Posted on Leave a comment

وصية الإمام القرضاوي للعلماء والأئمة والدعاة

وصية الشيخ القرضاوي رحمه الله لعلماء الأمة
(من آخر ما كتب فضيلته في مقدمة أعماله الكاملة)

أوصي إخواني العلماء والدعاة بهذه الوصايا حتى يستطيعوا القيام بواجبهم نحو ربهم ودينهم ، وتجاه أمتهم:

1- أن يكون ولاؤهم لله سبحانه ولدينه وحده، لا لقومية ولا لوطنية، ولا لأنظمة ولا لأحزاب ولا لأشخاص، إلا بمقدار اتصالها بالإسلام وقربها منه.

2- أن يجعلوا مستندهم في كلِّ قضية الرجوع إلى كتاب الله وما صحَّ من سنة رسوله، مهتدين بهدي السلف الصالح لهذه الأمة في فَهمهم لرُوح الإسلام، واتباعهم لمناهجه، عاملين على تحرير الإسلام مما شابه وابتدع فيه على مرِّ القرون من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

3- أن يجهروا بكلمة الحقِّ في وجوه الطغاة والمتألِّهين، وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا سطوة ظالم، كالذين وصفهم الله بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب:39).

4- أن يضعوا نُصب أعينهم وصية النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري حين بعثهما إلى اليمن وقال لهما: “يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا”. فما أحوج العلماء والدعاة إلى هذه الوصية في كلِّ وقت! وما أشد حاجتهم إليها في عصرنا خاصة!

ومعنى هذا، أن يكون شعارهم الرفق لا العنف، والتساهل لا التشدُّد، فإن الله يحبُّ الرفق في الأمر كلِّه، وقد قال الله لخير خلقه: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران:159).

والتساهل الذي أعنيه، هو التساهل في الفروع والوسائل، لا في الأصول والأهداف، وعلى هذا الأساس يجب أن نعامل الناس.

يجب أن نعدَّ كلَّ مسلم أدَّى الفرائض واجتنب الكبائر في هذا العصر صديقًا لنا، ونُشعره بأنه منَّا، وإن كان على بعض المكروهات والشبهات والصغائر التي لا يصرُّ عليها، مع دعوتنا له بالحكمة والموعظة الحسنة: أن يرتقي إلى ما هو أفضل.

ومن الخطأ والخطر أن نعادي هذا الصنف ونعتبره ضدَّ الدين، فيختطفه عدو للإسلام، ويحتضنه ويجعل منه معولًا لهدم دينه وأمته.

5- أن يعرفوا عصرهم وعدوَّهم ومعركة وقتهم، فلا يشغلوا أنفسهم وطلَّابهم وجمهورهم بمعارك جانبية أو فرعية أو تاريخية، غافلين عن معركة الوقت ومعركة المصير، أعني معركة الإسلام والتيارات الغازية من الشرق والغرب، تحمل إلى أبنائنا الإلحاد، والتحلُّل، والاستخفاف بقيمنا وشرائعنا.

فهذه التيارات الهدَّامة هي العدو الأكبر الذي ينبغي أن نوجِّه إليه جلَّ اهتمامنا، وجلَّ تفكيرنا، وجلَّ سعينا، لنحفظ على أمتنا شخصيتها وأصالتها، ونحميها من الذوبان والفناء في غيرها.

6- أن يتَّخذوا من قاعدة المنار الذهبية شعارًا لهم ودستورًا يتعاملون به فيما بينهم: “نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”.

7- أن يتسلَّحوا بما استطاعوا من معارف العصر، فالإمام الغزالي ما استطاع أن يهزم الفلسفة، ويُحيي علوم الدين، ويبين تهافت الفلاسفة، إلا بعد أن هضم الفلسفة، وأصبح فيها كأحد أساطينها.

وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، ما ردَّ على كلِّ الفئات المنحرفة وبيَّن عوارها، إلا بعد دراسة عقائدها وتعاليمها من كتبها، دراسة واعية فاحصة، حتى اليهودية والنصرانية. ولهذا لم يكن إمامًا في الشرعيات فحسب، بل في العقليات أيضًا، كما يدلُّ على ذلك تراثه الغني.

فلا غنى للعالِم في عصرنا عن دراسة الثقافة الحديثة قدر الاستطاعة، كعلوم النفس، والاجتماع، والاقتصاد، والسياسة، والأخلاق، والفلسفة ومذاهبها وتاريخها.

8- على أن هذا كلَّه لا يتمُّ إلا بتحرُّرهم من الشعور بأنهم مجرَّد موظفين رسميِّين في معاهد الدولة ومدارسها وجوامعها، وأن يشعروا بأنهم أصحاب دعوة، ورجال فكرة. ففرق بين الموظفين والدعاة، فالأولون يتعيَّشون بالإسلام، يأكلون به، والآخرون يعيشون للإسلام، ويموتون في سبيله.

9- أن يترابطوا ويتواصلوا فيما بينهم على مستوى العالم الإسلامي، فعلماء المسلمين قوَّة كبيرة لها جمهورها وأتباعها وتأثيرها، لو أنهم اتَّحدوا داخل كلَّ بلد، ثم حاولوا التنسيق والتعاون على المستوى الإسلامي العام.
إن أعداء الإسلام يعرفون الخلافات الصغيرة التي تفرِّق بين علماء المسلمين، فهم لهذا يقوُّونها ويضخِّمونها، ويعملون على إبقائها حيَّة بارزة، ويستخدمونها عند اللزوم لضرب بعضهم ببعض، موهمين فريقًا منهم أنهم معهم ضدَّ خصومهم في الفكر، والحقيقة أنهم ضد الجميع، وعدو الجميع، وإنما هو التكتيك القذر الملعون. وعلينا نحن المسلمين أن نكون أبصر منهم وأوعى، وأن نردَّ كيدهم في نحورهم.

10- أن يقفوا إلى جانب كلِّ دعوة إسلامية سليمة الاتجاه، تعمل على العودة بالإسلام إلى قيادة الحياة من جديد، وصبغ المجتمع بصبغة الإسلام، على علماء الإسلام أن يشدُّوا أزرها، ويأخذوا بأيديها، ويسدِّدوا خطاها، ويمدُّوها بكل ما استطاعوا من قوة، إن لم يكونوا هم في مقدمة صفوفها توجيهًا وعملًا وتضحية وبذلًا، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت:33).

المصدر: موقع الدكتور: يوسف القرضاوي.

Posted on Leave a comment

في رثاء الشيخ الإمام يوسف القرضاوي

نزل عليَّ خبر وفاة شيخنا الإمام يوسف القرضاوي اليوم 30 صفر 1444هـ/ 26 سبتمبر 2022م كالصاعقة؛ فالشيخ مثَّل بحياته معلمة من معالم الجهاد الفكري، والتنوير الدعوي، والإفتاء الوسطي، والعمق الفقهي، والرسوخ الأصولي..
ماذا نقول عنك يا شيخنا الإمام؟ تضيق اللغة ومعاجمها ومفرداتها ومشتقاتها أن توفر من الكلام ما تتحدث عنك في هذا المقام الضنك والمعترك الصعب؛ فلا نجد من العبارات والأقوال ما يوفي بعض حقك علينا وعلى الأمة؛ فحياتك قضيتها لله وبالله ومع الله، تجاهد من أجل الأمة، وتتناول قضاياها، وتفتي فيما نزل بها مما أهمها من أمر دينها ودنياها..


عاش القرضاوي شاهراً السيف ورافعاً القلم يحرس الإسلام وسفينته أن تأتيها الرياح العاتية من يمين وشمال، ويفند ما تقوله التيارات الغالية في الإسلام والجافية عنه، عاش مجاهداً ثائراً على الطواغيت رافضاً للاستبداد، داعياً لحرية الشعوب وحقها في الحياة الكريمة، حتى صدر بحقه حكمان بالإعدام: حكم من النظام المصري، وحكم من النظام السوري، وهي منقبة لم تنعقد لعالم من العلماء في عصرنا.
كانت حياة القرضاوي مثالاً للعالم العامل، والفقيه المجاهد، والأصولي الراسخ، والمفكر الرائد الذي ترك الدنيا وغادرها قبل أن يرى موسوعة أعماله الكاملة التي ستصدر قريباً في أكثر من مائة مجلد!
ترك الإمام القرضاوي بهذه المجلدات الكبيرة والضخمة تراثاً تصلح به الأمة المسلمة، بل تصلح به الإنسانية، لما تميز به من تيسير في الفتوى، وتبشير في الدعوة، وسداد في الرأي، وحكمة في العمل، وصدق في الأدب نثره وشعره.
ومع هذا، فإن أعظم ما يميز الإمام القرضاوي ليس الفقه ولا الفتوى –وإن كان رائداً في هذا المجال ومُجدداً– لكنه تميز بالجوانب الإنسانية والمشاعر الراقية التي كان يحفنا بها كلما رأيناه أو رآنا، وكلما هاتفناه أو هاتفنا: يسأل عنا وعن أحوالنا، ويسأل عن أزواجنا وأولادنا، وعن مشاريعنا العلمية التي نعمل عليها، كما تميز بالطاقة الروحية الأبوية الكبيرة حين يُقبل عليك من بعيد يريد أن يحتضنك حضن الأب، ويضمك ضمة الوالد، ويفيض عليك من حنانه وأمانه ورحمته.
إن الأمة المسلمة والإنسانية كلها فقدت فقيهاً راشداً، وأصولياً عميقاً، وداعية حكيماً، وناثراً وشاعراً يلهب المشاعر بصدق مشاعره وعمق إحساسه، وكاتباً من الطبقة الأولى، كما فقدت إنساناً نبيلاً ووالداً كريماً حنوناً.
ومن أهم ما تركه شيخنا الإمام هي هذه المدرسة من التلاميذ والأصحاب التي تأسست رسمياً في عام 2007م، وعقدت أربعة لقاءات معه، كل لقاء يستغرق أسبوعين: عرضاً لأفكاره، ونقاشاً لآرائه، ونقداً لبعض اجتهاداته، واستدراكاً على بعض فتاواه، فلم يكن يضيق ذرعاً بذلك، بل كان يفخر ويطلب منا المزيد من ذلك، وكان يرجع عنها حين يتبين له خطؤها، وهذا من صفات العلماء الربانيين، وأصحاب القلوب الأوابة.
وأخيراً هوى النجم الساطع..
لا أجد هنا في رثائه أصدق مما قاله هو في رثاء شيخه المقرب الشيخ محمد الغزالي، وهو بهذا الرثاء جدير، الذي قال في مطلع رثائه عنه، رحمهما الله تعالى: “وأخيرا هوى النجم الساطع، واندكَّ الجبل الأشم، وطوى العلم المنشور، وغابت الشمس المشرقة، وترجَّل الفارس المعلم، ومات الشيخ الغزالي.
عرفت الشيخ الغزالي فعرفت رجلاً يعيش للإسلام، وللإسلام وحده، لا يشرك به شيئاً، ولا يشرك به أحداً، الإسلام لُحمته وسُداه، ومصبحه وممساه، ومبدؤه منتهاه، عاش له جندياً، وحارساً يقظاً، شاهر السلاح، فأيما عدو اقترب من قلعة الإسلام يريد اختراقها، صرخ بأعلى صوته، يوقظ النائمين، وينبِّه الغافلين، أحسبه كذلك والله حسيبه ولا أزكيه على الله” انتهى.
جفت الدموع يا شيخنا الإمام، وطويت الأقلام، ولم يبق لنا إلا السير على طريقك، ونشر علمك، وانتهاج منهجك، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم لا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، واغفر اللهم لنا وله، والله حسبنا ونعم الوكيل .

بقلم: د. وصفي عاشور أبو زيد

Posted on Leave a comment

توفى القرضاوي

_ توفي الشيخ القرضاوي …
_ توفي من حاز الإمامة في الدين علما وعملا وفكرا وسلوكا …
_ توفي أستاذ الوسطية ونموذج الاعتدال وداعية التوازن …
_ توفي من تربت على كتبه وافكاره ومقولاته أجيال وأجيال …
_ توفي من ترك إرثا من الفكر والفقه والمواقف ستبقى مرجعا دائما لكل الناس …
_ توفي من أيقن أن هذا الدين خالد وان للفقه رجالا يجتهدون فيه ويجددون ويبدعون …
_ توفي من بقيت سيرته العطرة علما وخلقا صامدة حتى الممات …
_ توفي من جسد نموذج العالم العامل في زمن الشبهات والفتن والتحديات …
_ توفي من رزقه الله عمرا فوق التسعين ليقضيه في طاعة الله وفي تعلم العلم وتعليمه وتدوينه فما كلّ ولا مل …
_ توفي من أصاب كثيرا ولم يكن معصوما من الخطأ ولم يتردد في الاعتذار والرجوع العلني عنه ان استبان له …
_ توفي من جمع بين التراث والمعاصرة وبين الثبات والمرونة وبين الانضباط في الفتوى والجرأة فيها …
_ توفي من عاش زمانه فكرا وعلما وفقها ولم يعش بين مقولات الماضي فقط …
_ توفي من أوضح فقه الزكاة ومن جدد فقه الجهاد واذاع فقه السياسة ورشد الدعوة واصّل الفكر الإسلامي عقودا …
_ توفي من بقي صوته يصدح في نصرة قضايا الأمة ليلا ونهار …
_ توفي من ترك إرثا عظيما من العلوم والطلبة والرجال والمواقف …
_ توفي من كان للموسوعية عنوانا فأعاد من خلالها سيرة الأولين …
_ توفي الشيخ الكبير في عمره وسيرته وعلمه وعمله وفكره وفقهه ودعوته …
_ توفي من كتب الله له القبول وانتفعت به الجموع وسيبقى ذكره في الخالدين …

إنا لله وإنا إليه راجعون ورحم الله الشيخ رحمة واسعة