Posted on Leave a comment

رمضان الذي فقدته | الشيخ: علي الطنطاوي

هذا الحديث عن رمضان، وفي رمضان النور والعطر وفي رمضان الخير والطهر، وفي رمضان الذكريات الكثر، ففيه نزل الذكر وفيه ليلة القدر وكان فيه نصر بدر وفي آخره عيد الفطر، ورمضان نور على المآذن ونور في القلب ورمضان صوم عن الطعام وصوم عن الحرام.

إن كانت الحياة تنازعًا على الحياة فهذا الشهر إدراك لسر الحياة، وإن كان العمر كله للجسم فهذا الشهر للروح، وإن كانت الدنيا للتناحر والخِصام فهذا الشهر للحب والوئام.

هذا هو رمضان الذي أبصرت وجهه من كوة الطفولية فأحببته ورأيت أثره الخيّر في كل مكان في دمشق، فأكبرته ثم لم أعد أراه أبدًا، فعلمت أني قد افتقدته وأضعته.

رمضان الذي عرفته لم يعد يتردد على دمشق، إن هذا رمضان جديد، يحمل اسم رمضان الأول الذي رأيته أول مرة منذ أكثر من أربعين سنة ولكنه ليس ذلك الـ “رمضان”.

رمضان القديم كان يغمر أرجاء دمشق كلها، فكنت تحس به حيثما سرت، تراه في المساجد الممتلئة بالمصلين والقارئين والمتحلقين حول كراسي المدرسين، وتراه في الأسواق فلا تجد عورة بادية ولا منكرًا ظاهرًا ولا مطعمًا مفتوحًا ولا مدخنًا ولا شاربًا، وتشتري البضاعة وأنت آمن من الغش والغبن؛ لأن أفسق البائعين لا يغش في رمضان، والمرأة تعمل مطمئنة أنها مهما أخطأت فلن تسمع من زوجها كلمة ملام، لأن المسلم الصائم لا يشتم، ولا يلوم في رمضان، والرجل يجيء إلى بيته وهو آمن من أن يجد من زوجته نكدًا أو إساءة لأن المرأة الصائمة لا تؤذي زوجها في رمضان، ولو تركت بابك مفتوحًا لما دخل المنزل لص، لأن اللصوص يضربون عن العمل ويتوبون عن السرقة في رمضان.

أما رمضان الجديد فلا تعرفه هذه الشوارع الجديدة والأحياء الحديثة ولم يعرف بعد الطريق إليها، ودمشق القديمة لم يعد يستطيع أن يسيطر عليها، فالمساجد مملموءة بالمفطرين والصائمون تسوء أخلاقهم في رمضان من الجوع وشهوة الدخان والشياطين تصفد في رمضان لكن الفساق ينطلقون عاملين فيه كما كانوا يعملون قبل رمضان.

في ساعة الغروب

ولقد كان أشد الناس بعدًا عن الدين إذا سمع مدفع رمضان تاب وأناب إلى الله، ونزع نفسه الآثمة واستبدل بها نفسًا زكية متعبدة، كما ينزع ثوبه الوسخ ويستبدل به ثوبًا نظيفًا، والبيوت التي كان يسودها الخصام تتحول في رمضان إلى دور أمن وسلام والمدينة تصير كلها أسرة واحدة أو مدرسة داخلية يأكل الناس فيها بوقت واحد ويقومون في وقت واحد.

إذا دنت ساعة الغروب رأيت الناس جميعًا – مسرعين إلى بيوتهم، هذا يحمل صحن الفول المدمس، وهذا يحمل الجرادق والبرازق، وتكون المائدة منصوبة حتى إن أفقر الناس يجد في رمضان فطورًا شهيًا، لأن كل صائم في رمضان يتفقد جيرانه ومن حوله، فلا يأكل هو الطعام الطيب والألوان الكثيرة وجاره لا يجد الخبز والجبن.

وتصطف الأسرة كلها حول المائدة يجمعها شعور واحد، شعور يجمع الغني والفقير، والأمير والأجير، هو الجوع، أغنى الناس يشتهي قبل المغرب معلقة من حساء أو رشفة من شراب.

والأولاد يقفون على الشرفات أو على جوانب الطرق، فإذا رأوا مصباح المنارة أو سمعوا المدفع صاحوا بنغمة موزونة ولحن موقع: أذن أذن أذن…وطاروا إلى بيوتهم كما تطير العصافير إلى أعشاشها إذا رأت طلائع الليل، وتخلو الطرق وتخف الأصوات ثم ترتفع من كل مكان: من الكوخ ومن القصر على السواء، كلمة الحمد لله، كلهم شبع وكلهم رضى وكلهم شكر..الذي أكل السبعة ألوان والذي أكل الخبز والفول!

ثم يمضي الرجال إلى المساجد ليصلوا صلاة التراويح أو يصلوها مع أهليهم وأولادهم وتكون الأسواق مضاءة ويكون الأولاد مزدحمين فيها على بائع المثلجات إن كان الوقت صيفًا أو بائع الفول النابت. ومن أراد لهوًا لم يجد إلا الحكواتي يقص قصة عنترة وكلها بطولة ونبل لا كهذه القصص الآثمة الداعرة.

فإذا مضت ساعة بعد صلاة العشاء، انطفأت الأضواء وخلت الأسواق وانصرف الناس إلى دورهم ليناموا، والمسحر لا يجيء إلا في وقت السحور، لا يجيء نصف الليل ليوقظك من نومك ويقرع بطبلته رأسك، كما يفعل الآن، وأنت مجبر أن تقول له أشكرك، وتدفع له أجرته على أنه كسر دماغك وحطم أعصابك ولم تكن هذه الإذاعات التي لا تسكت لحظة في رمضان.

إن رمضان لا يستطيع أن يعيش إلا في الهدوء والسكون، فكيف يعيش في هذه الضجة الهائلة؟ وكيف يتوجه إلى ربه؟ وكيف ينام ليقوم إلى السحور؟ إذا كان كل صاحب رادّ: (أي: راديو) لا يسمع وحده، بل يسمع أربعين جارًا، وكانت الأصوات لا تنقطع طول الليل، والمسحر يجيء من الساعة الواحدة وهؤلاء الموسيقيون الفاشلون الذين عجزوا عن أن يكونوا رجال فن، فأسبغوا على غنائهم ثوب الدين، والدين يبرأ منهم وتغزلوا بالرسول (صلى الله عليه وسلم) بدلًا من التغزل بليلى وسلمى، والبياعون يأتون من طلوع الشمس، مصلح البوابير وبياع الحليب والذي عنده سجاد للبيع، والأولاد الذين يتخذون الحارات ملاعب للكرة.

ملك وشيطان

وكيف يشعر بوجود رمضان من يركب الترام فيجد أمامه من يدخن وينفخ في وجهه الدخان، ويرى المطاعم مفتحة والأكلة يأكلون، ويرى الناس إن صاموا عن الشراب والطعام، لا يصوم إلا القليل منهم عن الكذب والغش والغيبة والبذاءة والحلف بغير الله، أو الحلف كاذبًا بالله، ولا يصوم إلا القليل عن الغضب والبطش والأذى، وليس الصيام – في الحقيقة- إلا تدريبًا خلقيًا ليس الصوم جوعًا وعطشًا فقط، خلق الله ملائكة وخلق شياطين، وخلق وحوشًا وسباعًا.

فالملك خير كله والشيطان شر كله، والسبع طبيعته البطش لولاه ما عاش، وخلق الإنسان من الثلاثة جميعًا، ففي الإنسان ملك وشيطان وسبع، الملك له الإيمان والرحمة والطاعة والخشوع والسمو النفسي والشيطان له الشهوة المحرمة والكذب والاحتيال والإفساد والسبع له الغضب والبطش والقهر.

والصيام في الحقيقة صيام عن السبعية والشيطانية لتخلص النفس في هذا الشهر للملكية فإذا لم تظهر على الصائم أخلاق الملائكة وإذا بقي يغضب ويبطش كالسبع ويشتهي ويفسد كالشيطان فإنه لم يعرف حقيقة الصيام.

لقد كان رمضان الذي يجيء دمشق من أربعين سنة رمضان حقيقًا وما أدرى أمات وجاء غيره أم قد شاخ وعجز عن أن يطوف دمشق كلها فصار يثبت وجوده في المفكرة والتقويم وفي أضواء المآذن ومدافع القلعة فقط لا غير، أم أنا الذي تغيرت وتبدلت؟ كنت أنظر قبل أربعين سنة بعين صبي لم يقترف إثماً فكنت أرى رمضان فلم أثقلت الآثام أجفاني لم أعد أراه.

وكان أهل دمشق في مثل طهارة الأطفال لم تشوه أصباغ الحضارة طبيعة الحسن في نفوسهم، ولم تفسد العصبيات جمال الأخوة بين أفرادهم ولم تكن قد هتكت أستار الصيانة ولا مزقت براقع الحياء كانت المرأة لزوجها وولدها وربها، والرجل لزوجته وولده وربه، فكانوا يرون رمضان كلهم. يرون هلاله في الأفق ونوره في القلب، وأثره في البيوت والأسواق والمدارس والمساجد، يشعرون –حقًا- أن قافلة العمر كانت تمشي بهم في صحراء مجدبة، فإذا كان رمضان مشت في الواحة، فيكون من ذلك أنس للنفس وراحة للروح.

قلبٌ مقيّد

فأين ذلك الرمضان؟ أين هو؟ دلوني عليه أجد فيه ماضيًّ الذي فقدته، وأنسى الذي أضعته، رمضان الذي يتوب فيه كل عاص، ويتصل فيه كل منقطع، ويشهد فيه كل محجوب، وتسطع فيه الأنوار في كل قلب، حتى لتمتلئ بالرضا والإطمئنان والحب، ويقوم الناس في الأسحار ساعة يتجلى الله على الوجود تجلى الرحمة والغفران، وينادى المنادى من السماء: ألا من سائل فأعطيه، ألا من مستغفر فأغفر له، فيهتفون من أعماق قلوبهم: يا أرحم الراحمين، ويسألون الله ويستغفرونه، فيحسون أنهم قد صعدوا بأرواحهم إلى حيث يرون الأرض كلها ومن عليها ذرة تجول في هذا الفضاء، ويتذوقون أعظم اللذات، اللذة التي لا تقاربها لذة، لذة الاتصال بالله، ومناجاته في سكنات الليل، وهدأت الأسحار فتسطع أنوار الإيمان في كل قلب، ويمتلئ بالرضا والاطمئنان والحب، والقلب كالنسر الذي يضرب بجناحيه في طباق السماء ولكنا قيدناه بقيود المادة ثم أغرقناه في حمأة المطامع والشهوات، فكيف يطير نسر مقيد الجناح غارق في الطين؟

هذا هو رمضان! فحلوا القيود عن قلوبكم واغسلوها من أوضار الحمأة التي غمستموها فيها، ودعوها ترتفع لتطلّع على جمال الوجود وترى من هذا المرقب العالي جمال رمضان.

المصدر:  حديث إذاعي للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله أذيع في إذاعة دمشق عام 1975.

Posted on Leave a comment

قل هو من عند أنفسكم | من سنن الله في النّفس والحياة

من سنن الله في النّفس والحياة

الحلقة: 1

بثّ الله سبحانه في كتابه العزيز طائفة واسعة من السّنن الماضية الكفيلة ببناء عقل راشد يفقه تضاريس النّفس والحياة. ولا يكون تدبّر جامع للقرآن الكريم حتّى يستقرئ النّاس تلك النّواميس الحاكمة. بل إنّ تلك السّنن لجديرة بإنشاء بيان خاصّ بها نسمّيه (التّفسير السّننيّ مثلا). وإنّنا اليوم لجديرون بذلك إذ أنّ كثيرا من جوانب تخلّفنا تعزى إلى الجهل بالسّنن. أسوق بعضا منها لعلّ التّالين والتّاليات في رمضان (شهر القرآن) يحرّكهم الشّوق إلى استجماع ما ندّ عنّا من أوابد تلك السّنن

قل هو من عند أنفسكم

ورد هذا القانون في سورة آل عمران المدنية في سياق التعقيبات على واقعة أحد. إذ شغب على بعض المسلمين أن تلحق بهم هزيمة عسكرية ثقيلة. (أو لمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم إنّ الله على كل شيء قدير). كبر عليهم ذلك بعد النّصر المعزّر في بدر إذ أصابوا هناك من المعتدين مثلي ما أصيبوا به منهم هنا. لم يدعهم الوحي الكريم فرائس لتأويلات شتّى. إنّما علّمهم أنّ هزيمة أحد سببها الأكبر هو أنفسهم هم. سببها المباشر هو عصيان أمر القائد العسكريّ في تلك الواقعة ـ محمّد عليه السّلام ـ إذ ترك بعض الرّماة مواقعهم ليهتبلها العدوّ أيّما اهتبال ويحيق بهم ما لم يكونوا يحتسبون. كان يمكن أن يعزّيهم سيما أنّهم فقدوا لأوّل مرّة زهاء سبعين من خيرة إخوانهم. كان يمكن كذلك أن يلقي باللاّئمة على عدوّهم الذي جاء يطلبهم في عقر دارهم. لم يكن شيء من ذلك. بل إنّه في هذا السّياق ذاته قال لهم في لهجة عتاب بليغة (منكم من يريد الدّنيا ومنكم من يريد الآخرة). كان قد رسم لهم ـ تعقيبا على واقعة بدر العظمى ـ خارطة طريقة النّصر. ومن فقراتها طاعة الرّسول عليه السّلام التي تكفل صفّا واحدا مرصوصا (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم). لم يخل السّياق من تعزية وسلوان. إذ قال لهم في أثناء ذلك (قد أصبتم مثليها) في إشارة إلى نصر بدر. أنّى هذا؟ كان يمكن أن يكون الجواب ـ أو بعضه ـ أنّ هذا يعزى إلى عدم تكافؤ القوى عددا وعدّة. أهمل الوحي الكريم كلّ ذلك ودعاهم إلى تدبّر سبب واحد للهزيمة عنوانه: أنفسكم أنتم هي التي جنت عليكم. جاء الخطاب عامّا كعادة النّظم القرآنيّ الكريم حتّى لكأنّ النّاس كلّهم شركاء في ما وقع فيه بعض الرّماة. جاء ليعلّمهم أنّ السفينة لا يضيرها أن تغرق بسبب خرق هذا أو ذاك. إذ كلّ خرق يغرقها. جاء هذا الخطاب إلى الأصحاب الكرام وكثير منهم له سابقة الإيمان والهجرة والصّفة البدرية. جاء يعلّمهم أنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع. وأيّ علاقة لنا نحن اليوم بهذا حتّى نقرأه ونعتبر به؟ هي علاقة تعبر الزّمان كلّه والمكان كلّه لتعلّمنا نحن اليوم كذلك أنّ ما يحيق بنا من احتلال أرض أو انتهاك عرض أو فساد سياسيّ أو قهر أو جور أو غلبة عدوّ إنّما هو من عند أنفسنا نحن. ليس يعني ذلك براءة الخصم أو العدوّ. إنّما يعني ذلك أنّ خارطة السّؤدد لا عنوان لها عدا هذا العنوان: الصّف الواحد المرصوص حتّى وهو متنوّع وإيثار ما عند الله سبحانه وطاعة الله ورسوله عليه السّلام هو المنقذ من هوان الهزيمة. أمّا العدوّ أو الخصم فهو محكوم بقانون آخر عنوانه (لن يضرّوكم إلاّ أذى) بغضّ النّظر عن قوة ذلك العدوّ أو صلافة ذلك الخصم

إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء

ورد هذا القانون في سورة يوسف المكية عليه السّلام. هي سنّة انبجست بها شفتا امرأة العزيز. وليست هي السّنة الوحيدة التي التقطها الوحي الكريم من لسان امرأة لولا أنّا نكابر عنتا. قالت ذلك لمّا حصحص الحقّ بين يدي خروج يوسف عليه السّلام من السّجن(وما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء إلاّ ما رحم ربّي إنّ ربّي غفور رحيم). سنّة تحكم النّفس البشرية مطلقا دون أيّ استثناء. سنّة أبت إلاّ أن تنتظم في جملة إسمية مؤكّدة بناسخ (إنّ) ثمّ في رحمها بلام التّأكيد وباسم الفاعل بصيغة المبالغة. كأنّما الأمر بالسّوء حرفة تتقلّدها النّفس فلا تنفكّ عنها. وليس الاستثناء هنا إلاّ منفصلا ليعني أنّ الله وحده سبحانه هو من يصرف تلك النّفس الأمّارة بالسّوء عن السّوء. أمّا دثارها فلا ينفكّ عنها ليكون هذا متوافقا مع قوله سبحانه (فألهمها فجورها وتقواها). أيّ حظّ لنا من هذا القانون الماضي؟ حظّنا مركّب مزدوج: حظّ الفقه بتركيب نفوسنا فلا يزكّي المرء نفسه ولا يزكّي غيره إلاّ سترا. وحظّ المعالجة الدّائبة لهذا العدوّ الشّرس اللّدود الذي ما منه من بدّ. قال الإمام الشّاطبيّ في موافقاته العظمى أنّ الدّين جاء لقمع الأهواء. هي النّفس ذاتها التي أمرت أحد ابني آدم بقتل أخيه فقتله. وهي ذاتها التي أمرت امرأة العزيز بمراودة فتاها ففعلت. السّوء حقل واسع شاسع ليس له حدود. تريد النّفس العلوّ والبطر والحسد والمنع والتألّي وأكل أموال النّاس بالباطل والعدوان على أعراضهم وأبشارهم. هي النّفس ذاتها التي بلغت ذروة العلوّ إذ قال صاحبها فرعون للنّاس (ما علمت لكم من إله غيري). النّفس جواد شارد جامح يستنكف أن تضبطه شكيمة أو يحبسه حابس. حتّى النّفس المتديّنة لا تسلم من كثير من الأمراض من مثل الرّياء والمراء والجدل الفارغ وحبّ الرياسة واحتقار النّاس. عدا أنّ الدّين في الأصل يجفّف فيها نوازع الشرّ أو يدعوها إلى التّوبة من قريب. النّفس يمكن أن تتدثّر بكلّ هذه المحطّات المذكورة في الكتاب العزيزة: الاطمئنان ـ اللّوامة ـ الرضى. النّفس زئبقية التّكوين فلا يقرّ لها قرار. ولذلك من العسير أن تظلّ مطمئنّة دوما أو لوّامة بمثل ذلك أو راضية. إذ لو ظلّت مطمئنّة مثلا دوما لربّما ندّت عن قانون الابتلاء. وهذا محال. لذلك خشي الأصحاب الكرام على أنفسهم ما يجدونه في أنفسهم من خواطر يتمنّى أحدهم أن تنشقّ به الأرض دونها. ولذلك كذلك ضمن الله سبحانه غفران تلك الخاطرات التي لا تنفكّ عنها نفس ما لم يتكلّم صاحبها وجاءت بشرى ذلك في آخر آيات سورة البقرة. النّفس الأمّارة بالسّوء ودعوى العصمة لغير الأنبياء عليهم السّلام لا يلتقيان إلاّ عندما تدّعي النّفس الأمّارة بالسّوء ـ أو يدّعى لها ـ أنّها معصومة. لا أمل لأيّ كان أن ينهى عن سوء يصيب النّاس حتّى ينهى نفسه هو أوّلا عن ذلك السّوء أو سوء مثله ولكنّ ذلك لا يتمّ إلاّ بمعافسة الإصلاح صبرا وحلما

لفضيلة الشيخ: الهادي بريك