Posted on Leave a comment

رسالة الإمام والخطيب 1 | الشيخ: عبد الجليل حمداوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه

قال الله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} (القصص 68)”. لقد اصطفى سبحانه وتعالى بحكمته من الإنسان أنبياءه وأولياءه، ومن الزمان أيام نعمائه، ومن المكان بيوته ومساجده، فحقّت بهذا للمساجد أعظم نسبة إذ هي بيوت الله، وإن كانت البيوت كلُّها لله وحده، فلا جَرَم انّ هذه النسبة مشعرة بقداسة المسجد وعمق رسالته، لذا كان لزاما أن تُوظَّف الجهود لأهمّ عنصر فيه، ألا وهو الإمام والخطيب الذي بهما تقوم قائمته بتلاؤم مع عناصر أخرى محلّ ذكرها غير هذه الصفحات.

أـ حول الإمامة:

إن الحديث عن الإمام ومتعلقاته مبثوث في كتب الفقه وفروعه، وغرضنا عبر هذه السطور ذكر إشارات عن دوره في المسجد وثقل رسالته بين الناس. إذ هو القدوة المتَّبَع.

والأئمة صنفان: منهم من يدعوا الى الله وجنته: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا} (السجدة 24) ومنهم من يدعو إلى النار: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} (القصص 41). والإمامة نوعان: كبرى وصغرى. فالأولى متعلقة بأمور الدنيا والدين وسياسة أمور المسلمين، والثانية متعلقة بالصلاة وأحوال مساجد المسلمين، فإن كانت الصغرى تابعةً للكبرى تنظيما وتسييرا، فإنها أصلُها إشعاعا وتنويراً، وفي هذا المعنى قال فاروق الأمة رضي الله عنه“:إن أهم أمركم عندي الصلاة ، بل جعلها المصطفى صلى الله عليه وآله سلم عموده وركنه الركين في وصيته الخالدة لسيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه فيما رواه الترمذي.

الإمامة في الدين مقام تهفوا إليه قلوب عباد الرحمن الصالحين حيث يدعونه: {واجعلنا للمتقين إماما} (الفرقان 74)، ولا شك أن إمام المسجد وخطيبه من هذا الصنف الكريم، وجدير بمن رام حيازة هذا الفضل أن يكون ذا مجموع حَسَن من الخلق والعلم في الدين وعلى نباهة فيما يقتضيه القيام بأمور مساجد المسلمين.

على إمام المسجد أن يستشعرـ بدايةـ فضل الله عليه أن أَقامه مقاما عليًّا، وشغله بذكره وإمامة بعض مسلمي بلاده، والنعمة تستوجب شكرا؛ وأعظمه أن توظّف في طاعة الله. وإنه لحقيقٌ على الإمام أن يفقه مقاصد الشرع من بناء مساجد الله لتحقيق هذه النسبة المباركة في الواقع والمعنى كما في الصورة والمبنى.

ب ـ  رسالة المسجد:

روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أَحبّ البلاد الى الله مساجدها”.. لأجل هذا حَوَت كتب الفقه من أحكام المساجد ما يليق بجلال وجمال هذا الحب الإلهي من خلال نصوص الوحي، ونوَدّ في هذه الصفحات أن نكتفي بذكر بعض أبعادها التربوية والدعوية لئلا تزل قدمٌ بعد ثبوتها، حتى يتبين لإمام المسجدِ دوره الأليق بقداسته. فلإن كان القرآن قد حدثنا عن أوصاف عمّار بيت الله، فإن مهمة الإمام منوطة بتحقيقها في نفسه ونفوس إخوانه من عمّار بيوت الله وبردّ وجهتها الى الله بمدافعة من يريد تضليل عباد الله، ولتوضيح هذا المعنى نذكر هنا بعض ما ييسَّره الله مستهدين بآياته سبحانه.

1 ـ إن منطلق المساجد وغايتها هو الله وحده انتسابا وذكرا، قال جلّ وعلا: {وأن المساجدَ لله فلا تدعوا مع الله أحدا} (الجنّ 18) وقال أيضا: {في بيوت أذن الله أن تُرفَعَ ويذكَرَ فيها اسمه} (النور 36). فهي بيوت لله، وشُيِّدت لإقامة ذكره؛ فلتصطبغ بصبغة الله دون النزول بها الى أهواء رعناء أو عصبيات عمياءَ، فالإمام يَأُمُّ عباد الله بشرع الله تعالى للتقرب إليه وحده، ولا ينافي هذا أن يميل فقهيا أو ينتمي دعويا الى فئة من دعاة الخير، وهم بفضل الله كُثر.  لكن المحظور هو الركون إلى الهوى ومحاولة ليّ أعناق نصوص بعدما يتبيّن الحقّ والهدى. هدانا الله الى سواء الصراط.

2 ـ لا جرم أن ذكر الآخرة لصيق بذكر الله تعالى القائل: {…يسبح له فيها بالغد والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار} (النور 36-37). فمساجد الله بُنيت أساسا لذكر الله والآخرة من أجل أن تصفوَ نفوس عمّارها وتتطلّع الى الأفق الوضيء الأَبديّ، وتتخفّف من ثِقل الارض والعالم الدنيويّ. إنّ هذه الحقيقة قد تضمر في قلوب المؤمنين بالغفلة عنها وعدم التّذكير بها، فلطالما صارت بعض بيوت الله أماكن لأحاديثَ دنيوية محضة لا تمتّ الى الذكر بصلة، وأعظِم بها من مصيبة في الدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم “: من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك.فان المساجد لم تبن لهذا”.  فعلى امام المسجد التصدي لهذا الباطل وإرجاع اهل المسجد الى الرشد بما أوتي من حكمة، {ولينصرنَّ اللهُ من ينصره. إن الله لقويّ عزيز} (الحج 40).

3 -لِكلمة “بيت” دلالة عظمى على ما تقتضيه من تنظيم للوسائل لتحقيق مقصد سَنيّ هو تحصيل سكينة ربانية فيه تفوق سكينة البيت الأسري المطلوب تحقيقها في قوله تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنا} (النحل 80). فإذا ما أفرغت المساجد من روحها وفقدت جاذبيتها وصار بعض عمارها يتحاشى التردّد إليها تفاديا للخصام النكد الحاصل بين أهلها، فإن هذا لمؤذن بالخطر لأن الأصل أن تهفو القلوب إليها حيث السكينة مأواها…

4 ـ اذا كان المسجد يبنى أساسا لإقامة ذكر الله واليوم الآخر فانه أيضا العنصر الاساسي لتوازنٍ مطلوبٍ بين مقتضيات عبادة الله سبحانه، إذ منها ما يتعلق بحقوق الله ومنها ما يتصل بحقوق عباده، ولهذا الغرض قال تعالى: {انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين} (التوبة 18)، وفي آية النور السابق ذكرها: ” {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة واتاء الزكاة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار} (النور 37). فقد جعل الله إتيان الزكاة من صلب هذا الأمر حيث ذَكَرها بين إقام الصلاة وتعلّق القلب باليوم الاخر في سياق الحديث عن عمّار بيوته في ربط عجيب بين حقوق الله وحقوق عباده، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأمر بالطهارة وتنهى عن كلّ ما يؤذي المسلمين في مساجدهم ولو بريح كما ورد في شأن الثوم والبصل.

5 – بين مصطلحي “المسجد”  و”الجامع” خصوص وعموم، فالمسجد يكون جامعا إذا كانت تُصلّى فيه الجمعة، وهذا فيما يبدو ما عليه أحوال المسلمين على العموم. فلعل الربط بين “المسجد”  و” الجامع” في سياق الحديث عن بيت الله يوقظ في الحسّ ذلك الترابط بين علاقة العبد بربّه وبإخوانه من  حوله لأن بيت الله بُني للسجود بين يدي الله والتحبُّب إليه لكن في جمع من المؤمنين، حيث إن صلاة  الجماعة فيه سنّة مؤكّدة إن لم تكن واجبا كما عند الحنابلة. فالذلة على المؤمنين من ثمرات التذلل بالسجود لرب العالمين. فالمسجد جامع بين أشباح وأرواح المؤمنين يلتقون فيه للتقرب الى مولاهم فإذا لهم فيه مآرب اخرى؛ تقتضيها ضرورات الحياة. بهذا يصير المسجد الأساس في التربية واللبنة الأولى في البناء من خلال لمّ الشمل على أساس التقوى خلافا لمن شهد الله عليهم بالنفاق ببناءهم لمسجدٍ ضرارا وتفريقا بين المؤمنين، كما ورد في سورة التوبة.

6 ـ من سنن الله مدافعة أهل الباطل لإحقاق الحق واعلاء كلمته، قال تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا، ولينصرن الله من ينصره. ان الله لقوي عزيز} (الحج 40).  ففي هذه الآية كشف لكيد الحاقدين الذين يغيظهم ذكر اسم الله في معابد أقيمت لذكر الله. فهم بحقٍّ المفسدون في الأرض: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض} (البقرة 251) فعلى الامام أن يتحلى بيقظة تجعله يتصدى لمكائد أهل الباطل المفسدين الظالمين الساعين لخراب بيوت الله: {ومن أظلم ممّن منع مساجد الله ان يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها} (البقرة 114) فهي اذا معركة بين الحق والباطل، يستمدّ لها أهل الحق العونَ من الله ثمّ من إخوانهم منطلقين من بيت الله حيث الامام فيه رأسه وأساسه من أجل الإصلاح ودرء الفساد.

نسأل الله السداد في القول والعمل

بقلم الشيخ: عبد الجليل حمداوي

يتبع

Posted on Leave a comment

ندعو الله وتتأخر الإجابة.. فلماذا؟

ندعو الله وتتأخر الإجابة ….فلماذا؟

يدعو المؤمن ولا يجاب له وقد يكرر الدعاء ويطول الزمان ولا يرى أثرا للدعاء… فكيف يتعامل المؤمن مع تلك الحال؟

يجيب الإمام ابن الجوزي
(مع إضافات وتصرف منا):

أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر.
و يذكر من حكمة تأخير الله تعالى الإجابة ما يلي:

أولاً: لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك الله في محاربة العدو (الشيطان) لكفى في الحكمة.

وقد ثبت بالبرهان أن الله عز وجل مالك وللمالك التصرف بالمنع والعطاء فلا وجه للاعتراض عليه.

هو خالقنا ونحن عبيده ونعمه علينا تترى ظاهرة وباطنة.

ثانيا: قد ثبتت بالأدلة القاطعة حكمته جل وعلا، فربما رأيتَ الشيء مصلحة والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر يقصد بها المصلحة، فلعلَّ هذا من ذاك.

ثالثاً: قد يكون التأخير مصلحة والاستعجال مضرة.
والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

رابعا: قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيك، فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تُزاد عقوبتك في منع حاجتك لذنبٍ ما صدقتَ في التوبة منه.

خامسا: ربما كان في حصول مطلوبك زيادة إثم، أو تأخير عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح.

سادسا: ربما كان فقْد ما فقدتَه سبباً للوقوف بالباب واللجوء إلى الله تعالى وكثرة التضرع والبكاء، فإذا حصل لك ما تريد انشغلت به عن الله جلَّت قدرته.

وإنما البلاء المحض، ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك.

ونضيف/
سابعاً: لو لم يكن من الدعاء إلا شعور المؤمن أنَّ له ربا قادراُ يقف على بابه ويدعوه فيمتلئ قلبه بالسكينة والطمأنينة والراحة والقوة….. لكفى.

ثامنا: قد ثبت بالدليل أن الله تعالى يعطي على الدعاء من خير الدنيا والآخر ودفع البلاء ما يجعل المؤمن يطمئن بالاً وخاطراً.

تاسعاً: الدعاء في ذاته مقصود وجوهر العبادات كلها (الدعاء) وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم الدُّعاءُ هو العبادةُ ثمَّ قرأ {وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} رواه أبو داود.

عاشرا: في انتظار الإجابة ولو طالت تحقيق معنى العبودية فيعرف المسلم نفسه بالضعف والفقر ويعرف ربه بالقدرة والغنى.

الله أجب دعاءنا وحقق رجاءنا.
وما زويتَ عنا فارزقنا يقينا في حكمتك، ورضنا بقضائك حتى لا نُحب تعجيل ما أخَّرت ولا تأخير ما عجَّلت.

لفضيلة الشيخ: طه عامر