Posted on Leave a comment

الفرق بين الفقه والفتوى

كثيرا ما يقع الإشكال والتداخل واللبس عند الناس في التفريق بين الفقه والفتوى. وهنا نحاول باختصار توضيح هذا اللبس وفك هذا التداخل بعيدا عن التفصيلات والخلافات العلمية التخصصية الدقيقة.
الفقه هو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
والفتوى هي: إخبار المستفتي بالحكم الشرعي سواء بنقل عن غيره أو باجتهاد منه من غير إلزام للمستفتي بفتواه.
فمثلا لو قلنا: “أكل الميتة حرام” فهذا حكم شرعي فقهي نسميه “فقه” .
لكن لو سال سائل فقال: هل يجوز لي أكلها لأني اشتهيتها؟ فنقول: لا لأنها حرام.
أو قال: هل يجوز لي أكلها عند الضرورة وخوف الهلاك؟ فنقول: نعم يجوز مراعاة للضرورة.
فهذان الجوابان نسميهما “فتوى” .
وباختصار أكثر: الفقه أن نعرف أحكام الحلال والحرام والفتوى أن نخبر بها السائل والمستفتي.

وهنا عدة أمور يحسن ذكرها:
1_ الفقه هو العلم بأحكام الحلال والحرام من واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام، بينما الفتوى هي إخبار المستفتي والسائل بهذه الأحكام، مع مراعاة ظروفه.

2_ الفقه هو عملية الاستنباط من الأدلة وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها، بينما الفتوى هو عملية إخبار السائل أو المستفتي عن نتيجة هذا الاستنباط.

3_ مجال الفقه هو استنباط الحكم وبيانه مجردا، بينما مجال الفتوى هو تنزيل الحكم على السائل والمستفتي.

4_ مجال الفقه هو بيان الأحكام مجردة مطلقة عن أي قيد، بينما الفتوى تراعي الزمان والمكان والعرف والمصلحة والمفسدة والحاجة والضرورة والذريعة والمآل والمقاصد والدوافع التي عند السائل والمستفتي وتحيط به وبحاله.

5_ في الفقه لا بد من ذكر الأدلة للأحكام ومن ذكر العلل والمقاصد لهذه الأحكام، حتى نعرف صحة الاستدلال الفقهي، بينما في الفتوى نكتفي بذكر حكم الحلال أو الحرام للسائل والمستفتي إلا إن طلب هو معرفة الأدلة والعلل والمقاصد فنذكرها له حينئذ.

6_ في الفقه لا بد من ذكر الأقوال ونسبتها لقائليها من المذاهب المعروفة، بينما في الفتوى نكتفي بذكر الحكم للسائل والمستفتي دون إشغاله بهذه التفاصيل، إلا إن احتاج السائل والمستفتي بيانا أكثر فيحسن التوضيح والتفصيل له.

7_ مهمة الفتوى أصعب من مهمة المعرفة الفقهية، ففي المعرفية الفقهية نحن نعرف الاحكام وأصول استنباطها من أدلتها مع عللها ومقاصدها، بينما في الفتوى فإننا نعرف ذلك كله مع مهمة أخرى ألا وهي معرفة الواقع تفصيلا للشخص أو الحدث أو القضية التي ستتنزل عليها الفتوى.

8_ يقتضي في الفقه ان نعرف السياقات والظروف الزمانية والمكانية والتفاصيل التي أحاطت بأقوال الفقهاء على مر التاريخ، بينما يقتضي في الفتوى أن نعرف السياقات والظروف الحالية الآنية والتوقعات المستقبلية للأشخاص والأحداث والوقائع.

9_ الأقوال الفقهية المدونة هي ذاتها بينما تتغير الفتوى بحسب الأحوال والظروف للسائل والمستفتي، فقد يكون الحكم حلالا في أصله وعند الفتوى يصبح حراما اذا تاكدنا من حصول المفسدة في المآل عند تطبيقه، وقد يكون الحكم حراما في أصله وعند الفتوى يصبح حلالا اذا كانت هناك ضرورة، مع ملاحظة أن هذا التغير للحكم يقدره المفتون وليس غيرهم.

10_ وبناء على ذلك لا يجوز لغير المختصين الذهاب لكتب ومواقع وبرامج الفقه والفتاوى والأخذ منها، من دون التمييز بين ما قيل على سبيل الفقه والحكم المجرد، وما قيل على سبيل الفتوى لسائل ومستفت معين وواقعة محددة وقضية خاصة، كما لا تأخذ الدواء إلا بعد كشف من الطبيب المتخصص.
زادنا الله وإياكم فقها ورشدا.

بقلم الدكتور: سعد الكبيسي.