Posted on Leave a comment

محاضرة مدخل إلى القرآن الكريم (محددات الهدي المنهجي ومعالم التدبر) | الدكتور: فارس غزواي

محاضرة مدخل إلى القرآن الكريم محددات الهدي المنهجي ومعالم التدبر للدكتور فارس غزواي «مدير وحدة البحوث مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة» ضمن فعاليات الملتقى السنوي للأئمة والدعاة في أوروبا، المنعقد في مدينة #اسطنبول خلال الفترة من 19-20 نوفمبر 2022 #ملتقى_أئمة_أوروبا

Posted on Leave a comment

افتتاح أعمال الملتقى السنوي الثاني للأئمة والدعاة في أوروبا

شهدت مدينة إسطنبول في الفترة من 18 إلى 20 نوفمبر 2022 الموافق 25 – 27 ربيع الثاني 1444؛ انعقاد الملتقى السنوي لأئمة ودعاة أوروبا، تحت شعار: «معرفة متجدّدة وحضور فاعل».
وقد افتتح أعمال الملتقى فضيلة الشيخ طه عامر «عضو المجلس التنفيذي للمجلس الأوروبي للأئمة ومدير الملتقى»، وقال في كلمته أن “حضور الأئمة والدعاة والأخوات على الأخصّ، قد تكلّف مشقّة وجهدًا وتضحيات عزيزة، هذا الجهد وهذه التضحيات من الأئمة والدعاة ومن مشايخنا الأجلّاء، لا ريب أنه تجلٍّ من تجلّيات استشعار الداعية والعالم لمسئوليته الكبيرة في كل وقت وزمان، سيّما في هذا الوقت الذي يمر به المسلمون في الشرق أو في الغرب.”

الشيخ: طه عامر- صورة من الجزيرة مباشر

وألقى فضيلة الشيخ كمال عمارة «رئيس المجلس الأوروبي للأئمة» كلمةً ترحيبية للحضور من العلماء والأئمة والدعاة، قائلًا؛ “اخترنا شعار: أئمة أوروبيون معرفة وحضورٌ فاعل” لقناعتنا التامة بأن التجدد والتجديد في الفهم والتنزيل هو السبيل لتفعيل وجودنا وتجاوز مظاهر السلبية والعطالة التي ميّزت هذا الحضور في كثير من الفترات، فالجمود هو علامة الانتهاء، والتجدّد والتجديد هو علامةٌ للعطاء.”

الشيخ: كمال عمارة – صورة من الجزيرة مباشر

وفي كلمته في افتتاح أعمال الملتقى، أشار فضيلة الدكتور عصام البشير «نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» بأن “الإمام أحد مفردات كلمة الأمّة في القرآن الكريم، “إن إبراهيم كان أمّة” والإمام هو الدليل والإمام هو الهادي والمُرشد والقدوة والأسوة، الذي تجتمع فيه كثيرٌ من خصال الخير، وهو الذي يؤتمّ به، وبقدر ما نهيئ لإخوتنا الأئمة من أن يكونوا أداة لتوصيل هذه الهداية الربّانية لهذا المجتمع الذي يعيشون فيه، ويكونوا عوناً لحسن التديّن الراشد للمسلمين الذين يقطنون هذه الأرض، يكونوا قد أدّوا رسالتهم على الوجه المأمول.”

الدكتور: عصام البشير – صورة من الجزيرة مباشر

كما قام الأستاذ عبد الله بن منصور “رئيس مجلس مسلمي أوروبا” بإلقاء كلمة حول جهود العلماء والأئمة في أوروبا. وفي كلمته المؤثرة قال: “نعتقد أن الإمام هو محطّة الإشعال، وهو مرجعية المسلمين، وهو في مدينته أو قريته هو قبلة الجالية، وهو أسوتهم وقدوتهم ومرشدهم، ولذلك الاهتمام بالأئمة هو اهتمام بالوجود الإسلامي، وعندما تأسس في أوروبا تجمّع الأئمة من سنوات عديدة، وبدأوا في جمع الأئمة، رأينا أنه لا بد من إعطاء نفسٍ جديد لهذه الرسالة النبيلة وتأسس “المجلس الأوروبي للأئمة”، وأن يأتي علماؤنا لترشيد وتأهيل علمائنا، فهذا من علامات الخيرية في هذه الأمّة.”

الأستاذ: عبد الله بن منصور – صورة من الجزيرة مباشر

وفي كلمة تخاطب القلوب؛ قال فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي – الداعية الكبير: “نعيش اليوم في القارات الخمس، وُحول وشهوات، ونرجو الله أن ننتقل إلى وَحي السماء، فرقٌ كبيرٌ بين وحي الأرض مصالح وشهوات، إلى وحي السماء مبادئ وقُرُبات، ممكن أن نحقن دماء مليون بكلمة “ولا تفعل”، لذلك الله عز وجل يقول “إنما المؤمنون إخوة” إنّما أداة حصر وقصر، أقوى أخوة هي أخوّة الإيمان، أخوة مبادئ، أخوة تفاصيل، أخوة قيم، أخوّة أهداف، وهذا ما يجمع المؤمنين على عددٍ كبير من القواسم المشتركة.”
وذكر فضيلته أن “الله عنده أدوية تدع الحليم حيران، حينما تخاف من الله، أنت أذكى إنسان، الله هو الرقيب، أقول هذا لشدّة ما أرى من أن الدين يُوظف أحيانا لأشياء لا تُرضي الله، يجب أن تكون صادقًا مع الله صادقًا مع نفسك، وإذا طبّقت هذا الدين كما أراد الله، تتألّق وهذا التألق يشع منك نورا للناس.”

الدكتور: راتب النابلسي – صورة من الجزيرة مباشر

وشارك فضيلة الدكتور خالص أى دمير -عضو المجلس الأعلى للشؤون الدينية التركية- بإلقاء كلمة تزكية للملتقى والمجلس الأوروبي للأئمة. حيث قال: “يتعلم الشباب في عصرنا الحديث حول نقاط الضعف عن السنة النبوية، وهذا يقلل من مصداقيتها، وهناك وحي بين شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ويأتون بنقاط الضعف، وهنا يتساءل الشباب لماذا لم يذكرها لنا أساتذتنا، فعلينا أن نخبر شبابنا أننا على علم بهذه النقاط، والرد عليها بشكل وافٍ يزيل الشك من قلوب الشباب.”

الدكتور: خالص آي دمير


شاهد تغطية أعمال الملتقى السنوي لأئمة ودعاة أوروبا من الجزيرة مباشر تركيا:

https://fb.watch/gXxOfMPSMD/

Posted on Leave a comment

الفرق بين الفقه والفتوى

كثيرا ما يقع الإشكال والتداخل واللبس عند الناس في التفريق بين الفقه والفتوى. وهنا نحاول باختصار توضيح هذا اللبس وفك هذا التداخل بعيدا عن التفصيلات والخلافات العلمية التخصصية الدقيقة.
الفقه هو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
والفتوى هي: إخبار المستفتي بالحكم الشرعي سواء بنقل عن غيره أو باجتهاد منه من غير إلزام للمستفتي بفتواه.
فمثلا لو قلنا: “أكل الميتة حرام” فهذا حكم شرعي فقهي نسميه “فقه” .
لكن لو سال سائل فقال: هل يجوز لي أكلها لأني اشتهيتها؟ فنقول: لا لأنها حرام.
أو قال: هل يجوز لي أكلها عند الضرورة وخوف الهلاك؟ فنقول: نعم يجوز مراعاة للضرورة.
فهذان الجوابان نسميهما “فتوى” .
وباختصار أكثر: الفقه أن نعرف أحكام الحلال والحرام والفتوى أن نخبر بها السائل والمستفتي.

وهنا عدة أمور يحسن ذكرها:
1_ الفقه هو العلم بأحكام الحلال والحرام من واجب ومندوب ومباح ومكروه وحرام، بينما الفتوى هي إخبار المستفتي والسائل بهذه الأحكام، مع مراعاة ظروفه.

2_ الفقه هو عملية الاستنباط من الأدلة وهي القرآن والسنة والإجماع والقياس وغيرها، بينما الفتوى هو عملية إخبار السائل أو المستفتي عن نتيجة هذا الاستنباط.

3_ مجال الفقه هو استنباط الحكم وبيانه مجردا، بينما مجال الفتوى هو تنزيل الحكم على السائل والمستفتي.

4_ مجال الفقه هو بيان الأحكام مجردة مطلقة عن أي قيد، بينما الفتوى تراعي الزمان والمكان والعرف والمصلحة والمفسدة والحاجة والضرورة والذريعة والمآل والمقاصد والدوافع التي عند السائل والمستفتي وتحيط به وبحاله.

5_ في الفقه لا بد من ذكر الأدلة للأحكام ومن ذكر العلل والمقاصد لهذه الأحكام، حتى نعرف صحة الاستدلال الفقهي، بينما في الفتوى نكتفي بذكر حكم الحلال أو الحرام للسائل والمستفتي إلا إن طلب هو معرفة الأدلة والعلل والمقاصد فنذكرها له حينئذ.

6_ في الفقه لا بد من ذكر الأقوال ونسبتها لقائليها من المذاهب المعروفة، بينما في الفتوى نكتفي بذكر الحكم للسائل والمستفتي دون إشغاله بهذه التفاصيل، إلا إن احتاج السائل والمستفتي بيانا أكثر فيحسن التوضيح والتفصيل له.

7_ مهمة الفتوى أصعب من مهمة المعرفة الفقهية، ففي المعرفية الفقهية نحن نعرف الاحكام وأصول استنباطها من أدلتها مع عللها ومقاصدها، بينما في الفتوى فإننا نعرف ذلك كله مع مهمة أخرى ألا وهي معرفة الواقع تفصيلا للشخص أو الحدث أو القضية التي ستتنزل عليها الفتوى.

8_ يقتضي في الفقه ان نعرف السياقات والظروف الزمانية والمكانية والتفاصيل التي أحاطت بأقوال الفقهاء على مر التاريخ، بينما يقتضي في الفتوى أن نعرف السياقات والظروف الحالية الآنية والتوقعات المستقبلية للأشخاص والأحداث والوقائع.

9_ الأقوال الفقهية المدونة هي ذاتها بينما تتغير الفتوى بحسب الأحوال والظروف للسائل والمستفتي، فقد يكون الحكم حلالا في أصله وعند الفتوى يصبح حراما اذا تاكدنا من حصول المفسدة في المآل عند تطبيقه، وقد يكون الحكم حراما في أصله وعند الفتوى يصبح حلالا اذا كانت هناك ضرورة، مع ملاحظة أن هذا التغير للحكم يقدره المفتون وليس غيرهم.

10_ وبناء على ذلك لا يجوز لغير المختصين الذهاب لكتب ومواقع وبرامج الفقه والفتاوى والأخذ منها، من دون التمييز بين ما قيل على سبيل الفقه والحكم المجرد، وما قيل على سبيل الفتوى لسائل ومستفت معين وواقعة محددة وقضية خاصة، كما لا تأخذ الدواء إلا بعد كشف من الطبيب المتخصص.
زادنا الله وإياكم فقها ورشدا.

بقلم الدكتور: سعد الكبيسي.

Posted on Leave a comment

المجلس الأوروبي للأئمة يندد بتفجير شارع الاستقلال بإسطنبول ويتقدم بالمواساة لتركيا حكومة وشعبا

بسم الله الرحمن الرحيم
«مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ » [المائدة: 32]
يتقدم المجلس الأوروبي للأئمة بأحر التعازي والمواساة لتركيا حكومة وشعبا، ولأسر الضحايا الذين سقطوا نتيجة العدوان الغادر والتفجير الجبان الذي ضرب شارع الاستقلال في مدينة إسطنبول، كما يدعو بالشفاء العاجل للمصابين.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

In the name of of Allah, the Most Merciful, Most Gracious

“For the sake of that, We have written on the Children of Israel that he who kills a soul – unless it is for murder of another soul or for corruption in the land – it is like he has killed the whole of humanity.
And he who revives a soul, it is like he has give life to the whole of humanity.” (Quran, 5:32)

The European Council of Imams extends its deepest condolences and sympathy to the government and people of Türkiye, and to the families of the victims who fell as a result of this treacherous aggression and cowardly bombing that hit Istiklal Street in Istanbul.

The Council also prays for the speedy recovery for the injured.

Truly, we are unto God and unto Him, we shall return.

Posted on Leave a comment

أين تعمل قاعدة دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح؟

لعل قاعدة “دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح” من أكثر القواعد شيوعا ليس عند العلماء وطلبة العلم فقط، بل حتى عند عموم الدعاة والمثقفين والمتدينين، وسبب انتشارها وشيوعها هو حالة التعارض بين المصالح والمفاسد التي يواجهها الناس في تصرفاتهم وأنشطتهم في الحياة وكيفية الموازنة والترجيح بينهما، كما إن هذه القاعدة من أكثر القواعد التي يقع الخطأ فيها من حيث الفهم والتنزيل والاستعمال، لأن المصالح عادة ما تخالطها المفاسد حيث المصالح الخالصة نادرة الوجود والمفاسد عادة ما تخالطها المصالح حيث المفاسد الخالصة نادرة الوجود وهنا يحدث الخطأ في الموازنة والتقدير والترجيح.
ولنبسط ونوضح هذه المفاهيم أكثر فنقول:
إن حالات التعارض بين المصالح والمفاسد ثلاثة:
1_ التعارض بين المصالح.
بحيث لا نستطيع الأخذ بالمصلحتين في وقت واحد.
وفي هذه الحالة نقدم الأخذ بأعلى وأكبر المصلحتين.
ومثال ذلك التعارض بين مصلحة أداء الصلاة في وقتها أو مصلحة إنقاذ الغريق، فنقدم مصلحة إنقاذ الغريق.
وبناء على ذلك نقدم مثلا الأخذ بالمصلحة:
الواجبة على المندوبة.
والكبرى على الصغرى.
والعامة على الخاصة.
والشاملة على الجزئية.
والدائمة على المؤقتة.
2_ التعارض بين المفاسد.
بحيث لا نستطيع دفع المفسدين في وقت واحد.
وفي هذه نقدم الأخذ بأدنى وأقل المفسدين.
ومثال ذلك التعارض بين مفسدة بتر العضو المريض أو مفسدة موت الجسد كله فنأخذ بمفسدة بتر العضو المريض.
وبناء على ذلك نقدم مثلا الأخذ بالمفسدة:
المكروهة على المحرمة.
والصغرى على الكبرى.
والخاصة على العامة.
والجزئية على الشاملة.
والمؤقتة على الدائمة.
3_ التعارض بين المصالح والمفاسد
بحيث لا نستطيع تقديم الأخذ بالمصلحة إلا وأن نرتكب معها بعض المفاسد، كما لا نستطيع تقديم الأخذ بالمفسدة إلا وقد فاتتنا بعض المصالح.
وهذه نعتمد فيها معيار الغلبة للمصلحة أو للمفسدة.
ومثال ذلك المشاركة السياسية في الانتخابات في بلد ما، حيث تكون في المشاركة مصلحة ومفسدة.
وهي أيضا حالات ثلاثة:
الأولى: غلبة المصالح على المفاسد وهنا نأخذ بتقديم المصالح، ولو رافقتها بعض المفاسد.
الثانية: غلبة المفاسد على المصالح وهنا نأخذ بتقديم المفاسد، ولو رافقتها بعض المصالح.
الثالثة: استواء المصالح والمفاسد وهنا نأخذ بقاعدة:
” دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح”
وبناء على ذلك كله فقاعدة “دفع المفاسد وتقديمها على جلب المصالح” تشتغل في حالة واحدة من حالات كثيرة للتعارض بين المصالح، أو التعارض بين المفاسد، أو للتعارض بين المصالح والمفاسد، ألا وهي: حالة الاستواء بين المصالح والمفاسد فقط، وليس في كل تعارض.
وهنا ينبغي الانتباه لأمرين:
1_ إن المقصود بتقدير المصلحة والمفسدة هنا المصلحة والمفسدة الواقعة أو المتوقعة، والحالية والمستقبلية، فقد يكون التقدير أن هذا الأمر او ذاك مصلحة في الواقع والحال، لكنه قد يكون مفسدة في المستقبل والمآل، فمثلا النهي عن المنكر مصلحة حالية، لكنه إذا أدى إلى منكر أكبر منه مستقبلا وكان ذلك محققا كان مفسدة، ولذلك تترك هذه المصلحة وهذا النهي.
وقد يكون التقدير أن هذا الأمر أو ذاك مفسدة في الواقع والحال لكنه قد يكون مصلحة في المستقبل والمآل، مثل كشف شيء من جسد المرأة أمام طبيبها الرجل مفسدة في الحال لكنه مصلحة في العلاج في المستقبل والمآل.
2_ إن تقدير المصالح والمفاسد في كل ما مضى، إنما يعود لتقدير المجتهدين والمفتين المؤهلين بالاستعانة مع المتخصصين في مجال المسألة المستفتى فيها والمسؤول عنها، وقد يحصل الاختلاف في هذا التقدير وهذا طبيعي لأنه تقدير اجتهادي في النهاية، ويفضل أن يكون الاجتهاد فيها جماعيا للتقليل من الخطأ قدر الإمكان.

بقلم الدكتور: سعد الكبيسي

Posted on Leave a comment

القرضاوي باكيًا | د. عبد السلام البسيوني

رغم روح المقاتل، وهمة المنجز، وشموخ المعتز بعطاء الله تعالى له، فإن القرضاوي رحمه الله تعالى كان رقيقًا سريع الدمعة، سيالها. رأيته مرات كثيرة وهو (ينهنه) ويسيل دمعه سخينًا على مصر، وعلى الإسلام وأحوال المسلمين، وعلى موت بعض أحبته وأصفيائه، أو رقة وخشية!

رأيته يبكي بحرارة – مرات كثيرة – حين مات رفاق عمره؛ المشايخ والدكاترة: عبد المعز عبد الستار، وعبد اللطيف زايد، وعبد العظيم الديب (وهذه حكيت لي) وأحمد العسال، وكثيرين غيرهم!

وأذكر تمامًا، وكنت معه وحدي في مكتبه، وهو ينتحب على ما ابتليت به بلاد المسلمين من انكسار، وترويع، وما لقيه خيرة شبابها من استئصال مجرم، وسفك دم، واستباحة أرواح، وتنكيل وحرق لأجساد، ثم ما يلقاه أهلها من تجبر وإفقار وإذلال، فأخذ يبكي بصوت عالٍ، وانفعال ظاهر، بنبرة واجفة، ويدٍ راجفة، حتى أحسست والله بالانكسار والأسى!

وبكى وهو يذكر بعض ما حصل له في السجن الحربي، وهذا موجود على اليوتيوب!

وبكى في الجمعة، وانتحب، وهو يذكر مواقف من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وفقره، وعند ذكره حديث الإفك، وهذا موجود على اليوتيوب!
وبكى في غزة أثناء خطبة الجمعة، بسبب موقف حركة فتح من زيارته قطاع غزة، ودعواهم أنه يعزز الانقسام السياسي بمناصرته (حماس) وبأنه غير جدير بالجواز الفلسطيني، فقد أعطى من لا يملك (إسماعيل هنية) لمن لا يستحق (القرضاوي)! وهذا موجود على اليوتيوب!

وبكى وهو يتحدث عن صلاح الدين وحطين والجهاد، وهذا موجود على اليوتيوب!
وبكى وهو يذكر ما تفعله العصابات الطائفية الأسدية في الغوطة الشرقية وفي سوريا كلها، وهذا موجود على اليوتيوب!
وبكى وأبكى الحضور في مهرجان شكرًا تركيا؛ وهذا موجود على اليوتيوب!
وبكى غير مرة في حلقاته التي قدمها في تلفزيون الحوار، وهذا موجود على اليوتيوب!
ولا أنسى أبدًا بكاءه، ورأيه في نفسه أمام مئات ممن حضروا الملتقى الأول (التلاميذ والأصحاب) 2007، حين سمع ثناء الحاضرين، من كبار العلماء والمفكرين، ومدحهم إياه، فقال باكيًا:
إن هذه التكريمات والثناءات والمدائح التي سمعتها، لا تغرني عن نفسي، ولا تخدعني عن حقيقتي التي أعرفها أكثر من غيري: أنا أعرف نفسي – بضعفها وتفريطها وتقصيرها – أكثر من معرفة غيري لها.
وقد قال ابن عطاء الله السكندري: الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذامًّا لنفسك لما تستيقنه منها! العاقل من لا يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس!
وأنا أعلم أن الله تعالى سترني بستره الجميل، ومن فضل الله علينا أنه يستر على عباده، ولم يجعل لمعاصيهم رائحة يشمها الناس! كما قال أبو العتاهية:
أحسن الله بنا أن الخطايا لا تفوحُ
فإذا المستور منا بين جنبيه فضوح
وأرجو أن يسترنا الله في الآخرة ،كما سترنا في الدنيا (اللهم آمين)!
واستمر يقول: إنني أخشى أن تذهب هذه التكريمات والثناءات والجوائز واللقاءات بأجري أو بمعظمه؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه:
(ما من غازية تغزو في سبيل الله، يصيبون من الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث؛ فإذا لم يصيبوا غنيمة، تم لهم الأجر كله)!
وأنا أخشى أن تذهب كلمات الإخوة من أصحاب وتلاميذ بثلثي أجري، هذه هي غنيمة العالم: أن يثني الناس عليه ويكرموه، هذه غنيمته، تذهب بثلثي الآخر؛ فإذا كانت هذه التكريمات تذهب بثلثي أجري فقد خسرت (وهنا استعبر وانتحب) وإذا كان الثلث الباقي لا يخلو من الخلل والدخل؛ فماذا يبقى للإنسان!؟
وكان مما قال بعد ذلك:
أنا والله لست قائدًا ولا إمامًا! أنا جندي من جنود الإسلام، وتلميذ، وسأظل تلميذًا أطلب العلم حتى آخر لحظة في عمري!
أعيش في نعم لا تعد ولا تحصى منذ ولدتني أمي وحتى اليوم، لو سجدت على الجمر، وصمت الدهر، وقمت الليل والنهار، ما وفيت ربي نصف معشار ما هو مطلوب مني في حق الله عز وجل!
سامحتكم فيما بدر منكم في حقي، فسامحوني فيما بدر منى في حقكم!
وختم حفظه الله تعالى كلمته برجاء من تلاميذه وأصحابه بالدعاء له بحسن العقبى؛ متمنيًا أن يختم الله له بالشهادة في سبيل الله، وأن يفارق الدنيا شهيدًا.

• وفي مقال للأستاذ محمد ثابت عن إنسانية القرضاوي: قال:
أين كل هؤلاء؛ ليروا الشيخ الذي بلغ التسعين، ولم يستطع صعود الدرج الخاص بقاعة احتفال مهرجان شكرًا تركيا خلال افتتاحه، فجلس أسفل السُّلم؛ ليبكي على حال المُسلمين المهاجرين من بيوتهم، وقد تهدمت على المُتنازلين عن حرماتهم، وبلاد ولدوا وتربوا وترعرعوا فيها؛ لمجرد أنهم قالوا كلمة حق في وجه حاكم طاغٍ ظالم؟
• ويقول د. أكرم كساب:….وأذكر أنني بعد خروجي من المعتقل وقدومي إلى قطر ثانية عام 2014م، ما إن قابلته وجلست أحدثه، حتى أخذت الدموع تنهمر من عينه، وتذكرت لحظتها كلام أحد الإخوة الكرام: كنت أعلم أن الشيخ يحبك، لكن ليس لهذه الدرجة، فما ذكرك إلا دعا لك، وأثنى عليك، وما أكثر ما بكى عند الحديث عنك!
فقلت له: ويعلم الله مدى حبي للشيخ.

• وكتب الدكتور خالد حنفي:
في اليوم التالي للقائنا مع الشيخ في منزله، كان هناك لقاء في نقابة الصحفيين، ولقيه أحد الدعاة الطيبين فسلم عليه، وقبل يده، وقال له: سل الله أن يحشرني معك.
فقال الشيخ له متأثرًا باكيًا: أسأل الله أن يحشرك مع الصالحين. لا شأن لك بي.
وأضاف: في الملتقى الثاني للتلاميذ والأصحاب في قطر، ذهبنا إلى مقر الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وكان لقاء مفتوحًا ماتعًا مع الشيخ، وطرح الشيخ ونيس المبروك على الشيخ سؤالًا قال فيه: ما هو أكثر موقف أثر في الشيخ القرضاوي في حياته كلها؟
فقال الشيخ باكيًا متأثرًا، وأبكانا جميعًا غير مرة:
بعد أن أنهيت دراستي الإلزامية، كنا نحرث الأرض، مع عمي وأولاد عمي، في يوم شديد الحر، وخرجنا نشرب الماء، ونستريح في ظل شجرة على (رأس الغيط) وأخذ عمي يتحدث إليَّ أن أعمل في بقالة، أكتب الديون والحساب، أو أشرف على الأمور الحسابية لفلان في مزرعته، فإنني لا أملك مالًا لأنفق على تعليمك منه، ثم إن من يتعلم ويدرس لا يوظف؛ فما قيمة التعليم إذن؟!

قال الشيخ: وكان بداخلي مرارة شديدة؛ فكل المهن التي عرضها علي عمي لا أحبها، ولا تصلح لي ولا أصلح لها، وأنا أحب العلم الشرعي، وأعشق الدعوة؛ فماذا أفعل؟

وجاء شيخ معمم لا نعرفه ولا يعرفنا، فجلس إلينا، وقد عطش وتعب من شدة الحر، وسأل: عندكم ماء بارد؟ فجلس وشرب من (القلة) فقال له عمي: امتحن لنا هذا الشيخ الصغير!
فقال لي: أتحفظ القرآن يا ولدي؟ قلت له: سل من أي موضع شئت، فأخذ يسأل وأنا أجيب دون لحن أو خطأ، وأذكر له اسم السورة، وموضع الآية!
فبهر الرجل بما رأى وسمع، وقال لعمي: لا بد أن يكمل تعليمه الشرعي.
فقال له عمي: ولكني فقير لا أملك مالًا، ومن يتعلم لا يوظف.
فقال له الشيخ: لعل الأمور تتغير ويعمل! لا تدري كيف تصير الأمور في المستقبل!

ثم قال لي: هل تستطيع أن تعيش في طنطا بـعشرة قروش في الأسبوع (لا أذكر المبلغ بدقة)؟
فقال القرضاوي فرحًا: وبأقل من ذلك أعيش!
وقال عمه: وأنا أعمل ليتعلم الشيخ يوسف!
وتأثر الشيخ لذلك تأثرًا كبيرًا وبكى وأبكانا، ثم استطرد: فتعلمت في المعهد الأحمدي بطنطا، وصرف الله الأقدار على النحو الذي رأيتم، والحمد لله رب العالمين.

• ويقول الأخ الجزائري الشيخ محمد شنق: إمامنا يوسف سريع الدمعة وكأن أجفانه ما خلقت إلا لتدمع، و كأن الشاعر البحتري قد عناه بقوله:
غروبُ دَمْعِ مِنَ الأَجْفَانِ تَنْهَمِـــــــــلُ وحُرْقَةٌ بِغَلِيلِ الحُزْنِ تَشْتَعِـــــــلُ
ولَيسَ يُطْفِئ نارَ الحُزْنِ إِذ وَقَــــدَتْ عَلَى الجَوَانحِ إِلاَّ الوَاكِفُ الخَضِلُ
إِنْ لَجَّ حُزْنٌ فَلا بِدْعٌ وَلاَ عَجــــــَبٌ أَو قَلَّ صَبْرٌ فَلاَ لَوْمٌ ولاَ عَـــذَلُ
فَكُلُّ عَيْنٍ لَهَا مِن عَبــــــــــــــرَةٍ دِرَرٌ وكلُّ قَلْبٍ لهُ من حَسْرَةٍ شُغُــــــلُ
في لقائي الأول به، أخبرته أن شباب الجزائر يقرئونه السلام الحار، ففرح لذلك، واغرورقت عيناه دمعًا، وبادلني السلام منه إليهم، لما له من صلة عميقة ورابطة قوية مع الشعب الجزائري.

• وكتب الأستاذ الدكتور عبد الرحمن البر فك الله كربه:
………غلبت الشيخَ عيناه، وماجت نفسه بمشاعر الفرح والفتح، فأجهش بالبكاء في تأثر بالغ، وكأنه استحضر جهاد السنين الطوال، وكيف توجَّه الله بهذا الفتح المبين، فكانت دموعُه التي سالتْ، وصوتُه الذي اختنق أبلغ تعبير عن الإحساس بالنعمة والفرح بفضل الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا؛ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس: 58).
لقد كانت لحظة في غاية التأثير، انطلق الشيخ الجليل بعدها يتحدث عن سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير، والقاضية بانتصار الحق وزوال الباطل وزهوقه مهما علا زبده: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ؛ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأرض كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) (الرعد: من الآية 17) (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء) (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِق) (الأنبياء: من الآية 189)، وأكَّد الشيخُ الجليلُ أنَّ الإخوان ظلوا يعملون رغم المكائد والحيل والابتلاءات والاعتقالات؛ ليقينهم بأن كلمة الله هي بطبيعتها العليا، فثبَّتهم الله حتى أزال الطغيان بفضله بهذه الثورة الكريمة التي نأمل أن تتسع دائرتها، وتتعمق في كل بلاد المسلمين، بل في كل بلاد العالمين: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أنفسهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت: من الآية53)….. إلخ.

• وقال الصديق الصحفي الكبير محمد صبرة: قلت له في لقاء خاص بيننا: إن أكبر جزاء لنا على جهدنا الصحفي في نقل أخبارك، ومتابعة ندواتك ومحاضراتك وخطبك، أن تدعو الله لنا أن نرافقك في الجنة،
فقال: وما يدريكم أني سأدخلها؟! ربنا يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} وأنا لا أدري، إذا كنت من المتقين أم لا، ولا أدري هل يتقبل الله عملي أو لا؟!
وقد سمعت نفس الكلام من الشيخ في أكثر من مناسبة، أبرزها عندما أعلن على الملأ في دبي، يوم تكريمه بجائزة شخصية العام الإسلامية، بحضور حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وعلماء ووزراء من داخل الإمارات وخارجها، حيث قال: أنا أعلم الناس بنفسي. وذكر أنه مقصر في حق دينه.
ولو رحت أستقصي لاستغرق الأمر شيئًا كثيرًا، ويكفي من القلادة ما أحاط العنق!

Posted on Leave a comment

يوم الجمعة وأثره في حياة مسلمي الغرب

ليوم الجمعة فضائل كثيرة علينا أن ندرك مقاصدها ودورها المحوري في حياة المسلمين عامة وفي حياة مسلمي الغرب ومن يعيشون كأقلية مسلمة في أي مكان بالعالم خاصة.

   إننا نحرم أنفسنا من خيرات يوم الجمعة وأنواره حينما نظن أن فضل ذلك اليوم قاصر على صلاة الجمعة فقط، وإن وقعت صلاة الجمعة وخطبتها موقع التاج من الرأس والقلب من الجسد، غير أن اليوم من مشرقه إلى مغربه موضع رحمة الله وإحسانه وفيض عطائه إلى عباده.

وها هى بعض النصوص التي تؤكد على أهمية يوم الجمعة ومنزلته العظيمة وخصائصه.

عن أوس بن أوس: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ -أَيْ يَقُولُونَ قَدْ بَلِيتَ- قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ السَّلام  رواه أبو داود

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا. رواه مسلم  

قال الإمام النووي:

قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: الظَّاهِر أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِل الْمَعْدُودَة لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَته لأَنَّ إِخْرَاج آدَم وَقِيَام السَّاعَة لا يُعَدّ فَضِيلَة وَإِنَّمَا هُوَ بَيَان لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الأُمُور الْعِظَام وَمَا سَيَقَعُ , لِيَتَأَهَّب الْعَبْد فِيهِ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَة لِنَيْلِ رَحْمَة اللَّه وَدَفْع نِقْمَته , هَذَا كَلام الْقَاضِي. 

وعَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ، فِيهِ خَمْسُ خِلالٍ: خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الأَرْضِ، وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ، مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلا سَمَاءٍ وَلا أَرْضٍ وَلا رِيَاحٍ وَلا جِبَالٍ وَلا بَحْرٍ إِلا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَة”.    رواه ابن ماجة

 ومن فضل هذا اليوم العظيم: ”صلاة الجمعة” وهي أفضل الصلوات:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا ​​الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) {9: الجمعة}

 و عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الصَّلاةُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ. رواه مسلم  

من مات في يوم الجمعة أو ليلتها وقاه الله فتنة القبر

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ” رواه الترمذي  

أهمية وأثر يوم الجمعة لمسلمي الغرب

ليوم الجمعة أهمية كبيرة في حياة المسلمين عامة والغرب خاصة، ومن ذلك:

 1- يوم الجمعة عيد أسبوعي للمسلمين في كل مكان حول العالم وعلينا أن نستحضر فضله ومقاصده ونفرح به.

 2- هو يوم تتجلى فيه الوحدة الإسلامية بين المسلمين، وما أشد حاجتنا لها.

 3-  إبراز مشهد الأخوة الإسلامية بين مسلمي الغرب حين يلتقى المسلم مع أخيه رغم  اختلاف لغاتهم ولهجاتهم.

 4-  إنه محطة لتطهير النفس والقلب مما عَلق بها من الذنوب والتعلق بالدنيا.

 5- فرصة كبيرة لتحقيق مبدأ التعارف والتواصل بين المسلمين الذي يثمر التعاون على البر والتقوى وعلى ما فيه مصالحهم الفردية والجماعية.

 6- تقوية أواصر المحبة وتعزيز الألفة بين المسلمين من خلال اللقاء الأسبوعي الجامع،

 واللقيا على طاعة الله أساس في ائتلاف القلوب واتصال الأروا.

 7-  إنه يوم يزيد فيه المؤمن إيماناً وقرباً من الله تعالى، فهو ميزان  أسبوعي لإيمان المسلم.

  وقد ذهب الإمام ابن القيم إلى أهمية  تفرغ المسلم فيه للتعبد.

 وإذا كانت حياتنا المعاصرة وبيئتنا لا تسمح بالتفرغ الكامل لهذا اليوم، فليس أقل من أن ينشغل المسلم بعض الوقت بتلاوة القرآن والدعاء والتضرع إلى الله تعالى والتماس ساعة الإجابة في ذلك اليوم المبارك.

 8-  دفع الغفلة عن المسلم وحفظ قلبه من المرض، لذلك جاء تحذير شديد من التهاون في صلاة الجمعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين” رواه مسلم.

وقد أورد الإمام المحقق ابن القيم في كتابه” زاد المعاد” عشرين فضيلة ليوم الجمعة، فقال: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء: هل هو أفضل أم يوم عرفة؟ على قولين: هما وجهان لأصحاب الشافعي.

 9-   حاجة مسلمي الغرب خاصة إلى تعزيز الجانب الروحي نظراً لأنَّ يوم الجمعة ليس يوم  عطلة، وكثير من المسلمين لا يتمكنون من أداء صلاة الجمعة بسبب الدراسة أو العمل.

  10-  ضغط المادة والغفلة جعل بعض المسلمين لا يعطي لصلاة الجمعة  الأولوية المهمة في حياته وحياة أولاده.

 وعلى الجانب الآخر نرى بعض المسلمين يبذلون ويضحون حتى يؤدوا صلاة الجمعة، وقدر عرفنا كثيراً منهم  يحرصون على التفاهم مع صاحب العمل عند توقيع  العقد على وقت يتمكنون  فيه  للذهاب للمسجد لأداء الصلاة.

آداب صلاة الجمعة 

شرع الإسلام ليوم وصلاة الجمعة آداباً وسنناً كثيرة، وبقدر تعظيم تلك الشعائر بقدر ما ينتفع القلب وتشرق الروح بأثر العبادة، منها:

 1-  التبكير لصلاة الجمعة، وقد ورد في التبكير أحاديث كثيرة، ومقصد التبكير هو تهيئة القلب  لتلَقى أنوار يوم الجمعة وحسن الاستماع للخطبة والانشغال بالذكر وتلاوة القرآن الكريم.

وإذا كانت ظروف المسلمين في الغرب لا تسمح لهم كثيراً بالتبكير للصلاة فعلينا بذل الجهد وحشد النية واستحضار عظمة ذلك اليوم، وما لا يُدرك كله لا يُترك كله.

 2-  الاغتسال والتطيب ولبس أفضل الثياب.

 وقد اختلف العلماء في غسل الجمعة فحُكى وجوبه عن بعض السلف وذهب جمهور الفقهاء من السلف والخلف إلى أنه سنة مستحبة، غير أنَّ كثيراً من النصوص النبوية تُرغب فيه وتدعو إليه، وعلى المسلم أن يحافظ عليه تعظيماً لشعائر الله تعالى وأخذاً بالسنة الشريفة.

وعلى الأسرة المسلمة أن تربى أبناءها على تلك الآداب لترسخ في قلوبهم مكانة اليوم وأهميته ويَعْظم في نفوسهم قدره.

 3- كثرة الصلاة  على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن بديع ما قاله الإمام ابن القيم في تخصيص يوم الجمعة بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام، ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى وهى أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة، فإنما نالته على يده جمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل لهم يوم الجمعة، فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم يوم الجمعة، وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة، وهو يوم عيد لهم في الدنيا، ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته..” 

 4-  الإنصات لخطبة الجمعة وترك الانشغال بأي شيء يضيع عليه ثواب الجمعة، ويا للعجب حينما نجد بعض المسلمين لا يصبرون نصف ساعة، فترى بعضهم يخرج هاتفه ويعبث به، أو يرد على متصل  .

 5- يستحب قراءة سورة الكهف لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين” رواه الحاكم.

كيف يحافظ أولادنا على صلاة الجمعة؟

نريد أن ينشأ أولادنا في الغرب على التعلق بيوم الجمعة وفضله وتعظيم شعائره، أشير إلى بعض الوسائل منها:

 1- أن يكون الوالد قدوة في الحرص على صلاة الجمعة وتعظيم هذا اليوم ولا يترك صلاة الجمعة إلا لعذر معتبر.

 2- انتظام المرأة في صلاة الجمعة –  وإن  لم يوجب الشرع عليها –  له أهميته وأثره في نشأة الأولاد على تعظيم ذلك اليوم في نفوسهم، فضلا عن أنَّ المسلمة صاحبة التأثير الأكبر في التربية، والحكمة التي تكتسبها من المسجد تعود على أولادها بالخير والنفع العظيم .

 3-  أن تمتزج  المتعة والفرحة بيوم الجمعة في البيت والمساجد، نريد أن نصنع حالة من السعادة المتصلة بهذا اليوم المجيد.

وقد سألت عدداً من الشباب الذين تعلقت قلوبهم بالمسجد وبصلاة الجمعة، عن سر حرصهم فأجابوا قائلين: كان والدنا يأخذنا إلى يوم الجمعة يوم كنا صغاراً وكأننا في نزهة فارتبط ذلك اليوم في نفوسنا بالبهجة والسعادة.

 4- العناية بترجمة الخطبة بطريقة احترافية ليُفيد أولادنا منها.

 5- على المساجد والمؤسسات العلمائية الاهتمام بتكوين دعاة وأئمة من الأجيال الجديدة  ليقوموا بخطبة الجمعة باللغات الأوروبية.

مشكلة أداء صلاة الجمعة في وقت الشتاء بالغرب

يقصر النهار جداً في فصل الشتاء بأوروبا خاصة كلما اتجهنا شمالاً، ولا يجد كثير من أولادنا فرصة لشهود الجمعة لأشهر عديدة، فهل من حلول متاحة لتمكين أبناء المسلمين من صلاة الجمعة؟

يمكن أن يفيد المسلمين في الغرب من رخصة المذهب المالكي الذي يرى أن وقت الجمعة مشترك مع وقت العصر  وذلك إذا اشتدت الحاجة لذلك ووجدنا أن الرأي ُيمَكن أجيال المسلمين من الانتظام  في صلاة الجمعة والمحافظة على تلك الشعيرة، على أن يتفق أهل الرأي والنظر، وقد أفتى شيخنا العلامة الإمام القرضاوي –  رحمه الله وطيَّب ثراه – للمسلمين في الغرب في كتابه {في فقه الأقليات المسلمة }  بتقليد المذهب الحنبلي والمالكي فأما الحنابلة فقد وسعوا وقتها من الأول والبداية فجعل بعضهم وقتها وقت صلاة العيد إلى أن ينتهي وقت صلاة الظهر،  وأما المالكية، فقد وسعوا في وقت الجمعة من جهة الآخر والنهاية، فقد أجاز بعضهم أن يستمر وقتها إلى الغروب أو ما قبل الغروب بقليل، فقال ابن القاسم: ما تغب الشمس، ولو كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب.

وعند سحنون: قبل الغروب بقدر الخطبة والجمعة وجملة العصر، وبعضهم قال: إلى اصفرار الشمس..”  وللاستزادة يمكن الرجوع للفتوى.

وعلى ضوء هذا يمكننا الاستفادة من هذه الرخصة في المذهبين الحنبلي والمالكي، إذا ضاقت الأوقات أو كانت ظروف المسلمين تقتضي ذلك في بعض البلدان أو المساجد وذلك تحقيقا للمصلحة الدينية وتمكيناً للمسلمين والأجيال الجديدة من المحافظة على تلك الشعيرة العظيمة.

وإذا لم يتمكن أولادنا من أداء صلاة الجمعة في فترة الشتاء حيث يضيق الوقت فمن الواجب على المساجد أن تبادر بإقامة دروس ولقاءات إيمانية تربوية في ذلك اليوم ليبقى اتصالهم ببيت الله تعالى في هذا اليوم العظيم.

 طه سليمان عامر

رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا