Posted on Leave a comment

معجزة الإسراء – د. وهبة بن مصطفى الزحيلي

تقترن نبوة النبي أو إرسال الرسول عادة بمعجزة: وهي الأمر الخارق للعادة، لإثبات النبي أو الرسول صدقه أمام قومه، وأنه نزل عليه الوحي من ربه، ومن المعروف أن الله تعالى أيّد نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بمعجزات مثل معجزات الأنبياء قبله، وقد ينفرد بـ معجزة لا يماثله فيها نبي سابق، مثل انشقاق القمر، و الإسراء والمعراج.

وكان حادث الإسراء قبل الهجرة بعام أو بعام ونصف، وكان ذلك في رجب، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ابن إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وعشرين يوما، والمتحقق أن ذلك كان بعد شق الصحيفة: وثيقة مقاطعة قبائل قريش لبني هاشم وبني المطلب. وافتتح الله تعالى سورة الإسراء بخبره الموجز في الآية التالية من سورة الإسراء المكية:

قال تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سورة الإسراء: 1  

لفظ الآية يقتضي أن الله عز وجل أسرى بعبده: وهو محمد صلى الله عليه وسلم. والمعنى: تنزه الله تعالى من كل سوء أو عجز أو نقص أو شريك أو ولد، فهو كامل الصفات تام القدرة، فهو الذي أسرى بعبده محمد بواسطة الملائكة، في جزء من الليل، وبشخصه جسدا وروحا، في تمام اليقظة، لا في المنام، من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، في بيت المقدس، وعاد إلى بلده في ليلته لأن الله تعالى قادر قدرة تامة على فعل العجائب والمعجزات.

وأكثر المفسرين اتفقوا على أن الإسراء حدث بالجسد والروح، المعبر عنه بكلمة «عبده» وهو مجموع الروح والجسد فركب على البراق يقظة، لا في الرؤيا والمنام، ولو كان مناما لقال الله تعالى: بروح عبده، ولم يقل: «بعبده» ولو كان مناما، لما كانت فيه آية ولا معجزة. ثم عرج بالنبي صلّى الله عليه وسلّم إلى السماوات وإلى ما فوق العرش، حيث فرضت في المعراج الصلاة على المؤمنين، وكانت بحق معراج المؤمن، وصلة بين العبد وربه، ولا خلاف أن في الإسراء والمعراج فرضت الصلوات الخمس على هذه الأمة.

ووصف الله تعالى ما حول الأقصى بالبركة من ناحيتين:

إحداهما- النبوة والشرائع وإرسال الرسل الذين كانوا في ذلك القطر، وفي نواحيه ونواديه.

الناحية الثانية- النّعم من الأشجار والمياه والأرض الخصبة ذات الأنهار والأشجار والثمار، التي خص الله الشام بها.

روى ابن عساكر عن زهير بن محمد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ” إن الله تعالى بارك ما بين العريش والفرات، وخص فلسطين بالتقديس” وهو ضعيف.

وكان القصد من الإسراء: هو ما قاله الله تعالى: {لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا} أي لنري محمدا بعينيه آياتنا الكبرى في السماوات، والملائكة، والجنة، وسدرة المنتهى وغير ذلك. مما رآه تلك الليلة من العجائب. وقوله تعالى في نهاية الآية: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وعيد من الله تبارك وتعالى للكفار على تكذيبهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك، معناها: إن الله هو السميع لما تقولون، البصير بأفعالكم، يسمع الله أقوال المشركين وتعليقاتهم على حادث الإسراء واستهجانهم لوقوعه، واستهزاءهم بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في إسرائه من مكة إلى القدس، والله يبصر ما فعل أولئك المشركون، وبما يكيدون لنبي الله ورسالته.

وقد تواترت بذلك الأخبار والأحاديث النبوية في مصنفات الحديث الثابتة، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام، حيث روي عن عشرين صحابيا. وجلّ العلماء على أن الإسراء كان بشخصه صلّى الله عليه وسلّم، وأنه ركب البراق من مكة، ووصل إلى بيت المقدس وصلّى فيه. والحديث مطوّل في البخاري ومسلم وغيرهما. والبراق كما جاء في كتاب الطبري: هو دابة إبراهيم عليه السلام الذي كان يزور عليه البيت الحرام.

والإسراء بكامل شخص النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الصحيح، ولو كانت الحادثة منامية، ما أمكن قريشا أن تشنّع، ولا فضّل أبو بكر رضي الله عنه بالتصديق، لأنه كان أول المصدّقين، ولا قالت له أم هانئ : لا تحدث الناس بهذا، فيكذبوك. وأما المراد بقوله تعالى: { وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ }  الإسراء: 60 .

فهي رؤيا بصرية لا منامية، لأنه يقال لرؤية العين: رؤيا. وأما ما نقل عن عائشة رضي الله عنها بأن الإسراء رؤيا منامية، فهو لم يصح، لأن عائشة كانت صغيرة، لم تشاهد الحادث، ولا حدّثت بذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

المصدر : التفسير الوسيط – د. وهبة بن مصطفى الزحيلي

Posted on Leave a comment

صيام السابع والعشرين من رجب | العلّامة الدكتور: يوسف القرضاوي

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:ليلة الإسراء والمعراج غير معلومة، وغير معلوم شهرها ، ولم يصح أنها كانت ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، وحتى لو كانت هذه الليلة هي ليلة الإسراء والمعراج فتخصيص يومها بالصيام من بين سائر الأيام من البدع المنهي عنها ، لأن الله لا يُعبد إلا بما شرع ،

ولم يأت في شرع الله تخصيص هذا اليوم بصيام ، على أن الإنسان لو كان يصوم أياما معينة كيوم الاثنين والخميس من كل أسبوع ، فجاء هذا اليوم في يوم الاثنين والخميس فلا مانع من صيامه بهذه النية .يقول الدكتور يوسف القرضاوي :-من الصيام المحرم: ما ابتدعه الناس بأهوائهم، ولم يشرعه الله ورسوله ولا عمل به الراشدون المهديون من خلفائه، ولا دعا إليه أحد من أئمة الهدى. ومن ذلك صيام اليوم السابع والعشرين (27) من رجب، باعتباره اليوم الذي كان صبيحة ليلة الإسراء والمعراج بالنبي صلى الله عليه وسلم.فمن الناس من يصوم هذا اليوم باعتباره من أيام الإسلام، التي أنعم الله فيها على نبيه بنعم كبرى

يجب أن تذكر فتشكر!. ونعم الله على نبيه الكريم نعم على أفراد أمته، فشكرها واجب عليهم، ومن مظاهر هذا الشكر أن تصام تلك الأيام التي تحمل ذكريات عظيمة!. وكل هذا لا دليل فيه على شرعية الصيام، فقد أمر الله المسلمين بذكر نعم كثيرة عليهم، مثل قوله لهم بمناسبة غزوة الأحزاب: (اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحًا وجنودًا لم تروها) الآيات. ومع هذا لم يذكروا النعمة بصيام هذه الأيام، كلما هبت ذكراها في شوال .. وغيرها وغيرها.

قال ابن القيم في (زاد المعاد) في شأن ليلة الإسراء نقلاً عن شيخه ابن تيمية:-(لا يُعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلة على غيرها، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور ولا يذكرونها، ولهذا لا يُعرف أي ليلة كانت وإن كان الإسراء من أعظم فضائله صلى الله عليه وسلم).قال: (لم يقم دليل معلوم على شهرها، ولا على عشرها- أي في العشرة أيام التي وقعت فيها -، ولا على عينها، بل النقول في ذلك متقطعة مختلفة، ليس فيها ما يقطع به، ولا شرع للمسلمين تخصيص تلك الليلة بقيام ولا غيره) (زاد المعاد (57/1،58) ط. الرسالة).على أن ليلة السابع والعشرين من رجب وإن اشتهر بين الناس أنها ليلة الإسراء والمعراج لم يصح دليل على أنها هي.
والله أعلم.

العلّامة الدكتور: يوسف القرضاوي.

Posted on Leave a comment

محاضرة مرئية | مدارج الترقي الروحي في الواقع المعاصر (سؤال التزكية) – د. عمر عبد الكافي

محاضرة مرئية | مدارج الترقي الروحي في الواقع المعاصر (سؤال التزكية) – د. عمر عبد الكافي ضمن فعاليات الملتقى السنوي للأئمة والدعاة في أوروبا، المنعقد في مدينة #اسطنبول خلال الفترة من 19-20 نوفمبر 2022 #ملتقى_أئمة_أوروبا

محاضرة مرئية | مدارج الترقي الروحي في الواقع المعاصر (سؤال التزكية) – د. عمر عبد الكافي
Posted on Leave a comment

رجب وحرمة الإنسان

حرّم الله في كتابه الكريم ـ إقرارا. وليس إنشاء. كما سيأتي إن شاء الله ـ ثلث الزّمان. حرّم رجبا متوسّطا العام القمريّ. وحرّم ثلاثة شهور أخرى متعاقبة: ذي القعدة وذي الحجّة ومحرّم الذي به يبدأ كلّ عام قمريّ جديد.

قال عليه السّلام في درس رياضيّ بليغ ـ وهو ينهى خاله سعدا أن يدع ورثته يتكفّفون النّاس إذ يوصي بأكثر من ثلث تركته إلى غيرهم ـ أنّ الثّلث كثير. تحريم ثلث الزّمان إذن ـ وما العام إلاّ وحدة زمنية قياسية ـ كثير.

منشأ تحريم الزّمان هو عصمة الإنسان من بعضه بعضا. أن يستحرّ فيه القتل فتكون منه ثارات جاهلية وثارات أخرى تترى. ومن ذا تستحيل الحياة جحيما. وأيّ جحيم أقسى على الإنسان ـ المدعوّ إلى عمارة الأرض بالخير والجمال والعدل ـ من جحيم الأسياف التي تحصد الرّقاب وتزرع الخوف وتفسد الحرث؟ لم يأت الإسلام إبتداء بهذا النّظام الزّمنيّ الذي بمقتضاه يكون ثلثه كاملا محرّما.

إنّما ورث النّاس هذا ـ ربّما من سابقة دينية صمد فيها هذا التّشريع ـ. فأقرّه الإسلام كما يقرّ ما يجده صالحا أو نافعا ممّا لم يأت به في رسالة بليغة إلى النّاس أنّ الإسلام ليس دبّابة كاسحة تلغي كلّ ما تجده أمامها في طريقها بغضّ النّظر عن صلاحه من فساده. بل هو شريعة تخبر عمّا تخبر. وتنشئ ما تنشئ. وتقرّ الذي تقرّ. وهي حكمة من حكم ذلك التّشريع علينا حسن رعايتها في معالجتنا لواقعنا الأوربيّ الذي فيه كثير ممّا يمكن إقراره واستيراده.

ولم يقتصر الإسلام على تحريم ثلث الزّمان فحسب. بل حرّم مكانا كثيرا. حرّم أماكن العبادة كلّها بغضّ النّظر عن بطلان تلك العبادة وضلال أهلها أم صلاحها وصلاح أهلها. وفي ذلك جاء في سورة الحجّ المدنية قوله سبحانه يحرّض الأمّة على حماية حقوق الاعتقاد وتأمين النّاس في معابدهم (ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها إثم الله كثيرا). ومعلوم أنّ الصّوامع والبيع والصّلوات معابد لغير المسلمين. بل ذهب الإسلام إلى أبعد حدّ في ذلك الاتجاه حتّى إنّه حرّم تلك المعابد وأهلها العابدين فيها حتّى في حالات الحرب. وبذلك كان يوصي عليه السّلام المجاهدين بألاّ يتعرّضوا لعابد في معبده. حتّى لو كان معبده في دار الحرب ذاتها. أو كان أهله من المحاربين. إذ لا تزر وازرة وزر أخرى.

كما حرّم الإسلام المآوي الخاصّة للنّاس. من مساكن ومنازل ومضاجع وغيرها. وبذلك حذّر عليه السّلام من الإطّلاع في بيت قوم بدون إذنهم. وأنّ من فعل ذلك ففقئت عيناه لا ضمان على الفاقىء. وكان القرآن الكريم أصرح. إذ نهى عن التجسّس (ولا تجسّسوا). وما كان من الفاروق ـ عليه الرّضوان ـ وهو يتسوّر دارا أخبر أنّ أهلها يتعاطـــــــــون فيها المنكر إلاّ أن اعتذر لهم إذ ذكّره أحدهم بالحديث. بتعبيرنا المعاصر يمكن القول أنّ الإسلام حرّم النّوادي المغلقة الخاصّة التي لا يطؤها عدا أهلها. فلا هي تفتح لعموم النّاس ولا يخترق ما يعاقر فيها جدرانها ليصل إلى من هم خارجها. وهو المسمّى بالفضاء الخاصّ.

الإسلام سبق إلى تنظيم العلاقة بين الفضاءين: الخاصّ الذي لا يوطأ إلاّ لدواع أمنية تهدّد أمن النّاس. والفضاء العامّ الذي ينضبط فيه النّاس لنواميس الخلق المعروف. السّؤال هو : لم حرّم الإسلام الزّمان (ثلثه كاملا والثّلث كثير) وحرّم المكان الخاصّ سواء كان للعبادة أم لغيرها مادام مغلقا على أصحابه؟ لا يتردّد المرء في استنباط الحكمة من ذلك التّحريم الواسع. وهي أنّ الإسلام ما حرّم ذلك سوى لتحريم الإنسان نفسه. الزّمان قيمة اعتبارية لا حقيقية.

المكان نفسه يتغيّر. فهو اليوم معبد. وغدا يكون ملهى. أو العكس. ولكنّ الإنسان قيمة ثابتة أعلن الرّحمان سبحانه تكريمها بنفسه في العهد المكّيّ نفسه وذكر بعضا من صور ذلك التّكريم (ولقد كرّمنا بني آدم). المقصد العامّ الأسنى من ذلك هو تهيئة مناخ ملائم للإنسان حتّى يقدم على عمارة الكون بما أمر به من خير وعدل وجمال وزينة. لا مناص لتلك الرّسالة من أمن وأمان وسلم وسلام.

نحن نعيش هذا اليوم واقعا ملموسا. إذ تأكّد لدينا بأنّ الإسلام يقبل عليه النّاس كلّما شعروا بالأمن والسّلم. وكلّما أهرقت الدّماء وبثّ الهلع تأخّروا عنه. ليس هذا خاصّا بغير المسلمين. هو عامّ لنا جمعيا. كلّما انداحت مناخات الحرية والأمن تسابق النّاس إلى الخير. وكلّما انتشر الخوف تردّدنا. حقنّا بحفظ الحياة حقنا لحكم عجيبة. لماذا حرّم رجب؟ ليس هناك جواب قاطع. ربّما لما تحمله حادثة الإسراء والمعراج ذاتها من إعلاء لأوّل فريضة. أي الصّلاة. ولكن حدوث الإسراء والمعراج في رجب ليس قطعا مقطوعا لا يتسلّل إليه أيّ احتمال.

ولكن نعلم لم حرّم الله سبحانه الشّهور الثّلاثة المتعاقبة الأخرى. كان ذلك قطعا لتأمين حركة الحجّ التي كانت تأخذ من أهلها في تلك الأيّام أسابيع طويلة. بل شهورا. سواء لمن يأتي راجلا أو على كلّ ضامر. وهي العبادة الوحيدة التي تستغرق ـ مهما تعجّل المرء فيها ـ ساعات طويلات. بل نصف أسبوع كامل تقريبا. ولكنّ ذلك يزيدنا وعيا بأنّ الله سبحانه ما حرّم الزّمان والمكان (ومنه الحرمات الثّلاث التي لا تشدّ الرّحال إلاّ إليها) إلاّ لتحرير الإنسان من الخوف. وحتّى يكون أهلا إمّا لقبول دعوة الله سبحانه أو عدم قبولها وهو على بيّنة غير مكره (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). على أن يتحمّل الكافر مسؤولية كاملة يوم البعث. ومن ذا فإنّ الحكمة من التّحريم (تحريم الزّمان والمكان لأجل تحريم الإنسان) هي تحرير منطقة العبادة ـ بغضّ النّظر عن أحقّية العبادة من بطلانها ـ لتظلّ آمنة حتّى في أتون الحروب الهادرة. وتحرير الإنسان ذاته ليعتقد ما يشاء. ويعبد ما يشاء. وتتحرّك سنّة التّدافع بين النّاس وفق نواميس معقولة وأسباب مقبولة. عمادها سيف البرهان. لا برهان السّيف. وأيّ محلّ لهذا التّحريم في أيّامنا؟ في الغابر كانت الأسياف ألسنة وأقلاما.

اليوم تسلّلت إلى المشهد مع تلك الأسنّة : ألسنة وأقلام. وآلات أخرى تصنع الكلمة صنعا عجيبا. وتؤثّر كلّ التّأثير من مثل الفنون وما يحمله الأثير. ومن ذا فإنّنا معنيون بفقه التّحريم لأجل لجم أسنّة الألسنة وأسياف الأقلام وآلات التّصوير وكلّ صور الكلمة التي بها أناط الله سبحانه الهداية والضّلال معا. وحتّى يكون ذلك التّحريم قيمة عملية لا فكرية فحسب فإنّه دعانا سبحانه إلى تجفيف منابع الظّلم فيها فقال (فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم). والضّمير عائد إلى الأشهر الحرم الأربعة في سورة التّوبة.

وربّ ظلم باللّسان أو بالقلم يفوق الظّلم بالسّنان ألف مرّة ومرّة. هذا الضّرب من الفقه الحضاريّ العظيم (الحرمات المعنوية) هل تجد له أثرا بوزنه في تراثنا أو في فقهنا بصفة عامّة؟ أليس أولى بمنظومتنا التعليمية والإعلامية والتّوعوية في كلّ منابرها بثّ فقه التّحريم لعلّ الإنسان يرتقي إلى مصافّ عالية أراده الله لها؟ أليست هذه حدودا؟ أليست الحدود في الشّريعة أولى من المحرمات المادية؟ ألم يرتّب حديث الدّارقطنيّ ذلك بتفاضل (فرائض ثمّ حدود ثمّ محرّمات ثمّ مسكوت عنه)؟ أليس هذا من فقه الزّمان في الإسلام؟ أكرم بدين يحرّم الزّمان والمكان لأجل تحريم الإنسان.  هل تجد هذا التّحريم الذي يجعل من الإنسان مكرّما محرّما موقّرا في أيّ دين أو نظرية؟ اللهمّ لا.

بقلم الشيخ: الهادي بريك

Posted on Leave a comment

بيان الأمانة العامة للمجلس الأوروبى للإفتاء والبحوث  ” حول تحديد بداية شهري رمضان وشوال لعام 1444هـ- 2023م”

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين …… وبعد

 فإن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تنتهز هذه الأيام المباركة لتدعو المسلمين قاطبة إلى الاعتصام بحبل الله تعالى ووحدة الصف ولمِّ الشمل متذكرين قول الله تعالى:

 ”  وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا……. الأية” 103 آل عمران .

 كما نسأل الله تعالى أن يتقبَّل من الجميع صيامهم وصلاتهم وصالح أعمالهم، وأن يجعل هذه الأيام المباركات خيراً، وبركة لعباده فى الأرض.” إنه ولىّ ذلك والقادر عليه” . 

  • وتنتهز الأمانة العامة هذه الفرصة لتعلن بخصوص هلال شهري رمضان وشوال للعام الهجري 1444هـ 2023م وحسب مقررات الدورة الأولى للجنة التقويم الهجري الموحد المنعقدة في مدينة استانبول في الفترة ما بين (26-29 ) ذي الحجة 1389هـ الموافق لـ (27-30) تشرين الثاني/نوفمبر 1978م ، وبناء على ما أكده المجلس الفقهي الدولي في قراره رقم (18) في مؤتمره الثالث لعام 1986م، وحسب الشروط التي تبناها المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث في قراره الذي اتخذه في دورته العادية التاسعة عشرة في الفترة 8-12 رجب 1430هـ الموافق 30 حزيران – 4 تموز (يوليو) 2009م، وكذلك ما صدر عن الندوة العلمية التى انعقدت بباريس في الفترة 12-13 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 4 و 5 فبراير 2012م وكان موضوعها: “بداية الشهور الهجرية والتقويم الهجري” حيث حضرها ثلة من علماء الفقه والفلك وقدمت فيها عدة بحوث ودراسات فقهية وفلكية، وكذلك ما صدر عن المؤتمر العالمي لإثبات الشهور القمرية بين علماء الشريعة والحساب الفلكي الذي عقده المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 19-21 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 11-13 شباط/فبراير 2012م وشارك فيه عدد كبير من الفقهاء والعلماء الفلكيين، وما صدر حديثا عن مؤتمر توحيد التقويم الهجري الدولي الذى انعقد فى استانبول في الفترة 21 – 23 شعبان 1437ه  الموافق 28 – 30 مايو 2016م، وشارك فيه أكثر من سبعين دولة ممثلة في عدد من وزارات الأوقاف، ودور الإفتاء، والعلماء، والفقهاء، والفلكيين، بالإضافة إلى ممثلي معظم المجامع والمجالس الفقهية في العالم، والتي أقرت مجموعة من المبادئ والمعايير الأساسية ومن أهمها: أن الأصل في وجوب صيام رمضان هو دخول الشهر وإثبات ذلك بوسيلة قطعية، وأن الحساب الفلكي العلمي يخبرنا مسبقا وبشكل قطعي عن توقيت الرؤية الصحيحة، ولا يمكن أن يعارض تحققها، وأنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لعموم الخطاب: ” صُومُوا لرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لِرُؤيَته” متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون». أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وصححه.
  •     وبناء على ذلك تعلن الأمانة العامة التالي:
  • أن الحسابات الفلكية الدقيقة بالنسبة لهلال شهر رمضان لعام 1444هـ تؤكد أن الاقتران سيكون على الساعة 17 و 23 دقيقة حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم الثلاثاء (21) مارس/آزار2023م الموافق 29 شعبان 1444هـ أي ما يوافق الساعة 20:32 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.
  • ومن المستحيل رؤية الهلال قبل غروب شمس يوم 29 شعبان 1444هـ في أي منطقة من المعمورة، ويكون يوم الأربعاء22 مارس/آزار الموافق 30 شعبان 1444هـ هو المتمِّم لشهر شعبان.
  • وعليه: يمكن رؤية الهلال 30 من شعبان 1444هـ تقريبا في جميع بقاع المعمورة بعد غروب الشمس.    وبهذا:
  •  
  • سيكون أول شهر رمضان المبارك لعام 1444هـ

بإذن الله تعالى يوم الخميس الموافق (23) مارس/ آزار2023م.

وبالنسبة لـ هلال شهر شوال لعام 1444هـ – 2023م

  1. فإن الحسابات الفلكية الدقيقة لهلال شهر شوال لعام 1444هـ تؤكد أن الإقتران سيكون على الساعة 04:13 حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم الخميس (20) إبريل/نيسان 2023م الموافق 29 رمضان 1444هـ أي ما يوافق الساعة 07:13 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.
  2. وعليه، يمكن رؤيته يوم الخميس (20) إبريل / نيسان( بالعين المجردة في أمريكا الشمالية والجزء الشمالي والأوسط من أمريكا الجنوبية في حالة صفاء الغلاف الجوي وباستخدام التليسكوب، وفي غرب كل من إفريقيا وأوروبا بالتليسكوب وأجهزة الرصد.

 وبهذا سيكون شهر رمضان تسعا وعشرين يوما بإذن الله تعالى .

  • ويكون أول شهر شوال (عيد الفطر المبارك) لعام 1444هـ .

بإذن الله تعالى يوم الجمعة الموافق( 21 ) إبريل/ نيسان 2023 م.

سائلين الله تعالى أن يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك وهم في خير وبركة.

  • ونهيب بالمسلمين التضرع إلى الله لكشف الضر والكربات، وكل مكروه وسوء عن العالم أجمع، وأن يحيا في سلام وطمأنينة وسكينة.

تقبل الله منا ومنكم صالح العمل

وكل عام وأنتم بخير.

والحمد لله رب العالمين

الأمانة العامة – دبلن

Posted on Leave a comment

محاضرة مرئية | مدخل إلى السنة النبوية: منهجية التعامل – التحديات والشبهات | د. عصام البشير

محاضرة مدخل إلى السنة النبوية: منهجية التعامل – التحديات والشبهات – محاضرة مرئية | لفضيلة الدكتور عصام البشير «نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» ضمن فعاليات الملتقى السنوي للأئمة والدعاة في أوروبا، المنعقد في مدينة #اسطنبول خلال الفترة من 19-20 نوفمبر 2022 #ملتقى_أئمة_أوروبا

محاضرة مدخل إلى السنة النبوية: منهجية التعامل – التحديات والشبهات – لفضيلة الدكتور: عصام البشير

Posted on Leave a comment

في قاعة السفر | الدكتور: ونيس المبروك

الحقيقة التي لا ينكرها مؤمن أو كافر، ولا بر أو فاجر، ولا عالم أو جاهل …؛ أننا -كلنا- على سفر، ويوما ما سنغادر!

نحن في هذه الدنيا أشبه بالمسافرين الذين استلموا بطاقة الصعود المؤكدة “الأجل” وكل واحد منا في انتظار مكبر الصوت مُعلناً عن سرعة الذهاب إلى بوابة المغادرة.

تأخر نداء رحلتك، أو صعود المسافرين الذين من قبلك، لا يعني بأي حال أنك ستقيم وتستوطن، أو تبني بيتا في أحد زوايا قاعات المسافرين!

هذا وهمٌ وغفلة، بل غياب عقل!

فرصة المسافرين للانتفاع بمحل الإقامة لا تتجاوز تلك السويعات التي يمضونها في ردهات المطار، فإذا جاء النداء الأخير (last call)  “لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا”.

دخول العام الجديد يعني اقترابنا أكثر من بوابة الصعود، والعام الذي مضى هو قطعة من حياتنا ذهبت، وكل عام يزيد في أعمارنا هو في الحقيقة عام ينقص من آجالنا مهما طالت.

والمسافر العاقل الموفق هو من عكف على ملفات أعماله وأقواله ونظر في قائمة المكاسب والخسائر التي جمعها في عامه الماضي. فإن رأى فيها خيرا؛ حمد الله وزاد وضاعف العمل، وإن وجد غير ذلك؛ تاب واستغفر وأصلح ما أفسد.

والمسافر الأحمق المخذول؛ من شغلته المتاجر الفارهة والمقاهي الفاخرة، وطفق يتباهى بكرت صعوده في الدرجة الأولى المريحة، وبات يقلب ناظريه في زينة المطار وأحوال المسافرين والمسافرات، غافلا عن ساعاته “المعدودة”.

يجب علينا – معشر المسافرين – أن نسأل أنفسنا ونبحث عن جواب: 

إلى أين ستذهب بنا الطائرة؟

ولماذا خرجنا من محل إقامتنا؟

وأين الإقامة بعد السفر؟

قال صلى الله عليه وسلم: كُنْ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل” وعابر السبيل لا يخدعه ظل الشجرة التي قال تحتها؛ لأنه ظلٌ زائل، وينبغي أن يستعد لمواصلة المسير، ولا يغفل عن حقيقة الرحيل، وعليه أن يحمل من الزاد ما يبلغه المحطة الأخيرة في سترٍ وأمان.

اللهم اجعل يومنا خيرًا من أمسنا، واجعل غدنا خيرًا من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، …واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم

كل عام وأنتم وأهلكم وأحبابكم بخير، وإلى الله تعالى أقرب وأحب.

ونيس المبروك

Posted on Leave a comment

المشروع الموحد لمواقيت الصلاة في أوروبا واستعادة أمل الائتلاف والوحدة

كان الشيخ عبد المعز عبدالستار رحمه الله تعالى يقول:” المساجد هي مصانع التوحيد” يقصد أنها تحقق الوحدة الإسلامية في أعلى درجاتها حيث تختفي القوميات والعنصريات والجنسيات والألوان والأعراق في صفوف المصلين بالمساجد، وأذكر أني سمعت من الدكتور/ أحمد الخليفة أستاذ تاريخ الإسلام في أوروبا بالكلية الأوروبية للعلوم الإنسانية بفرانكفورت أنه عندما قدِم طالباً لدراسة الماجستير في ألمانيا سافر 600 كيلو ليصلي الجمعة في المركز الإسلامي بآخن مسجد بلال وأنه أجهش بالبكاء عندما رأى عن يمينه مسلماً ألمانيا ببشرته البيضاء، وعن شماله مسلماً إفريقيا ببشرته السوداء وكيف جمعهم الإسلام في المسجد وآخي بينهم في المسجد رغم اختلاف ألسنتهم وألوانهم.

هذه الصورة المثالية الرائقة الرائعة تراجعت كثيراً وربما اختفت تقريباً من الساحة الأوربية بل وقع عكسها أحيانا في بعض المدن والمساجد؛ إذ اتسعت دائرة الاختلاف حول مواقيت الصلاة بين المساجد والأفراد والمدن، وقد بلغت نظم وطرق حساب مواقيت الصلاة في أوروبا قرابة 13 نظاما وبين الأعلى والأدنى منها أكثر من ساعة، والإشكال الأكبر عندما يقع هذا الخلاف داخل المسجد الواحد، وقد نُقل لي عن أحد الأئمة أن جماعة مسجده تصلي الصبح في رمضان على درجة حسابية مبكرة، بينما تتسحر مجموعة من المصلين في مؤخرة المسجد لأنها تعتمد درجة متأخرة، وأكبر من هذا الإشكال هو إنكار الفريقين على بعضهما، فالذين يُصلون يعتبرون صوم الذين يأكلون باطلاً لدخول الفجر وبدء الصيام، والذين يتسحرون يعتبرون صلاة الذين يصلون باطلة لأن الوقت لم يدخل بعدُ حسب زعمهم!!، وقد شهدتُ بنفسي حالة طلاق بين زوج وزوجته لاختلافهما حول وقت الفجر والإمساك في رمضان، كما عاينتُ غير مرةٍ حيرة الأطفال وترددهم في رمضان بين إمساكية: )بابا( وإمساكية )ماما(.!!

 وقد شُغل العقل الفقهي والمؤسسات الإسلامية في الغرب بقضية حساب مواقيت الصلاة خاصة في المناطق والدول ذات خطوط العرض العليا مبكراً، فيعتبر أول مؤتمر علمي عُقد لبحث هذه القضية هو مؤتمر علماء حيدر آباد دكن (1928)م، وقد تتابعت المؤتمرات والندوات والمشروعات والمقترحات الفردية والجماعية لحل هذه المشكلة حتى عقد مؤتمر استانبول الأخير في الفترة من 19 – 20 صفر 1443 هـــ الموافق 26 – 27 أيلول 2021 م.

واقع وأسباب الاختلاف حول المواقيت في أوروبا

مساحة الاختلاف في طريقة حساب مواقيت الصلاة في أوروبا كبيرة جداً؛ لوقوعها بين المساجد والمؤسسات التركية، وبين المساجد والمؤسسات العربية، وبين العربية والتركية، ولا يعكس هذا الاختلاف روح الدين أبداً، ولا يجسد واحداً من مقاصد الصلاة العامة وهو: تقوية آصرة ورابطة الأخوة بين المسلمين، ويعود الاختلاف حول المواقيت في أوروبا إلى جملة من الأسباب أهمها:

  1. غياب السلطة الملزمة: قضية المواقيت كالهلال وتحديد الأعياد الدينية قضية سلطانية قبل أن تكون فقهية أو فلكية؛ فالاختلاف حول المواقيت خاصة الفجر واقع في البلدان العربية والإسلامية وهناك من يشكك في صحتها ويعتقد أن المعمول به في تلك البلاد خطأ وأنه يترتب عليه بطلان صلاة الفجر لأدائها قبل دخول وقتها شرعاً، ومن هذه البلاد: السعودية، ومصر، والمغرب، والأردن، وتركيا وغيرها، وهناك مشاهير من العلماء يخطئون حساب صلاة الفجر في بلدانهم ويطالبون الناس بالتأخر عنها عشرين إلى ثلاثين دقيقة، كالشيخ الألباني والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، لكن هذا الخلاف لا يظهر للناس وربما لا يعلم به عامتهم لوجود السلطة الملزمة للجميع بهذا الاختيار المعمول به من قِبل كل المساجد، وغياب هذه السلطة في الغرب نتج عنه تعدد السلطات والمرجعيات حتى وصلت للعشرات وصارت كل جمعية أو تجمع وربما مسجد أو إمام يقوم باختيار الدرجة الحسابية التي يراها راجحةً بالنسبة له ويعمل بها ويخطىء من يخالفها، وغياب السلطة جعل هذه المسألة وغيرها جذعة يتجدد الاجتهاد والخلاف حولها بصورة دائمة حتى وإن صدر هذا الاجتهاد من غير أهله وفي غير محله. رغم أن عدم تدخل السلطات في الشأن الديني للمسلمين في أوروبا يعتبر مزيةً كبرى بالنسبة لهم وفرصةً يجب استثمارها بدلا من الاختلاف والتفرق بسببها؛ لهذا فإنَّ طرح أى مشروع يحل مشكلة المواقيت يجب أن يستبطن هذا البعد وأن تكون سلطة الإلزام بالمشروع هي مناسبته لظروف الناس، وظهور أدلته الشرعية، وتوقع قبول أغلب المراكز والمساجد به، وقبل ذلك إخلاص القائمين عليه والمبادرين به وتآلف قلوبهم.
  2. اجتهادية المسألة وعدم قطع الشارع فيها: قضية مواقيت الصلاة وحساباتها قضية اجتهادية ليس هناك نص قاطع فيها، والخلاف فيها مراد للشارع والعلم عند الله؛ تيسيراً على الناس ورعايةً لاختلاف ظروفهم وأحوالهم؛ يدل على هذا نصوص المواقيت خاصة الفجر ولنتأمل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ومفهوم التبين والفجر والإسفار لغةً وشرعاً لا يعطي تلك الحدية والقطعية في معرفة دخول الوقت كما يسعي البعض لبلوغ ذلك، واختلاف الفقهاء في تحديد وقت الفجر والعشاء والعصر دليل آخر على اتساع مساحة الاجتهاد، والنصوص الواردة عن تسحر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وتأخيرهم الشديد له حتى يسفر الفجر جداً، مع نصوص صلاته الفجر بغلس تؤكد أيضا على كون المسألة اجتهادية لا قطع فيها. ثم اختلاف الفلكيين في درجة الفجر الصحيحة والتي يجب العمل بها، وكذا اختلاف الدول العربية والإسلامية في درجة الفجر التي يأخذون بها بين 18 درجة و 20 درجة، ومن رحمة الله بنا وجود هذه المرونة التي تسهل علينا الاجتماع والاتفاق واختيار الأيسر والأرفق بالناس.
  3. اعتبارها عنواناً لهوية المؤسسات والمراكز الأوروبية: تسعى الاتحادات والراوبط الإسلامية في أوربا إلى التصدر والتمثيل للمسلمين في مناطقهم وتحرص على وجود هوية وسمات تميزهم عن الروابط والاتحادات الأخرى، ومواقيت الصلاة أحد السمات التي تتسابق المؤسسات للاختلاف بشأنها؛ لأنها إن اتفقت على خيارٍ جامع لكل الهيئات فقدت جانباً من هويتها المعروفة بها والمميزة لها عن غيرها، لهذا تحرص على التمسك بخيارها الفقهي والفلكي وإن ألبسته لباس الاحتياط الشرعي للعبادة أو التوافق مع دراستها للمسألة وقناعتها العلمية بها، وهذا يعقد من أمر الاتفاق والاجتماع بطبيعة الحال.
  4. تعدد الخيارات والاجتهادات واشتغال الفلكيين بعمل الفقهاء: صوتُ الفلكيين في هذه المسألة أعلى من صوت الفقهاء، وتراهم يرجحون ويختارون ويبطلون العبادة دون ترددٍ وأحيانا يُكرهون الفقهاء على السير وراءهم، رغم أن الأصل أن يكون الفقيه هو مرجعية الفلكي وأن يقتصر دور الفلكي على ترجمة معيار الفقيه إلى درجة حسابية منضبطة، وقد نتج عن هذا التداخل أنْ تحولت المسألة الظنية الاجتهادية إلى حدية قطعية بمخالفة مراد الشارع كما أشرنا، كما أن تعدد الآراء وكثرتها أوجد حالة من الفوضى جعلت الناس يختارون ويفاضلون بين النظم والدرجات كما يشاؤون.
  5. عدم رعاية أغلب الاجتهادات لطبيعة ونظام الحياة في أوروبا: رغم كثرة الاجتهادات وتعددها على الساحة الأوربية إلا أنها لم تحل المشكلة ذلك أن النظم والطرق القائمة يمكن تقسيمها إلى مجموعتين: الأولى: توسعت في التقدير لوقتي الفجر والعشاء رغم وجود علامتيهما ورغم إمكان الالتزام بهما دون حرج ومشقة، والثانية: شدَّدت في الالتزام بالعلامات حتى إذا ترتب على الالتزام بها حرج ومشقة، وكلاهما لا يحل الإشكال بل يعقده؛ ذلك أن الأولى شكَّكت الناس في العبادة بسبب الخروج عن الأوقات والعلامات دون سبب، والثانية لم تناسب ظروف الناس ومعايشهم. ولهذه الأسباب كان التفكير في مشروع جامع وموحد لكلمة المسلمين في هذه القضية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.

المشروع الجديد. خطوات ومراحل العمل

بدأ التفكير في هذا المشروع في الثاني عشر من شهر مارس/ آذار 2016م، بعد الندوة العلمية التي نظمتها لجنة الفتوى بألمانيا والتابعة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وكان موضوعها: «حساب مواقيت الصلاة في ألمانيا ومدى إمكانية توحيد درجتها الحسابية»، والتى شاركت فيها رئاسة الشؤون الدينية التركية، وعدد من أعضاء المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمراكز والمؤسسات الإسلامية في الغرب، وجمعية ملي جروش في ألمانيا، ثم حملت رئاسة الشؤون الدينية التركية من بعدها راية المشروع مع المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ونسقت مع المعنيين بالملف من الفقهاء والفلكيين، والأئمة ومسؤولي المراكز الإسلامية في الغرب، فشكلت اللجنة العلمية واجتمعت ست مرات، ونظمت ندوة مختصة في المركز الإسلامي بآخن عام 2018م، كما شكلت فريقًا للرصد من الفقهاء والفلكيين، حيث قام بثلاث رحلات رصدية: الأولى في مدينة برلين بألمانيا، والثانية في مدينة براج بالتشيك، والثالثة في محافظة بُولُو بتركيا، ولم تكن ظروف الطقس والموقع مناسبة للرصد في المرتين الأوليين، وكانت أنسب في الثالثة لهذا سُجلت نتائج الرصد في تقرير عمل اللجنة وبُني عليها في المشروع الذي أقرَّه المؤتمر. 

ثم قامت اللجنة بجمع التقاويم وطرق حساب مواقيت الصلاة المنتشرة والمعمول بها على الساحة الأوروبية، واشتغلت على تقييمها ودراستها وتحليل أوجه النقص أو الخلل فيها، أو عدم مناسبتها للواقع الأوروبي، ثم طلبت اللجنة في إعلان رسمي منشور تقديم مقترحات ومشروعات لحل إشكالية المواقيت وفق معايير حددتها، وقد قُدِّم إلى اللجنة ستة مشروعات متكاملة وبعد لقاءات مطولة وتقييم للمشروعات من جميع الجوانب انتهت إلى ترجيح مشروعٍ تم عرضه ومناقشته واعتماده في المؤتمر، وقد سُبق المؤتمر بلقاءٍ موسعٍ ضَمَّ عددًا من الأئمة ومدراء المراكز الإسلامية في الدول الاسكندنافية عبر تقنية التواصل الشبكي، وقد عُرض عليهم المشروع واستمعت اللجنة إلى ملاحظاتهم ثم عدَّلت مشروعها وفق ما ورد في هذا الاجتماع. 

 المعايير التي طُلبت في المشروع المختار

وضعت اللجنة العلمية للمؤتمر جملة من المعايير الحاكمة على المشروعات التي قُدِّمت لها والتي ترجَّح بناء عليها مشروع التقويم الموحد الذي بين أيدينا الآن، وأهم هذه المعايير ما يلي:

المعيار الأول: عدم مخالفة مقررات اجتماع استراسبورج وأهمها:

  • إذا وجدت العلامات المعتبرة شرعاً وأمكن تحديدها بالعين المجردة أو بالوسائل الحديثة ولم يوجد معها حرج ومشقة  عامةٌ غير معتادة، فلا يجوز اللجوء إلى التقدير أو تجاوز هذه العلامات، وأما إذا عدمت العلامات، أو اضطربت، أو وُجدت وتحقق الحرج في أداء العبادة عليها، فحينئذ يصح اللجوء إلى التقدير في كل تلك الصور. ويقصد باضطراب العلامة: زيادة ظهور علامة العشاء على ثلث الليل الشرعي مثلا، أو الانتقال المفاجئ للأوقات بين يومين.
  •                          ب‌-      الفجر حسب تعريف الفلكيين هو: اطلالات الضوء الأولى الممتدة فى الأفق نتيجة انكسار وتشتت أشعة الشمس عند وصولها إلى الدرجة 18 تحت الأفق الشرقي.
  •                          ت‌-      لابد أن يتحقق في مشروع التقويم الضوابط التالية:
  • الالتزام بأوقات الصلاة ما وجدت علاماتها قدر الإمكان.
  •                        ii.           رعاية خصوصيات المسلم الأوربي بالتيسير ورفع الحرج، وتحقيق المقاصد الكلية والجزئية.
  •                      iii.           جمع كلمة المسلمين وتجنب تعدد المواقيت فى المدن والأقطار.

المعيار الثاني: الأيسر على الناس والأرفق بهم: فإن الأقليات يجب أن تؤخذ بفقه يراعي خصوصياتهم ونظام حياتهم وأعمالهم، ويجب أيضا أن يلاحظ حركة التدين وواقعه لدى الأجيال الجديدة من أولاد المسلمين، وأن يؤخذ بأفضل السبل وأيسرها لتمكين المسلم الأوروبي من العيش بدينه، ما دمنا نتحرك في الدائرة الاجتهادية المرنة لا القطعية الصلبة.  

المعيار الثالث: إمكانية التأصيل له شرعاً: لأننا في مسألة عبادية والاجتهاد فيها يجب أن يستند إلى دليل شرعي معتبر، وقد قُدمت للجنة مشروعات مقبولة من الناحية الفلكية لكنها تفتقر إلى التأصيل الشرعي لها.

 المعيار الرابع: الاتساق وعدم الاختلاف أو الاضطراب في التطبيق بين دولة ودولة أو مدينة ومدينة، أو الصيف والشتاء، وإمكانية التطبيق والحساب بدون تعقيد لكل المدن والمناطق، بحيث يكون المشروع عالمي التنزيل والتطبيق، وقد رفضت اللجنة بعض المشروعات لعدم اتساقها أو إمكان تطبيقها في بعض المناطق واستحالة العمل بها في مناطق أخرى.

المعيار الخامس: الأجمع للكلمة والأكثر قبولاً وسط دوائر أوسع من المراكز والجمعيات والمؤسسات الأوروبية، وإنما يُعرف ذلك بالنظر في تجارب العمل بالتقاويم الحالية في مختلف البلدان والأقطار الأوروبية، وأيها أكثر توافقا مع حياة الناس وأعمالهم وأولادهم. 

المعيار السادس: الأقل تقديراً لرفع الحرج حالة وجود العلامة؛ ذلك أن الأصل هو الالتزام بالعلامات الشرعية لأوقات الصلاة ما وجدت قدر الإمكان، ولهذا فإن المشروع الموحد يقلل التقدير مقارنة بغيره من النظم الأخرى.

المعيار السابع: تجنب القفزة. وذلك بالانتقال السلس وعدم تثبيت الأوقات لفترات طويلة أو الانتقال المفاجىء عند غياب العلامة أو اضطرابها؛ ولهذا فإن التقدير يبدأ قبل غياب العلامات بأيام ويستمر بعدها بأيام لتحقيق هذا المعيار المهم.

خلاصة المشروع ومستنده الشرعي

  •  الفجر وهو -كما تم قبوله في اجتماع سترازبرغ- بياض معترض في الأفق الشرقي- يدخل إذا اقتربت الشمس إلى الأفق ب 18- درجة، واعتماد الدرجة 18  للفجر في غالب أيام السنة هو كسبٌ مهم للمشروع؛ لأنها الدرجة التي عليها أغلب الفقهاء والفلكيين والمقبولة لدى عموم الناس، والتي عليها أغلب البلدان في العالم العربي والإسلامي، وهي تحقِّق الاحتياط لعبادة الصيام أكثر من غيرها.
  • العشاء يدخل بغيبوبة الشفق الأحمر في الأفق الغربي، وهي تتحقق بنزول الشمس تحت الأفق ب 17 درجة، ثم عُدلت درجة العشاء إلى 16  من قبل لجنة المتابعة بعد مقترحات ومراجعات ومناقشات؛ لتوافقها مع بعض الرصدات القديمة والحديثة، ولأنها تحقق التيسير أكثر على الناس.
  • يقسم الليل الشرعي (ما بين الغروب وطلوع الفجر  الصادق) إلى ثلاثة أقسام متساوية: بعد الجزء الأول: يدخل وقت العشاء، ويدخل وقت الفجر بطرح الثلث من الشروق، وذلك إذا غابت العلامات الشرعية أو ترتب على الالتزام بها حرج ومشقة.

بقي عندنا سؤالان وهما: لماذا اعتماد طريقة التقدير على ثلث الليل الشرعي وما سندها؟ وهل يجوز التقدير مع وجود العلامات الشرعية للصلوات؟

وجواب السؤال الأول: أن طريقة ثلث الليل الشرعي تعتمد على نص شرعي وهو الحديث الصحيح المروي بصيغ مختلفة كقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل».[1] ، وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنه قالت: «أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلاَةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: «مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ»، قَالَ: وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلَّا بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ».[2]، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا نَدْرِي أَشَيْءٌ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَقَالَ حِينَ خَرَجَ: «إِنَّكُمْ لَتَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ، وَلَوْلَا أَنْ يَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ»، ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى. [3] . وفي مسند أحمد بن حنبل عن أبي هريرة: « قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ، وَلَأَخَّرْتُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ إِذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ هَبَطَ اللهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَزَلْ هُنَاكَ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَيَقُولَ قَائِلٌ: أَلا سَائِلٌ يُعْطَى، أَلا دَاعٍ يُجَابُ، أَلا سَقِيمٌ يَسْتَشْفِي فَيُشْفَى، أَلا مُذْنِبٌ يَسْتَغْفِرُ فَيُغْفَرَ لَهُ».[4]

والشاهد في تلك الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر أن في تأخير العشاء إلى ثلث الليل مشقةً بحيث يشق على المكلف ويثقل عليه انتظار الصلاة أكثر من ذلك كما يدل قول عمر رضي الله تعالى عنه: «الصَّلاَةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ». فيمكن القول: إن المشقة تبدأ قبل دخول ثلث الليل؛ لأن تلك الروايات المذكورة تدل على أنه صلى العشاء قبل الثلث وصرح بأنه لولا المشقة في تأخير العشاء إلى ما بعد الثلث لأخرها. قال ابن رجب الحنبلي [ت. 795ه/1393م] في فتح الباري في صدد شرحه تلك الروايات: «وهذا مما استدل به من قال: إن تعجيل العشاء أفضل؛ لأنه لم يأمرهم بالتأخير؛ بل أخبر أنه لولا أنه يشق عليهم لأمرهم، وما كان ليؤثر ما يشق على أمته، فلذلك لم يأمرهم، وكذلك قوله: “لولا ضعف الضعيف، وسقم السقيم لأخرت” فإنه يدل على أنه لم يؤخر، وإذا كان الأمر بذلك مستلزماً للمشقة فهو لا يأمر بما يشق عليهم».[5] وقال بدر الدين العيني [ت. 855ه/1451م] في شرحه على صحيح البخاري: «فدلّ الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة، لأن انتفاء النفي ثبوت، فيكون الأمر منفيًّا لثبوت المشقة. قوله: “أن أشق” كلمة: أن، مصدرية، وهي محل الرفع على الابتداء، وخبره محذوف واجب الحذف، والتقدير: لولا المشقة موجودة لأمرتهم».[6]

 وأما جواب السؤال الثاني وهو: هل يجوز التقدير مع وجود العلامات الشرعية للصلوات؟

جوَّز التقدير للصلاة رغم وجود العلامات إذا ترتب على الالتزام بالعلامات حرج ومشقة عدد من الفقهاء قديما كالقرافي والشبراملسي، وحديثاً عدد من المجامع الفقهية مثل: المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ودار الإفتاء المصرية، والمجلس الأعلى للشؤون الدينية التركية، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، ومن العلماء المعاصرين: الشيخ محمد حميد الله، والشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ فيصل مولوي، والشيخ علي القره داغي، ولهم أدلتهم التي يصعب ذكرها وتفصيل القول فيها في هذا السياق.

ما الجديد الذي أضافه المشروع؟ 

  1. جمع كلمة العرب والأتراك في مشروع تاريخي وعمل مشترك في عبادة تكرر في اليوم خمس مرات، وقضية تتعلق بركنين من أركان الإسلام وهما: الصلاة والصيام.
  2. أول مشروع جماعي للمواقيت تجتمع فيه هذه الهيئات والمؤسسات والشخصيات العلمائية من الفقهاء والفلكيين في تاريخ النظر الفقهي لمسألة المواقيت.
  3. جمع بين الرصد الفلكي والـتأصيل الشرعي.
  4. جمع بين الاحتياط للعبادة في درجة الفجر والتيسير على الناس في فترات الحرج والمشقة.
  5. شكل لجنة للمتابعة ترصد إشكالات التطبيق والتنزيل وتعمل على حلها وتأخذ بما هو نافع متوافق مع معايير المشروع منها.
  6. أول مشروع يستهدف توحيد كلمة المسلمين في أمر المواقيت أوروبياً، بخلاف المشروعات السابقة التي عالجت المسألة محليا ولم تخرج عن دائرة الأقطار التي وضعت لها.

هل ينجح المشروع في تحقيق الوحدة وإغلاق ملف المواقيت؟

إن القرآن الكريم ربط بين كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة فقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 92]، وقال: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } [المؤمنون: 52]، وإن فريضة الصلاة التي تتكرر في اليوم خمس مرات تغرس في نفس المسلم معنى الوحدة والاجتماع مع إخوانه المسلمين حول العالم؛ لهذا فهو يتمثل روح الجماعة حتى إن صلى منفرداً فيقول في قراءة الفاتحة: اهدنا الصراط المستقيم، ولا يقول: اهدني.

وهذا المشروع هو فرصة كبرى للمسلمين في أوروبا أن يعبروا به عن قيم الإسلام وتمسكه بالاتحاد والاعتصام وأن يجسدوا به القاعدة الفقهية: الاتفاق على المرجوح خير من الاختلاف على الراجح، فكيف إذا كان راجحا؟

إنني متفائل جداً بهذا المشروع أن يغلق به ملف المواقيت والاختلاف حوله على الساحة الأوروبية، وسبب تفاؤلي ما رأيته في اجتماعات اللجنة العلمية وما أكد عليه كل أعضائها والممثلين للهيئات والروابط الكبرى على الساحة الأوربية وكذلك أصحاب المشروعات والمقترحات من استعداد كل واحد منهم أن يتنازل عن رأيه ومشروعه رغم قناعته به لتحقيق الوحدة ونبذ الفرقة.

متفائل ومستشرف نجاح المشروع في استعادة الوحدة التي فقدنا دهراً لما رأيته من تعطش عموم المسلمين للاتفاق وجمع الكلمة وما شاهدته من بكاء كثير منهم في الدنمارك والسويد، حتى قال أحد الأئمة: احرقوا التقاويم الأخرى وابقوا على هذا التقويم فكفانا اختلافا وتفرقا، وما قام به الاتحاد الإسلامي الدانماركي بترك مشروعهم ورصدهم وقناعتهم لتوحيد كلمة المسلمين في الدنمارك.

إنني أهيب بكل إمام ومسؤول عن مركز من المراكز في أوربا أن يبادر للعمل بهذا التقويم وأدعو كل مسلم في أوروبا كذلك أن لا يتردد في اعتماده، ولا يعني هذا أنه مشروع معصوم من الخطأ أو الملاحظة عليه، بل هو جهد بشري غير معصوم من الخطأ أو الاستدراك عليه، ولكنه اجتمعت فيه شرائط القبول والعمل به وتفويت فرصة العمل به تفويت لفرصة كبرى للاتحاد والاستعادة الجزئية لمفهوم الأمة في السياق الأوروبي.

إن إغلاق ملف المواقيت بهذا المشروع يعني أن نترك تحديد أوقات الصلاة وننطلق للعمل في مشروع الصلاة ذاتها، ورفع نِسب المصلين والخاشعين في صلاتهم من المسلمين في أوروبا، يعني الاتجاه إلى مخاطر أصل التدين وجوهر الدين بحق الأجيال الجديدة من أولاد المسلمين في الغرب.

والله تعالى أسأل أن يجزي خيرا كل من بذل جهدا أو قدم وقتا أو عملاً لإنجاح هذا المشروع، وابتهل إليه أن يجمع كلمتنا على الهدى، وقلوبنا على التقى، ونفوسنا على المحبة، وان يوفقنا لعمل الخير وخير العمل، والحمد لله رب العالمين.  


[1]  سنن الترمذي، الطهارة، [رقم الحديث: 23]؛ سنن ابن ماجه، الصلاة 7 [رقم الحديث: 691].

[2] صحيح البخاري، الصلاة 24 [رقم الحديث: 569]

[3]  صحيح مسلم (1/ 442)

[4]  مسند أحمد بن حنبل، 2/72 [رقم الحديث: 967).

[5] فتح الباري لابن رجب الحنبلي، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، 1996، 4/101.

[6]  عمدة القارئ لبدر الدين العيني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 6/180.

بقلم: د/خالد حنفي. عضو لجنة المتابعة للمؤتمر العالمي للمواقيت، والأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.