Posted on Leave a comment

كيف يكون خطابنا في شأن الزّلازل؟

شكوى خطابنا الدّينيّ من آفات عريقة حقّ لا ريب فيه. يضيق هذا المجال عن عدّها أو حتّى بعضها. ولكن منها قطعا عدم المواءمة بين قدر الله سبحانه من جهة وما هو على الأرض من جهة أخرى. سواء كان عملا بشريا أو تضاريس أرضية. غيرنا يلجأ إلى تأويلات بتراء يضفي عليها أردية العلم. وهي عارية قبيحة. ليفسّر الزّلازل مثلا بحاجة الأرض إلى تجشّآت.

وليس خطابنا في أغلبه مجانبا كثيرا لتلك العاهة. إذ نفرّ إلى دمدمة آذان النّاس بغضب الله سبحانه وسخطه. وبين دعوى غضب الطّبيعة ودعوى غضب الله تذهب الوسطية التي شيّد عليها هذا الدّين أدراج الرّياح. وألّو إستقام خطابنا على مقتضى الخطاب القرآنيّ لكان نافعا غير ضارّ. أليس قد فصّل الخطاب القرآنيّ الكريم في تفسير المصائب التي تصيبنا؟ أم أنّنا نقرؤه بعيوننا ونعقله بعقول غيرنا؟ يتعجّل خطابنا الدّينيّ في جزء كبير منه تفسيرا لمثل هذه المصائب أنّها من أمارات السّاعة. ولا يعوزه حديث نبويّ.

حتّى لو كان صحيحا. ولكن هل أنّ صحّة الحديث كافية للجزم بمحلّه؟ أما آن لنا أن نتيح لأنفسنا مسافة كافية من التربّص قبل الانتقال بسرعة البرق من فقه الرّواية إلى فقه الدّراية؟ حتّى بعض الأمارات التي لا ريب في صحّتها لا يمكن الجزم بتزيلها على أرض محدّدة وفي زمن محدّد. هل يمكن لنا الجزم أنّ قوله عليه السّلام في حديث جبريل المتواتر (أن ترى الحفاة العراة رعاء الشّاء يتطاولون في البينان) محلّه ما يقع اليوم من مثل ذلك في بعض بلاد الخليج العربيّ؟ المخيال العربيّ المشتاق إلى التّنزيلات الموهومة يعير ذلك أسماعا وآذانا.

ولكن هل من مصلحة خطابنا أن يبحث له عن جمهور كما يبحث عن ذلك المغنّي أو الرّياضيّ؟ أليست مقاومة جنوحات النّاس إلى سماع الأساطير أولى من مقاومة جنوحات الدّولة إلى السّفاحة والعربدة؟ من الأدلّة على أنّ الإسلام لا يرحّب بالاهتمام الواسع بأمارات السّاعة أنّه عليه السّلام لمّا سئل عن السّاعة قال مرّة للسّائل (وماذا أعددت لها). أي أراد صرفه عمّا لا ينفعه. وقال مرّة أخرى لسائل آخر (ساعتك تبدأ يوم موتك) أي صرفه إلى إعدادا ما ينفعه في قبره. فإذا مات انقطع عمله وحبل حسناته. فلا ينفعه بعد ذلك اقتراب ساعة أو تأخّر علامة من علاماتها.

بل أجاب سائلا ثالثا بقوله (إذا ضيّعت الأمانة) ولمّا سأله عن إضاعتها قال له (إذا وسّد الأمر إلى غير أهله). أي أنّ السّاعة التي علينا الاهتمام بها ـ

ونحن على يقين من قيام السّاعة العظمى يوم البعث ـ هي ساعتنا ونحن أحياء. عندما يحشرنا السّفاحون والأفّاكون في الأرض وقد وسّدنا إليهم أمر سوسنا بسبب فرارنا من الانخراط في الأمر العامّ. تلك أدلّة على الاهتمام بالسّاعة التي نملك فيها أن نصلح ونغيّر. أمّا السّاعة الأخرى فلا مزيد من موقف اليقين منها. والاستعداد لها بالعمل. وليس انشغالا بأمارات أكثرها منخول ضعيف. وقليل منها صحيح. وحتّى الصّحيح منها لا يملك أحد تنزيله في محلّه الصّحيح. لأنّه لا يعلم الغيب إلاّ الله وحده سبحانه. وما سيقت تلك الأشراط (بلغة القرآن الكريم) إلاّ لتأكيد السّاعة أوّلا. ولحشد العمل استعدادا لها ثانيا. وللتّخويف منها ثالثا.

وإلاّ فما الحاجة إلى الاهتمام بأمر لا نملك معه شيئا؟ القرآن الكريم نفسه وهو يسوق ما لا يزيد عن عدد أصابع اليدين من أشراط السّاعة أورد كثيرا منها بصيغة الظنّ المتشابه الذي لا يرتقي ليكون محكما. وما ذلك سوى لصرفنا عن إتّباع متشابهات ظنّيات لا يعلم تأويلها الصّحيح إلاّ الله سبحانه.

بل إنّ خطاب أمارات السّاعة يساق في أكثر خطابنا سوق الفرار من عمارة الدّنيا والإقبال على الآخرة في نظرة كنسية كالحة أنّ عمارة الآخرة يمكن أن تكون بغير عمارة الدّنيا. مثل سوق خطابنا للموت. يسوقه لأجل تيئيس النّاس من العمل والتّرغيب في الانزواء. وليس لمزيد من التّسابق في فعل الخير والمسارعة إليه. ألم يقل عليه السّلام (إذا قامت السّاعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها). سوق الموت إذن ومثله سوق أمارات السّاعة مقصود منه مضاعفة العمل ومراكمة الجهد لتحصيل أرصدة أكبر وأكثر. وليس لفرض الهرم قبل الهرم والفرار من ساحة الكدح والكبد. كما يهرف كثير من خطابنا الدّينيّ كلّ الهرف إذ يفسّر بعض المصائب ـ الزّلازل مثلا ـ بغضب الله على المصابين أنفسهم أو أهليهم.

إذا كان من غرض المصيبة ذلك فلم لم ينجّ الله سبحانه كثيرا من أنبيائه عليهم السّلام ممّن قتل بنو إسرائيل؟ أليس هو قدير على ذلك؟ أليسوا أنبياءه؟ ولم لم يحم سيّد الشّهداء (حمزة عليه الرّضوان) في أحد أن تبقر بطنه بعد قتله وتستخرج كبده وتلاك ثمّ تلفظ؟ أليس هو جدير بذلك؟ هل شغب ذلك على أغلى قلادة قلّدها (سيّد الشّهداء). ألم يكن سبحانه قديرا على إنجاء أهل الأخدود من موتة شنيعة. إذ قذفوا في النّار المستعرة كما يقذف العصفور مهيض الجناح ليكون ناضجا؟ وقوع المصيبة إذن لا يعني أبدا البتّة غضبا إلهيا على المصاب ولا حتّى على أهله.

طريقة الموت ومكانه وزمانه لا علاقة لكلّ ذلك بصلاح أو طلاح. وكم من عدوّ لله مات وهو يرفل في الحرير. علّمنا القرآن الكريم أنّ المصيبة تصيب الذين لم يظلموا كذلك (واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة). ذلك في قراءة حفص عن عاصم. وعند غيره (لتصيبنّ) ولكن المعنى واحد: الفتنة تصيب الظّالم ومن لم ينهه عن ظلمه. إنّما على خطابنا في مثل هذه المناسبات أن يلزم الهدي القرآنيّ الكريم ليذكّر بعظمة الله سبحانه وقدرته على كلّ شيء.

وأنّ زلزال الدّنيا يذكّر بزلزلة الآخرة. أو هو مشهد مصغّر له. لعلّ النّاس يؤوبون.

وأنّ الكون كلّه في قبضته سبحانه يفعل به ما يشاء ليزداد النّاس وثوقا بربّهم وزلفى إليه ويقينا في وعده. وعلى خطابنا أن يؤكّد ما أكّده القرآن الكريم نفسه: أنّ الله يريد الآخرة. ومعنى ذلك أنّه يريد ابتلاء عباده المؤمنين بالمصائب حتّى يتأهّلوا لدار الحيوان. حيث الحياة الحقّ والنّعيم الحقّ. ولو كان يريد الدّنيا ما أذن لعبده (صاحب موسى عليه السّلام) بقتل غلام لا هو بلغ الحنث ليكون مسؤولا ولا هو اقترف ما به يؤاخذ. ولو كان يريد الدّنيا سبحانه لما هزم نبيّ في أيّ معركة عسكرية مع قومه أو عدوّه. ولجعل لأوليائه معارج عليها يظهرون وزخرفا.

ولكنّه لا يريد دارا لو كانت عنده تزن عشر معشار جناح بعوضة ما سقى منها عدوّا له من أعدائه الكثيرين شربة ماء. عدم إرادته الدّنيا من معانيه كذلك عدم إرادته انتصار عباده المؤمنين على أعدائه انتصارا يبطرهم أو يعوّق بعضا من القيم التي رضيها لهم. ذلك خطاب يطامن من غلواء النّاس في فتات دنيا كثيرا ما ينالونه بانكسار وذلّة. على خطابنا أن يذكّر النّاس أنّ الذين أصابهم الله في مثل هذه المناسبات الأليمة بالموت هم شهداء عنده (شهداء دنيا) من مثل الغريق والمهدوم وموت الفجاءة وغير ذلك ممّا جاء في الحديث النّبويّ. على خطابنا أن يذكّر النّاس أنّ المصائب ابتلاءات. وأنّها جاءت لحكم عظمى. قد نعلم بعضها. ومؤكّد أنّنا لا نعلم كثيرا من تلك الحكم. ابتلاء أقرباء المصابين: هل يصبرون وللّه يسلّمون أم يكفرون ويأتون فعل الجاهلية العربية الأولى.

ابتلاؤنا نحن هل ننجد المصابين ونسعفهم. أم نغدق عليهم من الشّماتة. ابتلاء النّاس هل يرجعون إلى ربّهم أم لا. (ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي النّاس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون). يذيقهم بعض الذي عملوا فحسب. وليس مؤاخذة كاملة.

بل هو دعاء للكافرين أنفسهم هل يصرّون على غيّهم أنّها تجشّآت أرضية فحسب دون تقديرات إلهية. أم يتفكّرون فيرجعون. من تلك الحكم كذلك تخويفنا بآيات مادية لعلّنا نتوب. هي مناسبة لتأكيد الإيمان بالرّكن السّادس الأعظم من أركان الإيمان (الإيمان بالقدر خيره وشرّه). ألم يقل الله سبحانه في ذلك (ما أصاب من مصيبة إلاّ بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه).أي من يؤمن بقدره الغلاّب سبحانه يهد قلبه إلى الإيمان به إيمانا لا يتزلزل. ويهديه كذلك إلى تأويلات تنسجم مع الوحي المعصوم. وأنّها مصيبة مسطورة في كتاب لا يضلّ ولا ينسى. وأنّ المقصود من ذلك هو تحصيننا من آفتين قاسيتين (لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم).

ما فات من الدّنيا لا يأسف عليه المؤمن. وما أوتيه منها لا يفرح به. كما أنّها مناسبة إلى دعوة النّاس إلى التّوبة. ولكن أيّ توبة. وممّ؟ تلك هي مشكلة خطابنا. أكثرنا يدعو إلى توبات فردية فحسب. وقليل منّا من يدعو إلى توبات جماعية تجعل النّاس ينخرطون في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بأوعيته المعاصرة. ذلك هو الذي يؤمّن من وقوع المصائب لقوله سبحانه (وما كان ربّك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصحلون). انخراط أهل القرى في الإصلاح هو العاصم. وليس مجرّد صلاحهم فحسب. ومن آفات خطابنا أنّه يدعو إلى توبات من الذّنوب التي بيننا وبين أنفسنا أو بيننا وبين الله فحسب. ونغفل عن الدّعوة إلى توبات أخرى أكبر وأعظم وأحفظ لنا. وهي توبات فيما بيننا وبين النّاس. ألا ترى أنّ الله سبحانه رتّب عقوبات دنيوية شرعية قاسية على جرائم بيننا وبين النّاس. في حين أنّه أجّل الذّنوب التي بيننا وبينه إلى عقوبات الآخرة؟ ما وقر فيّ شيء من الإسلام أكثر من أنّ العدوان على الإنسان ـ كلّ إنسان ـ مجلبة لسخط الله وغضبه وللمصائب التي بها ينذرنا مرّة من بعد مرّة لعلّنا نتوب. الدّعوة إلى التّوبة هذه مناسبتها. ولكن أيّ توبة. وممّ؟ وكيف؟ كلّ ذلك محدّد في الوعي ليكون منسجما مع القرآن الكريم وليس متّخذا له شريعة أخرى

Posted on Leave a comment

بيان المجلس الأوروبي للأئمة حول زلزال تركيا وسوريا

ببالغ الحزن والأسى، تلقى المجلس الأوروبي للأئمة أخبار الزلزال الذي ضرب الأراضي التركية والسورية.
والمجلس الأوروبي للأئمة يتقدم بخالص التعازي والمواساة للشعبين التركي والسوري في ضحايا الزلزال، ونسأل الله عز وجلَّ أن يرحم المتوفين ويربط على قلوب ذويهم، وأن يعجل بشفاء المصابين، وأن يخلف المتضررين خيرا.
ونهيب بكافة الأئمة والدعاة في القارة الأوروبية بتقديم كل دعم مادي ومعنوي لإغاثة وعون الجرحى والمنكوبين.