلم الجديد اسمه

ومثله تغيير الاسم؛ عاينت انزعاج كثيرين وكثيرات من المسلمين الجدد لأسمائهم ممّا قرؤوا في بعض مواقع التّواصل الاجتماعي أو ممّا أفتاهم به بعض الذين طُبعوا على التّعسير طبعا. لن أزال أقول للنّاس وبكلّ اللّغات: الإسلام ليس له لا لسان رسميّ ولا لون رسميّ ولا عرق رسميّ ولا وطن رسميّ ولا مذهب رسميّ ولا تيّار رسميّ ولا مدرسة رسمية. الرّسميّ الأوحد فيه أنّه الدين الخاتم الذي يستوعب كلّ النّاس غير آبه لا بما لن يسألوا عنه يوم القيامة (من لسان ولون وعرق) ولا بما كانوا عليه قبل إسلامهم. ألم يبسط سبحانه دعوة التّوبة في وجه أصحاب الأخدود؟ ليس هناك في الإسلام شيء اسمه (اسم إسلاميّ) ولا (أصل إسلاميّ). حتّى الذين غيّر (عليه السّلام) أسماءهم (ولا يزيد عددهم عن ثلاث) إنّما استحبَّ لهم ذلك تيمّنا بقيم السلم والرّفق، ولم يكن ذلك أمر وجوب منه، هو تحسينيّ بلسان المقاصديين.

ليس للإسلام لسان رسميّ حقيقة تزعج العرب الذين لم تذعن عقولهم إلى الله كلّ الإذعان. كثيرون يظنّون أنّهم بلسانهم العربيّ أولى بالإسلام وأدنى إلى محمّد (عليه السّلام)، نزول الوحي باللّسان العربيّ على نبيّ عربيّ لا يعني البتّة أنّ العربية هي اللّسان الرّسميّ للإسلام، لو كان ذلك كذلك فإنّه لا يُقبل إيمان مؤمن حتّى يكون عربيّ اللّسان.. من يتجرّأ على هذه الوقاحة؟ علينا إذن تعريب زهاء مائة مليون مسلم يرطنون اللّسان التركيّ ومثلهم اللّسان الأورديّ وأضعاف أضعافهم ألسنة إفريقية وهندية وصينية لا تكاد تحصى. لا يرتقي مسلم ليكون فقيهًا مجتهدا حتّى يتعرّب لسانه كلّ التعرّب، هذا صحيح، ولكن ليس للإيمان لسان رسميّ، الذي يختار اسما غير اسمه منهم فلا حرج عليه إذ هو حرّ حرّية كلّ واحد منّا في تغيير اسمه، ولكنّ الإيحاء الشديد ممّا يقوم به بعض الأئمّة جهل بل جهالة. 

3- ختان المسلم الجديد

الختان نفسه خلّة من خلال الإسلام، وليس شرطا ولا فريضة ولا واجبا كما يتشدّد في ذلك كثير من الأئمّة. وقد عاينت هذا بنفسي؛ إذ يشكو إليّ بعضهم أنّ بعضهم اشترط عليه الاختتان.. ألم يختتن خليل الرّحمان نفسه عليه السّلام بقدّوم وقد بلغ من الكبر عتيا؟ كيف يختتن المسلم الأوروبيّ الذي يكون في العقد الثاني من عمره أو بعد ذلك؟!.. ما حزنت في حياتي حزنا مثلما حزنت يوم علمت بردّة مسلم سويسريّ قبل ثلاثة عقود إذ لم يعد يتحمّل لهث الجهلى خلفه لهثا على مدار السّاعة يكرهونه على الاختتان وهو في العقد السابع من عمره وهو يأبى ذلك لاستحالته عمليا! من يتحمّل ردّة هذا؟.. لا أرتاب طرفة عين أنّه لو كان (عليه السّلام) بيننا سيقول لهؤلاء الحمقى ما قاله لبعضهم ممّن أفتوا أميرهم بالاغتسال ففعل فمات (قتلوه قتلهم الله).. أجهّالكم خير من أولائكم (ردّوه عن دينه ردّهم الله). بل إنّ بدعة ختان الإناث التي أثارها حمقى الشّرق لها اليوم أصداء سيئة في الغرب، وهي سؤال من أسئلة فتيات أوروبيات مسلمات حديثات، أليس من الرّثاثة أن يؤمّك المسلم الجديد فتسأله عن عضوه التّناسليّ؟! هذا تديّن فاسد دون ريب.. هل تجد أثرا واحدا – وليكن موضوعا مكذوبا – أنّه عليه السّلام فعل هذا أو أمر به وقد أسلم لدعوته كثيرون لم يكونوا يختتنون؟

4- الوشم وما في حكمه

يهدي الله لدينه أقواما أوغلت فيهم عادات غربية كلّ الإيغال حتّى ليسلم الواحد منهم وجسمه كلّه أوشام وصور وعلامات، وبعضها مستقذر، بل محرّم (صورة صليب أو فرج)، يجب استقبال هؤلاء كما هم وكأنّ ما بهم شيئا مطلقا، أليس الإسلام يجبّ ما قبله؟ هل تجد أثرا واحدا (وليكن موضوعا مكذوبا) أنّه عليه السّلام أمر مؤمنا جديدا بالانسلاخ من ماله ومنه محرّم دون ريب؟ أيّهما أكبر: جسم نبت بسحت أم جسم أنهكته الأوشام؟ الله الذي تاب عن قاتل سيّد الشّهداء وعن التي لاكت كبده بين أسنانها لوكا تقشعرّ منه الجلود هو نفسه الذي يتوب سبحانه عن كلّ ما فعله هؤلاء بأنفسهم وبالنّاس. بل إنّه يتجاوز ذلك ليبدّل كلّ ما فعلوه من فواحش حسنات. أقول في نفسي: هؤلاء هم محلّ غبطتنا، بل حسدنا.. كلّما شهدت إسلام أوروبيّ أو أوروبية أقول له: نزل عليك الملَك الآن بعدّاد جديد (أرقامه: 0000).

والحقّ أنّي أقول ذلك مؤمنا به وغابطا صاحبه.

5- ملبس المسلم الجديد

لكم يسوؤني أنّ كثيرين ممّن يسلمون من الأوروبيين يظنّون أنّ عليهم أن يسلموا نمط حياتهم كذلك إلى بيئة غير بيئتهم (بعضهم يتقلّد عباءة باكستانية وذاك ملابس إفريقية). ولا تجد من الأئمّة – إلاّ قليلا – ممّن يعلّمونهم أنّ الله يدعوهم إلى دينه وليس إلى أن يتعرّبوا أو يتأفرقوا أو يتشرّقوا. ترى بعضهم يتقلّد جلبابا أبيض خفيفا وهو في يمّ البرد في أوروبا ظنّا منه أنّها السنّة، والأئمّة مسرورون بذلك!

أوّل ما يشنّ المسلم الجديد الحرب على أهله بلباسه. أليس نحن من اجترح هذه البدع القولية (زيّ شرعيّ ولباس شرعيّ)؟ وأخشى أن تطوّح بنا حماقتنا لنقول بعد سنوات أو عقود (هواء شرعيّ وأرض شرعية!).

ولكم يتشدّد أكثر الأئمّة مع خمار المسلمة الجديدة، بل إنّ بعضهم – وأخشى أن يكون أكثرهم كذلك – يتمنّى أن تنتقب حتّى تكون الصّدمة على مجتمعها وبيئتها قاسية. بعضهم يحرص على الاختمار أكثر من حرصه على تعليم المسكينة أصول دينها وتهنئتها بأعظم يوم مرّ عليها وتبشيرها برحمة الله. لا أرتاب طرفة عين أنّ مصيبتنا في فقه مراتب الأعمال وثقافة الأولويات مصيبة ناكية. الخمار الذي فرض في آخر عهد الرّسالة نجعل منه نحن اليوم أصلا أو ركنا، نظنّ أن خير ما ننتقم به من خصوم الإسلام والخمار هو تجاهل مراتب الإسلام نفسه وإكراهات واقعنا؛ لذلك نسارع إلى اختمار المسلمة الجديدة حتّى نطمئنّ! الذين يبتهجون لانتقاب مسلمة أوروبية ألا يخشون أنّهم يشيّدون بهذا جدرا سميكة بين المنتقبة وبين بيئتها؟ فلا حوار ولا كلام ولا سلام.. ثمّ يموت دينها معها كمثل شجرة ما أينعت ثمرا ولا ظلاّ حتّى اجتالتها عواصف الأيام. ومثل ذلك مع الالتحاء؛ إذ يحلو لأكثر الأئمّة – بل كلّهم في الحقيقة – أن يقولوا أنّ الفقهاء الأربعة على حرمة حلق اللّحية.. أضحى هذا قطعيا محكما يرمى بالزّندقة من يعترض عليه! ويغيب الواقع كلّ الغياب. وكأنّ المسلم الأوروبيّ الجديد يعيش في الخلافة العباسية حيث لا يحلق لحيته لا مسلم ولا غير مسلم.. ومرّة أخرى يجتهد الإمام في حفر خندق بين هذا المسلم الجديد الملتحي وبين مجتمعه.. كلّ ذلك لأجل لحية لا يمكن أن تتجاوز السنّية بحال. ولكم صدق الحكيم إذ قال: من شغله الفرض عن النّفل فهو معذور ومن شغله النّفل عن الفرض فهو مغرور. 

6- اقتناء المسلم الجديد للكلاب

يندر أن تجد أوروبيا أو أوروبية – سيما إذا جاوز عقده الخامس – بدون كلب في بيته. الكلب عندهم يعوّض الولد الذي لم يُنجب أو طوّحت به الحياة المادية في فجاج نائية، فلا يكاد الأوروبيّ يسلم حتّى ينقضّ الإمام – إلاّ قليلا – على كلبه ليقول فيه ما لم يقله مالك في الخمر كما يقولون.. كأنّ وجود كلب بالبيت – حتّى لمن أسلم وهو كذلك – ناقض من نواقض الإيمان المغلّظة! وكأنّ مالكا الذي يسّر في أمر الكلب وما يخرج منه ليس فقيها ولا محدّثا! إذا كان أساطين الفقه الأوّل (عمر وعليّ وغيرهما) قد قضيا بعدم التّفريق بين الزّوجين إذا أسلم أحدهما دون الآخر فكيف نفرّق بين مسلم جديد وكلبه؟! أليس من يفضي إليها أولى؟ وما مصير كلب يستغني عنه صاحبه في أوروبا؟ هو نفسه يتعرّض لتتبّعات هو في غنى عنها. قال الفقهاء: يغتفر في الانتهاء ما لا يغتفر في الابتداء، ومن لا يميّز بين ابتداء وانتهاء ومثله من لا يرعى واقعا ومآلا فإنّ عليه فقه قوله عليه السّلام (إنَّما شِفاءُ العِيِّ السُّؤالُ). الكلب الذي يؤنس صاحبه القابع وحده في بيته لسنوات وعقود هو كلب مقيس على كلب صيد أو حراسة. 

7- معاملة المسلم الجديد لوالديه

(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) لقمان-15. نحن الذين نشأنا في بيئة دينية لا يمكن لنا أن نتصوّر مثل هذا، نقرأه نظرية بأعيننا، ولكن لا نعيه كما يعيه المسلم الجديد، هو له جمر حام يطأه ليل نهار صباح مساء.. علينا تقدير هذا. الغالب علينا – إلاّ قليلا – عدم الحزم اللَّازم ليعلم المسلم الجديد أنّ الله لا يقبل منه إيمانًا إذا كان يعامل والديه – حتّى وهما يجاهدانه كلاهما كلّ مجاهدة ليرتدّ عن دينه – بمقتضى دينهما وليس بمقتضى والديتهما له. نحرص على خمار المسلمة ولحية المسلم كلّ الحرص ولكن لا نحرص على تعليمه هذه القيمة العظمى؛ أي الذّلة بين يدي والديه غير المسلمين – حتّى لو كانا من ألدّ أعداء الإسلام -. لسان حالنا متبرّم من هذا التعليم الإلهيّ، نسوق لهم أوّل ما نسوق أنّ الصحابيّ الفلانيّ قتل أباه في بدر. تعاليم الإسلام فينا مركومة ركام كومة تبن لا يفضل فيها شيء شيئا.

8- الانتماء الحزبي والطائفي

يودّ كثير منّا لو يسبق انتماء المسلم الجديد إلى مذهبنا أو تيارنا أو مدرستنا أو طائفتنا قبل انتمائه إلى عرى الولاء الأعظم (الله ورسوله والذين آمنوا). نريد منه أن يكون صوفيا إذا كنت أنا صوفيّ، وسلفيا إذا كنت أنا سلفيّ. أوّل ما نحذّره من الأشاعرة والإخوان ومنابذة الدولة.. والمسكين لا يكنه شيء من هذا. يجد نفسه في طرفة عين عدوّا للشيعة وهو ومن معه من الفرقة النّاجية وزهاء مليارين من المسلمين ضالّون. كيف تريد من هذا أن يتشرّب قيم الرّحمة وخفض الجناح؟ كيف تنتظر منه أن يشفق على أمّة حقّها التّكفير ثمّ الإجهاز؟ لفرط ما يملؤون رأسه بما لا يفيد ولا ينفع ممّا غيّبه الله عنّا لحكمة. يترك عمله ودرسه وينشغل بأسئلة العطّالين والبطّالين (من يأجوج ومأجوج وأين هم، وأين كهف الفتية، وسفينة نوح، وكلب الفتية، وماذا ظهر من أشراط الساعة، وما هي الدّابة التي تكلّم النّاس، وكيف هي حياة القبر – التي يستمع إلى ما لا يحصى من الأشرطة التي تصفها له لحظة بلحظة كأنّ المتحدث خرج لتوّه من هناك).. ولا تمرّ عليه أسابيع معدودات حتّى يبغض بلاده وأهله، ثمّ ينفي نفسه في بلاد أسيوية أو إفريقية بزعم تعلّم الإسلام، ويقطع رحمه! كلّ ذلك يتحمّل وزره الإمام الذي فقد بوصلة الدعوة فقدّم ما حقّه التأخير وكبّر ما حقّه التّصغير. أعرف زهاء خمسة من هؤلاء ممّن أسلم أيام الثّورة السورية قبل زهاء عقد ونيف وملأ بعض الحمقى رؤوسهم بأنّ الجهاد في سوريا فرض عين، ولمّا عجزت كلّ العجز عن صرفهم عن تلك الحماقة ذهبوا إلى هناك وقُتل بعضهم وهو يقاتل مسلمين أكرادا ظنّا منه أنّهم كفّار بحسب ما أوحى إليه أميره العربيّ، كنت أقضي معه ساعات طويلات لأقنعه ببرّ أمّه المسيحية التي لا ترضى باعتناقه الإسلام. 

خلاصة

الله الذي هدى إليه بغير حول منّا ولا طول هذا المسلم الأوروبيّ هو نفسه أمرنا باستيعابه وتعليمه وترشيده. ما كانت دار الأرقم طللا من الأطلال، إنّما محضن تربويّ وتعليميّ يمتلئ فيها المسلم الجديد بقيم الإسلام، كان ذلك كذلك والمسلمون الجدد عربا أقحاحا، كيف والمسلم الجديد اليوم ليس عربيا؟ حقّ هؤلاء علينا كبير وكثير. بسهولة تخطفهم دعوات منحرفة ليكون هذا حربا على بيئته وليس رحمة بها ولينزوي ذاك في كهفه فلا يغنم من دينه الجديد شيئا يذكر. المسجد الذي لا يؤمّه هؤلاء نساءً ورجالًا هو مسجد فاشل.. أهله يعيشون في أوروبا بعقل بدويّ. خير ما نحتضن به هؤلاء هديا نبويا قحّا بريئا من كثير من التّعقيدات والتعمّقات والتشديدات التي علقت بكثير من أسلافنا.

إذا عجزنا عن مهمّتنا الأولى في أوروبا (التّعريف بالإسلام) فما ينبغي لنا أن نعجز عن احتضان هؤلاء. ومِن ذا؛ فإنّ مهمّة المجامع الدعوية والعلمية هي: تأهيل الأئمّة والدّعاة الذين يجمعون بين فقه دينهم وفقه واقعهم معا. ألم تقل العرب: فاقد الشيء لا يعطيه؟. 

كتبه: الشيخ/ الهادي بريك. – ألمانيا

اقرأ أيضا:

نحو ترشيد الحضور المسلم في أوروبا…. قضايا فكرية ومجتمعية

المسلمون الجدد بين عالمَين

Posted on Leave a comment

مختارات نبوية | حلول نبوية لمشكلة اجتماعية

الحديث السادس: حلول نبوية لمشكلة اجتماعية

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ نَرَ – يُرَ – لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ» ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح.

المعنى العام للحديث

رُوي هذا الحديث بثلاث صيغ: لم نر، لم ير، لم تر، فالأولى: لم نر: أي نحن، والثانية: لم يُر أي العقلاء، والثالثة لم تر: أيها السامع، والحديث يؤسس لكيفية التعامل مع حالات الحب والعشق بين رجل وامرأة قبل الزواج وكثيرا ما لا يكون هناك توافق أو تكافؤ بين المتحابين أو يكون العشق بينهما خارج عن الأطر المتعارف عليها مجتمعياً، كأن يكون فارق السن بينهما كبيراً، أو المستوى التعليمي أو المالي، أو شاب صغير السن يحب مطلقة أو أرملة، أو مسلم يتعلق قلبه بكتابية غير مسلمة وغير ذلك من الصور التي يغلب على الظن عدم نجاح الزواج فيها، وهو ما يؤيده سبب ورود الحديث فعن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، في حجري يتيمة وقد خطبها رجل موسر، ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس للمتحابين مثل النكاح “.

فالحديث يرشد الأولياء والمجتمع إلى التعامل الأمثل مع هذه الحالات التي تعتبر حالة مرضية بأن الزواج والتعجيل به هو الحل الذي يحميهما من الوقوع في الفاحشة المحرمة. فالحديث لا يؤسس للحب قبل الزواج وإنما يرشد لكيفية التعامل معه إذا وقع وتلك أمور اجتماعية وقلبية ونفسية واردة الحدوث في أي مجتمع، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يدعو الأولياء إلى عدم التفريق بين المتحابين بمنعهم من الزواج، أو حملهم على الوقوع في المحرمات، أو الزواج بعيدا عن المحيط الاجتماعي للأسرة، فالزواج للمتحابين خير علاج ووقاية وحماية وتقليل للمخاطر والأضرار التي يمكن أن تقع إذا منع المتحابان من النكاح. 

وهذا المنهج النبوي مهم جدا للمسلمين في الغرب حيث يقع كثيرا أن تتعلق فتاة مسلمة بشخص لا يتوافق مع تفكير عائلتها وقد يكونوا على حق في عدم مناسبته لها، لكنها تصر على الارتباط به ويصر الأهل على الرفض مخالفين بذلك هذا الحديث النبوي الشريف فينتهي الأمر بهم إما إلى إكراهها على الزواج بغيره فلا تنجح الأسرة، أو تنتهي إلى رفض فكرة الزواج بالكلية، أو تترك البيت وتتزوج بعيدا عن أهلها، أو تقع فيما حرم الله، وما يجري على الفتيات يجري على الشباب وربما أكثر.

 والمنهج النبوي هنا يقتضي المسارعة إلى تزويجهما مع الاستمرار في التوجيه والرعاية، ومن المعاني التي أشار إليها بعض العلماء استنباطا من هذا الحديث: أن الزواج يثمر وينمي الحب وإن لم يكن هذا الحب موجوداً قبل الزواج. 

رسائل الحديث: 

  1. الإسلام راعي الحاجات البشرية والميول القلبية للناس وتعامل معها بعملية وواقعية لا بمثالية وهمية. 
  2. حركة المسلم تنضبط بضوابط الشرع، والشرع يفتح الطريق واسعا للحلال الطيب قبل أن يمنع الحرام الضار. 
  3. الأصل أن يختار الشاب والفتاة عند الزواج من يتوافق معه ويغلب على ظنه حسب صفاته أنه سيُكِّون معه أسرة مستدامة ناجحة، وأن الزواج المبني على التقارب والتكافؤ سيثمر الحب والمودة الدائمة. 
  4. التوجيه بتزويج المتحابين لا يعني الدعوة إلى الحب قبل الزواج، وإنما الإرشاد إلى تقليل الضرر في التعامل مع حالات العشق بين شخصين غير متكافئين بتزويجهما. 
  5. الأسرة المسلمة في الغرب أهم كيان يجب صيانته وحمايته بتحمل كل الأطراف المسؤولية عنه. 
  6. قبل دعوة الأولياء إلى الالتزام بالمنهج النبوي في تزويج المتحابين لابد من دعوة الأبناء والشباب المسلم في الغرب إلى البر بآبائهم وعدم عقوقهم وإدارة الخلافات الأسرية بالحوار والتعاون والموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت. 

الحديث السابع: الزنا يذهب بالإيمان

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» سنن أبي داود (4/ 222) بسند صحيح. 

المعنى العام للحديث 

حرم الإسلام الزنا وعده من أكبر الكبائر والفواحش؛ لأنه يضر بكلية حفظ النسل أو النسب والعرض كما يعود على مقصد الاستخلاف وتعمير الأرض بالإبطال، وأوجب عقوبة حدية دنيوية على فاعله، وكثيرا ما يقف الناس عند العقوبة الحسية ويغفلون عن العقوبة الأخطر منها وهي العقوبة المعنوية القلبية التي يشرحها هذا الحديث وهي خروج الإيمان بالوقوع في الزنا وهي عقوبة أشد خطرا من العقوبة الحسية الحدية فماذا يبقى للإنسان بعد خروج نور الإيمان من قلبه، أو نفي الإيمان أصلا عنه كما في الحديث الآخر: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، قال أبو سعيد: قلت وكيف يكون يا رسول الله؟ قال: “يخرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه” مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (3/ 1190). 

وتفسيرات العلماء لنفي الإيمان عن الزاني أو خروجه منه مخيفة مرعبة فمنهم من قال: المراد نفي كمال الإيمان؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: “منْ قَالَ لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق”، وقيل أنه بمعصيته يكون منافقا نفاق معصية، وقيل: أي ليس بمستحضر فِي حالة تلبسه بالكبيرة جلال منْ آمن به، فهو كناية عن الغفلة، التي جلبتها له غلبة الشهوة، وقيل: عدم الأمان منْ عذاب الله، وقيل: يُسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه، قَالَ عكرمة: قلت لابن عباس: كيف يُنزع منه الإيمان؟ قَالَ: هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه، هكذا. ثم شبك بين أصابعه، وقيل: يخرج منه نور الإيمان، وقيل: يخرج منه الحياء أي أنه وقت الزنا لا يستحي منْ الله؛ لأنه لو استحى منه، وهو يَعرف أنه مشاهد حاله، لم يرتكب الفاحشة، ولو أن العبد تذكر واحدة من هذه المعاني واستحضرها لما أقدم على الفاحشة المحرمها فأنى لعبد أن لا يستحي من مولاه، أو أن يكون منافقا بالمعصية، أو أن يطفئ نور الإيمان في قلبه فتظلم دنياه وآخرته. 

ومعنى كان عليه كالظلة أي: السحابة شبه الإيمان بالسحابة لسرعة حركتها ذهابا وعودة، وما يترتب عليه من نزول المطر والخير والشمس أو منعه، فذهاب نور الإيمان بالزنا يكون سريعا كالسحابة وعودته بالتوبة والإقلاع كذلك.

رسائل الحديث

  1. الزنا من أكبر الكبائر وأعظم الفواحش وعقوبته المعنوية في الدنيا أعظم من عقوبته الحسية. 
  2. انطفاء نور الإيمان في القلب بالزنا أخطر عقوبة لصاحبها فمن أظلم قلبه أظلمت حياته وحرم التوفيق للطاعة وكان أقرب إلى الفواحش والمعاصي الأخرى. 
  3. من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فتح لهم باب التوبة والرحمة فمن تاب من الزنا عاد نور الإيمان إلى قلبه.
  4. على المسلم الأوروبي أن يتجنب المسالك الموصلة للزنا وأن يحفظ إيمانه بحسن صلته بربه، وبصحبة صالحة تذكره بالله، وأن يعجل الإحصان والتعفف. 
  5.  يجب أن يكون الخوف على كمال الإيمان بتجنب فاحشة الزنا أعظم من الخوف من العقوبة الحدية الدنيوية التي إن وقعت سيزول ألمها بعد حين ويبقى ألم القلب لا يزول إلا بتوبة صادقة للمولى الجليل. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي.

Posted on Leave a comment

مختارات نبوية | الزنا يذهب بالإيمان

الحديث السابع: الزنا يذهب بالإيمان

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ» سنن أبي داود (4/ 222) بسند صحيح. 

المعنى العام للحديث 

حرم الإسلام الزنا وعده من أكبر الكبائر والفواحش؛ لأنه يضر بكلية حفظ النسل أو النسب والعرض كما يعود على مقصد الاستخلاف وتعمير الأرض بالإبطال، وأوجب عقوبة حدية دنيوية على فاعله، وكثيرا ما يقف الناس عند العقوبة الحسية ويغفلون عن العقوبة الأخطر منها وهي العقوبة المعنوية القلبية التي يشرحها هذا الحديث وهي خروج الإيمان بالوقوع في الزنا وهي عقوبة أشد خطرا من العقوبة الحسية الحدية فماذا يبقى للإنسان بعد خروج نور الإيمان من قلبه، أو نفي الإيمان أصلا عنه كما في الحديث الآخر: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، قال أبو سعيد: قلت وكيف يكون يا رسول الله؟ قال: “يخرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه” مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (3/ 1190). 

وتفسيرات العلماء لنفي الإيمان عن الزاني أو خروجه منه مخيفة مرعبة فمنهم من قال: المراد نفي كمال الإيمان؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-: “منْ قَالَ لا إله إلا الله، دخل الجنة، وإن زنا وإن سرق”، وقيل أنه بمعصيته يكون منافقا نفاق معصية، وقيل: أي ليس بمستحضر فِي حالة تلبسه بالكبيرة جلال منْ آمن به، فهو كناية عن الغفلة، التي جلبتها له غلبة الشهوة، وقيل: عدم الأمان منْ عذاب الله، وقيل: يُسلب الإيمان حال تلبسه بالكبيرة، فإذا فارقها عاد إليه، قَالَ عكرمة: قلت لابن عباس: كيف يُنزع منه الإيمان؟ قَالَ: هكذا، وشَبَّك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإذا تاب عاد إليه، هكذا. ثم شبك بين أصابعه، وقيل: يخرج منه نور الإيمان، وقيل: يخرج منه الحياء أي أنه وقت الزنا لا يستحي منْ الله؛ لأنه لو استحى منه، وهو يَعرف أنه مشاهد حاله، لم يرتكب الفاحشة، ولو أن العبد تذكر واحدة من هذه المعاني واستحضرها لما أقدم على الفاحشة المحرمها فأنى لعبد أن لا يستحي من مولاه، أو أن يكون منافقا بالمعصية، أو أن يطفئ نور الإيمان في قلبه فتظلم دنياه وآخرته. 

ومعنى كان عليه كالظلة أي: السحابة شبه الإيمان بالسحابة لسرعة حركتها ذهابا وعودة، وما يترتب عليه من نزول المطر والخير والشمس أو منعه، فذهاب نور الإيمان بالزنا يكون سريعا كالسحابة وعودته بالتوبة والإقلاع كذلك.

رسائل الحديث

  1. الزنا من أكبر الكبائر وأعظم الفواحش وعقوبته المعنوية في الدنيا أعظم من عقوبته الحسية. 
  2. انطفاء نور الإيمان في القلب بالزنا أخطر عقوبة لصاحبها فمن أظلم قلبه أظلمت حياته وحرم التوفيق للطاعة وكان أقرب إلى الفواحش والمعاصي الأخرى. 
  3. من رحمة الله بعباده المؤمنين أن فتح لهم باب التوبة والرحمة فمن تاب من الزنا عاد نور الإيمان إلى قلبه.
  4. على المسلم الأوروبي أن يتجنب المسالك الموصلة للزنا وأن يحفظ إيمانه بحسن صلته بربه، وبصحبة صالحة تذكره بالله، وأن يعجل الإحصان والتعفف. 
  5.  يجب أن يكون الخوف على كمال الإيمان بتجنب فاحشة الزنا أعظم من الخوف من العقوبة الحدية الدنيوية التي إن وقعت سيزول ألمها بعد حين ويبقى ألم القلب لا يزول إلا بتوبة صادقة للمولى الجليل. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي.

Posted on Leave a comment

ليكن عيد الفطر في أوروبا هو عيد الطّفل

أؤمن أنّ فقه الحلال والحرام ليس هو العلم المقدّم في الإسلام. لذلك تأخّر تشريعه أزيد من عقد كامل. لماذا؟ لأنّ الفقه العمليّ ثمرة من ثمرات الفقه العقليّ والقلبيّ معا. لا يلتزم بالتّشريع إلاّ من قُدَّ فؤاده من العقيدة التي تصنع ذلك التّشريع. الغالب على ثقافتنا الإسلامية هو الاتجاه المضادّ. كان التّدوين الفقهيّ سيكون أوقع أثرا في أجيال ما بعد سقوط الخلافات المتعاقبة لو أنّه حضن أحكامه العملية في ظلال وارفة ظليلة من المقدّمات الفكرية والروحية التي يتشبّع بها تاليها فتذكّي فيه حبّها. ثمّ ينقاد بيسر إلى ثمراتها العملية. ممّا تميّز به الأصحاب الكرام عليهم الرّضوان جميعا تشبّعهم بالثّقافة العملية التي تلقّوها وهم يشهدون بأمّ أعينهم كيف كان عليه السّلام يعالج المواقف المختلفة وهو صامت أو يقول كلاما لم ينقل إلينا لسبب من الأسباب. الثقافة العملية ليست حكرا عليهم. يمكن لنا نحن اليوم كذلك تصوّر المشهد النّبويّ من جديد. ذلك هو علم الاستقراء الجامع الذي يجمع تفاصيل المشهد الواحد أو المشاهد المتناثرة ثمّ يستخلص منها ما شاء له الله من الحِكَم والعِبر. وهل جنينا على أنفسنا بأكثر من جناية النّظر المجتزإ والموقف المبتسر؟ نحن تلقّينا فقه الحلال والحرام قبل تلقّي الجذور الأوّلية الصّانعة لذلك الفقه. فقه الحلال والحرام مثل فقه قانون الطّرقات: لا ينفّذه خاليا وفي مأمن من العيون عدا من يعتقد قيمته.

أسئلة الأولياء عن أعياد النّصارى:

فكرة عنوان هذا المقال بسيطة ولكنّها مهمّة فيما أرى. تقوم تلك الفكرة على تأثيث عيدي الفطر والأضحى في أوروبا على أساس أن يكون بطلهما المقدّم أو العروس المحتفى به هو الطّفل المسلم. لماذا؟ لأنّ محطّات العيدين وجبات دسمة وأغذية نافعة على درب حفظ هوية الطّفل المسلم في أوروبا. ذلك الطّفل (ومثله الشّاب) يظلّ مشرئبّ العنق إلى المشاركة في أعياد كثيرة من أعياد غير المسلمين على امتداد عام واحد. وتظلّ أسرته متردّدة بين مشاركة مشروطة مقيّدة وبين منع صارم. وأكاد أجزم أنّ الضّحية في تلك المعركة إنّما هو (الإمام المسكين) الذي يُمطر بوابلات من الأسئلة: هل تجوز المشاركة في أعياد غير المسلمين؟ وهي في أوروبا محطّات كثيرة ويؤثّث لها أهلها تأثيثات فاخرة ساحرة كفيلة بفتنة التقيّ الورع فكيف بالطّفل الذي لمّا يشبّ عوده. ذلك الطّفل اليتيم في فصله الدّراسيّ وزملاؤه يروون له متعتهم البارحة في عيد كذا وحفلة كذا. وعندما يدخل الفصل يكون أوّل حديث للمعلّمة هو البحث عن شعور تلاميذها بعد حضورهم ذلك العيد. هي تفترض عدم وجود تلميذ حرم نفسه من تلك الفرصة أو تتعمّد ذلك. ويظلّ ذلك (الإمام المسكين) متردّدا بين إباحة مشروطة مقيّدة هي أشدّ غموضا من كسب الأشعريّ كما يقولون وبين منع. وتظلّ تلك الأسطوانة المشروخة حيّة مع كلّ عيد جديد: فلا يتوقّف وليّ الطّفل عن استفتاء (الإمام المسكين) ولا يطمئن (الإمام المسكين) لا إلى إباحة مقيّدة لا وجود لها واقعا ولا إلى منع.

المعالجة المثلى:

إذا كان ذلك كذلك فإنّ المعالجة المثلى في نظري إنّما هي تأثيث حفلات موازية وأعياد أخرى لأجل صناعة بديل ثقافيّ ترفيهيّ لذلك الطّفل. نحن مقصّرون كلّ التّقصير في صناعة ذلك. بعضنا يضنّ على ولده بمال ينفقه في تلك الحفلات. وبعضنا ينقصه الوعي الكافي بحيوية صناعة البديل. إذ الطّبيعة كما يقولون بحقّ تأبى الفراغ. والأمر فيما خبرت عائقه الوحيد هو تفرّقنا الذي جنى علينا كلّ جناية. ومن هنا فإنّ الحدّ الأدنى في صناعة ذلك البديل هو تأثيث حفلتي عيدي الفطر والأضحى على الأقلّ تأثيثا يدور كلّه حول متعة الطّفل ولهوه ولعبه ومرحه. ليكن عيد الفطر عيد الطّفل الذي يظلّ عاما كاملا يرنو إلى مشاركة أقرانه حفلاتهم ولكن يحبط كلّ الإحباط سواء أُذن له مع مراقبة بوليسية مغلّظة أو منع بالكلية. هناك خطر محقّق نحن عنه غافلون كلّ الغفلة وهو أنّ الطّفل الذي يقضي طفولته ثمّ شبابه وفق هذا النّبض المتردّد قد يصنع عقله صناعة سيئة على نحو يكون الإسلام في نفسه خصما للحياة والفرحة واللّهو والمرح والبهجة والسّرور. صناعة الطّفل معنويا أخطر فنّ مطلقا.

الهدية فريضة:

ممّا لا أتردّد في خطاب الناس به في مثل هذه المناسبات أنّ هدية الطّفل في عيدي الفطر والأضحى على الأقلّ واجب دينيّ وفريضة إسلامية في أوروبا. الهدية هنا عرف معروف. وعرفنا هو عرف النّاس الذين نسكن معهم البلاد نفسها وليس عرف مسلمين آخرين إلاّ أن يكون عرفا منكورًا شرعا. كيف يعود الطّفل الأوروبيّ إلى بيته في كلّ عيد بهدية ويعود الطّفل المسلم حتّى في أكبر عيدين في دينه مكسور الخاطر؟

نحن نملأ صدور طفلنا بعُقد خطيرة تظلّ تترسّب وتتراكم فلا ننتبه لها حتّى تنفجر في وجوهنا يوما إذ يقبض البوليس عليه في شبكة دعارة أو شبكة مخدّرات.

خلاصة:

ليكن عيد الفطر مؤثّثا كله على أساس أن يكون محطّة احتفال بالطًفل: نوفّر له كلّ ما يمكن – مجتمعين لا منفردين – أن يصنع له بديلا. عيد إسلاميّ يجمع فيه بين اعتزازه بدينه وأسرته ومسجده وبين الإغداق عليه كلّ الإغداق بمساحات واسعة من الفرح واللّهو. نحن لا نخشى على أنفسنا من ردّة إن شاء الله. إنّما نخشى على ذلك الطّفل أن يمتلأ صدره بما لا يليق عن الإسلام الذي بسببه حرم حتّى من هدية ومناسبة فرح. إذا عجزنا عن صناعة بديل متكامل شحّا أو جهلا فلا أقلّ من استثمار ما جاد به الإسلام من أعياد لأجل إعادة الاعتبار للطّفل. ليكن العيد محطّة تغذية دسمة يظلّ الطّفل يطعم حلاوة ذكراها كلّما ذكرها. ليكن العيد فقرة من فقرات حفظ الهوية. ليكن العيد مؤثّثا بخلفية صناعة بديل. نحن فرحنا في زمن مضى وفي مكان آخر عفوا من التحديات الخطيرة التي تواجه الطّفل المسلم الأوروبيّ.

الشيخ: الهادي بريك.

Posted on Leave a comment

إخراجُ زكاة الفطر نقداً.. رُباعية الدِلالات والترجيح

المقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد (مواقع التواصل الاجتماعي)

مع دخول العشر الأواخر من رمضان كل عام يكثر الجدل والجدال حول مدى مشروعية إخراج زكاة الفطر مالاً، ونظل ندور كل عام في ذات الدائرة وكأننا نبدأ النقاش فيها للمرة الأولى، ويُنبئنا هذا الجدل عن أزمة عميقة الجذور في الأمة؛ فى إدارتها وتعاملها مع الاختلاف في قضايا الفروع، والاختلاف قائم منذ العهد النبوي بين مدرستين: النص والقصد، لكن تعامل الصحابة والسلف والأئمة معه لم يكن كتعاملنا نحن اليوم؛ حيث غدا الاختلاف فى الفروع سبيلا للتفسيق والتشنيع والتبديع والتحزيب والتفريق، بينما كان السابقون شعارهم قول الإمام الشافعي: “ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة”.

ومن تعاجيب الزمن أن ينتقل الخلاف في هذه القضية إلى الساحة الأوروبية، حيث نظام الحياة وإشكالية الحصول على الحبوب وإيصالها إلى المساكين دون خسارة مالية، فضلاً عن دلالات الوقوف عند ظاهر النص لدى المسلم الأوروبي الجديد، أو تفهم العقلية الأوروبية عموماً لفكرة إغناء الفقير يوم العيد بالحبوب دون المال!

على أن المسألة التى نحن بصدد مناقشتها يفترض أن لا يقع بشأنها خلاف؛ لأن منشأ الخلاف فيها راجع إلى طبيعة العصر الذي عاش فيه السابقون من الفقهاء، وللنص على العلة التى هي مناط الحكم، فكانت تلك العلة في عصرهم متحققة بالحبوب والأصناف الواردة في الحديث، بينما صارت اليوم نفس العلة متحققة بالنقود، ولهذا فإن المسألة كاشفة بوضوح عن أزمة العقل الفقهي المعاصر، وعجزه عن التجديد في أضيق الدوائر وهى دائرة استيعاب النص وتنزيل الحكم على الواقع. وفي هذا المقال أتناول باختصار دِلالات استمرار الجدل في المسألة كل عام، ومُرجِّحات القول بدفع القيمة في زكاة الفطر، كل واحدة منهما في أربع نقاط.

أولاً: الدِلالات الأربع للدوران في جدل الحبوب والمال
غياب فقه الاختلاف وقصده
روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قال البخاري:” فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا”
لقد تأسس التشريع الإسلامي على أصول وفروع، شكلَّت الأصول الثوابت الفكرية الجامعة للأمة، والفروع مساحات المرونة والاجتهاد ليُصبح الإسلام صالحاً لكل العصور والظروف والأمكنة، وقد اختلف الصحابة والتابعون في الفروع وقعَّدوا لذلك القواعد منها قاعدة: “لا إنكار في مسائل الاجتهاد”، فلم ينكر أحدٌ على أحد في الفروع، لكنّ الأمة اليوم فى إدارة خلافها في هذه المسألة الجزئية الفرعية الخلافية ينكر بعضُها على بعض، ويسعى كل فريق لإلغاء رأى الآخر بل صار الاختيار الفقهي فيها معقداً للولاء والبراء، والحب والبغض، والاتباع والابتداع، ومعياراً أصيلاً لقياس العلم والتدين، وإذا كان الحال هكذا في خلاف معتبر فكيف سيكون فيما هو أعظم؟ إن الاختلاف في الفروع سبيل مؤدٍ إلى الاجتماع والوحدة، فكيف نجعله سبيلاً للتفرق والتباغض؟

الانشغال بالفروع والجزئيات عن الأصول والكليات

من يراقب حال أمتنا يجدها انجرت إلى البقاء في تلك الجزئيات الخلافية تدور فيها كل عام لا تخرج منها إلى ما هو أهم وأعظم وإلى ما يتصل بوجودها وقِيَمها وهويتها، وأنه وقع تبديد لجهود وطاقات العلماء في تلك الفروع مثل مسألة القيمة، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، والاحتفال بالمناسبات الدينية. ولم نر اهتماماً واستنفاراً وسيلا من البحوث والفتاوى حول واجب المسلمين في نصرة المظلومين والمعتقلين، أو إقامة العدل ومنع الظلم، أو مقاومة الاستبداد واستدعاء الشورى، أو محو الأمية والفقر، أم أن السنة والاتباع لا يُعرف إلا في إطار العبادات الفردية التى لا تمس الأنظمة المستبدة، أو تعكر عليها مسيرتها في ظلم الشعوب وإفقارها؟

نذير بتعقد أمر التجديد الفقهي، والاجتهاد الإبداعي

عصرنا هو أكثر العصور كثرة للمستجدات وحفزاً للاجتهاد والإبداع الفقهي، ورغم ذلك بقيت قضية تجديد الفقه في دائرة: ماهية التجديد، وكيف نجدد، ومن المجدد؟ لكنَّا لم نلج بعد باب التجديد ولم ننتج فقهاً جديداً لعصرنا، وبقينا في دائرة الاجتهاد الانتقائي الذي يقوم الفقيه فيه بانتقاء رأى فقهي قال به السابقون، ثم يعمل على ترجيحه وتقوية دليله ليكون صالحا للعصر، وهو ما حدث في مسألة القيمة في زكاة الفطر حيث رجَّح عدد من المعاصرين رأى أبي حنيفة ولم يكن اجتهادا إبداعيا لم يسبقهم إليه أحد، ورغم ذلك لم تتقبله الأمة بقبول حسن أو قطاعا كبيرا منها، فكيف سيكون الحال إذا كنا أمام الاجتهاد الإبداعي الإنشائي الذي نتجاوز فيها فقهنا الموروث وإن كان سيتأسس عليه؟ وهذا يضاعف من مسؤولية علماء الأمة ومفكريها أن تبذل جهدها لإيجاد البيئة الحاضنة للاجتهادات الفقهية الجديدة وإلا ستتعقد عملية التجديد الفقهي المنشود.

ظاهرة حضور الشكل والصورة، وغياب الروح والقصد

المسألة التى نحن بصدد النقاش حولها تؤكد ولع الأمة بالصورة والشكل على حساب الروح والجوهر، فترى قطاعا من الناس يتقدمهم مجموعة من العلماء يرون إخراج الحبوب والطعام ولا يرون صحة غيره البتة حتى وإن تيقنوا من أنه ليس في مصلحة الفقير وباعثهم على ذلك هو: اتباع السنة. ومن عجيب ما قرأت رد أحد العلماء على الاحتجاج بتضرر الفقير وخسارته في علمية استبدال الحبوب بالمال قال: لعلها فرصة للفقير أن يتعلم التجارة ويربح!

وتلك قصية تحتاج بحق إلى دراسة اجتماعية ونفسية وسلوكية، فما الذي جعل قطاعاً كبيراً في الأمة بهذه السطحية الضاربة في فهم المسلمين للعبادات والأحكام، ومن المسؤول عن هذا الحال: العلماء، أم مؤسسات التعليم الشرعي، أم أنظمة الحكم؟ كما توجب على المختصين في مقاصد الشريعة ان يراجعوا جهدهم ونتاجهم، وأن يسائلوا أنفسهم لماذا غابت المقاصد وروح الدين عن حياة المسلمين رغم كثرت الكتابات المقاصدية، ومعاهد وأقسام مقاصد الشريعة، وهل يمكننا أن ننقل الفكر المقاصدي إلى السياسة والدعوة ومناحي الحياة إذا كنا قد فشلنا في تفعيلها فيما هو أهم وأوضح وهو دائرة الأحكام؟

ثانياً: المرجحات الأربعة لدفع زكاة الفطر مالاً في عصرنا

  1. الترجيح بالنص
    المقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء
    روى البخاري في صحيحه أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للنساء يوم عيد الفطر: «تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ» قال البخاري:” فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا”. قال ابن حجر في الفتح: وعلى غير عادة البخاري في مخالفته للأحناف أن اتفق معهم في إخراج صدقة الفطر نقوداً، وفي جواز إخراج العوض في الزكاة وبوب البخاري باباً سماه “باب العرْض”.
  2. الترجيح بكثرة القائلين بجواز إخراج القيمة

يُوهم من يتحدث في المسألة أن أبا حنيفة فقط هو من قال بجواز إخراج القيمة في زكاة الفطر، والحقيقة على خلاف ذلك. وهذه قائمة بالفقهاء الذين قالوا بالقيمة أحصاها فضيلة الشيخ الحبيب بن طاهر: من الصحابة رضوان الله عليهم عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عبّاس، ومعاذ بن جبل. قال أبو إسحاق السبيعي من الطبقة الوسطى من التابعين، قال: أدركتهم ـ يعني الصحابة ـ وهم يعطون في صدقة رمضان الدّراهم بقيمة الطّعام. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وعمدة القارئ: 9/8).

ومن أئمّة التابعين عمر بن عبد العزيز، فعن قرّة قال: جاءنا كتاب عمر بن عبد العزيز في صدقة الفطر: نصف صاع عن كلّ إنسان أو قيمته نصف درهم. والحسن البصري، قال: لا بأس أن تعطى الدّراهم في صدقة الفطر، و طاووس بن كيسان، وسفيان الثوري. (مصنف ابن أبي شيبة: 3/174، وموسوعة فقه سفيان الثوري: 473، وفتح الباري: 4/280).

ومن فقهاء المذاهب أبو عمرو الأوزاعي، وأبو حنيفة النعمان وفقهاء مذهبه، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والإمام البخاري، وشمس الدين الرملي من الشافعية، ومن المالكية: ابن حبيب وأصبغ وابن أبي حازم وابن وهب، وقال الشيخ الصاوي: “الأظهر الإجزاء لأنّه يسهل بالعين سدّ خلّته في ذلك اليوم”. وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قرارا بجواز دفع القيمة قرار 4/23، (يونيو) 2013م.

  1. الترجيح بالقياس
    قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (خذ الحَبَّ من الحَبِّ، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر) وهو صريح في دفع الأعيان، لكن معاذاً رضي الله عنه فهم قصد الزكاة، ولم يتعامل مع النص على أنه تعبدي غير معلل فقال لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس {أنواع من الأقمشة} في الصدقة مكان الشعير والذرة؛ فإنه أهون عليكم وأنفع لمن بالمدينة، وقد أقرَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولئن جاز في الزكاة وهى الأعلى جاز من باب أولى في زكاة الفطر وهي الأدني.
  2. الترجيح بالمقاصد

شُرعت زكاة الفطر لمقصد منصوص عليه في الحديث الصحيح وهو: طهرة للصائم من الرفث واللغو، وطعمة للفقراء والمساكين، وفي الحديث الضعيف على الأرجح: اغنوهم عن ذل السؤال في هذا اليوم. فالمقصد هو أن يشعر الفقير بفرحة العيد مثل الغني، والفقير اليوم يحتاج أن يشتري لأولاده الملابس الجديدة وهدايا العيد، ولا يصح فيها اليوم غير المال، وقد رأينا عشرات المرات المساكين يبيعون الحبوب لنفس التجار الذين اشترى منهم الأغنياء تلك الأصناف بثمن أقل، فهل شرعت زكاة الفطر لإغناء التجار على حساب الفقراء، وإضاعة وقت الفقير في عملية التبادل والمقايضة؟ وبوسع الفقير أن يشتري حبوبا بالمال دون خسارة، ولا يسعه أن يحصل على المال إن أخذ حبوبا إلا بالخسارة. إن القول بتعبدية الأصناف المذكورة في الحديث يوقعنا كمسلمين في حرج عدم مناسبة الإسلام لكل زمان ومكان. على أن الرافضين لدفع القيمة يلجؤون لتقصيد العبادة فلا يلتزمون بالأصناف الواردة في الحديث، ويقولون بإخراجها من غالب قوت البلد، وهو إقرار بالتعليل والتقصيد، وهو أساس ودليل دفع القيمة، غير أننا قلنا بالخروج عن الأصناف الواردة في الحديث إلى المال، وهم قالوا بالخروج عنها إلى غالب طعام أهل البلد.

ب

Posted on Leave a comment

تذكرة الآخرة ورفاهية الروح

  جاء الوحي لتهذيب شراسة الطباع والرشد في تلبية حاجاتها دون إرهاق لجانب على حساب الآخر، فإنك أتعبتَ البدن وحرمتَه حقه بغية إشراق الروح خسرتَ الجسد وأهلكتَ الروح، وإن غفلتَ عن الروح وغذائها ودوائها وآثرتَ الجسد خسرتَ الاثنين معاً.

لذلك جاءت الشريعة الإسلامية بميزان دقيق يوازن بين الروح والجسد، والعقل والقلب، والدنيا والآخرة، ونطقت نصوص الكتاب والسنة بذلك.

إن التعلق بالآخرة والنظر لما أعده الله للمتقين ليخفف من غلواء المادة وشراهة الطباع والتطلع إلى زهرة الحياة الدنيا، وكلما عظم مطلوب المرء في قلبه رأى غيره على حقيقته بحجمه الطبيعي.

وشهر رمضان المبارك يعلق قلوبنا بالآخرة وما أعده الله تعالى للصائمين القائمين المحتسبين وتلك جملة من الأحاديث تربط المسلم بثواب الآخرة، وتَعدُه بمغفرةٍ من الله ورضوانٍ وجناتٍ يتقلب فيها وأبوابٍ موسومةٍ باسم الصائمين وغرفٍ من فوقها غرف في الجنة.

وتأمل معي الأحاديث التالية:

عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الشيخان

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه.

 من صام رمضان، ومن قامه، ومن قام ليلة القدر…تأمل عطاء الله لعباده ورحمته بهم.

أبواب المغفرة لمن صام فمن عجز عن الصيام فليدرك القيام، فمن قصر في القيام فليدرك ليلة القدر في ليال العشر.

وعن سهل بن سعد رضىَ الله عنه أن النبي ﷺ قال: (في الجنّة ثمانية أبواب، فيها باب يُسمى الريّان، لا يدخله إلا الصائمون) رواه البخاري، وزاد النسائي: (فإذا دخل آخرهم أُغلق، من دخل فيه شرب، ومن شرب لم يظمأ أبداً.

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إن في الجنة غرفاً تُرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها)، فقام أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: (لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام) رواه الترمذي.

 إنَّ التعلق بالآخرة باب كل خير ومفتاح كل سعادة وطوق للنجاة من الهموم والكربات التي يواجهها الإنسان في حياته. 

 لأن قيمة الدنيا في الآخرة زهيدة الثمن متأخرة الرتبة منخفضة المكانة.

 قال تعالى:” اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) {سورة الحديد} 

وتلك هي قيمة الدنيا في جنب الآخرة كما قال ﷺ:

واللهِ ما الدنيا في الآخرةِ إلا مثلَ ما يجعلُ أحدُكم إصبعَه في اليمِّ، فلينظر بم يرجعُ

 رواه مسلم 

الربح والخسارة بين التصور المادي والتصور القرآني

إن حرص التاجر على الأرباح حاكمة على تحركاته ومحركة لصفقاته ومفاوضاته، ومن قدر أن يربح ثلاثة أضعاف فلماذا يقنع بما هو أقل من ذلك؟

ولأن الله خالقنا وصانعنا فهو أعلم بخلجات النفوس وخفايا الأسرار وطبيعة النفس العجيبة، فيعرض علينا ألواناً من التجارات الرابحة أضعافاً مضاعفة، فينادي:    

” مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ۚ وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245) سورة البقرة

وقال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)

يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) سورة الصف

حينما يؤمن الإنسان بالمادة فقط تنقلب عنده الموازين، فإن خسر مالاً فلا عوض له، وإن تلف بدنه فقد ضاعت الفرصة الوحيدة للاستمتاع بالحياة، وقد يضحى بما يؤمن به من أجل لعاعة من الدنيا سيخسرها إن هو أصر على مبدأ ثابت.

أما من يؤمن بالآخرة فتهون عنده التضحيات.

قد يخسر المسلم ماله من أجل ما يؤمن به، وقد لا يساوم على كرامته وحريته بمنصب زائل أو مال فان، وقد يضطر لترك وطنه ومفارقة أحبابه لعيش لمبادئه ورسالته. ثم إنَّ رحلتنا في هذه الفانية قصيرة.

 وأورد الإمام أبو حامد في الإحياء تلك الأقوال:

ومن يحمد الدنيا لعيش يسره فسوف لعمري عن قليل يلومها

إذا أدبرتْ كانت على المرء حسرةً وإن أقبلتْ كانت كثيراً همومها

قال أبو سليمان الداراني: من طلب الدنيا على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أراد أكثر. ومن طلب الآخرة على المحبة لها لم يعط منها شيئا إلا أكثر.

قلت: إنَّ حب الدنيا يجعل يدك سفلى، فتأخذ ولا تقنع، وتأكل منها ولا تشبع، وأما حب الآخرة فترفعك وتدفعك للعطاء، فتكون يدك هي العليا.

وقال الفضيل: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهبٍ يفنى.

 قيل لبعض العباد: قد نلت الغنى، فقال: إنما نال الغنى من عتق من رِق الدنيا.

وقال أبو سليمان: لا يصبر عن شهوات الدنيا إلا من كان في قلبه ما يشغله بالآخرة.

الصيام وضبط الموازين

 ما أشد حاجة المسلمين في عصرنا إلى الموازين القرآنية والنبوية التي تعصمهم من الاضطراب في الرؤى والخلل في التفكير والسيولة التي تعيشها القيم، فإننا نعيش في زمان اختلطت فيه المفاهيم وتناقضت فيه الأحكام والآراء وأصبح كل شيء خاضع للتغيير، فلا قدسية لشيء ولا ثبات لشيء ولا دوام لقيمة، ومعظم ما حولنا يجوز عليه التناقض، فيمكن أن يكون صحيحاً كما يمكن أن خاطئاً، فيوماً يراه الناس حسناً ويوماً يرونه قبيحاً، وذلك هو طريق صناعة العدمية والعبثية الأخلاقية الذي يقضي إلى نَسبنة كل شيء لحد إنكار الحقائق الكبرى للوجود التي نزلت بها الكتب وأُرسل الرسل لبيانها ودعوة الناس على الإيمان إليها وتطبيقها في حياتهم.

لم تتعرض القيم في عص لقصف شهواني مثل ما تواجهه في زماننا، الأمر الذي جعلها في حالة هشاشة وضعف مخيف.

فكل ما يقف في طريق إشباع رغبات الإنسان يجب أن يُزاح من طريقه ليسد جوعته ويروي غلته، من حلالٍ أو حرام.

إن قضية الدين والحلال والحرام أصبحت مزعجة لكثير من البشر في عالمنا، كأنها شبح يريدون الهروب منه حتى لا يقطع عليهم لذة الساعة، ولسان حالهم: {وليكن بعد ذلك ما يكون}.

 وهذا من شأنه أن نعمل على ترسيخ القيم في نفوسنا وإبراز العلاقة بين العبادات في الإسلام والقيم الأخلاقية والتربوية والإنسانية، وتربية أولادنا عليها، والتعريف بها في واقعنا الأوروبي في صورة بيانية نظرية، وتجسيدها في صورة عملية تطبيقية.

القيم في ضوء الصيام

عجيبةٌ فريضة الصيام، تتغير في ظلها كثير من المفاهيم فتنضبط الموازين وتعتدل المعايير، وتتغير نظرتنا للأشياء، فما تنفر منه النفس في وقت، تحبه وتنسجم معه في وقت آخر.

ولنتأمل هذا الحديث الشريف الذي يتضمن كثيراً من الفوائد، ولا يتسع المقام للوقوف عليها، لكننا نستخرج منه، ومن بعض الأحاديث الأخرى ما يفيدنا في ضبط الموازين:

يقول الرسول ﷺ فيما يرويه عن ربه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام؛ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه) رواه البخاري ومسلم.

في الحديث كثير من القيم المعيارية، منها:  

– التدريب على تخليص حظوظ النفس {كل عمل ابن آدم له إلا الصوم}.

– احتساب الطاعة مع الاستسلام لأمر الله جزاؤه ثواب غير محدود.

– الصوم وقاية من الشرور ومساوئ الأخلاق.

– ما عند الله خير…هذا هو المعيار الذي يجب أن نستحضره ونقدمه في قلوبنا وعقولنا، ما عند الله أعظم من الدنيا وما فيها، {لخلوف فم الصائم أطيب عند الله…}.

وهكذا يمضي المسلم في حياته لا يقدم شيئاً على مراد الله تعالى وجميل مثوبته.

قد يتألم من المرض لكنَّ أجر الآخرة يخفف عنه. قد يتأوه من الغربة لكن أجر المهاجر في سبيل الله يهون عليه. قد يعاني من أذى نفسي لكنه يحتسب عند الله تعالى، فيقوى فؤاده وتشتد عزيمته.

 عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله ﷺ قال: «والذي نفسي بيده لا يُكْلَم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة، واللون لون الدم، والريح ريح المسك. رواه البخاري.

فرائحة فم الصائم أزكى وأعطر من رائحة المسك، ويأتي الشهيد يوم القيامة وجرحه ودمه ريحه ريح المسك.

حينما يستشعر المسلم دوما أن الله هو الغاية وأنَّ إليه الرجعى، وأنَّ الحسن ما رآه الشرع حسناً، وأنَّ القبيح ما قبحه الشرع فسيبقى ثابتاً على عقيدته مرابطاً على مبادئه. لن يكون إمَّعةً يميل مع الريح أينما مالت به.

والشباب المسلم في الغرب يواجه تحديات كثيرة، حينما تقرر الفتاة المسلمة ارتداء الحجاب ستواجه – غالبا – صعوبات متنوعة، وحينما تستحضر ما عند الله والفوز برضاه ستكون أقدر الصبر والثبات. وهكذا كل اختيار وقناعة تتصل بالهوية الإسلامية.

بقلم الشيخ: طه عامر.

Posted on Leave a comment

مختارات نبوية | فضل العبادة في وقت الغفلة

الحديث الخامس: فضل العبادة في وقت الغفلة

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» أخرجه مسلم.

المعنى العام للحديث 

هذا الحديث يبين فضل الثبات على الدين في زمن غربته وقلة المتمسكين به، وعِظم الأجر والثواب على ملازمة الطاعات في أوقات الغفلة، فالهرج هو الفتن واختلاط الناس وكثرة الكذب وانتشار ترك الطاعات، فمن عبد الله واستمسك بدينه في هذه الأوقات كان كمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وثواب الهجرة عظيم كبير كما في قوله تعالى: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]، والعلاقة بين العابد في زمن الغفلة والمهاجر في سبيل الله من وجوه: أن المهاجرين كانوا قلة وكذا العباد في أوقات الفتن والغفلات قلة، ومنها: أن المهاجر يقاوم رغبته في البقاء في وطنه مع أهله وماله ويضحي بتركها لله، وكذا العابد في وقت الغفلة يقاوم رغبته وشهوته في أن يسير مع الناس فيما يفعلون من ترك للطاعات واقتراف للمحرمات فكلاهما فرَّ بدينه من الناس، ومنها: أن الهجرة ومفارقة الأوطان في سبيل الله دليل على حياة القلب وارتفاع منسوب الإيمان، تأمل موقف صهيب الرومي رضي الله عنه حين ترك كل ما يملك ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله: ربح البيع أبا يحيى ربح البيع. فقلب صهيب الحي التارك للدنيا وراء ظهره هو قلب العابد التارك للشهوات في أوقات الغفلات والفتن. 

وهذا الحديث يتنزل على كل مسلم أو جماعة مسلمة تواجه تحديات للالتزام بدينها وتقدم تضحيات للثبات عليه وإعانة الناس على حفظ دينها، كالمسلمين في الغرب حيث يواجهون تحديات وصعوبات في الالتزام بدينهم والبقاء عليه تختلف كثيرا عن غيرهم ممن يعيشون في بلدان أكثريتها مسلمة ونظمها وقوانينها تتوافق مع تعاليم الإسلام، وهو المعنى الذي أشار إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال لمهاجري الحبشة: ” ولكم أنتم أصحاب السفينة هجرتان” وذلك جوابا عن سؤال من أسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي إحدى المهاجرات للحبشة حيث عارضها عمر بن الخطاب قائلا لها: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ وإنما ضاعف النبي صلى الله عليه وسلم الأجر لمهاجري الحبشة عن المهاجرين معه إلى المدينة؛ لأن جهادهم للثبات على الدين مع أولادهم أعظم ممن هاجروا معه. 

وتظهر قيمة العبادة في وقت الغفلة في مواسم الغفلات والفتن في الغرب كاحتفالات رأس السنة وغيرها، وحين يجد الشاب أو الفتاة نفسه أمام طوفان من المغريات والفتن فيعتصم بالله ويذهب إلى محرابه ومصحفه. 

رسائل الحديث

  1. الثبات على الدين في زمن غربته والتشكيك في قطعياته وثوابته أجره يعدل أجر المهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
  2. بلوغ رتبة العبَّاد في أوقات وأزمنة الفتن والغفلة يكون بتعهد القلب وتزكية النفس في أوقات الرخاء ولزوم الأوراد العبادية من ذكر وتلاوة للقرآن وصيام وقيام نفلا وفرضا. 
  3. الصلاح عند فساد الناس وإصلاح ما أفسد الناس والأخذ بيد الناس للثبات على الدين مما يبلغ به المرء درجة المهاجر إلى الله ورسوله. 
  4. قبل النظر إلى كثرة الفتن والتحديات علينا أن ننظر إلى عظم الأجور والمثوبات، فمن لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف. 
  5. القلة العابدة العاملة خير من الكثرة المنحرفة العاطلة، فهنيئا لشاب أجلبت عليه الشهوات والفتن بخيلها ورجلها فاستعصم بربه ولاذ إلى مصحفه ومحرابه، وأنعم بفتاة تمسكت بلباسها واحتشامها رغم كثرة نداءات النفس وضغوط الصحبة بين شهوة وشبهة قالت: معاذ الله. 

الحديث السادس: حلول نبوية لمشكلة اجتماعية

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ نَرَ – يُرَ – لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلُ النِّكَاحِ» ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح.

المعنى العام للحديث

رُوي هذا الحديث بثلاث صيغ: لم نر، لم ير، لم تر، فالأولى: لم نر: أي نحن، والثانية: لم يُر أي العقلاء، والثالثة لم تر: أيها السامع، والحديث يؤسس لكيفية التعامل مع حالات الحب والعشق بين رجل وامرأة قبل الزواج وكثيرا ما لا يكون هناك توافق أو تكافؤ بين المتحابين أو يكون العشق بينهما خارج عن الأطر المتعارف عليها مجتمعياً، كأن يكون فارق السن بينهما كبيراً، أو المستوى التعليمي أو المالي، أو شاب صغير السن يحب مطلقة أو أرملة، أو مسلم يتعلق قلبه بكتابية غير مسلمة وغير ذلك من الصور التي يغلب على الظن عدم نجاح الزواج فيها، وهو ما يؤيده سبب ورود الحديث فعن ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله، في حجري يتيمة وقد خطبها رجل موسر، ورجل معدم، فنحن نحب الموسر وهي تحب المعدم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ليس للمتحابين مثل النكاح “.

فالحديث يرشد الأولياء والمجتمع إلى التعامل الأمثل مع هذه الحالات التي تعتبر حالة مرضية بأن الزواج والتعجيل به هو الحل الذي يحميهما من الوقوع في الفاحشة المحرمة. فالحديث لا يؤسس للحب قبل الزواج وإنما يرشد لكيفية التعامل معه إذا وقع وتلك أمور اجتماعية وقلبية ونفسية واردة الحدوث في أي مجتمع، والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يدعو الأولياء إلى عدم التفريق بين المتحابين بمنعهم من الزواج، أو حملهم على الوقوع في المحرمات، أو الزواج بعيدا عن المحيط الاجتماعي للأسرة، فالزواج للمتحابين خير علاج ووقاية وحماية وتقليل للمخاطر والأضرار التي يمكن أن تقع إذا منع المتحابان من النكاح. 

وهذا المنهج النبوي مهم جدا للمسلمين في الغرب حيث يقع كثيرا أن تتعلق فتاة مسلمة بشخص لا يتوافق مع تفكير عائلتها وقد يكونوا على حق في عدم مناسبته لها، لكنها تصر على الارتباط به ويصر الأهل على الرفض مخالفين بذلك هذا الحديث النبوي الشريف فينتهي الأمر بهم إما إلى إكراهها على الزواج بغيره فلا تنجح الأسرة، أو تنتهي إلى رفض فكرة الزواج بالكلية، أو تترك البيت وتتزوج بعيدا عن أهلها، أو تقع فيما حرم الله، وما يجري على الفتيات يجري على الشباب وربما أكثر.

 والمنهج النبوي هنا يقتضي المسارعة إلى تزويجهما مع الاستمرار في التوجيه والرعاية، ومن المعاني التي أشار إليها بعض العلماء استنباطا من هذا الحديث: أن الزواج يثمر وينمي الحب وإن لم يكن هذا الحب موجوداً قبل الزواج. 

رسائل الحديث: 

  1. الإسلام راعي الحاجات البشرية والميول القلبية للناس وتعامل معها بعملية وواقعية لا بمثالية وهمية. 
  2. حركة المسلم تنضبط بضوابط الشرع، والشرع يفتح الطريق واسعا للحلال الطيب قبل أن يمنع الحرام الضار. 
  3. الأصل أن يختار الشاب والفتاة عند الزواج من يتوافق معه ويغلب على ظنه حسب صفاته أنه سيُكِّون معه أسرة مستدامة ناجحة، وأن الزواج المبني على التقارب والتكافؤ سيثمر الحب والمودة الدائمة. 
  4. التوجيه بتزويج المتحابين لا يعني الدعوة إلى الحب قبل الزواج، وإنما الإرشاد إلى تقليل الضرر في التعامل مع حالات العشق بين شخصين غير متكافئين بتزويجهما. 
  5. الأسرة المسلمة في الغرب أهم كيان يجب صيانته وحمايته بتحمل كل الأطراف المسؤولية عنه. 
  6. قبل دعوة الأولياء إلى الالتزام بالمنهج النبوي في تزويج المتحابين لابد من دعوة الأبناء والشباب المسلم في الغرب إلى البر بآبائهم وعدم عقوقهم وإدارة الخلافات الأسرية بالحوار والتعاون والموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي.

Posted on Leave a comment

شهر رمضان ثورة على أَسْر العادة

ليس سهلاً على المرء أن يُمسي على حالة ثم يستيقظ على ضدها، ذلك لأنَّ النَّفس تألف ما تجد، ويشق عليها أن تُبَدِّل أحوالها، فالعادة تُكتسب بالتكرار ولها على الأنفس سلطان. كانت العقبة الأكبر في طريق دعوة المرسلين عليهم السلام، هيمنة العادات على أخلاق وأفكار أقوامهم، وترفَّقَ الإسلام بالناس في التغيير، فتدرج بهم في تشريع الواجبات والمحرمات، ففُرضت الصلاة في البدء ركعتين ركعتين، ولم تُفرض الزكاة بشكل مفصل، إنما جاءت النصوص تحض على الصدقة بوجه عام. وتأخر تشريع الصيام للسنة الثانية من الهجرة، وكذلك واجبات أخرى.

 والتدرج في تحريم الخمر والربا مشهور.

ما أريدُ قولَه هنا أن الصوم هو ثورة على مألوف العادات وعلى القيود التي يَسجن بعض الناس أنفسهم داخلها، وتأهيل الإنسان ليواجه ذاته فيغدو حراً ولا تتحكم فيه عادة لا يستطيع الفكاك منها.

  لقد خلقنا الله أحراراً، وأوجد فينا القدرة والإرادة، وأعطانا الفرص الواسعة لنختار طريقة حياتنا بعد أن بيَّنَ لنا سبيلنا، وأرشدنا ودلنا على طريق الهداية، ورغَّبنا في سلوكه والثبات عليه، ووضع على طريق الحق علامات، بها السالكون يهتدون، وحذرنا من ركوب طرق الغواية والضلال وبين لنا عواقبها والمآل، ووضع على شِعابه علامات،

 {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) سورة الأنفال}.

والقصد منه أن يستطيع المرء أن يدير نفسه دون أن تُهدَر قدراته رغما عنه.

  إننا نلحظ ذلك في الصوم، فحينما يَحرم المسلم نفسه مما يشتهي من الطعام والشراب والشهوة تقرباً إلى الله تعالى يغدو أمير نفسه، قادراً على ضبطها والتحكم فيها وقيادتها، عصياً على الاستسلام لشهوة أو عادة تأسره وتضعف إرادته وتطفىء همته.

لا تعطها كل ما تريد

يعلمنا الصيام ترك بعض المباحات تقويةً للإرادة وتعزيراً لهيمنة الروح على الجسد وترقية لمطالب النفس.

عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل، فشفعني فيه، فيشفعان) رواه أحمد.

فإذا كنتَ قادراً على الامتناع على مألوف طعامك وشرابك اختياراً، بل إنك تفرح بذلك، فمن باب أولى أن تقوى على ترك مطالبها والحد من الغرق في المباحات.

   حينما رأى عمر بن الخطاب رضىَ الله عنه ولده قد اشترى لحماً فسأله ما هذا؟ قال: لحماً اشتهيتُه، فسأل مستنكراً: أَوَكل شيء اشتهيتَه اشتريتَه؟! في إشارة حاسمة لضرورة ضبط الاستهلاك.

  وعن يحيى بن سعيد: أن عمر بن الخطاب أدرك جابر بن عبد الله ومعه حامل لحم فقال: ما هذا فقال: يا أمير المؤمنين فهنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما فقال عمر: أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه فأين يذهب عنكم هذه الآية:

 “..أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا…(20) سورة الأحقاف

إن أخطر ما يتعرض له الإنسان في أي عصر ومكان أن يكون أسيراً للأشياء من حوله، فينتقل مِقوَد التحكم من يده، وبعد أن كان سيد نفسه يصبح ترساً في ماكينة تحركه كما تشاء، لا كما يشاء.

أليس من العجيب أن يدافع المرء عن حريته واختياره ثم إذا هو يرسف في أغلال المادة باختياره أيضا؟!

إنه جنون الاستهلاك بعد أن أصبح الشراء من أجل الشراء والتملك من أجل التملك.

وتساهم آلات الدعاية ومعها بعض علوم النفس لتزيين الجديد من السلع والمنتجات مع تلازمية شرطية بين السلعة والقوة والمتعة والرفاهية والحرية والجودة والجمال،….إلخ

.

  قال لى بعض الأصدقاء: لقد تحولت إلى مستهلك فقط، ولم أعد أصبر على شيء أراه يعجبني إلا اشتريته.

يقول د. عبد الكريم بكار: “ونتيجة للإفلاس الروحي الذي لم يسبق له مثيل أيضا، قام الناس بإحلال الشهوات وأصناف المتع محل السعادة القلبية والإشراق الروحي، فحينما شعر الإنسان باليتم العقدي والانتمائي، تحول إلى مستهلك، وصار رفع مستوى المعيشة هدف الحياة الأكبر، كما صار التقدم الاقتصادي كبير أصنام العصر”.

 {العيش في الزمان الصعب ص59}

   حينما تحوز عدداً كبيراً من السلع والمنتجات للاستهلاك الشخصي فإن ذلك يعطيك شعوراً بالتفوق على الآخرين والتفرد عنهم، مما يفتح لك المجال واسعاً للشهرة، والقدرة على الاستعراض.

إنه فخ الوفرة وفتنة الثروة وداء الترف، وهو بَعدُ مظهرٌ من مظاهر الفراغ النفسي والجفاف الروحي والخفة العقلية، والشعور بالنقص، فيحاول صاحبه أن يستره بتلك المظاهر الخادعة، كأنه يركض ركض الوحوش في الفلاة باحثاً عن السراب، وهيهات أن يلقى غايته.

تتملكني الدهشة مع شعور بالمقت لفنان أو رجل أعمال أو ثري سفيه يختال بأسطول سيارات فارهة، وآخر يركب سيارة مذهبة، وغيره يشتري لوحة فنية بعشرات الملايين وهو لا يميز بين الألوان، ولا يَنظم جملة صحيحة باللغة العربية…ولا بغيرها.

أليس هذا هو السفه بعينه؟ 

هذا ما يصنعه الفراغ

اتصل بي رجل كريم ذات يوم وطلب مني أن أبحث عن أحد الشباب ليقف في صف طويل لساعات نظير مبلغ 100 يورو، فقلت: وما طبيعة تلك المهمة؟

قال: هناك نسخة جديدة من هاتف سينزل الأسواق قريبًا، لكن سيباع منه بعد يومين عدد محدود.

 والعجيب في الأمر أنَّ هناك شباباً ينامون ليلاً أمام منافذ البيع ليظفروا بتلك النسخة. وهذا الرجل يريد شراء هذه النسخة هدية لابنته.

فوقفتُ لحظة وقلت: لماذا يقف مئات من الشباب ساعاتٍ وساعاتٍ في البرد أو الحر للحصول على هذا الهاتف؟

إنهم لا يقفون للحصول على وظيفة يشقون بها طريق حياتهم! ولا يعانون طول الوقوف أمام إحدى السفارات لبعض الدول لتحقيق حلم السفر من أوطان تعمها البطالة ويسودها الجهل والفقر والحرمان!

ولا يقفون في طوابير طويلة للحصول على رغيف خبز يسدون به جوعة أولادهم!

لماذا إذاً؟… لماذا؟

ما هذا الجنوح الذي أصاب نفراً من الخلق؟!

لقد قص علينا القرآن الكريم قصص عاد وثمود وفرعون ذي الأوتاد، هؤلاء الأقوام طاولوا الجبال في العمارة والبناء غير أنهم كانوا أقزاماً في الروح والصلة بالله رب العالمين، فما أغنت عنهم علومهم وتطورهم من الله شيئا.

بقلم الشيخ: طه عامر.

Posted on Leave a comment

مختارات نبوية | أعلى الناس رتبة في الخير

الحديث الرابع: أعلى الناس رتبة في الخير

عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي. الترمذي وابن ماجة بسند صحيح 

المعنى العام: 

في هذا الحديث الشريف البليغ واسع المعنى على قلة كلماته ووجازة ألفاظه يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن معيار الخيرية وميزان التفاضل بين الناس وأعلى الناس رتبة في الخير هو: من يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملته لزوجه، والعكس كذلك أن شر الناس هو سيء الخلق والمعاملة مع زوجه وأهله، وكثير من الناس اليوم يكون في أعلى درجات حسن الخلق مع الناس خارج البيت فيكرمهم ويؤثرهم على نفسه ويمازحهم ويلاطفهم ويطيل الحوار والاستماع إليهم ولكنه لا يفعل عشر ذلك مع زوجه فتراه في البيت عبوسا متجهما يقتر على زوجه في النفقة قليل الحديث والتحاور معها، لا يحسن إلى أهلها كما تحسن إلى أهله، لا يحسن عشرتها في الجملة. ويلاحظ في الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم عبر عن الزوجة بالأهل يعني أن الزوجة من أهل الزوج الذين هم أقرب الناس إليه والتعبير يوحي بالقرب العاطفي والنفسي بين الزوجين والذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ، وعليه فمن أراد التحقق بالخيرية وأن يكون من أعلى الناس رتبة في الخير فليكن في علاقته بزوجه كعلاقة النبي صلى الله عليه وسلم بزوجاته ومن أهم مظاهر تلك العلاقة: عدم الإيذاء أو الضرب؛ فلم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب زوجة من زوجاته ولو مرة في حياته كلها بل ثبت عنه النهي عن الضرب فقال: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ» سنن أبي داود (2/ 245)، كان في خدمة أهله صلى الله عليه وسلم فعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، ” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ كَمَا يَعْمَلُ أَحَدُكُمْ فِي بَيْتِهِ ” مسند أحمد ط الرسالة (42/ 209) ولنا أن نتخيل أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع كثرة أعبائه ومسؤولياته وأعدائه وتحدياته الداخلية والخارجية يجد وقتا ليكون في خدمة أهله لا يقطعه عنه إلا الصلاة، وهو رد عملي على من يعتبر وظيفة المرأة الكبرى القيام بشؤون البيت والزوج لا يساعدها فيها. 

ومنها: وفاؤه لزوجته بعد موتها وتصريحه بحبها فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» صحيح مسلم (4/ 1888)

ومنها: حواره مع زوجاته وسماعه لهن: كما في حديث أم زرع الطويل، ومنها: الترويح عنها بصور وأشكال الترويح المتاحة في عصره، فكان يسابق السيدة عائشة رضي الله عنها فيسبقها وتسبقه، وكان يأخذها إلى التلاع أي أماكن الخضرة والطبيعة، ومنها مشاورته لزوجته في أعقد الأمور وأصعبها كمشاورته للسيدة أم سلمة رضي الله عنها في التحلل من الإحرام بالعمرة، وغير ذلك من صور حسن العشرة من النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته فمن أراد أن يكون خير الناس وأفضلهم عند الله فليكن كالنبي صلى الله عليه وسلم في حسن معاملته لأهله.

رسائل الحديث: 

  1. ميزان الخيرية ومعيار التفاضل هو بمقدار حسن خلق الرجل مع زوجه وإحسانه إليها كما أحسن النبي صلى الله عليه وسلم. 
  2. شر الناس من يحسن لغير أهله ولا ترى زوجه منه إلا كل عيب ونقيصة. 
  3. الزوجة منزلتها من الزوجة بمنزلة أهله وعائلته في وجوب الإحسان إليها والبر بها وإكرامها في حياتها وبعد موتها. 
  4. الميزان الذي نزن بها سلوكنا ومعاملاتنا مع زوجاتنا هو الميزان النبوي لا الأعراف والعادات والتقاليد التي تهين الزوجة أو تنتقص من كرامتها. 
  5. الزوج الصالح يتقرب إلى الله بحسن خلقه واقتدائه بالنبي صلى الله عليه وسلم في معاملته لأهله. 
  6. على الزوجة كذلك أن تبادل إحسان زوجها إليها بإحسان مثله وأكبر منه، وأن تكون في حسن عشرتها وتبعلها كما كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. 

الحديث الخامس: فضل العبادة في وقت الغفلة

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ» أخرجه مسلم.

المعنى العام للحديث 

هذا الحديث يبين فضل الثبات على الدين في زمن غربته وقلة المتمسكين به، وعِظم الأجر والثواب على ملازمة الطاعات في أوقات الغفلة، فالهرج هو الفتن واختلاط الناس وكثرة الكذب وانتشار ترك الطاعات، فمن عبد الله واستمسك بدينه في هذه الأوقات كان كمن هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة وثواب الهجرة عظيم كبير كما في قوله تعالى: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]، والعلاقة بين العابد في زمن الغفلة والمهاجر في سبيل الله من وجوه: أن المهاجرين كانوا قلة وكذا العباد في أوقات الفتن والغفلات قلة، ومنها: أن المهاجر يقاوم رغبته في البقاء في وطنه مع أهله وماله ويضحي بتركها لله، وكذا العابد في وقت الغفلة يقاوم رغبته وشهوته في أن يسير مع الناس فيما يفعلون من ترك للطاعات واقتراف للمحرمات فكلاهما فرَّ بدينه من الناس، ومنها: أن الهجرة ومفارقة الأوطان في سبيل الله دليل على حياة القلب وارتفاع منسوب الإيمان، تأمل موقف صهيب الرومي رضي الله عنه حين ترك كل ما يملك ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبشره النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله: ربح البيع أبا يحيى ربح البيع. فقلب صهيب الحي التارك للدنيا وراء ظهره هو قلب العابد التارك للشهوات في أوقات الغفلات والفتن. 

وهذا الحديث يتنزل على كل مسلم أو جماعة مسلمة تواجه تحديات للالتزام بدينها وتقدم تضحيات للثبات عليه وإعانة الناس على حفظ دينها، كالمسلمين في الغرب حيث يواجهون تحديات وصعوبات في الالتزام بدينهم والبقاء عليه تختلف كثيرا عن غيرهم ممن يعيشون في بلدان أكثريتها مسلمة ونظمها وقوانينها تتوافق مع تعاليم الإسلام، وهو المعنى الذي أشار إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال لمهاجري الحبشة: ” ولكم أنتم أصحاب السفينة هجرتان” وذلك جوابا عن سؤال من أسماء بنت عميس رضي الله عنها وهي إحدى المهاجرات للحبشة حيث عارضها عمر بن الخطاب قائلا لها: سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟ وإنما ضاعف النبي صلى الله عليه وسلم الأجر لمهاجري الحبشة عن المهاجرين معه إلى المدينة؛ لأن جهادهم للثبات على الدين مع أولادهم أعظم ممن هاجروا معه. 

وتظهر قيمة العبادة في وقت الغفلة في مواسم الغفلات والفتن في الغرب كاحتفالات رأس السنة وغيرها، وحين يجد الشاب أو الفتاة نفسه أمام طوفان من المغريات والفتن فيعتصم بالله ويذهب إلى محرابه ومصحفه. 

رسائل الحديث

  1. الثبات على الدين في زمن غربته والتشكيك في قطعياته وثوابته أجره يعدل أجر المهاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
  2. بلوغ رتبة العبَّاد في أوقات وأزمنة الفتن والغفلة يكون بتعهد القلب وتزكية النفس في أوقات الرخاء ولزوم الأوراد العبادية من ذكر وتلاوة للقرآن وصيام وقيام نفلا وفرضا. 
  3. الصلاح عند فساد الناس وإصلاح ما أفسد الناس والأخذ بيد الناس للثبات على الدين مما يبلغ به المرء درجة المهاجر إلى الله ورسوله. 
  4. قبل النظر إلى كثرة الفتن والتحديات علينا أن ننظر إلى عظم الأجور والمثوبات، فمن لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف. 

القلة العابدة العاملة خير من الكثرة المنحرفة العاطلة، فهنيئا لشاب أجلبت عليه الشهوات والفتن بخيلها ورجلها فاستعصم بربه ولاذ إلى مصحفه ومحرابه، وأنعم بفتاة تمسكت بلباسها واحتشامها رغم كثرة نداءات النفس وضغوط الصحبة بين شهوة وشبهة قالت: معاذ الله. 

بقلم الدكتور: خالد حنفي.

Posted on Leave a comment

ماذا بعد شهر رمضان؟

بعد انتظام العبد وتأمله في هذا الدرس العظيم طوال شهرٍ كاملٍ يكتسب ملكة المراقبة لله تعالى واستشعار نظره إليه واطلاعه عليه، وأن الملائكة تسجل عليه كل شيء، فيصبح ضميره هو رقيبه في القيام بواجباته تجاه ربه، وتجاه أسرته، وتجاه مجتمعه، فلا يفرط في عمله، ولا يجترأ على المعصية، وإن وقع في ذنب سارع واستغفر وعزم على التوبة النصوح. وهذا هو تعظيم الحرمات.

 الصيام وكسر الأنا

الإعجاب بالنفس والخيلاء من أدواء العصر، ذلك لأننا نعيش زمان الفردانية وتضخيم الذات.

 لقد غفل الإنسان أنَّه صغير في هذا الكون، وأنَّ كل ذرة في جسده تفتقر لرعاية الله تعالى وحفظه.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) سورة فاطر

وثناء أهل الجنة هو الحمد للواحد ونسبة الهداية إليه سبحانه وتعالى.

قال تعالى: 

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (43) سورة الأعراف 

مسكين هذا الإنسان حينما يظن نفسه في الكون رقماً صعباً، ونسى أنه لم يكن شيئاً مذكوراً.

وكم كان يكره الرسول ﷺ كلمة (أنا).

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال: أتَيْتُ رسولَ اللهِ ﷺ فدقَقْتُ البابَ فقال: (مَن ذا)؟ فقُلْتُ: أنا فقال: (أنا أنا) – مرَّتَيْنِ – كأنَّه كرِهه.

 صحيح ابن حبان: 5808  

 يمكن للمرء أن يُحرز سبقاً في علمٍ أو فنٍ من الفنون، فهل ذلك يسوغ له أن يمشي في الأرض مرحاً أو يخال أنه سيبلغ الجبال طولاً؟!

لا بأس أن يفرح المسلم بما أنجزه من عمل، كأن يكون كتب مقالاً نافعاً، أو ألف كتاباً ماتعاً، أو علَّم طالباً، أو بنى لله مسجداً، أو نصر مظلوماً، أو قهر ظالماً، أو ساهم في نشر الخير في أي بقعة من الأرض.

هذا الفرح بفضل الله تعالى والرضا عن النفس أن هداها لطريق السعادة، إنما فرحٌ بفضل الله، والصائم يفرح حين فطره، بل إن هذا الفرح هو من علامات الإيمان، إنه انشراح الصدر بالطاعة والقربات.

إنما الفرح المذموم والمهلك هو فرح البطر والخيلاء المصحوب بالمن والأذى ونسبة النجاح والإنجاز للذات والقوة والقدرة والذكاء والمواهب. حينها يهلك المرء.

عن إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم» رواه الترمذي 

ما أهون المرء عند الله عندما يذكر نفسه وينسى فضل ربه.

وما أعظمه حينما يرى أن الصانع في الكون كله هو الله تعالى.

والصيام يعلمنا ويشعرنا بحجمنا وصغرنا، فالفقراء والضعفاء والأغنياء والأصحاء سواء في الشعور بالجوع والعطش والافتقار إلى حاجات الجسد.

 والملوك والسوقة يمتنعون عن المباحات طواعية، فعلام الاختيال والعجب؟!

بل إن كثيراً من العجائز والمرضى يأبون الإفطار ويصرون على الصوم تعبداً وامتثالاً.

فالصوم يكسر النفس ويستل منها الشعور بالاستعلاء على الآخرين.

  إنَّ لحظة انكسار وتذللٍ لله رب العالمين تستخرج منك داءً هو فيك ولا تشعر.

حين ترفع يديك عند فطرك وتدعو متأملاً في القبول وجميل المثوبة والمغفرة.

ومن أسرار الصيام كما يقول الإمام أبو حامد الغزالي: “أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطرباً بين الخوف والرجاء، إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين؟ أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟”

 إحياء علوم الدين ج /1 308

والخوف دون إفراط يُسلم لك عملك، والرضا دون اعتداد يمنعك من اليأس.

يقول ابن عطاء الله السكندري:

” أصل كل معصيةٍ وغفلةٍ وشهوةٍ الرضا عن النفس، وأصل كل طاعةٍ ويقظةٍ وعفةٍ عدم الرضا منك عنها، ولأنْ تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير لك من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه..”

وحين تأتي ليال العشر وتشمر عن الجد وتترقب ليلة الغفران وتذرف دموع الندم على ذنبك وتقصيرك.

والتذلل لله تعالى هو عين العز والحرية، وكلما زدتَ إليه افتقاراً زادك الله غنى.

ويعجبني أن نعود سريعاً لإحدى الحكم العطائية:

“تحقَّق بأوصافك يمُدك بأوصافه، تحقَّق بذُلك يمُدك بِعِزه، تحقَّق بعجزك يمُدك بقدرتك، تحقَّق بضعفك يمُدك بحوله وقوته “

 فإذا انسلختَ من شهر رمضان وقد أقبلتَ فيه صادقاً على مولاك عدتَ لفطرتك الطيبة النقية التي تعرف نفسها بالافتقار في كل لحظة للخالق جل في علاه.

وأختم هنا بأبيات لأبي العتاهية:

خانك الطرف الطموح    أيها القلب الجموحُ

لدواعي الخير والشر      دُنوٌ ونزوحُ

هل لمطلوبٍ بذنبٍ     توبةٌ منه نصوحُ

كيف إصلاح قلوبٍ    إنما هنَّ قروحُ

أحسن الله بنا      أنَّ الخطايا لا تفوحُ

فإذا المستور منا    بين ثوبيه فضوحُ

كم رأينا من عزيزٍ    طُويت عنه الكشوحُ

صاح منه برحيلٍ   صائح الدهر الصدوحُ

سيصير المرء يوماً   جسداً ما فيه روحُ

بين عيني كل حي   علم الموت ينوحُ

نح على نفسك يا  مسكين إن كنت تنوحُ

لست بالباقي لو   عمرتَ ما عمر نوحُ

الصيام والمواساة

  إنًّ عالمنا المعاصر عاكف على نفسه مشغول بهمومه متشوف في غده لمتعٍ جديدةٍ. قد استغنى كثيرٌ من الناس بأنفسهم عن غيرهم وتوارى الاهتمام بضعفاء الناس خلف حُجُب كثيفة.

إلى متى يبقى العالم في هذا الشرود والصدود؟ ومن للضعفة ومن ألمَّت به الأوجاع وخيَّمت على قلبه الأحزان؟

ويأبي الله تعالى الرحمن الرحيم إلا أن يجعل للعبادات في الإسلام أبعاداً خيريةً إنسانيةً، وبقدر احتراق العبد في محاريب العبادات بقدر ما يقطر قلبه رقَّة للفقراء والمساكين، ويده نداوةً للمحتاجين وأخلاقه ليناً وسِعة لكل عباد الله.

لهذا رغب الإسلام في الصدقة بوجه عام وفي شهر رمضان بوجه خاص، وفرض كذلك صدقة الفطر.

 ويأتي شهر رمضان ليذكرنا بأن هناك من لا يجد قوتاً ولا يملك من متاع الحياة شيئاً، روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ” كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيُدارسه القرآن، فَلَرسول الله ﷺ أجودُ بالخير من الريح المُرسَلة”.

 وتتدفق أيدي المؤمنين بالخير حتى بعض عُصاة المسلمين يبادرون في تفطير الصائمين حول العالم، وترى كثيراً من المسلمين حول العالم يسارعون في الإطعام وإخراج الصدقات في وجوه الخير.

 شهر رمضان شهر المواساة والإحساس بمن سيقضي شهر رمضان وحيداً لا أنيس له، غريباً لا صديق له، شريداً لا مأوى له، حزيناً يحتاج إلى من يخفف ألمه ويذهب وحشته ويواسيه في محنته.

بقلم الشيخ: طه عامر