Posted on Leave a comment

الإسراء والمعراج: قيم ومقامات

يعتبر الإسراء والمعراج من أهم المحطات في سيرة الرسول ﷺ، ومن أشد الأحداث حضوراً في ذاكرة ووجدان المسلمين جيلاً بعد جيل، وذلك لما تحمله من قيم وأبعاد، وما نشأ عنها من تكليفات وتغيرات على مسار الدعوة الإسلامية.

وبعيدا عن التفاصيل الجزئية يمكن تقسيم الرسائل والإشارات التي حملها هذا الحدث العظيم إلى قيمٍ ومقامات.

فمن المقامات

مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومقام الوحي ومقام الصلاة ومقام المسجد عموما والمسجد الأقصى خصوصاً.  

مقام الرسول

لا شك ان التكريم الذي حظي به النبي صلى الله عليه وسلم لم يحظ به أحد قبله ولا بعده، وهو يتناسب مع شخص الرسول ﷺ ورسالته والآثار العظيمة التي تركها على المسار الإنساني والكوني عموما. وإن لم يكن الإسراء والمعراج أول تكريم إلاهي حسي للرسول صلى الله عليه وسلم ولا آخره، فإنه أقصاه وأعلاه، وبلغ فيه من المجد منتهاه.     

وهو تأكيد لمقررات فضله في القران، كما في قوله تعالى: “وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (النساء 113)، وتذكير بوعدٍ وعده إياه ربه أن قد وجده يتيماً فآوى وضالاًّ فهدى وعائلاً فأغنى، ومن كان هذا شأنه عند مولاه فلن يتركه ربه ويخزيه ولسوف يعطيه فيرضيه، وأي عطاء أبلغ من أن أسري به إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماوات.

فقد جدّه وزوجه صلى الله عليه وسلم، فآنسه ربه بقربه، وأنكره قومه فاعترف بفضله الملائكة والأنبياء، وأغلقت في وجهه أبواب الأرض ففتحت له أبواب السماء.

ولله درّ أمير الشعراء حين وصف مقامه صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج فقال:

 أَســرَى بـك اللـهُ ليـلا إِذ ملائكُـه       والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ

لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم         كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ

صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ      ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ

جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم       عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ

رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ        فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ

مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه       وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ

حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا         عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ

وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه            ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ

مقام القران

القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وأساس الدين، هو المنهج الناظم للعقائد والشرائع والأخلاق، والخيط الرابط بين الأرض والسماء وبين المثال والواقع، كما أنه المصدر الذي يوثق مسار الدعوة ومحطاتها ويمنحها المرجعية والمشروعية.

وفي رحلة الإسراء والمعراج  كان الوحي حاضرا من خلال حامله إلى الأرض وأمينه في السماء، جبريل عليه السلام، حيث كان رفيق النبي ﷺ في هذه الرحلة، ومن خلال توثيق التشريف والتكريم الرباني، قرآناً يتلى آناء الليل وأطراف النهار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وثقها سورةً كاملةً باسمها أطلقها بمطلعٍ أثبت التمجيد للمُسرِي، والتشريف للمُسرى به، و محطات الرحلة ومراحلها، ومقاصدها وغاياتها، بسم الله الرحمن الرحيم:{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء 1)

مقام الصلاة

للصلاة مكانة لا تضاهيها أي عبادة أخرى، فهي أعظم ركن عملي في الإسلام. وارتباطها برحلة الإسراء والمعراج إشارة قوية إلى أهميتها وخصوصيتها، فالصلاة لم تشرع على الأرض كسائر العبادات، بل شرعت في السماء في أجواء من الحفاوة والتكريم شهدها الأنبياء المرسلون والملائكة المقربون، إذ أخذ جبريل بيد الني ﷺ إلى السماء السابعة ” ثم عَلَا به فَوْقَ ذلكَ بما لا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ، حتَّى جَاءَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى، ودَنَا لِلْجَبَّارِ رَبِّ العِزَّةِ، فَتَدَلَّى حتَّى كانَ منه قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى، فأوْحَى اللَّهُ إليه ما أوحى“  أوحى إليه خمس صلوات في اليوم والليلة، عماداً للدين وسمةً للمومنين وملاذاً وراحة للمتقين.   

لكل مؤمن معراج

مثلما أكرم الله عبده ونبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلّم- بالعروج إليه ويسر له سبل الوصول إليه وأخرجه من وحشة الدنيا إلى الأنس بوصله وقربه، أكرم عباده المومنين في كل آن وحين بوسيلة للوصول إليه والأنس به، وهي الصلاة، وإن كانت وسيلة الرسول ﷺ في معراجه البراق وصحبة جبريل فإن وسيلة المؤمن في معراجه ركعات وسجدات تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم. فالصلاة معراج المؤمن إلى ربه، وصلته بخالقه ومصدر قوته وراحته.

المسجد منطلق وموئل

وقعت حادثة الإسراء والمعراج في المرحلة المكية، قبل قيام الدولة الإسلامية وتكوين المجتمع المسلم، ورغم ذلك حمل هذا الحدث إشارات قوية إلى أهمية المسجد في الإسلام ومكانته في صلب هذه الدعوة الحديثة. فالرحلة انطلقت من مسجد وانتهت إلى مسجد ليكون المسجد محور الحياة الإسلامية ومنطلق البناء الداخلي والإشعاع الخارجي. ولقد أكدت النصوص القرانية والنبوية على أهمية هذا البناء في الحياة الإسلامية، عبر ربطها بالعبادات والقرب، ونسبتها إلى الله عز وجل نسبة تعظيم وتشريف، وتفضيلها على سائر الأماكن. ثم لتكتسب في المرحلة المدنية صورتها النهائية باعتبارها داراً للعبادة ومؤسسة للتربية ومدرسة للتعليم ووإطاراً مجتمعيا ومنتدى سياسياًّ ومنطلقاً لحشد الإمكانات والطاقات لخدمة الأمة ونشر الفضيلة والذود عن حمى الدين والحرمات.   

وإضافة إلى هذه الأبعاد الواقعية حملت رحلة الإسراء بعدا رمزياّ للمساجد التي كانت محطات لها، وذكرت في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء 1) في إشارة إلى خصوصية هذه المساجد ومكانتها ومحوريّتها في التدافع الحضاري والصراع بين الحق والباطل.

والتعبير بالأقصى يقتضي وجود قاصٍ وهو المسجد النبوي الشريف لتكتمل صورة المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها ولا يكتمل عز الإسلام ورفعة المسلمين دون رجوعها إلى حضيرة الأمة واستعادة دورها الرباديّ وتأثيرها الحقيقيّ، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى.

وورود المسجد الأقصى في سياق رحلة الرسول ﷺ، وذكرُه في القران الكريم مباركاً وما حوله، يوجه رسالة إلى المسلمين قاطبة، أن لا عذر لهم في التفريط في حفظه واستخلاصه من أيدِ الطغاة والمنحرفين عن نهج الله تعالى، ” فالقدس آية من الكتاب من ضيعها فقد ضيع الكتاب”.    

ندعو الله تعالى أن يقيض لها من يستخلصها من أيدي الظالمين وأن يرزقنا الصلاة فيه محرراً.

كتبه الشيخ: كمال عمارة

Posted on Leave a comment

بيان الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث “حول تحديد بداية شهري رمضان وشوال لعام 1443هـ- 2022م

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:

فإن الأمانة العامة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تنتهز هذه الأيام المباركة لتدعو المسلمين قاطبة إلى الاعتصام بحبل الله تعالى ووحدة الصف ولمِّ الشمل متذكرين قول الله تعالى: “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا… الأية” 103 آل عمران .

كما نسأل الله تعالى أن يتقبَّل من الجميع صيامهم وصلاتهم وصالح أعمالهم، وأن يجعل هذه الأيام المباركات خيراً، وبركة لعباده فى الأرض.”إنه ولىّ ذلك والقادر عليه” .

وتنتهز الأمانة العامة هذه الفرصة لتعلن بخصوص هلال شهري رمضان وشوال للعام الهجري 1443هـ 2022م وحسب مقررات الدورة الأولى للجنة التقويم الهجري الموحد المنعقدة في مدينة استانبول في الفترة ما بين (26-29) ذي الحجة 1389هـ الموافق لـ (27-30) تشرين الثاني/نوفمبر 1978م ، وبناء على ما أكده المجلس الفقهي الدولي في قراره رقم (18) في مؤتمره الثالث لعام 1986م، وحسب الشروط التي تبناها المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث في قراره الذي اتخذه في دورته العادية التاسعة عشرة في الفترة 8-12 رجب 1430هـ الموافق 30 حزيران – 4 تموز (يوليو) 2009م، وكذلك ما صدر عن الندوة العلمية التى انعقدت بباريس في الفترة 12-13 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 4 و 5 فبراير 2012م وكان موضوعها:

“بداية الشهور الهجرية والتقويم الهجري” حيث حضرها ثلة من علماء الفقه والفلك وقدمت فيها عدة بحوث ودراسات فقهية وفلكية، وكذلك ما صدر عن المؤتمر العالمي لإثبات الشهور القمرية بين علماء الشريعة والحساب الفلكي الذي عقده المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 19-21 ربيع الأول 1433هـ الموافق لـ 11-13 شباط/فبراير 2012م وشارك فيه عدد كبير من الفقهاء والعلماء الفلكيين، وما صدر حديثا عن مؤتمر توحيد التقويم الهجري الدولي الذى انعقد فى استانبول في الفترة 21 – 23 شعبان 1437ه الموافق 28 – 30 مايو 2016م، وشارك فيه أكثر من سبعين دولة ممثلة في عدد من وزارات الأوقاف، ودور الإفتاء، والعلماء، والفقهاء، والفلكيين، بالإضافة إلى ممثلي معظم المجامع والمجالس الفقهية في العالم، والتي أقرت مجموعة من المبادئ والمعايير الأساسية ومن أهمها:

أن الأصل في وجوب صيام رمضان هو دخول الشهر وإثبات ذلك بوسيلة قطعية، وأن الحساب الفلكي العلمي يخبرنا مسبقا وبشكل قطعي عن توقيت الرؤية الصحيحة، ولا يمكن أن يعارض تحققها، وأنه لا عبرة باختلاف المطالع؛ لعموم الخطاب: “صُومُوا لرُؤيَتِه وأفْطِرُوا لِرُؤيَته” متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون». أخرجه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي وصححه.

وبناء على ذلك تعلن الأمانة العامة التالي:

1– أن الحسابات الفلكية الدقيقة بالنسبة لهلال شهر رمضان لعام 1443هـ تؤكد أن الاقتران سيكون على الساعة 06 و 25 دقيقة حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم الجمعة (01) أبريل/نيسان2022م الموافق 29 شعبان 1443هـ أي ما يوافق الساعة 09:25 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.

2- ويمكن رؤية الهلال في الجزء الغربي من إفريقيا والأمريكتين بالتليسكوب بعد غروب الشمس. وعليه:

سيكون أول شهر رمضان المبارك لعام 1443هـبإذن الله تعالى يوم السبت الموافق (02) أبريل/ نيسان 2022م.وبالنسبة لـ هلال شهر شوال لعام 1443هـ – 202م1-فإن الحسابات الفلكية الدقيقة لهلال شهر شوال لعام 1443هـ تؤكد أن الإقتران سيكون على الساعة 20:28 حسب التوقيت العالمي الموحد (جرينتش GMT) من يوم السبت (30) إبريل/نيسان 2022م الموافق 29 رمضان 1443هـ أي ما يوافق الساعة 23:28 حسب التوقيت المحلي لمكة المكرمة.

2-وعليه، تستحيل رؤية الهلال بعد غروب شمس يوم السبت، ويمكن رؤيته يوم الأحد (01) مايو/ آيار( بالعين المجردة في أمريكا الشمالية والجزء الجنوبي من أمريكا الجنوبية، وفي إفريقيا وأسيا بالتليسكوب وأجهزة الرصد. وبهذا سيكون شهر رمضان ثلاثين يوما كامل العدة بإذن الله تعالى .ويكون أول شهر شوال (عيد الفطر المبارك) لعام 1443هـ .بإذن الله تعالى يوم الإثنين الموافق( 02 ) مايو/ آيار 2022 م.سائلين الله تعالى أن يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك وهم في خير وبركة.

Posted on Leave a comment

بيان المجلس السويدي للأئمة حول موضوع مصلحة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) وسحب الأطفال من عائلاتهم

بسم الله الرحمن الرحيم
بيان صادر من المجلس السويدي للأئمة حول موضوع مصلحة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) وسحب الأطفال من عائلاتهم.
يعبر المجلس السويدي للأئمة عن بالغ استيائه لما تشهده السويد في هذه الأيام من حالة استقطاب كبيرة نتيجة الحملات الإعلامية الداخلية والخارجية التي تتحدث عن إجراءات السوسيال المتعلقة بملف سحب الأطفال من عائلاتهم ويؤكد على ما يلي:
◼️ ضرورة مساندة الأسرالتى يثبت تضررها بالفعل والتعاون معها من أجل الحصول على حقوقها والتدقيق مع الموظفين الذين تعسفوا في استعمال القانون وتصحيح الجراءات الخاطئة و إلزامهم بالخضوع إلى حكم القضاء إذا قرر إعادة الأطفال أوالحكم بحق الرؤية للأهل.
◼️ يدعو المجلس جميع الأئمة إلى مواجهة خطاب الكراهية والتعاون مع الجهات المختصة لتيسير سبل الحوار والبحث عن حلول تفيد المجتمع.
◼️ يوجه المجلس نداءه إلى جميع الأئمة لبذل المزيد من الجهد في توعية ودعم الأسر وتقديم الدعم لمصلحة الشؤون الجتماعية (السوسيال) من أجل إزالة العوائق اللغوية والثقافية حتى تؤدي دورها بشكل احترافي .
◼️ يطالب المجلس جميع الفاعلين من مسؤولين وسياسيين وإعلاميين وأئمة أن يتحملوا مسؤولياتهم بالدعوة إلى الحواروالتعاون ونبذ خطاب الكراهية وحل جميع الخلافات ورفض تقسيم المجتمع إلى نحن و هم.
◼️ يرفض المجلس بشدة حملات التحريض من قبل وسائل العلام الداخلية و الخارجية ويدين بشدة حملات الإساءة و التحريض ضد السويد.

إدارة المجلس السويدي للأئمة.

Posted on Leave a comment

قضية انتزاع الأطفال من عائلاتهم في السويد: المشكلة والحلول

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله،  وبعد:

هذا تعليق وكلمة لابد منها بمناسبة الضجة الإعلامية الحالية حول انتزاع الأطفال من عوائلهم المسلمة في السويد كنموذج أوربي.

تعاطف:

ابتداء من الواجب الطبيعي والأخوي أن نتعاطف نفسيا ومعنويا مع كل أب وأم تم سحب أطفالهم منهم وحرموا من حضانتهم، لأن ذلك يمثل صدمة كبيرة على القلوب نشعر بآثارها النفسية ونعي مدى صعوبة ذلك لأننا مثلهم لدينا أطفال كذلك، ونتمنى أن لا نقع ولا يقع أي أحد في هذه الصدمة لا قدر الله، كما ندعو لكل عائلة وقعت في مثل ذلك بأن تكون العاقبة سليمة ويعود لها أطفالها في أقرب وقت إن شاء الله!

الهدف هو الوعي: 

بعيدا عن الفيديوهات والمنشورات العاطفية المثيرة التي انتشرت بشكل واسع في الآونة الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها حول حرمان بعض العوائل المسلمة في السويد من حضانة أطفالهم، ذلك التصعيد الإعلامي الذي يؤجج الغضب وينشر الخوف في السويد وخارجها، تلك الفيديوهات يصعب الخروج بحكم جازم عليها للمتابع البعيد، فقد تكون بعضها صحيحة ولكن القصة التي تشير إليها غير كاملة ويغيب عنا تفاصيلها وسياقه، وبعضها قد تكون فيها مبالغات وتهويل لاستدرار عواطف الآخرين.

وبعيدا أيضا عن التهم الخطيرة غير الصحيحة والمصطلحات المستفزة جدا مثل إطلاق مصطلح “المافيا” على مؤسسة الخدمات الاجتماعية في السويد “السوسيال”، ووصف ما يحدث بأنه ” اختطاف – واسترقاق – واستعباد – وسبي وتنصير لأطفال المسلمين” !! وتشبيه ذلك بمحاكم التفتيش في أسبانيا وبما يحدث من عداء واضطهاد للمسلمين في الصين وغيرها!!!

بعيدا عن ذلك كله الذي يقع حوله الخلاف فقد يصنفه البعض أنه صورة من الحقيقة والواقع، ويصنفه البعض الآخر على أنه تهويل وتشويه لصورة المجتمعات الجديدة التي استقبلت المهاجرين ووقفت معهم في أزمتهم، فإن الحقيقة التي ينبغي أن تعرف هي:

أن سحب الأطفال من حضانة والديهم هي قضية طويلة ومعقدة جدا، وهي في جوهرها قانونية وتربوية عميقة، أي أن ذلك يحدث بناء على قانون رسمي في الدولة السويدية وهي مثال فقط لدول أوربا، والتي بينها تشابه كبير في هذا النظام إلا أن الفرق بينها هو من حيث التشدد أو التساهل في هذا الجانب، وتعد النرويج مثلا من أقرب الدول التي تماثلها في مثل هذا التشدد مع قضايا الأطفال والأسرة عموما.

أقول نعم قد يختلف هذا أو ذاك مع هذا القانون من أساسه أو في بعض جزئياته، لكنه يبقى قانونا يخص هذه البلدان ويسري على كل من ارتضى العيش معهم والإقامة في بلدهم بطبيعة كل قوانين الدولة الحديثة في عصرنا اليوم، وهذه القوانين تأسست بناء على دراسات واقعية وبحوث متخصصة، وبعد بذل الجهود الكبيرة في ذلك صدرت قرارات رسمية بها.

لست هنا بصدد تناول الموضوع من جهة قانونية تخصصية بحتة فلست متخصصا ولا أهلا لذلك، وإنما الهدف هو المساهمة في نشر الوعي والتثقيف للعوائل المسلمة في النرويج وغيرها من دول أوربا، وذلك بحسب ما أملك من تجربة ومعلومات في هذا الملف المعقد والحساس جدا، وأرى أن هذا من واجبي خاصة أن لدي اهتمام وانشغال بملف الأسرة، وسوف أحاول التركيز على النقاط التالية المتعلقة بهذا الجانب وهي على سبيل المثال لا الحصر:

– أن قوانين رعاية الطفل والمنظمات التي تعمل على تطبيقه مثل “السوسيال” في السويد “والبارنفان” في النرويج، ينبغي معرفة أنه لم يتم صياغتها وإنشاؤها مؤخرا مع دخول المسلمين إلى السويد والنرويج وأروبا عموما، وليست مفصلة على العوائل المسلمة أو أنهم هم المقصودون بها بحال، بل هي في أصلها قديمة قبل مجيئ الكثير من المسلمين بل اغلبهم  وبعضها موجودة بشكل أو آخر من قبل نصف قرن بل أكثر من ذلك، يعني المقصود بها ابتداء هم أهل البلد من المواطنين الأصليين، والهدف منها هو الحماية والرعاية للطفل والنظر في مصلحته العليا، خاصة أن الطفل هو العنصر الأول في دائرة الاهتمامات وله الأولوية في نظام الدولة، بل ترى أبعد من ذلك وهو أن الطفل ملكها ويجب عليها حمايته!

– أن هذه القوانين يتم تطبيقها على كل المواطنين سواء أصليين أو غير أصليين، وهناك أعداد كبيرة من أسر غير المسلمين انتزع منهم أطفالهم بناء على هذا القانون!!

– نعم هناك ملاحظات كثيرة وانتقادات واسعة على عمل هذه المؤسسات، وهناك خروقات وتجاوزات في التطبيق خاصة، وقد تكون بعضها بدافع عنصري من أحد الموظفين، ولكن إن ثبت ذلك فسوف يحاكم وقد تم فعلا محاكمة بعضهم في السويد النرويج ومعاقبتهم، بل وهناك بعض القضايا وصلت إلى محاكم أوربية خارج البلدين وتم الحكم فيها لصالح الوالدين!

– هناك لجان تحقيق رقابية ومحاكم قضائية هي من تقرر في كل حالة سواء بفصل الطفل عن أسرته أو لا؟ وليس الأمر موكلا بشخص بعينه.

– وأود التأكيد أننا لسنا هنا في مقام الدفاع عن هذه المنظمات المتخصصة في حماية الطفل، ولا مقام سرد حالات معينة والوقوف مع أو ضد!

النرويج نموذجا:

وبحكم الإقامة في النرويج ومن خلال متابعتي الشخصية واطلاعي وقربي من بعض الحالات، إضافة إلى تواصلي مع بعض المهتمين والمطلعين على هذا الملف،  فقد خرجت بهذه النتيجة وهي : أن قرار حرمان العوائل من حضانة أطفالهم قد يشوبه أحيانا بعض التسرع في البلاغ عن حالة القلق على الطفل، والبلاغ يتم عادة من قبل الجهات التي يتواجد فيها الطفل مثل الروضة أو المدرسة، أو له ارتباط معين بها مثل الطبيب الخاص والجيران وغيرهم، وقد يطلب الطفل نفسه مساعدة المؤسسة، وقد لوحظ أحيانا التفسيرات المبالغ فيها وسوء الظنون الخاطئة، وتأثير لأحكام مسبقة عن المهاجرين مثل أن العنف من عادتهم وثقافتهم، ولكن هذه الجهات التي تبلغ عادة تتعذر بأن القانون يوجب عليها ذلك وتخاف جدا أن تقع تحت طائلة المسؤولية القانونية إذا حدث ضرر على الطفل، ويتعذرون أيضا بأن واجبنا القانوني هو رفع البلاغ فقط، وليس علينا البحث عن الحقيقة وتلك هي مسؤولية مؤسسة حماية الطفل، أيضا لوحظ من جانب آخر بعض التسرع في قرار انتزاع الأطفال من ذويهم من قبل منظمة رعاية الأطفال في النرويج “بارنفان”،  لكن القانون مرة أخرى هنا يعطي الحق للمنظمة على أساس  أن أي بلاغ من أي جهة لها علاقة بالطفل عن قلق على وضعه النفسي أو البدني فهو يؤخذ على محمل الجد حتى يثبت خلافه، خاصة إن كان الأمر يتعلق بحالة عنف تعرض لها الطفل، والمنظمة تسعى لاكتشاف الحقيقة عن طريق أطراف عدة وأهمها أسرة الطفل سواء الأب والأم أو الإخوة، من خلال اللقاء بهم والنقاش معهم حول ذلك.

وأيضا من جهة أخرى فإن الحقيقة المؤسفة أن الملاحظ حدوث الأخطاء من الوالدين في رعاية أطفالهم في هذه الحالات التي اطلعت عليها على الأقل، ولذلك فيمكن لنا أن نقول أن الأسرة هي من تفتح الباب لمنظمات رعاية الطفل بسبب تلك الأخطاء، إضافة أننا لاحظنا جهلا كبيرا بقوانين البلاد وخاصة في هذا الشأن، وهناك أيضا مبالغات كبيرة من قبل الوالدين لكسب التعاطف وكمحاولة للدفاع عن النفس والتهرب من التهم بحجة العنصرية وغيرها!

ومن الإنصاف في حق مؤسسة حماية الطفل ملاحظة أنها تهتم بتقدير أولياء أمور الأطفال، وتبدي نية المساعدة لهم لما فيه مصلحة الطفل، وترسل رسائل تطمين مختلفة في هذا الجانب، ولذلك فإن تفهم الوالدين لعمل المؤسسة والوعي بالقانون والتفاعل مع القضية والإجراءات المتبعة، والتعامل بشكل حكيم ومتعقل وسعة صدر كل تلك العوامل لها دور كبير في حل المشكلة وإغلاقها في أقرب وقت، وأي تعامل بعكس ذلك من حمق وتهور وتعنت فإنه يعقد المشكلة أكثر ويطيل القضية ويؤخر الحل.

ولمزيد من التوضيح لمسألة فصل الأطفال عن ذويهم فإن الحالة ليست واحدة ولا متساوية، ومؤسسة حماية الأطفال في النرويج “بارنفان” لا تقوم بانتزاع الأطفال مباشرة في كل حالة بلاغ قلق وصل إليها، وإنما يمكن تقسيم الحالات إجمالا بناء على تقدير الخطر والضرر النفسي والصحي والبدني على الطفل في كل حالة على حدة وهذا حسب اطلاعي واطلاع آخرين كما يلي:

– حالات ترى المؤسسة أنها لا تستحق قرار انتزاع الأطفال أصلا وإنما تستحق فتح ملف للتحقيق وللنقاش حول بلاغ القلق للتأكد من حقيقة وضع الطفل وغالبا تغلق القضية في وقت قصير بعد الاتفاق على إجراءات معينة لمصلحة الطفل وحسب القانون.

– حالات فيها شيء من التعقيد وخاصة التهمة بموضوع “العنف الأسري “وترى المؤسسة أنها تستحق سحب الطفل بمجرد وصول البلاغ إلى المؤسسة حماية للطفل من الأذى بقرار عاجل، ثم يتم التواصل مع الوالدين بعد ذلك والتحقيق في القضية، وقد يعاد الطفل في وقت قصير خلال ثلاثة شهور مثلا أو أكثر حسب كل حالة.

– حالات يشتد فيها التعقيد جدا مثل حالة العنف الواضح، وقد تطول مدة انتزاع الاطفال، وترفع القضية إلى المحكمة وتستمر لسنوات وأحيانا إلى بعد بلوغ الطفل سن 18 عام.

– وفي كل الحالات للأسرة ممثلة بالوالدين حقوق منها على سبيل المثال حق النقاش مع مؤسسة رعاية الطفل والتوضيح لملابسات القضية، وحق تعيين محامي والتقاضي، وحق التواصل مع الاطفال واللقاء معهم أثناء فترة مكوثهم تحت رعاية المؤسسة، وحق مراعاة الثقافة الخاصة بهم وأن تكون الأسرة الحاضنة البديلة من نفس الثقافة والدين، وحق التأهيل والتدريب وغيرها من الحقوق.

– وفي الحقيقة فإن الملاحظ أن من أهم العوامل التي تساعد في حل المشكلة وإغلاق الملف واستعادة الأهل لأطفالهم في أقرب وقت هي: مقدار التفاهم والثقة بين مؤسسة رعاية الأطفال والأسرة وكذلك مقدار الوعي لدى الأهل وإلمامهم بالقانون وأسلوب التعامل معه.

تحذير لابد منه:

هناك خطر كبير يجب التحذير منه وهو تحويل النقد لمؤسسات حماية الطفل في السويد والنرويج وأروبا عموما إلى نقد على أساس  ديني أو عنصري، أي أن يتم تفسير حالات سحب الأطفال أنه  بسبب الدين والجنسية، وأن المقصود هو تغيير ديانة  أطفال المسلمين بتنصيرهم والقضاء على ثقافتهم الخاصة، أو تفسير ذلك بدافع العنصرية والتقصد للمهاجرين، وهذا خطر جدا، وأخشى ما نخشى أن تضيع القضية الحقيقية الجوهرية في خضم حمى الصراع والتصعيد والاستقطاب، وقد يتم استغلال الأمر من قبل المتطرفين سواء من جهة اليمين العنصري والذي يفرح بمثل ذلك وينتظره، ولا يستبعد وجود موظفين عنصريين في مؤسسة حماية الطفل هدفهم إشعال الفتنة بافتعال ممارسات مستفزة مع بعض العوائل المسلمة، فضلا عن منصات الإعلام الخاصة بناشري الكراهية والحقد، كذلك من جهة أخرى قد يستغل هذه الأحداث بعض التيارات الإسلامية المتطرفة التي تحمل أفكار العنف، وسيكون لذلك عواقب وخيمة على المجتمع ككل، فالحذر الحذر!!.

لذلك لابد من التعقل والحكمة في التعامل مع الحدث وخاصة من قبل المؤسسات والمراكز الإسلامية في أوربا، ورأس الحكمة هنا تركيز النقد وتوجيهه إلى القانون ذاته إن كان فيه أخطاء، واتخاذ تدابير ووسائل صحيحة وحضارية مثل التواصل مع الجهات المدنية والرسمية المعنية، والدعوة  لإعادة دراسة القانون وتصحيح وتعديل ما يمكن وإن كان ذلك ليس بالسهل، ويبقى أسهل وأهم خطوة هو نقد سوء التطبيق له في الواقع، وعدم الصمت أمام أي ممارسة ظالمة من قبل موظفي مؤسسة حماية الأطفال، والدعوة لمحاكمة ومعاقبة أي موظف تثبت عليه الإدانة وتحقيق العدالة فيه!!

رسالة قلق ورجاء للأسرة المسلمة:

صراحة ومن خلال اهتمامي وانشغالي بقضايا الأسرة المسلمة في النرويج، وتجربتي ومتابعتي لمشاكلها ومنها كما ذكرت سابقا متابعة بعض حالات انتزاع الأطفال من ذويهم،  فإنني وبكل أسف ينتابني قلق كبير جدا ليس بسبب قوانين رعاية الطفل وسوء تطبيقها والتي لا ندافع عنها ولا نبرأ ساحتها كما أشرت سابقا، ولكن قلقي العميق بسبب عدم الوعي والجهل المريع في بيئة الأسر المسلمة بمنهج وأساليب التعامل مع الأطفال، للأسف الشديد الآباء والأمهات لا يهتمون بالتعلم والدراسة لمنهج التربية في الإسلام ولا مناهج التربية الحديثة، إضافة إلى عدم الوعي والثقافة بقوانين مؤسسة الأسرة ورعاية الطفل الرسمية في البلد، وأعتبر ذلك هو السبب الرئيسي والأكبر لما يحدث من مشاكل حرمان الأسر من حضانة أطفالهم.

رجائي بصدق وإخلاص من كل أب وأم إذا كانوا حقا يحبون فلذات أكبادهم ويخافون عليهم ويريدون المحافظة عليهم، أن يهتموا برعاية أطفالهم من كل الجوانب سواء النفسية أو الصحية أو التعليمية وبشكل أفضل وبطرق حديثة أنسب، وليحذروا أي نوع من أنواع الإهمال، وليعلموا أن القانون يعطيهم الحق في الحرية في تنشئة أطفالهم على الإسلام ومبادئه ، ولكن مع هذا لابد أن تكون الطرق والوسائل التي يسلكونها بعيدة عن أي شكل من أشكال الضغط والعنف والإكراه، والتربية للأطفال في الإسلام قائمة على الترغيب والحب والحوار والإقناع والرفق والحكمة، وكل ذلك ما كان في التربية إلا زان ونجح وأصلح بعد توفيق الله وعونه،  ويضعوا نصب أعينهم التوجيهات النبوية في التربية والتعليم في أهمية اللطف والرفق ويستلهموا منها منهجهم مع أطفالهم ويستنيروا بها في طريقهم التربوي المعقد والصعب وليس هذا مقام سردها وشرحها ولكن من باب التذكير فقط  على سبيل المثال أشير إلى هذه الأحاديث الرائعة في هذا الجانب والتي وردت صحيحة من كلام المربي الحبيب رسولنا العظيم الحكيم عليه الصلاة والسلام:

– “إن الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه، ولا ينزع من شيءٍ إلا شانه»

– “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”

– «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه».

– «من يحرم الرفق يحرم الخير»

– “إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق”

– “إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق”

والأمل منهم أن يتعلموا أكثر ويتدربوا ويطوروا من أنفسهم في هذا الجانب، وأن يدعو الكسل واللامبالاة والاستمرار على التقليد لبيئاتهم التي جاؤوا منها، وأن يلتحقوا سريعا بالدورات والأنشطة التي تقيمها المنظمات والمؤسسات التربوية المتخصصة سواء الخاصة أو الرسمية لتأهيل وتدريب الأسرة.

دعوة للمؤسسات الإسلامية:

 أدعو المؤسسات الإسلامية إلى الاهتمام أكثر بالدورات والأنشطة في مجال الأسرة، وإطلاق برامج التأهيل والتدريب في هذا المضمار، من باب القيام بالواجب والمسؤولية نحو المسلمين، وأنا هنا لا أنفي عدم وجود ذلك ولكن أدعو إلى تكثيف وتركيز العمل في هذا المجال الحساس والمعقد جدا.

إضافة إلى الدعوة للنقاش حول القانون وتطبيقاته مع الجهات المدنية والرسمية وتكوين لجان قانونية لدراسة مدى إمكانية تعديله بالطرق والأدوات المتاحة الحضارية والقانونية، إضافة للسعي لمعرفة نسبة الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة من موظفي الرعاية الاجتماعية أثناء تطبيق القانون، وكذلك مدى أهلية الأسر البديلة التي تسلم لهم الأطفال لحضانتهم ومدى تلائمها مع خصوصيات الطفل وثقافته التي نشأ عليها، ونجاح ذلك مرهون بمدى التواصل مع الأسر التي انتزع منها أطفالها، وعرض قضاياها على محامين متخصصين والتثبت من جوانب المخالفة والخرق للقانون، وقد علمت من خلال تواصلي مع بعض الجهات في السويد أن مثل ذلك يجري حاليا هناك وذلك عن طريق استبيان يرسل لكل أسرة حرمت من أطفالها، وهذه مبادرة وخطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن الاستفادة من هذه التجربة في بلدان أوربية أخرى تكثر فيها مثل هذه القضايا.

ملاحظة أخيرة جديرة بالذكر: وهي أن مثل هذه المشاكل والتحديات تكثر مع كل موجة لجوء وهجرة جديدة،  فمثلا بعد أحداث الربيع العربي وخروج أعداد كبيرة من بلدانهم بسبب تدهور الأوضاع، وأكثرها من إخواننا السوريين ولذلك نرى كثرة حالات سحب الأطفال منهم، ولأنهم جدد على بيئة غريبة عليهم ولم يأخذوا وقتا كافيا للتأقلم وقسطا مناسبا من التوعية بثقافة المجتمع الجديد وقوانينه، ولذلك صدموا بمثل هذه الأمور، وهكذا من سبقهم من المهاجرين القدامى مروا بمثل ذلك، ثم فهموا ثقافة المجتمع الجديد وتعاملوا معها بشكل أفضل مع مرور الوقت وبدأت تقل مشاكلهم نوعا ما، ويبقى المهاجرون الجدد بحاجة دائما من المجتمع الجديد الذي استقبلهم إلى مزيد من المساعدة والدعم والتوجيه، ليس فقط في الجانب المعيشي وفرص العمل وهو مهم جدا، ولكن أيضا في ما لا يقل عن ذلك أهمية مثل التوعية بطبيعة وثقافة وقوانين البيئة الجديدة، وتأهيلهم مرحليا للاندماج في المجتمع والصبر عليهم، وفهم ثقافة بيئتهم التي جاؤو منها، والقرب منهم وبناء الثقة بينهم وبين وطن المهجر، وإشعارهم بالعدالة والمساواة وعدم التمييز والعنصرية والانتقائية، وسماع أصواتهم والإنصات لمعاناتهم،  وإرسال رسائل التطمين والإيجابية لنفوسهم المكلومة وقلوبهم المجروحة، خاصة أولئك الذين عانوا نفسيا في بلدانهم الأصلية من ويلات الحروب والتشرد والقهر!!

وعلى كل حال يظهر أن الجدل والخلاف الحالي حول هذه الإجراءات القانونية في السويد، وغيرها مثل النرويج سوف تستمر لفترة ولن تتوقف في وقت قريب، وسوف يستمر البعض في تصوير مؤسسة رعاية الطفل بأنها بعبع وينشر الخوف منها بين أوساط الناس، معتقدا أنها تفصل الأطفال عن ذويهم بدون سبب أو لمجرد سبب غير وجيه لا يستحق، وأن كل قراراتها تقوم على تفسيرات خاطئة، والبعض الآخر سوف يبقى على قناعته أن المؤسسة على حق دائما في كل قرارتها وإن الأسر هي مخطئة على كل حال، وكلا النظرتين فيهما مبالغة وتهويل وعدم إنصاف ولذلك ندعو إلى تكثيف الوعي والبحث عن الحقيقة والتجرد لها والحوار حولها بشكل حضاري بعيدا عن التهم والتخوينات، والتوافق على وسائل مناسبة ومؤثرة في إيصال صوت العوائل التي تعاني وتشتكي من قرارت مثل هذه المؤسسات المختصة بحماية الطفل في أوربا.

ومن المهم جدا في الأخير أن نؤكد على قضية التفكير الجيد والتشاور قبل التحرك، وعدم الانجرار وراء العواطف، أو الاستعجال في أي فعل أو ردة لآخر، والواجب الدراسة الدقيقة لمآلات الأفعال ورداتها وآثارها على التواجد الإسلامي في أي بلد وفي أوربا والغرب عامة!

فكم من ردة فعل غير مناسبة أنتجت مفسدة كبرى؟!

وكم من تصعيد أعقب ندما؟!

وكم من تهور وحماس أورث خسارة وفشلا؟!

وكم من تجييش وإثارة للعواطف خرج عن إطار الضبط وصار إلى فوضى لا تحمد عقباها ؟!

ولا زلت أذكر أن بعض الإخوة في الدنمارك تمنوا أنهم لم يصعدوا الأمور إلى تلك الدرجة أثناء أزمة الرسوم المسيئة في عام 2005 م وندموا على ذلك أشد الندم عندما اكتشفوا مفاسد وسلبيات ذلك لاحقا.

ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة

والحكمة مطلب ملح في مثل هذه القضايا الكبيرة والمعقدة والشائكة” ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا”.

والله أسأل أن يحفظ أولادنا وجميع أولاد المسلمين في كل مكان من كل سوء ومكروه، وأن يوفق كل أسرة مسلمة لما فيه خيرها وصلاحها.

بقلم: علي فتيني

النرويج 2022/2/8م


 [91]

Posted on Leave a comment

«فتوى» هل يصح الزواج من مسيحية تؤمن بالتثليث؟

أنا مسلم، متزوج من مسيحية وعندي منها إبنتان.
قيل لي مؤخرا أنه بزواجي منها أني إعتديت على حد من حدود الله لأنها تؤمن بالثليث كمغلب المسيحيين وأنه لا يجوز أن أباشرها لكونه حرام.
أصارحكم بأني نادم لأني لم أدقق في موضوع زواجي بها ولم أركز على ركائز اختيار الزوجة واكتفيت بما عرف عن جواز زواج المسلم من كتابية.
أخبرت زوجتي عن الإسلام ولكنها لا تنوي إعتناقه وذلك ما تمنيت و رجوت ولكنها لم تعارض أو تدخلت في تربيتي بناتي على تعاليم ديني.
أنا في حيرة ولا أريد إغضاب المولى تعالى…لا يقلقني عدم جواز مباشرتها ولكني أخاف على بناتي في هذا البلد الأجنبي وأريد تربيتهم على الإسلام ولا أريد تركهما مع أمهم لكي لا ينجرا إلى بعض أباطيل المسيحية.
أطلب رأيكم لأني محتار وأخشى غضب ربي كما ذكرت وندمي لا ينفع على خطئي الماضي.

«جواب الفتوى» من الدكتور خالد حنفي -الأمين المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث وعضو مجلس أمناء المجلس الأوروبي للأئمة-:
وعليكم السلام ورحمة الله بركاته، حياكم الله أيها الأخ الكريم.
الذي أنصح به الأخ الإبقاء على زوجته والإحسان إليها والإكثار من الدعاء لها، وأن يثقف الأخ نفسه في أمور الإسلام ليكون قادرا على الإجابة على أسئلتها وأولادها حول الإسلام. والزواج منها صحيح لأن وصف الكتابية يصدق عليها كما يصدق على عموم الأوروبيين في الجملة والقاعدة أنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء والحكم قبل وقوع الأمر شيء وبعد وقوعه شيء آخر، والانفصال عن زوجك الآن فيه العديد من المفاسد أعظمها الخطر على دين وهوية أولادك وتفويت رجاء إسلامها، وليس معنى نيتها عدم اعتناق الإسلام فقدان الأمل في إسلامها فالهدى هدى الله وكم من ناقم على الإسلام كاره له بالأمس صار مؤمنا به مدافعا عنه اليوم. والله أعلم

Posted on Leave a comment

تعليقا على مقال القلق الفقهي

(طالع مقال القلق الفقهي)

إذا أردنا أن ننظر للمسألة من أسسها لا من آثارها ومظاهرها وظواهرها، فسنعود إلى المنهجية والنسق المعرفي الذي قاد إلى إنتاج هذا الإرث من الأفكار والآراء التي فيها من الدرر والمَدر.
فالمنهجية والنسق المعرفي هما الوعاء، والأفكار والآراء هي نتاج لهما تجتمع في وعائهما.

لو رجعنا إلى مرحلة انطلاق المذاهب الأربعة سنجد تفريقا واضحا بين المنهجية متمثلة بقواعد وأصول وضوابط كل مذهب وبين الآراء الفقهية التي نتجت عنها.
لذلك نجد أبا يوسف محمد بن الحسن محسوبين على المذهب الحنفي، ولم تخرجهما مخالفتهما لآراء شيخهما (أبو حنيفة) في الكثير من المسائل حتى شاع أنه إذا اجتمع الصاحبان في مسألة قدم على قول شيخ المذهب.
ومعنى ذلك أنهما حول منهجية المذهب وليس حول آراء شيخ المذهب.

أبعد من ذلك وأعجب ما حصل عند الإمام الشافعي، وهو من هو في ضبط المنهجيات ووضع الأصول والقواعد، ولكن نجد هنا نفس شيخ المذهب تتغير آراؤه الفقهية بتغير المكان والزمان والأحوال والأعراف (نتيجة انتقاله من العراق إلى مصر) مع ثبات واضح في منهجيته.

وما لم يتم التوافق على النسق المعرفي فلن نخرج من التعامل الانتقائي مع الأدلة إلى الاستدعاء المعياري لها.
عناصر او عوامل بناء المعرفة الرئيسية في مجال الآراء الفقهية والأفكار والنظريات ذات المرجعية الإسلامية أربعة هي: الوحي والدليل، الواقع، العقل المنضبط الذي يوصل بينهما، الإرث التاريخي (الآراء والأفكار).
فالعقل المنضبط يعمل على تنزيل الوحي على الواقع، أو بمعنى آخر البحث في ممكنات الوحي والأدلة المستقاة منه، لمعالجة احتياجات الواقع.
وما التجربة التاريخية إلا العنصر الرابع الذي يمكن الاستئناس أو حتى الاسترشاد بها كتجربة بشرية في التعامل بين الوحي والواقع.. وليس بجعلها محددا لممكنات الوحي أو بنقلها لسد احتياجات الواقع دون مراعاة لمتغيرات الأزمنة والأمكنة والأحوال والعادات والأعراف.

عدم مراعاة هذا النسق المعرفي – في الكثير من نتاجات المتأخرين، جعلهم يقدمون العنصر الرابع ليجعلوه حاكما على الثلاثة الأولى، وهو ما أنتج بمرور الزمن عقلية اتكائية اتكالية، اتكائية في عالم الآراء الفقهية على نتاجات السابقين، واتكالية في عالم الأفكار النظرية والتطبيقية على ما تنتجه الأمم الأخرى.
وهو ما حذر منه مالك بن نبي رحمه الله عندما تحدث عن الأفكار الميتة (المحاكاة الزمانية) و الأفكار المميتة (المحاكاة المكانية)
ولن نستطيع أن نخرج من حالة المحاكاة إلى الابتكار، ومن الاتكاء والاتكال إلى تثوير ممكنات الوحي لمعالجة احتياجات الواقع، إلا إذا ضبطنا عناصر النسق المعرفي عندنا وفرقنا بين المنهجيات والآراء في إرثنا التاريخي وتراثنا الفقهي.
وهذا سيخرجنا من ثنائية أسر التراث والغرق فيه، أو القطيعة معه وعدم الاستفادة منه كتجربة تاريخية بشرية.

والله أعلى وأعلم وأحكم.