Posted on Leave a comment

في قاعة السفر | الدكتور: ونيس المبروك

الحقيقة التي لا ينكرها مؤمن أو كافر، ولا بر أو فاجر، ولا عالم أو جاهل …؛ أننا -كلنا- على سفر، ويوما ما سنغادر!

نحن في هذه الدنيا أشبه بالمسافرين الذين استلموا بطاقة الصعود المؤكدة “الأجل” وكل واحد منا في انتظار مكبر الصوت مُعلناً عن سرعة الذهاب إلى بوابة المغادرة.

تأخر نداء رحلتك، أو صعود المسافرين الذين من قبلك، لا يعني بأي حال أنك ستقيم وتستوطن، أو تبني بيتا في أحد زوايا قاعات المسافرين!

هذا وهمٌ وغفلة، بل غياب عقل!

فرصة المسافرين للانتفاع بمحل الإقامة لا تتجاوز تلك السويعات التي يمضونها في ردهات المطار، فإذا جاء النداء الأخير (last call)  “لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا”.

دخول العام الجديد يعني اقترابنا أكثر من بوابة الصعود، والعام الذي مضى هو قطعة من حياتنا ذهبت، وكل عام يزيد في أعمارنا هو في الحقيقة عام ينقص من آجالنا مهما طالت.

والمسافر العاقل الموفق هو من عكف على ملفات أعماله وأقواله ونظر في قائمة المكاسب والخسائر التي جمعها في عامه الماضي. فإن رأى فيها خيرا؛ حمد الله وزاد وضاعف العمل، وإن وجد غير ذلك؛ تاب واستغفر وأصلح ما أفسد.

والمسافر الأحمق المخذول؛ من شغلته المتاجر الفارهة والمقاهي الفاخرة، وطفق يتباهى بكرت صعوده في الدرجة الأولى المريحة، وبات يقلب ناظريه في زينة المطار وأحوال المسافرين والمسافرات، غافلا عن ساعاته “المعدودة”.

يجب علينا – معشر المسافرين – أن نسأل أنفسنا ونبحث عن جواب: 

إلى أين ستذهب بنا الطائرة؟

ولماذا خرجنا من محل إقامتنا؟

وأين الإقامة بعد السفر؟

قال صلى الله عليه وسلم: كُنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” وعابر السبيل لا يخدعه ظل الشجرة التي قال تحتها؛ لأنه ظلٌ زائل، وينبغي أن يستعد لمواصلة المسير، ولا يغفل عن حقيقة الرحيل، وعليه أن يحمل من الزاد ما يبلغه المحطة الأخيرة في سترٍ وأمان.

اللهم اجعل يومنا خيرًا من أمسنا، واجعل غدنا خيرًا من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، …واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

كل عام وأنتم وأهلكم وأحبابكم بخير، وإلى الله تعالى أقرب وأحب.

ونيس المبروك