Posted on Leave a comment

تدبر: سترة المصلي بين الفقه والتربية

تدبر: سترة المصلي بين الفقه والتربية
روى أحمد/ عن سهل بن أبي حثمة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ” صحيح.
السترة: هي الشي الذي يتخذه المصلي أمامه مرتفعا ك (الخشبة – والعمود – والعصا- والدابة… وغير ذلك) يمنع به مرور أحد يقطع صلاته.
قد شرعت السترة للمصلي فقها لما يلي:
(اتباعا للهدى النبوي – وعدم قطع الشيطان عمل الإنسان – دفع للوسوسة- متمم للخشوع والخضوع – دافع للانشغال بغير صلاته – دافع للنقص في ثواب الصلاة – قصر النظر لمواضع السجود – مؤكد لاحترام قيمة الصلاة ومكانتها من الجميع).
وشرعت السترة تربية لما يلي:

  • احترام الحدود بين الناس فلا جور ولا اعتداء في المكان والزمان
  • تعلم الجميع توفير الأجواء لبعضهم البعض في إتمام ما يصلح ودفع ما يفسد وفي هاذين الامرين دفع للشياطين من الأنس والجن
  • ترسيخ لفكرة الخصوصية التي ما إذا احترمت في الصلاة احترمت خارجها
  • التأكيد على فكرة الإفساح والتوسعة وترك المساحات للآخر فالسترة تقيد مكانا للمصلي يفسح من خلالها لغيره ويوسع له
  • فيه تعليم الناس حد الكفاية والاكتفاء وهو متواتر في كثير من الأفعال فليس معنى وجود وفرة في الشيء أن يطغى فيه تبزيرا وإسرافا ماء ومكانا
  • فيها أيضا تعليم الناس مصاحبة الوسائل التي تساعد على التركيز والاتقان في الأفعال والعبادات للوصول بهما إلى أفضل أداء وأحسن تقديم
  • وفيها تأكيد فقه التستر الذي هو قرين الحياء ومن جميل الفعال فالسترة تلقي بظلالها على المصلي أن يستر بعمله فتدفع الرياء عنه وتعينه على إخلاصه في توجهه لربه
  • كما انها تذكر الجميع بأهمية الستر وفكرته كما في الحديث إما سترا منك لأعمالك وتحبيب الستر في واجباتك فتستر طاعاتك كما تستر معاصيك وهي دعوة لستر غيرك فإنها من جميل التعامل بين الخلق وطلبا للستر الأخروي وما أدراك بثوابه؟!
  • الدنو من السترة المتكررة في اليوم على الأقل خمس مرات دليل حب هذا الأمر ومحاولة نقله من أرض المادي إلى سماء المعنوي قلبا وروحا وكأنه المؤمن من مكملات إيمانه وعظيم خلقه دنوه المتكرر المستديم إلى الستر لنفسه ولغيره
  • السترة تعلمنا أن من الأشياء البسيطة الصغيرة وربما المهملة التي تكون بين الناس قد تلقي بظلالها الفائدي التوجيهي ما يصلح به أمرنا التعبدي والأخلاقي فلا تحقر شيء وتدبر وجوده وخلقته
  • وأخيرا فهي تأكيد لمحاولة دفع الشياطين عن أوديتنا وأن الشياطين لا تحب الستر بفعالنا وببعضنا فدخولها علينا رياء وعلى غيرنا فضيحة وكشف عورة وكأنه من يقوم بذلك استحق الوصف الشياطين وسلب منه الوصف الإنساني الإسلامي
    اللهم سترة في الدنيا والآخرة
    تحياتي
    بقلم الدكتور: ِأحمد طه عبد القادر
    إمام المنتدى العربي الألماني بلاندسهوت ألمانيا
Posted on Leave a comment

نهاية عام واستقبال آخر (وقفة محاسبة ومراجعة)

 الحمد لله حمدا كثيرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأله وصحبه.

ها هي السنة الحالية تكاد تنقضي أيامها، وتقبل علينا سنة جديدة، نسأل الله العلي القدير أن يجعلها زيادة لنا في الخير، وأن يوفقنا فيها لما يحبه ويرضاه. سنة مضت (ماذا قدمنا لأنفسنا فيها)، وسنة قادمة (ماذا أعددنا لها؟).

بقول ربنا تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.ويقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتزيّنوا للعرض الأكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيةٌ. {

إنا لنفرح بالأيام نقطعهــــا * وكل يوم مضـى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً * فإنما الربح والخسران في العمـل

لا يوجد دين يقدر قيمة الوقت مثل الإسلام، حيث أعطى القرآن الكريم أهمية بالغة للزمن، وحث المسلمين على استثمار الوقت فيما يفيدهم وينهض بمجتمعهم. قال تعالى:: {وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}. ولكن الكثير من المسلمين أصبحوا لا يقدرون قيمة الوقت، ولا يدركون أهميته في إصلاح شئون حياتهم الخاصة والعامة؛ في الوقت الذي أدركت أمم أخرى قيمة الوقت، واستثمروه في نهضة مجتمعاتهم.

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)). وروى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: ((اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك)). وروى والطبراني عن معاذ بن جبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)).

كل ما ضاع من ابن آدم يمكن أن يعوض إلا الوقت: كان سيدنا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي). وكل يوم يمر ينقص من أعمارنا، وهو إما شاهد لنا أو علينا، وقديما قال الحسن البصري رحمه الله: (يا ابن آدم إنما أنت أيام معدودة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك).

نسير إلى الآجال في كل لحظة * وأعمارنا تطوى وهنَّ مراحلُ

ترحل من الدنيا بزاد من التقى * فعمرك أيـام وهن قلائــلُ                                                                                       ولقد أدرك سلفنا الصالح رضوان الله عليهم قيمة الوقت واستثمروه فيما ينفعهم ويخدم مصالح العباد. قال الحسن البصري: (لقد أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد حرصاً منكم على أموالكم). كذلك قول المحاسبي: “والله وددت لو أن الوقت يُشترى بالمال، لأشتري بأموالي أوقاتاً من الفارغين والغافلين، أنفقها في سبيل الله”! وقال علي رضي الله عنه: {(من قضى يومه في غير فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصله أو علم اكتسبه فقد عق يومه وظلم نفسه.}. ويقول آخر: (من كان يومه كأمسه فهو مغبون). وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة(.

ولذلك خرجت من هذه الأمة المباركة أجيال عملت الكثير في وقت قصير، وبارك الله في أعمارهم، وأنجزوا الكثير مما يحقق مصالح العباد والبلاد.

والدعاة إلى الله أحق الناس بمحاسبة أنفسهم ومراجعة أحوالهم مع نهاية سنة وبداية أخرى، فالتحديات كبيرة، والواجبات أكثر من الأوقات. فها هو عامٌ مضَى وانقضَى، بما قدمناه فيه لأنفسنا وبما أخرنا،﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾. كتَب عمرُ بن الخطَّاب – رضي الله عنه – إلى بعض عُمَّاله: “حاسِبْ نفسك في الرَّخاء قبلَ حِساب الشِّدَّة، فإنَّ مَن حاسب نفسه في الرخاء قَبل حسابِ الشدَّة، عاد أمرُه إلى الرِّضا والغبطة، ومَن ألْهَتْه حياتُه، وشغلتْه أهواؤه، عادَ أمره إلى الندامة والخسَارة”. وقال الحسن البصري رحمه الله: “إنَّ العبدَ لا يَزال بخيرٍ ما كان له واعظٌ مِن نفْسه، وكانتِ المحاسبة هِمَّتَه”.

ولا ننسى أيها الأحباب أن هذه الدعوة المباركة التي أكرمنا الله بالانتماء إليها، لا يصلح لها إلا من أدى حقها، ووهب لها ما تتطلبه من جهده، ووقته، وماله. وللعامل منا من الأجر والمنزلة عند الله على قدر نيته وعمله {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.

أسأل الله تعالى أنْ يجعلَنا ممَّن يستخلص العِبَر ممَّا مضَى من الزمان، وأن يعيننا على حسن استغلال الأوقات في طاعته، وأن يغفر لنا كل تقصير، وأن يجعل السنة الجديدة زيادة لنا في كل خير، وأن يرزقنا فيها مزيدا من التوفيق والنجاح.

الشيخ: عبد المجيد نوار التلمساني

Posted on Leave a comment

الفوز والخسران في ميزان القرآن الكريم (خطبة جمعة)

الفوز والخسران في ميزان القرآن الكريم

كلمة فاز في اللغة العربية تعني معاني متعددة، منها: النصر والظفر والنجاة من الشر، ومنه قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) الأحزاب

فاز أي ظفر بالشيء ومنه قوله تعالى:

إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31) سورة النبأ

وقد جاء في كتاب الله تعالى في مواضع عديدة.

فالنجاة من النار فوز كبير،: (كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ) [سورة آل عمران: 185]

وحينما يمنُّ الله على عباده فيصرف عنهم العذاب فهو الفوز المبين حيث يرون العذاب وقد أنجاهم الله منه:”

 قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِك الْفَوْزُ الْمُبِينُ.16 سورة الانعام

وأما عند دخولهم الجنة وتقلُّبهم في نعيمها ورؤيتهم ما أعده الله لهم فيها، فهو الفوز الكبير.

” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) سورة البروج

وإذا كان نعيم الجنة في صُوَره الحسية من أكبر ألوان النعيم،  فإنَّ رضوان الله تعالى أعظم وأكبر،  لذلك قال تعالى:

” قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة المائدة: 119]

هذا هو فوز الآخرة حيث لا خسران بعده، ولا كدر ولا خوف، ولا قلق ولا أرق.

فما هي نظرتنا للفوز في الدنيا؟

للفوز في الدنيا قيمته وسعادته وفرحته التي تتجلى على الوجوه، فإذا ضاحكة مستبشرة، وعلى الجوارح فإذا هي تسرح وتمرح، وعلى العيون فإذا هي تبرق وتُشرق.

 حينما يفوز طالب بجائزة تتويجاً لجهد بذله وعرق تَصبَّبَه، أو يفوز تاجر في صفقة، أو يفوز نادي رياضي في مباراة لكرة القدم كما شاهدنا في المونديال الأسابيع المنصرمة، فرحةً تعم أرجاء الملعب، وسعادةً خلف الشاشات تغمر الملايين، إنها فرحة فطرية طبيعية.

غير أن ساعة الفوز العاجلة في حياة المسلم   منضبطة بمجموعة من المعايير، منها:

– أن ساعة الفوز في الدنيا تذكرنا بلحظة التبشير بالجنة حينما نخرج من هذه الحياة .

” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) سورة فصلت.

– حينما يعلم الطالب أنه حاز المرتبة الأولى، عليه أن يتذكر يوم ينادَى عليه ليأخذ كتابه بيمينه يوم تطاير الصحف .

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) سورة الحاقة

والفوز الجميل في الدنيا ليس في مباراة فقط، ولا في مسابقة، ولا صفقة فقط، فأكبر الفوز: الفوز على الشهوات وكبح جماح الغرائز. فمن انتصر على نفسه فهو الفائز، ومن كظم غيظه فهو الفائز، ومن عفا وهو قادر فهو الفائز، ومن قاوم شح نفسه وأعطى من خير ماله في وجوه الخير فهو الفائز.

– فوزنا في الدنيا في أى ميدان منضبط بالوسيلة الشريفة، فلا نقبل أن نأخذ حقنا بالحيلة غير الشريفة،

– فوزنا في الدنيا لا يُطغينا ولا ينسينا حاجتنا إلى عون الله وتوفيقه.

– فوزنا في الدنيا لا يجعلنا ننسى الرفق بمن لم يحالفه التوفيق.

وما أجمل مشهد اللاعبين في بعض المباريات الأيام الماضية والغالب يواسي المغلوب ويهون عليه ويخفف ألمه.

– فوزنا في الدنيا ليس نهائيا ومن ثم يجب الحذر من الكبر والغرور، والحرص على الفوز الأخير يوم القيامة.

– فوزنا في الدنيا في أي مجال من مجالات الحياة يدفعنا لمزيد من الإنجازات، وهو مصحوب بالنية الصالحة والرغبة الصادقة في تقديم نموذج المسلم القوي الناجح القدوة في سلوكه وعمله وخلقه.

مفهوم الهزيمة أو الخسران

جاء مفهوم الخسران في الآخرة ليوضح لنا حقيقة الخسارة التي يجب أن نتجنبها.

والحق أن للهزيمة مرارة في النفس وحزن في القلب، وقد يصاب البعض باكتئاب يعزله عن الحياة أياماً أو شهوراً.

وقد أصاب الصحابة الكرام غمَّا وهمَّا بعد انكسارهم في غزوة أحد، وكان درسا وعظة بليغة سرعان ما تجاوزوها بعد أن فقهوها.

ترى طفلاً يبكي لأنه خسر في لعبة، ثم ما يلبث أن تنسيه لعبة أخرى قد فاز فيها، وترى بعض لاعبي كرة الكرم ينتحبون لخروج منتخبهم من سباق رياضي كبير، وبعد فترة تطول أو تقصر يجبر هزيمته السابقة بانتصارات أخرى فتمسح أسى الأمس الدابر.

وقد يقع المسلم في المعصية ويمتلكه الحزن ويظل يصارع نفسه ويجاهد هواه وينتصر على شيطانه، فإذا هو نقي الروح تقي القلب يمشى سوياً على صراط مستقيم، وقد غفر الله ما قدمت يداه.

إذن، كل خسارة في هذه الحياة رغم قسوتها، إلا أنها مجبورة يمكن تجاوزها إلى تحقيق انتصارات أخرى وفوز لاحق.

غير أن خسارة الآخرة لا جبر لها،

اقرأ قوله تعالى:

” قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) سورة الأنعام

وحينما يلعب الشيطان برأس من اتبع هواه، ويسوقه إلى حتفه، يزين له سوء عمله فيراه حسنا، وهنا يكون الخسران.

” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) سورة الكهف

قد تخسر مالك في سبيل الله فهل هذا خسران؟

قد تخسر صحتك في سبيل الله فهل هذا خسران؟

قد تخسر حريتك في سبيل الله فهل هذا خسران؟

لا، لقد ساوم المشركون صهيب الرومي رضى الله عنه على ماله، فتركه له رجاء الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

قال: ربح البيع.

لأن ذلك المال ذهب لله، وما عند الله خير للأبرار.

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) سورة التوبة.

أما الخاسرون فهم:

… الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) سورة الزمر

– الخاسر من آثر دنياه على آخرته.

– الخاسر من تنازل عن مبادئه وقيمه.

– الخاسر من نسى رسالته وقضيته وأمته.

– الخاسر من عكف على الدنيا وأهمل تربية أولاده، فربح الدنيا والتفت وراءه، فإذا أبناؤه قد شردوا وبعدوا. وحينها لات حين مندم.

– لو ربحنا رضى مولانا سبحانه وتعالى فقد ربحنا كل شيء.

– لو كسبنا صلاح أولادنا

واستقامتهم فقد ربحنا في الدارين.

والفوز بمحبة الخلق إشارة على محبة الله تعالى.

علينا أن نفوز بالدنيا في طاعة الله فهو الطريق والممر للفوز العظيم في الآخرة.

وعلينا أن نُحَول إخفاقاتنا إلى محطات نراجع فيها أخطاءنا ونحولها إلى منطلق للإصلاح والتغيير.

والله نسأل أن يجعلنا من الفائزين في الدارين.

طه سليمان عامر

رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا

Posted on Leave a comment

بحر العربية الجميل | الكاتب: وسام الكبيسي

اللغة العربية ليست حروفا جامدة أو كلمات جافة.. إنها كائن ينبض بالحياة والسحر والجمال، ومعين كاشف للمعاني، ومستودع خازن للأسرار، وبستان وارف للفصاحة والبلاغة.

إنها لغة تبقى محافظة على كيانها مهما حصل لها من توسع تقتضيه مستجدات الأسماء والأشياء، فتبقى موازينها الصرفية وأساليبها التركيبية ثابتة، بينما غيرها من اللغات قد أصابها التحريف والانحلال والاضمحلال بمرور القرون والعصور… إنها كالمخلوقات الحية تكبر ولكن لا تتغير ملامحها، غير أن لها مزية فوق ذلك، فإنها لا تشيخ كباقي المخلوقات.

لا توجد لغة على ظهر الأرض قادرة على ترجمة تامة لعباراتها أو مقابَلة لمفرداتها، واسألوا غير العرب ممن يعرفون العربية كم يعانون حينما يترجمون من العربية إلى لغاتهم، وسرُّ ذلك كثرة المشتركات اللفظية والمترادفات المعنوية، التي تعبر عن وجه من وجوه حيوية هذه اللغة وشموليتها.

فقد تجد في اللغة العربية الكثير من المعاني المتقاربة، ولكن لكل معنى استخدامه البلاغي، بينما تجد في اللغة المقابلة كلمة واحدة في مقابل كل هذه المعاني، فيقع المترجم في حيرة عندما تأتي مترادفتان أو أكثر في جملة واحدة، فلا تسعفه لغته.

وكم هو رائع أن تجد في العربية حرفا واحدا يفيد معنى الفعل والفاعل معا!! مثل “ق”ِ من وقى، “ش”ِ من وشى، “عِ” من وعى، “ف”ِ من وفى.. وغيرها. ولم أسمع أو أقرأ عن ذلك في أي لغة أخرى.

لغةٌ، جمالُ رسْمها وتناسق حروفها، وضبط مساحة كل حرف عند خطها على الورق جمال يفوق جمال اللوحات الفنية، أما تناغم مساحاتها الصوتية وما يصدر عنها من تنغيم وتلوين بين شدة ورخاوة وهمس وجهر واستعلاء وانخفاض، وترخيم وغُنَنٍ وتكرار وقلقلة… فإنها تطربك وتشبع ذائقتك حتى تكاد تذوب لفرط جمالها.

وإذا كانت جذور اللغة اللاتينية كلها سبعمائة جذر لغوي تقريبا، والساكسونية بها ألفا جذر، والعبرية ألفان وخمسمائة جذر والإنجليزية بها ثلاثة آلاف وخمسمائة جذر تقريبا… فإن اللغة العربية بها ستة عشر ألف جذر لغوي.

وإنك لتقف مشدوها أمام هذه اللغة وهي تتلاعب بالإيقاع الوزني والميزان الصرفي فتولِّد المعاني بأقل الحروف. خذ مثلا “حسن” و”أحسن”، فقد زدنا حرفا واحدا، ولكن المعنى توسع كثيرا، فصار بمعنى “أكثر حسنا”، ولا نظير لذلك في لغات أخرى، واسألوا خبراء اللغات.

ولأضرب على مثلا من الإنجليزية فنقول:

“صعب” وهي بمعنى Difficult

فإذا أضفنا الهمزة “أصعب” يقابلها في الإنجليزية more Difficult أي أننا احتجنا إلى كلمة أخرى لتوضح المعنى.

أمر آخر وليس الأخير، فإنك تجد ألفاظا مشتركة بين اللغة العربية وعشرات اللغات الأخرى، ولست ترى أي لغة أخرى غير العربية لها اشتراك مع هذا العدد من اللغات.. وهذا تحد كبير من اللغة العربية للغات الأخرى، مما يجعلك تجزم بأن اللغة العربية أصل وأم كل اللغات، وأنها البحر وغيرها قنوات.

“اقصد البحر وخلِّ القنوات”.

الكاتب: وسام الكبيسي – كاتب وباحث عراقي

Posted on Leave a comment

نداء للتكافل والعطاء لتوفير الدفء في الشتاء

بسم الله الرحمن الرحيم

نداء للتكافل والعطاء

لتوفير الدفء في الشتاء

مع زيادة موجة البرد الشديد في هذا الشتاء، وغلاء أسعار المواد الأساسية والمحروقات، تجد فئة ليست بالقليلة من مواطنينا في أوروبا نفسها في وضعية الحاجة الشّديدة، حيث يفتقد البعض للمأوى الذي يقيه برد ليالي الشتاء، ولا يجد آخرون لقمة ساخنة تسدّ جوعهم وتسخن أمعاءهم، وينقص آخرون لباس أو غطاء يَقيهم من لَفح البَرد.

وانطلاقا من واجب التكافل والتعاون بين أبناء المجتمع الواحد، فإنّنا ندعوكم، أفرادا ومؤسسات، إلى الأعمال والمبادرات التالية، علّنا نُساهم في التخفيف من هذه الصعوبات الحياتية:

  • ندعو المؤسسات والمساجد التي لديها إمكانية الإيواء أن تفتح أبوابها لمن ليس لهم بيت يؤويهم
  • ندعو المؤسسات والمساجد إلى توفير وجبات طعام ساخن لمن هم في حاجة إليه، وتوزيعه عليهم حيثما كانوا
  • ندعو المؤسسات والمساجد إلى التواصل مع مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في هذا المجال، وعرض المساعدة عليهم، ماديّة كانت أو لوجستية
  • ندعو المسلمين عموما إلى المبادرة إلى المساعدة ومدّ يد العون، وذلك مثلا بالتبرع للمؤسسات التي تعمل في هذا المجال، وتفقّد الجيران والسؤال عن أحوالهم، وخصوصا كبار السنّ وأصحاب الحاجة…

إنه واجب التكافل وفعل الخير ومساعدة المحتاج يُنادينا، فلا تترددوا.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رُوي عنه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: “أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس”

نسأل الله تعالى أن يُوفقنا لنكون من الذين يسعون لخدمة النّاس ونفعهم، والحمد لله رب العالمين.

بروكسل، 17 ديسمبر 2022

المجلس الأوروبي للافتاء والبحوثمجلس مسلمي أوروباالمجلس الأوروبي للأئمة
Posted on Leave a comment

جمال اللغة العربية وتميزها بين اللغات

جمال اللغة العربية وتميزها بين اللغات | اللغة العربية بين شرف الأصل وتحديات العصر.

لا يمكن الحديث عن جمال اللغة العربية وتميزها عن سائر اللغات دون ربطها بالقرآن الكريم وذكر ما ورد في شرفها في الذكر الحكيم. فشهادة الله لها هي أزكى شهادة واختيارها لتكون وعاءً للقرآن الكريم هو أعظم تزكية وأبلغ دليل على التميز والريادة. وقد وردت الإشادة باللغة العربية من خلال التذكير بأنها لغة الذكر الحكيم في أحد عشر موضعا في القران الكريم كقوله تعالى:  

{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر: 28]

{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت: 3].

{إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3].

{وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103].

كما شَرُفت العربية بأن كانت لسان خاتم الأنبياء وسيد الحكماء، وخير من صاغ الكلام وأحكم الأحكام وعلّم الأنام، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

إن الذي ملأ اللغات محاسنا  * جعل الجمال وسره في الضاد

قال مصطفى صادق الرافعي، رحمه الله: “إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم ولا تموت، لأنها أعدت من الأزل فَلكاً دائِراً للنيِّرين الأرضيين العظيمين (كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، ومِن ثَمَّ كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر”، ( تحت راية القرآن، مصطفى صادق الرافعي) .

وقد اتسعت العربية بجمال نظمها واتساق لفظها وثراء مادتها وتوسع اشتقاقاتها، إلى أن تحتوي أجمل ما خلدته الإنسانية من من موادَّ أدبيةٍ وإبداعات فنية وكشوفات علمية، فبقيت البشرية دهرا من الزمن عالةً على ما تقدمه هذه اللغة من كشوفات وفتوحات، واتخذتها اللغات الأخرى جسراً تعبر من خلاله إلى الثورات والإنجازات اللاحقة في ميادين العلوم والمعرفة، بعد أن تنكر أهل العربية للغتهم وجدبت قرائحهم من أن ينهلوا من معينها أو يستنطقوا مكنونها، ولقد صور شاعر النيل حافظ إبراهيم، رحمه الله تعالى، الحال الذي آلت إليه اللغة العربية بعد أن تنكر لها أغلب أهلها وتوجهت لها سهام الهدم والتشكيك فقال على لسانها:

رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي * وَنادَيتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي

رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني * عقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي

وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي * رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي

وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً * وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ

فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ * وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ * فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي

إلى أن يقول رحمه الله:

إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ * بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي

فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيْتَ في البِلَى * وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي

وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ * مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ

لقد تيسر للغة العربية من أدوات الحفظ وعوامل البقاء ما لم يتيسر لغيرها من اللغات، فقد تكفل الله بحفظها من خلال حفظ القران الكريم، هذا الكتاب الذي يحفظه الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، وكانت معرفتها شرطا لتذوق القران وفهم درره والغوص في أعماقه، مما جعل تعلمها يخرج من دائرة الحاجة المعرفية إلى نطاق الوجوب الديني والسلوك التعبدي.  

رُوي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال:

” تَفَقَّهُوا فِي السُّنَّةِ، وَتَفَقَّهُوا فِـي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَعْرِبُـوا الْقُـرْآنَ فَإِنَّهُ عَرَبِيٌ”، (مصنف ابن أبي شيبة). 

وقال ابن تيمية – رحمه الله تعالى-: “اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، ويؤثر أيضاً في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق، وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب”. (اقتضاء الصراط المستقيم ، أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ ت 728هـ)

وقال أبو منصور الثعالبي: ” والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبال عليها وعلى تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم”. (فقه اللغة وسر العربية، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي ت 429 هـ)

ولقد كان ارتباط العربية بالقران عامل قوة ونماء، وامتداد تأثيرها لسائر اللغات، فلا تجد اليوم لغة إلا وبها أثر من العربية، حتى اللغة اللاتينية، الأم الكبرى للغات الأوروبية الحديثة، ففيها الكثير من الكلمات ذات الأصل العربي. ومن آثار هذا الارتباط أيضاً،  تلك الشعوب والأجيال التي عربها الإسلام وسخرها لحمل رايتها، بل إن أعظم علماء العربية الذين أصلوا لها وقعدوا قواعدها كانوا من المتعربين الوافدين عليها عبر الإسلام من الشعوب الأخرى والألسنة المختلفة، كسيبويه ( عمرو بن عثمان بن قنبر ت180هـ، فارسي الأصل ) الذي يضرب به المثل في إتقان العربية، وابن أبان الفارسي ( الحسن بن أحمد بن عبد الغفار، فارسي أيضاً، ت 377هـ)، وابن جني ( أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، من أصل رومي ت392هـ )، وابن فارس ( أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد الرازي، القزويني ، ت395 هـ )، والزمخشري، (أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمرو الخوارزمي الزمخشري، ت 538 هـ)، وغيرهم ممن ألفوا فيها أو بها وأَثْروا التراث الإنساني بحروفها ومفرداتها.  

قد يطول الكلام في شرف اللغة العربية وسموها، ولا يتسع لذلك المقام، غير أن ذلك لا يحجب حقيقة معيشة اليوم، وهي أن اللغة العربية تعيش حالة إهمال من أهلها، واستهداف من خصومها، في ظل الركود الحضاري الذي يعاني منه العرب. غير أن فيها من مقومات الصمود ما يجعلها مستعصية على الإضعاف أو الإفناء فهي خالدة خلود القرآن ومتجذرة في أعماق الوجدان.

أبناؤنا في أوروبا واللغة العربية

ومن التحديات التي تواجه بعض العرب والمسلمين في علاقتهم باللغة العربية، تلك المترتبة على الحياة  في الغرب، وما يفرضه عليهم ذلك من صعوبات في الارتباط بلغتهم والتشبع بها وتنشئة الأجيال عليها، فقد راينا شباباً منهم لا يستطيعون فهم الجمل البسيطة ولا يقدرون على التعبير عما يختلج في نفوسهم بلغتهم العربية الأم، ويندر أن يقام نشاط للشباب باللغة العربية  في بلد أوروبي دون الاستعانة بمترجم، يترجم للعرب ما يقال بلغتهم إلى اللغة الأوروبية!  بل لقيتُ ابنةَ اثنتي عشرة سنة لم تفهم تحية الإسلام ولم تستطع لها جوابا! وهذا مما ينذر بالخطر ويوجب أشد الحذر.

كما يحتم على المعنيين بالأمر، في خاصّة أنفسهم أو فيمن يلون أمرَهم، أن يجدوا الحلول لتجاوز هذه الصعوبات وتوفير البدائل المناسبة لملء الفراغ في ممارسة اللغة العربية وتعلمها وتعليمها.

ومن خلال التجارب المتلاحقة للمسلمين في الغرب، يمكن الإشارة إلى هذه المقترحات العملية للحفاظ على الهوية اللغوية والدينية لأطفال العرب والمسلمين في البيئات غير العربية.

أولًا: توجيهات للأسرة للحفاظ على اللغة العربية لدى الأطفال والشباب:

تعتبر الأسرة المحضن الأول للتربية والتأهيل اللغوي، وترسيخ الهوية الدينية واللغوية للأطفال، وإن كان ذلك قاعدة عامة في كل زمان ومكان فهي مهمة اشد أهمية وأكثر إلحاحاً للأسر الموجودة في بيئة لا تدين بدينها ولا تتحدث لغتها، ومن أهم المسأئل الواجب مراعاتها في هذا السياق:

  1. تنشئة الأطفال على حب اللغة العربية وتشجيعهم على الاعتزاز بها، وترسيخ فكرة جمالها وتميزها بين اللغات.
  2. الحرص على التحدث باللغة العربية في البيوت، وأن تكون أول ما يفتح الأطفال عليها أبصارهم وتتشنف بها أسماعهم وتتحدث بها ألسنتهم، ويجب أن يكون لدى الأولياء من الحزم والصبر ما يجعل ذلك قاعدة أسرية لا يسع الأطفال مخالفتها، وبخاصة في المراحل العمرية المتقدمة عندما تتمكن منهم اللغات الأخرى عبر التعلم في المدارس والبيئة الخارجية.
  3. الحرص على أن لا يتحدث الطفل غير العربية في سنواته الثلاث الأولى، وتجنب إدخاله إلى رياض الأطفال غير العربية، حتى لا تتشوه لغته وتنحرف سليقته اللغوية. وليعلم الأولياء أن هذا من أفضل الاستثمار في الحياة فلا يقدموا عليه مكاسب مالية أو طموحات مهنية، وقد رأينا بعض الأولياء قد آثروا الاهتمام بمعادلة شهاداتهم أو تنمية أعمالهم ورموا بأبنائهم في حضانات الأطفال، فريسة للانفصام اللغوي والنفسي والانحراف الفكري، ولم يجنوا بعد ذلك إلا الندم والحسرة.   
  4. تعليم الأطفال الحروف والمبادئ الأساسية للغة العربية منذ نعومة أظفارهم والاستعانة على ذلك بالوسائل المحببة والوسائط الإلكترونية والتطبيقات الحديثة. ويعتبر متن القاعدة البغدادية أو النورانية من أفضل ما يُبتدأ به في هذا المجال، مع الحرص على اختيار النسخ الحديثة الميسرة.  
  5. توفير القنوات التلفزيونية العربية الخاصة بالأطفال.
  6. تحفيظ الأطفال القرآن الكريم وتعويد أسماعهم عليه، فهو أحسن وسيلة للتمكن من اللغة العربية والتعود عليها نطقا وسماعاً، ويجب المبادرة الى ذلك منذ السنوات الأولى من العمر حتى قبل ان يستوي نطق الطفل، لأن الاستماع والمتابعة يرسخ في ذاكرة الطفل أحرف العربية ومفرداتها ونسقها، ويسهل انطلاق اللسان بها في وقت أبكر وطريقة أجود. ويعتمد في المراحل الأولى، عند عدم القدرة على القراءة أسلوب التلقين، ثم أسلوب القراءة المباشرة والتكراروقد ثبت بالتجربة أن دوام سماع الأطفال للقران الكريم قبل مرحلة النطق ومتابعة المصحف بالنظر يساعد على سرعة الحفظ وسعة الذهن في المراحل العمرية المتقدمة.  
  7. تشجيع تكوين الصداقات بين الأطفال الناطقين باللغة العربية، وتيسير السبل لذلك.
  8. تسجيل الأطفال في مدارس آخر الأسبوع التابعة للمراكز والجمعيات الإسلامية، والخاصة بتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
  9. توفير الكتب والمجلات العربية الخاصة بالأطفال وتشجيعهم على قراءتها.
  10. الحرص على المشاركة في مسابقات اللغة العربية المحلية والدولية.
  11. الحرص على قضاء العطلات في البلدان الناطقة باللغة العربية، وتخصيص جزء من العطلة لدراسة اللغة في الدورات المتخصصة والنشاطات المتنوعة.
  12. تسجيل الأطفال في المدارس التي تخصص حصصا إضافية لتعليم اللغة العربية.
  13. قضاء سنة دراسية أو أكثر في بلد عربي في المراحل العمرية الأولى ما بين ست سنوات واثنتي عشرة سنة، وهذه من أكثر الوسائل فعالية في التمكن من اللغة العربية نظريا وعملياًّ، وربط الأجيال المولودة في الغرب بالثقافة الإسلامية. وقد ثبت بالتجربة أن هذا لا يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي للأطفال عند عودتهم إلى مقاعد الدراسة في بلدان إقامتهم، وبخاصة إذا حرصوا في هذه الفترة، على متابعة برامج تكميلية لتدارك الانقطاع المؤقت عن المنهاج الدراسي باللغة الأجنبية.  
  14. تشجيع الشباب على الاستفادة من برنامج التبادل الثقافي بين الدول، وقضاء سنة دراسية باللغة العربية، أو في بلد عربي.

ثانيًا: توجيهات للمؤسسات والمساجد للمحافظة على اللغة العربية للاطفال والشباب وتدعيمها

تحتل المساجد والمراكز الإسلامية مكانة مهمة في حفظ هوية المسلمين ورعاية مصالحهم وتحصين الناشئة من الانحرافات العقائدية والأخلاقية، كما تضطلع بدور متقدم في تعليم اللغة العربية وتوفير المناهج التعليمية الخاصة بالأطفال. ومن أهم ما يجب أن يهتم به القائمون عليها في هذا المجال:

  1. تنظيم تدريس العربية للمراحل العمرية المختلفة أواخر الأسبوع في أيام العطل
  2. توفير المناهج المناسبة والطرق البيداغوجية التي تواكب العصر وتضاهي تلك المعتمدة في المدارس الأجنبية، وذلك لتحبيب الأطفال في اللغة العربية وتحفيزهم على تعلمها.
  3. تأهيل المدرسين وتكوينهم لمراعاة خصوصية واقع الأطفال العرب في البيئة الغربية وما يقتضيه ذلك من تطوير الوسائل وتحديث المناهج واعتماد الحكمة والمرونة في تنزيل البرامج ومتابعتها.
  4. إنشاء المدارس القرآنية والحرص على تعليم القران وتحفيظه لكل الفئات العمرية.
  5. الاستفادة من الامتيازات المادية والعلمية التي تقدمها الدولة للبرامج التعليمية الرديفة، والعمل بمقتضى الأنظمة المعتمدة، وعدم مخالفة القوانين بأي شكل من اأشكال.
  6. توفير الكتب والمجلات والبرامج الإلكترونية باللغة العربية.
  7. تخصيص قاعة للمطالعة وإنشاء مكتبة لبيع المواد باللغة العربية.
  8. إقامة المسابقات في مجالات المطالعة والكتابة والخطابة لكل المراحل العمرية.
  9. إقامة معارض للخط العربي وما يتعلق باللغة العربية وعلومها.
  10. إقامة دورات تعليمية للخط العربي.
  11. تيسير المشاركة في المسابقات العالمية للخط والمطالعة وغيرها من فنون العربية، كمسابقة تحدي اللغة العربية العالمية المقامة سنويا في دبي.
  12. عقد اتفاقات تعاون مع المؤسسات التعليمية في البلاد العربية للاستفادة من مواردها وإمكاناتها.
  13. تزيين المراكز بلافتات لعيون الحكم ونفائس الكلم باللغة العربية، مما يسهل حفظه ويكثر نفعه.
  14. المحافظة على إقامة الجمعة والمناشط الدورية باللغة العربية، وأن تكون البرامج باللغة المحلية رديفة لها لا بذلا منها.
  15. إنشاء فرق إنشاد للأطفال والشباب باللغة العربية.

قد تبدو هذه الحلول صعبة، وتحتاج كثيرا من الجهد والوقت والمال، لكن لا مندوحة عنها إذا أردنا الحفاظ على هوية المسلمين الدينية واللغوية في البلاد الغربية، وترسيخ الاعتزاز بالانتماء لدى الأجيال الناشئة، ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر.

الشيخ: كمال عمارة «رئيس المجلس الأوروبي للأئمة»

Posted on Leave a comment

اللغة العربية وأثرها في حفظ هوية أولادنا حول العالم

  قلت أخصص هذا المقال عن أولادنا في الغرب وأهمية اللغة العربية وأثرها في حفظ هويتهم، ثم وجدت أنَّ شبابنا في البلاد العربية بحاجة أيضا لتعزيز اللغة العربية وتمكينهم منها وإحياء قيمتها ومكانتها في نفوسهم،

 قال الرافعى  فى ” وحي القلم”: ما ذَلّت لغةُ شعبٍ إلا ذلّ ، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُ فى ذهابٍ وإدبارٍ ، ومن هذا يفرِضُ الأجنبيُّ المستعمرُ لغتَه فرضاً على الأمةِ المستعمَرَة ، ويركبهم بها ويُشعرهم عَظَمَته فيها ، ويَستَلحِقُهُم من ناحيتها ، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً فى عملٍ واحدٍ: أما الأولُ: فحبْسُ لغتهم فى لغتِهِ سِجناً مؤبداً.وأما الثاني: فالحكمُ على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً.وأما الثالثُ: فتقييدُ مستقبلهم فى الأغلالِ التي يصنعُها، فأمرهم من بعدِها لأمرِهِ تَبَعٌ.”

ومن العجب أن تتدحرج لغة الإسلام في بعض البلاد العربية لتصبح لغة ثانية، وهذا منذرٌ بفساد ومؤذنٌ بانتكاسة حضارية كبرى.

حينما تزور بعض المدن في عواصم عربية فتجد اللغة الانجليزية هي السائدة فأنت حينئذ أمام شعب مهزوم نفسياً متأرجح، لا يعرفه هويته ولا يستدل على شخصيته.

تأمل معي مكانة اللغة العربية كما أخبر عنها القرآن الكريم :

وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) سورة الرعد

ولقد يسره الله تعالى؛ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا (97)  سورة مريم

بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) سورة الشعراء

قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) سورة الزمر

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۚ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) سورة الشورى

للغة العربية أهمية كبيرة ومنزلة سامية، فهي اللغة التي نزل بها أعظم كتاب وخاتمة الرسالات إلى البشر.

إن اللغة العربية تحمل خصائص كبيرة لا توجد في غيرها.

واللغة العربية هي لغة الشعر العربي ذاكرة العرب وتاريخهم.

وقد تركت أثرها في اللغات الأخرى مثل التركية والفارسية والأردية.

اللغة العربية وفهم الإسلام 

 يستطيع المسلم أن يفهم القرآن الكريم فهما دقيقا بقدر معرفته باللغة العربية وعلومها، وبقدر ما يعرف من اللغة بقدر ما يتذوق معاني القرآن الكريم ويستمتع بجماله وبلاغته وبيانه.

وقد جعل العلماء من شروط من يتصدى لتفسير القرآن الكريم أن يكون عليما بلغته محيطا بها، فلا يصح أن يتجرأ على كتاب الله وهو لا يعرف لغته.

لقد تهيب أبو بكر الصديق رضى الله عنه أن يقول في القرآن بمجرد رأيه فقال: أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إن قلت في كتاب الله برأيي.

ويوماً ما وقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه أمام قوله تعالى: ” وفاكهة وأبا” فقال: قد علمنا الفاكهة، فما الأبّ …ثم قال: ما ضر ابن أم عمر أن لا يعلم في كتاب الله شيئا …

وهناك فرق بين خاطرة إيمانية كثمرة لتدبر القرآن الكريم وتأثر القلب بما يقرأ، وبين الجرأة على التفسير دون علم والقطع بأن هذا هو مراد الله تعالى، فالقرآن الكريم لا يُفسر إلا وفقا لقواعد اللغة العربية.

يقول الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة): ” وإنما بدأت بما وصفت من أن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحدٌ جَهِل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجِماع معانيه وتفرقها.

ومن عَلمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها “.

وقد تحدث الإمام الشاطبي في الموافقات في كتاب المقاصد عن بعض لوازم المجتهد تضلعه باللغة وفهمه لها أنقل باختصار:

“إن هذه الشريعة المباركة عربية ، لا مدخل فيها للألسن العجمية. وإنما البحث المقصود هنا أن القرآن نزل بلسان العرب على الجملة، فطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة، فمن أراد تفهمه فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة”.

 أثر اللغة العربية في تنمية المشاعر الإيمانية 

فرق كبير بين أن يقرأ المسلم القرآن الكريم وهو يعرف اللغة التي نزل بها فيتذوق المعاني ويعيش أجواء الآيات، وبين أن يقرأ المسلم دون فهم ما يقرأ.

من الأهمية أن يفهم القرآن والأذكار التي يرددها في الصلاة والصيام والحج، وكلمات الدعاء في صلاته ومناجاته لله رب العالمين.

وهذا يؤثر نمو مشاعره وزيادة إيمانه وإشباع روحه وطمأنينة قلبه وسعادته وسكونه.

يقول الإمام الشافعي في الرسالة: “ فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده ، حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ويتلو به كتاب الله وينطلق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير وأمر به من التسبيح والتشهد وغير ذلك .

خطورة التلاعب باللغة العربية على تزييف وتحريف وعى الأجيال

الجهل بالعربية مدخل لإثارة الشبهات حول النصوص الدينية من القرآن والسنة.

ولمن يعلم أن الحرف في اللغة العربية كحرف من وإلى وعلى وفي تختلف معانيها من سياق لآخر، وقد جعل علماء الأصول لها بابا من مؤلفاتهم، وعلى أثر الاختلاف في فهم الحروف تختلف الأحكام الشرعية الفرعية، وهناك رسائل علمية في أثر اختلاف المفسرين في حروف المعاني.

لقد استغلت بعض الفرق المنحرفة عن الإسلام جهل المسلمين في بعض البلاد الأعجمية في آسيا بترويج مذاهبهم الفاسدة وافكارهم المنحرفة وأتوا بتفاسير عجيبة غريبة للقرآن الكريم وآياته وقد أضلوا كثيرا من الناس بسبب جهلهم بالعربية. وحينما تٌرجمت بعض هذه الكتب للعربية انكشف جهلهم واتضح زيفهم.

ومن هؤلاء قديما ” ابن عربي” وقد طالعت طرفا من كتابه الفتوحات المكية، وكان الأولى أن يُسمى ب الفتوحات الرومية على حد تعبير الشيخ محمد الغزالي رحمه الله. 

إن الرجل ذاهب في تفسيره للقرآن الكريم بعيداً عن قواعد اللغة العربية وأصولها ودلالاتها وحقائقها وغارق في تفسيره الباطني، فما أبعده.

يقول الشيخ الغزالي في كتابه: تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل: ” والسعي لإحياء أفكار ابن عربي جزء من تضليل أمتنا، وتعتيم الرؤية أمامها أو هو عرض لدين مائع يسوي بين المتناقضات، إذ قلب ابن عربي – كما وصف نفسه – دير لرهبان وبيت لنيران وكعبة أوثان إنه تثليث وتوحيد ونفي وإثبات …

وماذا تقول في رجل يفسر قوله تعالى: ” إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ” { بأن المقصود هم الأولياء الخلص ، ومعنى كفروا ستروا محبتهم لله (!) وختم الله على قلوبهم فلا يدخلها غيره، وعلى سمعهم فلا يسمعون إلا منه، وعلى أبصارهم فلا يرون إلا نوره، ولا يؤمنون بك يا محمد ” !! .

أولادنا في الغرب واللغة العربية

إذا سألنا أولادنا في الغرب: لماذا علينا أن نتعلم اللغة العربية؟

ما حاجتهم إليها؟

يمكننا هنا أن نبين بعضاً من مقاصد تعلم اللغة العربية:

– حتى نتذوق معاني القرآن الكريم ونفهم آياته ونتدبر كلماته.

لقد اخترع علماء اللغة علم البيان والمعاني والبديع خدمة للقرآن الكريم وإظهارا لإعجازه وبلاغته وأساليبه.

– اللغة العربية هي لغة الإسلام ولا يمكن أن يتعامل طالب العلم مع مصادر المعرفة الإسلامية الأصيلة بغير العربية، وكيف يتعامل طالب العلم مع كتب التراث دون اللغة العربية؟

– اللغة تترك بصماتها وأثرها في التفكير والمشاعر الإنسانية، وما أعذب اللغة العربية ووفرة المعاني شعراً ونثراً.

– الاتصال بالعمق الإسلامي العربي، فمن المهم أن يتمكن شبابنا في الغرب من التواصل مع المحيط العربي داخل أوروبا وفي الوطن العربي مهد الإسلام ومؤئل العلم ومثابة العلماء.

هل مطلوب أن يتقن أولادنا في الغرب اللغة العربية؟

علبنا أن نخطط للوصول مع أولادنا في تعلم اللغة العربية إلى مستويات ثلاث:

المستوى الأول:

أن يتمكن أولادنا من مهارة القراءة والكتابة والحديث.

وكثير من أبناء المسلمين في الغرب يتوقف في تعلم اللغة العربية عند عمر 12 عام ثم لا يجد برنامجا ومنهاجا مناسبا له، فينسى كثيرا مما تعلم.

وواجب المساجد أن تفتتح فصولاً لتعليم اللغة العربية للشباب وفق برامج مدروسة ومناهج ملائمة.

وقد أخبرني بعض إخواني من الأئمة أنهم افتتحوا بالفعل فصولاً لتعليم اللغة العربية للشباب في بعض المساجد، وتلك بادرة مباركة نريد لها الشيوع والذيوع.

المستوى الثاني:

أن يتقن نخبة من أولادنا التعامل مع مصادر المعرفة الإسلامية، فيفهم القرآن ويطلع على المراجع والكتب الأصيلة باللغة العربية.

إنني أنظر أحيانا إلى كتب التراث وأرجو أن يتذوق أولادنا جمال عبارات ابن القيم في مدارجه وغيره من كتبه أو ابن الجوزي، دون حاجة لوسيط.

غير أن الترجمة ستبقى الحاجة لها قائمة لا ريب، وهي لسان كل قوم.

لكن أمر الترجمة ليس سهلا يقول الجاحظ في كتابه ” الحيوان “:

” ولا بد للتَّرجُمان  من أن يكون بيانه في نفس الترجمة، في وزن علمه في نفس المعرفة، وينبغي أن يكون أعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول إليها، حتى يكون فيهما سواءً وغاية” 

الأمر الذي يستدعي منا عناية فائقة بتأهيل مترجمين على مستوى رفيع في إتقان اللغة وفنون الترجمة وفقهها.

المستوى الثالث:

أن نؤهل مجموعة من النابغين النابهين ليكونوا علماء ودعاة المستقبل عبر الدورات المكثفة والدراسة المنتظمة لسنوات طويلة في بيئة تنطق بالعربية، مع حُسن الرعاية والمتابعة.

ما دورنا؟

يأتي دور الأسرة في المقدمة، حينما ندرك أن اللغة العربية هوية وتعليمها عبادة والمحافظة عليها تعظيم الشريعة وإجلال للقرآن الكريم.

إن كثيرا من الرجال يتركون مهمة التعليم للأم دون أن يبذلوا جهدا معتبرا، وهذا خلل وخطأ.

التقيت شابا في الثلاثين وكان يتقن الحديث باللغة العربية حتى تظن أنه عربي قُح، فسألته: من علمك؟

قال: أبي، لأن والدته ألمانية.

الأمر ليس سهلا لكن من لاح له ضوء الفجر هان عليه ظلام التكليف كما قال الإمام ابن القيّم.

وعليك أن تعلم الأمة التي تريد بقاء ذاكرتها حية، عليها أن تحافظ على لغة دينها وحضارتها.

في اليوم العالمي للغة العربية

تحية إكبار وإجلال لكل معلمة ومعلم قضى حياته خدمة لغة كتاب الله تعالى.

تحية إجلال لكل معلمة ومعلم حبَّب الحرف العربي لأبناء المسلمين.

وتحية إكبار للأمهات والآباء الذين أدركوا أهمية لغة القرآن العظيم فحرصوا أن يترنم أولادهم بلغة الضاد.

طه سليمان عامرطه سليمان عامر

Posted on Leave a comment

تقرير عن أعمال الملتقى الأوروبي الثاني للأئمة والدعاة

وثائقي | الملتقى الثاني لأئمة أوروبا || أئمة أوروبيون معرفة متجددة وحضور فاعل

تحت شعار «معرفة متجدّدة وحضور فاعل»؛ شهدت مدينة إسطنبول الملتقى الأوروبي الثاني للأئمة والدعاة في الفترة من 18 /  20 نوفمبر 2022 الموافق  25 / 27 ربيع الثاني 1444، بحضور 90 من الأئمة والدعاة والواعظات من كافة الدول الأوروبية  وسط أجواء علمية وروحية وتواصلية.

وقد شارك في الملتقى أصحاب الفضيلة / أ. د. عصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والمستشار العلمي للمجلس الأوروبي للأئمة، وقد قدم فضيلته محاضرة بعنوان: (مدخل إلى السنة النبوية / منهجية التعامل / التحديات والشبهات).

د. عصام البشير – قناة الجزيرة

وأشار فضيلته إلى أن: “السيرة النبوية في مجموعها، النموذج المتجسد لهداية القرآن الكريم، ويجب أن ننظر ونتأمل في السنة النبوية من خلال السيرة من مرحلة الدعوة إلى مرحلة التمكين.”

وتناول فضيلته مسألة عدالة الصحابة ومكانتها في فهم السنة، قائلا: “الناس يخلطون بين العدالة والعصمة، لا أحد معصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الصحابة في محل الثقة في روايتنا، فهم عُدُول معدّلون بتعديل الله والرسول لهم ولا يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم أبدًا.”

كما شارك أ. د . عبد المجيد النجار – المفكر الإسلامي الكبير- بإلقاء محاضرة تحت عنوان: الأصل والعصر بين تحديات الواقع والاستجابة الفاعلة (أنماط الفقه).

د. عبد المجيد نجار

أشار فضيلة الدكتور النجار أن “كل من يريد أن يخاطب قوما وأن يقنعهم بما يريد أن يقتنعوا به، الشرط الأول لذلك أن يعلم علما عميقا بواقع هؤلاء القوم، فإنك لن تقنع شخصاً إلا إذا عرفت عقله وواقعه ومشاكله. وأن الواقع الذي يواجهه الإمام الأوروبي هو واقع معقد شديد التعقيد…”.

وعن واقع الأئمة في أوروبا قال فضيلته: “رأيت دروسا وندوات وتكوينات مختلفة وكثيرة في علم الدعوة، ولكن لم أر تدريبات وندوات في علم النفس وعلم النفس الاجتماعي والفلسفة، فلماذا؟” .. “لابد أن يكون الإمام على دراية عميقة بالعلوم التي تكشف له عن واقع المجتمع والدولة التي يعيش فيها.”

وأكد أن: “العلم بفقه الأحكام المجردة لا يكفي وحده، ولا بد أن يكون للإمام حظ لا بأس به من فقه التنزيل، أي يعرف كيف ينزل العلم الذي برأسه على واقع الحياة. وإذا لم يكن له حظ في هذا الفقه، سيجد نفسه في حرج شديد ومشاكل كبيرة.”

وقدم د. وصفي عاشور أبو زيد -أستاذ مقاصد الشريعة- محاضرة بعنوان: “فقه المقاصد وأثره في ترشيد العمل الدعوي”.

د. وصفي عاشور أبو زيد

وقال الدكتور وصفي عاشور أبو زيد في كلمته مخاطبًا الأئمة: “قد أقامكم الله في مقامٍ كريم، وهي مهمة استمرار الهدي السماوي، وعلينا أن نقدرها، ومن تقديرها أن نقوم بمقتضياتها، وأول مقتضيات هذه المهمة هو تحصيل العلم.”

وذكر فضيلته: أن المقاصد في الشريعة هي فقه الفقه، وهي الفقه الذي يدخل على النفوس السوية بغير استئذان، فالمقاصد بنت الشريعة أي مأخوذة من الشريعة، فهي مُستقاة من الوحي، والشريعة لا يُمكن أن تُفهم إلا في ضوء مقاصدها. وأن البصيرة هي الروح وهي الغايات وتقتضي أن نكون على بصيرة من الوحي الشريف ومن الواقع الذي نعيش فيه، وإن وُجد الداعية في بيئة ما ولم يعرف ما في هذه البيئة، فلن يستطيع أن يبلغ الرسالة أو يبين للناس، وسيقع منه الفساد والإفساد.

ثمّ أردف قائلاً؛ أنّ التدرج في تطبيق الشريعة هو فرع التدرج في التنزيل للوحي السماوي، وكل هذا فرع التدرج عن الخلق في الأساس، فالإسلام لا يُطبق مرة واحدة حتى في بلاد المسلمين، وأنّه قد ثبت عن كثير من العلماء التراجع عن فتاوى كثيرة، بسبب أنها لم تنزل على مناطها الصحيح، أو لم تحقق مقصدها وأدت إلى مفاسد في المجتمعات، والفتوى تحتاج إلى عيون كثيرة في العلوم الإنسانية وليست الشرعية فقط.

وقد حرص المجلس الأوروبي على لقاء أئمة ودعاة أوروبا برموز الدعاة والمربين في العالم الإسلامي، فقدم الداعية المربي فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي محاضرة بعنوان: “مدارج الترقي الروحي وسؤال: أين الخلل؟”.

د. محمد راتب النابلسي – قناة الجزيرة مباشر

وذكر الدكتور النابلسي في كلمته أن “الحقيقة المرة خير من الوهم المريح؛ المسلمون يتنافسون ويتقاتلون وبينهم ٩٥ ٪ من القواسم المشتركة، والغربيون يتعاونون وبينهم ٥ ٪ من القواسم المشتركة.

وقال أيضا أن: “الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم في حدود ما يعلم ومع من يعرف، وهناك دعوة هي فرض كفاية إذا قام بها البعض في التفرغ والتعمق والتبحّر في البحث والعلم.  وأن من خصائص الدعوة إلى الله، الاتباع لمنهج الله من الكتاب والسنة، لا الابتداع. “

وقال فضيلته موجهًا خطابه للأئمة والدعاة: “ا لقدوة قبل الدعوة، لا تتوهم أن أحدًا يصغي إليك إلا إذا كان يراك تفعل ما تقول، وهذه الحقيقة يحتاجها المعلم في المدرسة والموظف في العمل والداعية في المسجد، ولنعلم أن كل أخطاء أبنائنا شئنا أم أبينا هي أخطاء الآباء في البيت والمعلم في المدرسة. وأن الاستقامة وحدها دعوة.”

وقد استضاف ملتقى أئمة ودعاة أوروبا هذا العام فضيلة الداعية المربي الدكتور عمر عبد الكافي، الذي قام بتقديم محاضرة بعنوان: “مدارج الترقي الروحي في الواقع المعاصر.”.

د. عمر عبد الكافي

وقال فضيلته ناصحًا أئمة ودعاة أوروبا؛ أن “هناك من يسمع إليك بهواه، فإذا وافق كلامك هواه يمدحك، لكن إذا اصطدمت الفتوى مع هواه يتهمك بشتى الاتهامات… لذا يجب أن نصلح قلوب الذين سيستقبلون الكلام أولًا، كحرث التربة اولًا، وهناك من إذا أعطيناه علما قبل محاولة إصلاح قلبه، يتعالى به على الناس.

وقال فضيلته أنّ وباء الجهل أكبر وباء يواجه الأئمة والدعاة، فالنفوس الإنسانية بصمات والقلوب أيضًا بصمات… وأنّ العالم بقدر الله والإمام والفقيه والداعية هو غرض للسهام، فيجب أن يكون ذلك دافعًا يقوي من إيمانه، ويعلم الناس القرآن وسنة رسوله، فالناس تركز عليه في كل حركة وسكنة، والمهم أن يلاحظ أن الله هو الذي يراه، وعليه أن يتعامل مع الناس كأن لا أحد يراه، وأن يكون صادقًا ومعتصمًا بالقرآن والسنة قدر استطاعته.

كما شارك فضيلة الدكتور فارس العزاوي -مدير وحدة البحوث بمركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة- بمحاضرة عن بُعد بعنوان: “مدخل إلى القرآن الكريم / محددات الهدى المنهجي ومعالم التدبر”.

د. فارس العزاوي

كما شارك في الملتقى فضيلة الأستاذ عبد الله بن منصور (رئيس مجلس مسلمي أوروبا)، والذي بإلقاء كلمة حول جهود العلماء والأئمة في أوروبا. وفي كلمته المؤثرة قال: “نعتقد أن الإمام هو محطّة الإشعال، وهو مرجعية المسلمين، وهو في مدينته أو قريته هو قبلة الجالية، وهو أسوتهم وقدوتهم ومرشدهم، ولذلك الاهتمام بالأئمة هو اهتمام بالوجود الإسلامي، وعندما تأسس في أوروبا تجمّع الأئمة من سنوات عديدة، وبدأوا في جمع الأئمة، رأينا أنه لا بد من إعطاء نفسٍ جديد لهذه الرسالة النبيلة وتأسيس “المجلس الأوروبي للأئمة”، وأن يأتي علماؤنا لترشيد وتأهيل علمائنا، فهذا من علامات الخيرية في هذه الأمّة”.

أ. عبد الله منصور

كما شارك فضيلة المفكر الإسلامي الدكتور خالص أي دمير (ممثلا لرئاسة الشؤون الدينية التركية)، وقام بإلقاء كلمة تزكية للمجلس الأوروبي للأئمة وللملتقى الثانية للأئمة والدعاة بأوروبا.

د. خالص آي دمير

وقال فضيلة الدكتور آي دمير في كلمته: “يتعلم الشباب في عصرنا الحديث حول نقاط الضعف عن السنة النبوية، وهذا يقلل من مصداقيتها، وهناك وحي بين شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ويأتون بنقاط الضعف، وهنا يتساءل الشباب لماذا لم يذكرها لنا أساتذتنا، فعلينا أن نخبر شبابنا أننا على علم بهذه النقاط، والرد عليها بشكل وافٍ يزيل الشك من قلوب الشباب.”

كما شارك فضيلة الدكتور خالد حنفي -الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث- بكلمة طيّبة خاصّة في فعاليات الملتقى، قال فيها أنّ “المقاصد يجب أن تكون خادمة للامتثال، وليست هادمة للأحكام، والخطاب المقاصدي غائب في السياق الأوروبي والأدلة على ذلك كثيرة جدًا، وأن هناك ثلث الشباب الجديد يُلحد، و70٪ من الشباب المسلم لا يُصلي الجمعة في الغرب.”

د. خالد حنفي

وتساءل فضيلته: “لماذا غابت المقاصد عن الخطاب رغم كثرة الكتابات والخطب؟”، وأردف أن وجود الخطاب المقاصدي يحصن الشباب المسلم في الدول الأوروبية.

وقد اختتم المجلس أعماله بورشة عمل حول “واقع الإمام في أوروبا والتحديات والفرص”؛ قدمها الشيخ كمال عمارة (رئيس المجلس الأوروبي للأئمة)، وتفاعل معها الدعاة بالعديد من الأفكار والمقترحات التي من شأنها تطوير العمل الإسلامي في أوروبا.

الشيخ: خالد عمارة – قناة الجزيرة مباشر

كما حظي الملتقى في دورته الثانية هذا العام بتغطية إعلامية مميزة من قناة الجزيرة مباشر وقناة دعوة الفضائية وفضائية وطن، مع حضور عدد من المهتمين بالإعلام الدعوي.

والمجلس يتوجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم في إنجاح الملتقى والخروج به على هذا المستوى الرائع شكلا ومضمونا.

والحمد لله أولاً وآخراً.

Posted on Leave a comment

الملتقى الثاني لأئمة أوروبا والحضور النسائي المتميز

أفادت السيدة سهير كتخدا مسؤولة قسم المرشدات في الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين؛ بأن الحضور النسائي في الملتقى الثاني لأئمة أوروبا قد تميّز من حيث العدد والكفاءة.

وقالت في رسالتها لرواد الملتقى:
(وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (71)
صدق الله العظيم
اللهم إنا نسألك رضاك ورحمتك والجنة.
أحببت أن أنقل لكم بعض الخواطر من الملتقى العلمي الثاني للأئمة والدعاة في استانبول.
كان الحضور النسائي في الملتقى العلمي الديني في استانبول، حضورا ملحوظا متميزا من حيث العدد والكفاءات النوعية، فكان معنا أخوات من أساتذة المعاهد والكليات الدينية في أوربا، وأخريات حاملات لشهادات علمية من الماجستير والدكتوراه في تخصصات متنوعة دينية وعلمية واجتماعية، مع كونهن أمهات ومربيات أجيال بالدرجة الأولى، وتعرفنا أيضا على مسؤولات عن ملفات دعوية هامة، منها ملف السيرة النبوية والتعريف بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ومنها ملف الأسرة المسلمة والحفاظ عليها وعلى أبنائها، ومنها التعريف بالمرأة المسلمة ومكانتها في الإسلام وتفعيل دورها في المجتمعات التي تعيش فيها والدفاع عن حقوقها ضد ما تتعرض له من حملات العنصرية والإسلاموفوبية، واطلعنا على العديد من النشاطات التي تقيمها الأخوات في المساجد والمراكز الإسلامية التي تعمل فيها من إحياء المناسبات الدينية والمشاركة مع مختلف المؤسسات السياسية والمجتمعية والأكاديمية لتفعيل حقوق المواطنة واستحقاقاتها من القيام بالواجبات والحصول على الحقوق القانونية المشروعة للمسلمين في أوربا.
كان الملتقى فرصة كبيرة لتبادل التجارب والخبرات في مجال العمل المسجدي والارتقاء به وتفعيل دور الشباب المسلم في المشاركة في النشاطات القائمة بل إعطاءهم دورهم وفتح المجال لإبداعاتهم في نشر رسالة الإسلام والتعريف بها في محيطهم ومجتمعاتهم التي يعيشون فيها.
من التجارب الجميلة الاحتفال بيوم العلم والمعرفة وتكريم الأبناء والشباب والشابات المتفوقين في مدارسهم والمتخرجين في جامعاتهم ليكونوا القدوة الحسنة لغيرهم.
ومنها أيضا حفلات تكريم الفتيات المحجبات وتشجيعهن على الثبات والاعتزاز بدينهن وقيمهمن من الحياء والستر والعفة.
ترشيد الشباب والشابات لاختيار المجالات العلمية الأكاديمية التي تناسبهم.
النشاطات الترفيهية والرياضية والعيش مع الطبيعة وتعميق الإيمان بالله من خلال الرحلات والكشافة والمخيمات الهادفة في برامجها.
هذا بعض ما تحدثنا به مؤمنات
بأن الواجبات كثيرة ومتعددة ومجال العمل الإسلامي الدعوي يحتاج إلى علم وحكمة وبصيرة وإلى تكاتف الجهود والتعاون والتنسيق المستمر بين القائمين على العمل الإسلامي مع التوكل على الله وإخلاص العمل له سبحانه ليؤتي ثمره في نشر الخير والرحمة والسعادة والأمل للناس جميعا في الدنيا والآخرة.