تدبر: سترة المصلي بين الفقه والتربية روى أحمد/ عن سهل بن أبي حثمة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ” صحيح. السترة: هي الشي الذي يتخذه المصلي أمامه مرتفعا ك (الخشبة – والعمود – والعصا- والدابة… وغير ذلك) يمنع به مرور أحد يقطع صلاته. قد شرعت السترة للمصلي فقها لما يلي: (اتباعا للهدى النبوي – وعدم قطع الشيطان عمل الإنسان – دفع للوسوسة- متمم للخشوع والخضوع – دافع للانشغال بغير صلاته – دافع للنقص في ثواب الصلاة – قصر النظر لمواضع السجود – مؤكد لاحترام قيمة الصلاة ومكانتها من الجميع). وشرعت السترة تربية لما يلي:
احترام الحدود بين الناس فلا جور ولا اعتداء في المكان والزمان
تعلم الجميع توفير الأجواء لبعضهم البعض في إتمام ما يصلح ودفع ما يفسد وفي هاذين الامرين دفع للشياطين من الأنس والجن
ترسيخ لفكرة الخصوصية التي ما إذا احترمت في الصلاة احترمت خارجها
التأكيد على فكرة الإفساح والتوسعة وترك المساحات للآخر فالسترة تقيد مكانا للمصلي يفسح من خلالها لغيره ويوسع له
فيه تعليم الناس حد الكفاية والاكتفاء وهو متواتر في كثير من الأفعال فليس معنى وجود وفرة في الشيء أن يطغى فيه تبزيرا وإسرافا ماء ومكانا
فيها أيضا تعليم الناس مصاحبة الوسائل التي تساعد على التركيز والاتقان في الأفعال والعبادات للوصول بهما إلى أفضل أداء وأحسن تقديم
وفيها تأكيد فقه التستر الذي هو قرين الحياء ومن جميل الفعال فالسترة تلقي بظلالها على المصلي أن يستر بعمله فتدفع الرياء عنه وتعينه على إخلاصه في توجهه لربه
كما انها تذكر الجميع بأهمية الستر وفكرته كما في الحديث إما سترا منك لأعمالك وتحبيب الستر في واجباتك فتستر طاعاتك كما تستر معاصيك وهي دعوة لستر غيرك فإنها من جميل التعامل بين الخلق وطلبا للستر الأخروي وما أدراك بثوابه؟!
الدنو من السترة المتكررة في اليوم على الأقل خمس مرات دليل حب هذا الأمر ومحاولة نقله من أرض المادي إلى سماء المعنوي قلبا وروحا وكأنه المؤمن من مكملات إيمانه وعظيم خلقه دنوه المتكرر المستديم إلى الستر لنفسه ولغيره
السترة تعلمنا أن من الأشياء البسيطة الصغيرة وربما المهملة التي تكون بين الناس قد تلقي بظلالها الفائدي التوجيهي ما يصلح به أمرنا التعبدي والأخلاقي فلا تحقر شيء وتدبر وجوده وخلقته
وأخيرا فهي تأكيد لمحاولة دفع الشياطين عن أوديتنا وأن الشياطين لا تحب الستر بفعالنا وببعضنا فدخولها علينا رياء وعلى غيرنا فضيحة وكشف عورة وكأنه من يقوم بذلك استحق الوصف الشياطين وسلب منه الوصف الإنساني الإسلامي اللهم سترة في الدنيا والآخرة تحياتي بقلم الدكتور: ِأحمد طه عبد القادر إمام المنتدى العربي الألماني بلاندسهوت ألمانيا
الحمد لله حمدا كثيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأله وصحبه.
ها هي السنة الحالية تكاد تنقضي أيامها، وتقبل علينا سنة جديدة، نسأل الله العلي القدير أن يجعلها زيادة لنا في الخير، وأن يوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه. سنة مضت (ماذا قدمنا لأنفسنا فيها)، وسنة قادمة (ماذا أعددنا لها؟).
بقول ربنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ. {
إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــا * وكل يوم مضـى يدني من الأجل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً * فإنما الربح والخسران في العمـل
لا يوجد دين يقدر قيمة الوقت مثل الإسلام، حيث أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم. قال تعالى:: {وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}. ولكن الكثير من المسلمين أصبحوا لا يقدرون قيمة الوقت، ولا يدركون أهميته في إصلاح شئون حياتهم الخاصة والعامة؛ في الوقت الذي أدركت أمم أخرى قيمة الوقت، واستثمروه في نهضة مجتمعاتهم.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك)). وروى والطبراني عن معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)).
كل ما ضاع من ابن آدم يمكن أن يعوض إلا الوقت: كان سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي). وكل يوم يمر ينقص من أعمارنا، وهو إما شاهد لنا أو علينا، وقديما قال الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم إنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك).
نسير إلى الآجال في كل لحظة * وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحلُ
ترحل من الدنيا بزاد من التقى * فعمرك أيـام وهن قلائــلُ ولقد أدرك سلفنا الصالح رضوان الله عليهم قيمة الوقت واستثمروه فيما ينفعهم ويخدم مصالح العباد. قال الحسن البصري: (لقد أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على أموالكم). كذلك قول المحاسبي: “والله وددت لو أن الوقت يُشترى بالمال، لأشتري بأموالي أوقاتاً من الفارغين والغافلين، أنفقها في سبيل الله”! وقال علي رضي الله عنه: {(من قضى يومه في غير فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصله أو علم اكتسبه فقد عق يومه وظلم نفسه.}. ويقول آخر: (من كان يومه كأمسه فهو مغبون). وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة(.
ولذلك خرجت من هذه الأمة المباركة أجيال عملت الكثير في وقت قصير، وبارك الله في أعمارهم، وأنجزوا الكثير مما يحقق مصالح العباد والبلاد.
والدعاة إلى الله أحق الناس بمحاسبة أنفسهم ومراجعة أحوالهم مع نهاية سنة وبداية أخرى، فالتحديات كبيرة، والواجبات أكثر من الأوقات. فها هو عامٌ مضَى وانقضَى، بما قدمناه فيه لأنفسنا وبما أخرنا،﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾. كتَب عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه – إلى بعض عُمَّاله: “حاسِبْ نفسك في الرَّخاء قبلَ حِساب الشِّدَّة، فإنَّ مَن حاسب نفسه في الرخاء قَبل حسابِ الشدَّة، عاد أمرُه إلى الرِّضا والغبطة، ومَن ألْهَتْه حياتُه، وشغلتْه أهواؤه، عادَ أمره إلى الندامة والخسَارة”. وقال الحسن البصري رحمه الله: “إنَّ العبدَ لا يَزال بخيرٍ ما كان له واعظٌ مِن نفْسه، وكانتِ المحاسبة هِمَّتَه”.
ولا ننسى أيها الأحباب أن هذه الدعوة المباركة التي أكرمنا الله بالانتماء إليها، لا يصلح لها إلا من أدى حقها، ووهب لها ما تتطلبه من جهده، ووقته، وماله. وللعامل منا من الأجر والمنزلة عند الله على قدر نيته وعمله {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
أسأل الله تعالى أنْ يجعلَنا ممَّن يستخلص العِبَر ممَّا مضَى من الزمان، وأن يعيننا على حسن استغلال الأوقات في طاعته، وأن يغفر لنا كل تقصير، وأن يجعل السنة الجديدة زيادة لنا في كل خير، وأن يرزقنا فيها مزيدا من التوفيق والنجاح.
كلمة فاز في اللغة العربية تعني معاني متعددة، منها: النصر والظفر والنجاة من الشر، ومنه قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) الأحزاب
هذا هو فوز الآخرة حيث لا خسران بعده، ولا كدر ولا خوف، ولا قلق ولا أرق.
فما هي نظرتنا للفوز في الدنيا؟
للفوز في الدنيا قيمته وسعادته وفرحته التي تتجلى على الوجوه، فإذا ضاحكة مستبشرة، وعلى الجوارح فإذا هي تسرح وتمرح، وعلى العيون فإذا هي تبرق وتُشرق.
حينما يفوز طالب بجائزة تتويجاً لجهد بذله وعرق تَصبَّبَه، أو يفوز تاجر في صفقة، أو يفوز نادي رياضي في مباراة لكرة القدم كما شاهدنا في المونديال الأسابيع المنصرمة، فرحةً تعم أرجاء الملعب، وسعادةً خلف الشاشات تغمر الملايين، إنها فرحة فطرية طبيعية.
غير أن ساعة الفوز العاجلة في حياة المسلم منضبطة بمجموعة من المعايير، منها:
– أن ساعة الفوز في الدنيا تذكرنا بلحظة التبشير بالجنة حينما نخرج من هذه الحياة .
والفوز الجميل في الدنيا ليس في مباراة فقط، ولا في مسابقة، ولا صفقة فقط، فأكبر الفوز: الفوز على الشهوات وكبح جماح الغرائز. فمن انتصر على نفسه فهو الفائز، ومن كظم غيظه فهو الفائز، ومن عفا وهو قادر فهو الفائز، ومن قاوم شح نفسه وأعطى من خير ماله في وجوه الخير فهو الفائز.
– فوزنا في الدنيا في أى ميدان منضبط بالوسيلة الشريفة، فلا نقبل أن نأخذ حقنا بالحيلة غير الشريفة،
– فوزنا في الدنيا لا يُطغينا ولا ينسينا حاجتنا إلى عون الله وتوفيقه.
– فوزنا في الدنيا لا يجعلنا ننسى الرفق بمن لم يحالفه التوفيق.
وما أجمل مشهد اللاعبين في بعض المباريات الأيام الماضية والغالب يواسي المغلوب ويهون عليه ويخفف ألمه.
– فوزنا في الدنيا ليس نهائيا ومن ثم يجب الحذر من الكبر والغرور، والحرص على الفوز الأخير يوم القيامة.
– فوزنا في الدنيا في أي مجال من مجالات الحياة يدفعنا لمزيد من الإنجازات، وهو مصحوب بالنية الصالحة والرغبة الصادقة في تقديم نموذج المسلم القوي الناجح القدوة في سلوكه وعمله وخلقه.
مفهوم الهزيمة أو الخسران
جاء مفهوم الخسران في الآخرة ليوضح لنا حقيقة الخسارة التي يجب أن نتجنبها.
والحق أن للهزيمة مرارة في النفس وحزن في القلب، وقد يصاب البعض باكتئاب يعزله عن الحياة أياماً أو شهوراً.
وقد أصاب الصحابة الكرام غمَّا وهمَّا بعد انكسارهم في غزوة أحد، وكان درسا وعظة بليغة سرعان ما تجاوزوها بعد أن فقهوها.
ترى طفلاً يبكي لأنه خسر في لعبة، ثم ما يلبث أن تنسيه لعبة أخرى قد فاز فيها، وترى بعض لاعبي كرة الكرم ينتحبون لخروج منتخبهم من سباق رياضي كبير، وبعد فترة تطول أو تقصر يجبر هزيمته السابقة بانتصارات أخرى فتمسح أسى الأمس الدابر.
وقد يقع المسلم في المعصية ويمتلكه الحزن ويظل يصارع نفسه ويجاهد هواه وينتصر على شيطانه، فإذا هو نقي الروح تقي القلب يمشى سوياً على صراط مستقيم، وقد غفر الله ما قدمت يداه.
إذن، كل خسارة في هذه الحياة رغم قسوتها، إلا أنها مجبورة يمكن تجاوزها إلى تحقيق انتصارات أخرى وفوز لاحق.
لا، لقد ساوم المشركون صهيب الرومي رضى الله عنه على ماله، فتركه له رجاء الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟