Posted on Leave a comment

الجميعات الإسلامية بالخارج | الشيخ: محمد الغزالي

الجمعيات الإسلامية بالخارج .. ثمانية أدواء هي فروع من شجرة خبيثة تستحق القطع!

«زرت مسجد “باريس” وألقيت به عدة محاضرات، وتحدثت مع رواده ودرست بعض قضاياهم وكونت فكرة مجملة عن شؤونهم المادية والأدبية.
وعندما نظرت إلى صفوف المصلين، وأنا أخطب الجمعة أحسست أن سوادهم من هذا الصنف الذي إن حضر لم يعرف وإن غاب لم يفتقد!
إنه صورة نبيلة لجماهير المسلمين المحبين لدينهم الحريصين على إحياء شعائره وإسراج منائره..
لكنني لمّا درست أحوال بعضهم مسّني الضرّ وشعرت بالقلق!
إنهم ينتمون إلى جمعيات شتى، وينتشر بينهم خلاف وجدال طويلان.!!

قال لي صديق: ليس في كثرة الجمعيات ضرر.
قلت: ذاك لو كان التعدد نوعيا، هذه لتعليم اللغة العربية، وهذه لرعاية الشباب، وهذه للرياضة البدنية، وهذه لتيسير الزواج بين المغتربين والمغتربات، وهذه للرحلات إلى الداخل والخارج، وهذه لدراسة شبهات المبشرين والمستشرقين، وهذه لزيارة الأحزاب والمؤسسات الفرنسية… إلخ.

أما انقسام هذه الطائفة الإسلامية المحدودة إلى سلف وخلف، وحركيين وصوفيين، ومالكيين وحنفيين، وشيعة وسنّة وأعراب وأعاجم… إلخ، فهذا بلاء مخوف العواقب، إن كان محقور الشر اليوم فربما أودى بالجميع غدا…
لقد حذرت وما زلت أحذر من نقل العلل القديمة إلى هذا المجتمع الجديد.
أعرف أن الأوروبيين تشيع بينهم شهوات منكرة، لكن هذه الشهوات- على دمامتها- أقل فتكا بالأمم من حب الرياسة وطلب الظهور، وتحوّل الناس إلى شراذم يقودها أمكرها أو أضراها.
قال لي صديق: كان هناك خمسة أشخاص يريدون تكوين جمعية، فقال أحدهم:
أنا الرئيس العام
وقال الثانى: أنا نائب الرئيس العام
وقال الثالث: أنا الوكيل العام
وقال الرابع: أنا المراقب العام.
قلت: يجب أن يقول الخامس: وأنا العضو العام .!
إن فراغ النفس والعقل وراء التطلع إلى الصدارة، واختلاق تشكيلات كثيرة لإشباع رغبة طفولية..
إنني أنصح المسلمين في كل بلد أوروبي يعيشون فيه أن يكونوا- شكلا وموضوعا- موضع إعجاب الأمة التي نزلوا بأرضها، ولن ينالوا هذا الإعجاب إلا إذا كانوا آية باهرة في تربيتهم وثقافتهم ومسالكهم، هنالك فقط ينتظرون البقاء والنماء.
يكره الإسلام الأمراض النفسية كراهية شديدة، ويراها أسوأ عقبى وأعم ضررا من الأمراض البدنية، والواقع أن عمى البصر أخف من عمى البصيرة، ودمامة الوجه أهون من دمامة الروح.
وقد رأيت في حديث نبوي واحد استعاذة من جملة علل نفسية تهبط بقيمة الإنسان وإنتاجه، وتحول بين الشعوب وبين أية مكانة مرموقة.
والحديث كما صح في المأثورات:
“اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال”!!.

ثمانية أدواء هي فروع من شجرة خبيثة تستحق القطع، لأن واحدا منها يجلب الضرّ، فكيف بها مجتمعة؟!.
وننظر على عجل إلى كل واحد من هذه الثمانية!

  • أولها: الهمّ، وهو انشغال القلب بما يثير الكآبة دون قدرة على ردّه، والمهموم يواجه الحياة ببعض قواه، لأن البعض الآخر مقيد أو مغلول.
  • والثانى: الحزن، وهو انهزام النفس أمام ألم غالب، واستقبال الحياة كأنها خريف دائم، والمحزون سجين يأسه وقعيد مآسيه، وقلما ينهض بعمل كبير.
  • والثالث، والرابع: العجز والكسل، وهما- فيما رأيت- من آفات العالم الثالث، ترى الرجل يخرج العمل من بين أصابعه شائها مقبوحا، وكان يستطيع إتمامه وتحسينه، وربما فكر في صلاة الاستسقاء والماء إلى جواره على مدى سهم!.
    وقد رأيت من يجلس واضعا قدما على أخرى قريبا من قمامة لا يفكر في إزالتها، أو تتساقط المياه حوله من “حنفية ” معطوبة فلا يفكر في إصلاحها!.
    إنها بلادة تنشأ في نفس الفرد، ثم تنمو في أرجاء البيئة، فإذا أمم فقيرة تعيش فوق أرض خصبة، أو أمم محجوبة الرؤية يطرق أبوابها الأجانب ليستخرجوا من تربتها أنواع المعادن السائلة والجامدة !.
  • والخامس والسادس: الجبن والبخل، وهما آفتان متلازمتان، فالضنين بماله لا يجود بروحه، أو الجواد بنفسه لا يبخل بماله.

وكلا الرجلين لا يذوق طعم الحياة الرفيعة، وكيف يتأتى هذا المذاق لجبان يعتذر عن هروبه بهذا الكلام: لأن يقال: فر لعنه الله، خير من أن يقال: مات رحمه الله!
أو لبخيل يحضن ثروته بإراقة حيائه وابتذال نفسه؟!.

  • والسابع والثامن: غلبة الدَّين وقهر الرجال.
    ونحب التنبيه إلى أن الاستدانة لأى رغبة عارضة، مع العجز عن الوفاء لون من السرقة، فإن السارق يتناسى حقوق الآخرين في أموالهم ولا يذكر إلا إشباع نهمته الخاصة، وكذلك كل من يستدين لغير سبب معقول.
    أما قهر الرجال، فبلاء ينغص حياة الشرفاء، ويرون الموت دونه، ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدوا له ما من صداقته بدّ.

صلوات الله على صاحب الرسالة الهادية الشافية، واللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت

بقلم: الشيخ/ محمد الغزالي – من كتاب: الحق المرّ.