Posted on Leave a comment

نظراتٌ في شرط سِنّ الأضحية في ضوء التسمين المعاصر

في العشر الأوائل من ذي الحجة يكثر السؤال والنقاش حول الأضحية وأحكامها، وهو نقاش محمود يعكس حرص المسلمين على الالتزام بدينهم والتمسك بشعائره، ومن أهم المسائل المعاصرة المتصلة بشعيرة الأضحية والتي تتطلب اجتهاداً قويماً منضبطاً يوازن بين نصوص الشرع ومقاصده، وجزئياته وكلياته، والتيسير على المسلمين دون إخلال بالهيئة التعبدية لشعيرة الأضحية.

مسألة سن الأضحية وهل هو تعبدي لا يجوز تجاوزه بالنقصان عنه، أم له قصد وعلة يدور الحكم معها وجوداً وعدما؟ وما كان هذا السؤال ليطرح لولا التغير الذي طرأ على طريقة التسمين الحديثة للأنعام التى تذبح منها الأضاحي، فصارت الذبيحة تحمل من اللحم قبل بلوغ السن الشرعي، ما تحمله التى بلغت السن وزيادة خاصة فى الضأن.

بل إن الانتظار حتى تبلغ السن الشرعي يؤدي إلى فوات وقت الأضحية وعدم مناسبة لحمها للأكل، وتعذر وجود الأنعام التي ينطبق عليها شرط السن وإن وجدت فبثمن أعلى، وأكثر المتضررين من منع ذبح الأضاحي قبل سِنِّها الشرعي هم مسلمو أوروبا؛ حيث يصعب وجود حيوانات بلغت السن الشرعي للأضحية نظراً لطريقة التسمين المتبعة أوروبيا وتعني أن الانتظار حتى بلوغ الحيوان السن الشرعي انتهاء وقت الأضحية وارتفاع ثمنه وعدم طيب لحمه، لهذا اتجهت بعض المؤسسات الشرعية المسؤولة عن الذبح الحلال إلى إصدار بيان بعدم جواز ذبح الضأن تحت السن، وطالبت المسلمين أن يوكلوا في ذبح أضاحيهم خارج أوروبا.

وأود هنا أن أبحث المسألة بإيجاز مخالفاً فيها ما ذهب إليه جمهور الفقهاء المعاصرين والمتقدمين بالقول بعدم إجزاء الأضحية التى لم تبلغ السن المحدد شرعاً، ومرجِّحا جواز الأضحية بالحيوان تحت السن إذا حمل من اللحم ما يحمله عادة الحيوان الذي بلغ ذلك السن، وهو ما رجحه وأفتى به المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمجلس الشرعي الفرنسي، ودار الإفتاء المصرية، ومن الفقهاء المعاصرين الإمام العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وذلك لأن سِنَّ الأضحية ليس أمراً تعبدياً، وإنما جُعل علامة على كثرة اللحم وجودته.

فإذا وجد السبب وهو كثرة اللحم وجودته، وُجد الحكم وهو الجواز، والفقهاء السابقون لم يكونوا بحاجة لدراسة المسألة؛ لطبيعة عصرهم وعدم طرح النازلة فيه، والفقيه ابن بيئته وزمانه، ورغم ذلك من الفقهاء من نصّ على القصد من اشتراط السن وأنه ليس تعبديا، واستطيعُ التدليل على صحة القول بعدم تعبدية السن في الأضحية بما يلي:

أولاً: النصوص المباشرة فى الموضوع وفهمها

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ مُسِنَّةً، إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)) رواه مسلم، وقال أبو بردة بن نيار: عندي جذعة أحب إليَّ من شاتين، فهل تُجزِئُ عني؟ قال: «نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك» متفق عليه.
هذان النصان أصل في تحديد السن المجزيء في الأضحية وهو على الراجح من أقوال الفقهاء: خمس سنوات للإبل، وسنتان للبقر ويلحق بهما الجاموس، وسنة للمعز، وستة أشهر للضأن. لكن تحديد هذا السن مؤسس على علة وهي وفرة اللحم وجودته، وقد وردت أحكام كثيرة حَدد النص لها حُكما له علة، فالحكم يدور مع تلك العلة ومن أمثلته:

سفر المرأة بغير محرم وعلته حماية المرأة وصيانتها؛ لهذا دار كثير من الفقهاء مع هذا المقصد فأباحوا للمرأة السفر بغير محرم إذا توفر لها الأمن الذي يحققه المحرم وليس في ذلك مخالفة للنص، ومثلُه في إخراج زكاة الفطر مالاً رغم التنصيص على أصناف محددة من غير المال؛ لأن القصد وهو إغناء الفقير في يوم العيد يتحقق اليوم بالمال أكثر من الحبوب، وكذا التنصيص على الرؤية البصرية كطريق لمعرفة دخول الشهر، القصد منها معرفة دخول الشهر لصيامه كاملاً دون زيادة أو نقصان كما أمر الله، والحسابات الفلكية اليوم محققة لهذا المقصد أفضل من الرؤية البصرية. وكذا الأضحية إنما حدد النبي صلى الله عليه وسلم هذا السِن وقرره؛ لأنه ضابط لوفرة اللحم وجودته، وهذا الضابط يتحقق اليوم في الأنعام المسمنة بالطرق الحديثة قبل بلوغ السن.

ثانياً: شروط الأضحية ناطقة بالتعليل والتقصيد

إذا كان النصان السابقان قد حدَّدا سِنّا للأضحية، فهذا النص قد حدد العيوب التى إن وجدت في الحيوان لا تصح الأضحية بها حتى وإن بلغت السن، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: “أَرْبَعٌ لَا تُجْزِئُ فِي الْأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي”. سنن ابن ماجه بسند صحيح. تحقيق الأرنؤوط (4/ 320). والعيوب المذكورة  في الحديث كلها مؤثِّرة بصورة مباشرة في قلة اللحم وجودته؛ فالعوراء لا تبصر الطعام فيقل لحمها، والعرجاء تسبقها الصحيحة إلى المرعى فتأكل طعامها فتضعف، وكذا المريضة، وقد قاس الفقهاء على العيوب المنصوص عليها، فقالوا بعدم إجزاء الأضحية بعيوب لم ينص عليها، والجامع المشترك هو الإخلال بأمر اللحم كثرة وجودة، وهذا يؤكد التعليل والتقصيد وعدم التعبدية بالسن. 

 جاء في الموسوعة الفقهية: ومن شروط الأضحية: سَلاَمَتُهَا مِنَ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَهِيَ الْعُيُوبُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُنْقِصَ الشَّحْمَ أَوِ اللَّحْمَ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الشَّرْطِ لاَ تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِمَا يَأْتِي: الْعَمْيَاءُ، والْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، ومَقْطُوعَةُ اللِّسَانِ بِالْكُلِّيَّةِ، والْجَدْعَاءُ: وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الأْنْفِ، والْجَذْمَاءُ وَهِيَ: مَقْطُوعَةُ الْيَدِ أَوِ الرِّجْل، وَكَذَا فَاقِدَةُ إِحْدَاهُمَا خِلْقَةً، وَكَذَا (الْحَامِل) عَلَى الأْصَحِّ، لأِنَّ الْحَمْل يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَيَصِيرُ اللَّحْمُ رَدِيئًا. وفرَّق الفقهاء بين مكسورة القرن ومن لا قرن لها خلقة، فلم يجوزوا التضحية بالأولى؛ لأن من لها قرن تنطحها عن الطعام لتأكله فيقل لحمها، وجوزوا التضحية بمن لا قرن لها خلقة؛ لأنه لا يؤثر في اللحم.

 بينما جوز الفقهاء الأضحية بكل حيوان فيه عيب غير فاحش لا يؤثر في اللحم، كالْهَتْمَاءُ وَهِيَ: الَّتِي لاَ أَسْنَانَ لَهَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي إِجْزَائِهَا أَلاَّ يَمْنَعَهَا الْهُتْمُ عَنِ الرَّعْيِ وَالاِعْتِلاَفِ، فَإِنْ مَنَعَهَا عَنْهُمَا لَمْ تُجْزِئْ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: تُجْزِئُ ذَاهِبَةُ بَعْضِ الأْسْنَانِ إِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ نَقْصًا فِي الاِعْتِلاَفِ، وَلاَ ذَاهِبَةُ جَمِيعِهَا وَلاَ مَكْسُورَةُ جَمِيعِهَا، وَتُجْزِئُ الْمَخْلُوقَةُ بِلاَ أَسْنَانٍ.

 وقال الفقهاء في الثَّوْلاَءُ وَهِيَ: الْمَجْنُونَةُ، وَيُشْتَرَطُ فِي إِجْزَائِهَا أَلاَّ يَمْنَعَهَا الثَّوْل عَنِ الاِعْتِلاَفِ، فَإِنْ مَنَعَهَا مِنْهُ لَمْ تُجْزِئْ، لأِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى هَلاَكِهَا.

 ثالثاً: نصوصٌ فقهيةٌ تؤكد أن سن الأضحية له قصد وعلة يدور الحكم معها

جاء في درر الحكام: ” وَجَذَعُ الضَّأْنِ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا سَمِينًا لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ يَحْسَبُهُ ثَنِيًّا، وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ جَذَعِهِ، وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ ، وَكَذَا الذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ مَوْجُوءًا أَيْ خَصِيًّا وَاسْتَوَيَا، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ قَلْبُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ قِيمَةُ الشَّاةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَالشَّاةُ أَفْضَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ، لِأَنَّهَا أَكْثَرُ لَحْمًا وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ، لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ أَطْيَبُ فَإِنْ كَانَ الْبَقَرَةُ أَكْثَرَ لَحْمًا فَسُبْعُ الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ سِتِّ شِيَاهٍ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً وَلَحْمًا وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقَرَةٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ.

وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَحْسَنَ” فالحاصل أن معيار المفاضلة والترجيح هو كثرة اللحم وجودته حتى في الأنعام البالغة السن يستحب أن تكون أسمن وأحسن، ومن العجيب في هذا النص تفضيل الشاة على البدنة وهى الناقة أو البقرة، وسميت بدنة لعظمها وسمنها، وسبب التفضيل علو قيمة الشاة إن كانت أسمن، وأساس ذلك كله القول بالتقصيد والتعليل.  

 أيهما أولى لمسلمي أوروربا التوكيل أم الأضحية مع التجاوز عن شرط السن؟

من الظواهر اللافتة للنظر على الساحة الأوروبية التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج أوروبا سواء عن طريق المؤسسات الإغاثية في البلدان الفقيرة، أو في الأوطان الأصلية لمسلمي أوروبا، والسبب هو الاعتقاد أن القصد الأعظم من الأضحية هو إطعام الفقراء وهم قلة في أوروبا إن لم يكونوا منعدمين، أو ظناً منهم أن الأضحية لا تجزيء إذا سبقت بالتخدير، أو لعدم توفر الأنعام التى بلغت السن.

وهذه الظاهرة آثارها خطيرة على مسلمي أوروبا؛ إذ ينبني على انتشارها اختفاء الشعيرة في حياة وممارسة الأجيال الجديدة من أولاد المسلمين الأوربيين ولهذا كانت فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث رقم:141 (7/25) ومما جاء فيها: “الأصل في التضحية أن تكون في بلد المضحي، فما تقدم ذكره من الشرائع والسنن لا يمكن تنفيذ معظمه إلا بذلك، وتوكيل الثقات الأمناء بالتضحية في غير بلد المضحي جاز استثناء من أجل تلبية حاجة أشد، وتغليبا لمصلحة الفقراء، وهذا مع جوازه فلا يترك به الأصل، وإنما تراعى المحافظة على الأصل بالتضحية في بلد المضحي للحِفاظ على هذه الشعيرة ،وبخاصة في أوروبا، لما فيها من إبراز الخصائص التعبدية للمسلمين، وتنفيذ الشرائع والسنن المتصلة بها، وتنشئة الأجيال على معرفة وحفظ هذه الشعير”  فالأولى الأضحية بالأنعام تحت السن الشرعي، وفق ما ذكرنا عن التوكيل والتوسع فيه بالنظر إلى المآلات المشار إليها.

وأختم بما جاء في قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث: ” أن الأصل مراعاة اشتراط السن في الظروف العادية، ما لم يتحقق النمو المطلوب قبل السن خصوصا الضأن الذي ينمو بسرعة في أوروبا ، وكذلك عجول التسمين التي تنمو في عدة شهور ، سواء أكان ذلك بنمو طبيعي أم باستخدام طرق التسمين ، فإن الأضحية بها جائزة تحقيقا للمقصود الشرعي من اشتراط السن ، وقد أفتى بهذا بعض مشاهير المالكية” .

والله أعلم

د. خالد حنفي 

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 

الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث

Posted on Leave a comment

الأضحية في الغرب وترسيخ المواطنة والهوية

من الشعائر الظاهرة التي ترسخ هوية المسلمين في الغرب شعيرة الأضحية، واستمساك المسلمين بها وحرصهم عليها في الغرب مما يعمق هويتهم وانتماءهم لدينهم وأمتهم، كما تعكس شعيرة الأضحية وذبحها حيث يقيم المسلم الأوروبي قيمة المواطنة والموازنة المنضبطة بين الانتماء للدين وللمجتمع الأوروبي الذي يعيش فيه، ومن الظواهر الآخذة في الانتشار بصورة كبيرة بين مسلمي أوروبا، التوسع في التوكيل بذبح الأضحية خارج أوروبا إما في بلدانهم الأصلية بواسطة أقاربهم، أو في البلدان الأكثر فقراً وحاجةً بواسطة المؤسسات الإغاثية، ويرجع ذلك إلى جملة من الأسباب أهمها: 

1. قلة الفقراء والمحتاجين فى أوروبا، مقارنة بخارجها، والاعتقاد بأن المقصد الأعظم من الأضحية هو مساعدة الفقراء وليس إحياء سنة أبينا إبراهيم والاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم والوقوف على المقاصد والمعاني الكامنة في التضحية والذبح. 

2. تفريق كثير من المسلمين في النظر إلى تخدير ذبيحة الأضحية والذبائح على مدار العام، وهذا خطأ لأنه إذا صح أكل الحيوان المسبوق ذبحه بالتخدير في غير ألاضحية صح ذبحه وجاز أكله بالتخدير في الأضحية.

والأصل أن تذبح الذبيحة دون تخدير أو صعق إذا سمح بذلك القانون فى بلد المضحي، أما إذا لم يسمح القانون بالذبح دون تخدير فيجب الالتزام بالقانون، والذبح صحيح ما لم تمت الذبيحة من التخدير. وهذا يعني أن ذبح الأضحية المسبوق بالتخدير مشروع ومجزيء ومحقق للسنة ما لم يتسبب التخدير في الموت وهو ما يمنعه القانون وتحرص على مراقبته المجازر الإسلامية في الغرب.

3. عدم توفر الوقت للذبح خاصة إذا وافق يوم العيد يوم عمل، وميل أغلب الناس للذبح يوم العيد، رغم صحته وسعته حتى رابع أيام العيد. 

ومع استمرار الكوارث واتساع رقعة الفقر وكثرة المعوزين في العالم العربي والإسلامي لا يكاد ينتهي سبب التوكيل خارج أوروبا في الأضحية. 

لهذا أدعو المسلمين، والأئمة والمراكز الإسلامية في أوروبا إلى الذبح حيث يقيمون مع رعاية الشروط الصحية والقانونية فى الذبح قدر الإمكان، وحث الناس على التصدق بالمال في بلادهم والبلدان الفقيرة أو الجمع بين الأضحية في أوروبا والبلد الأصلي أو الأشد حاجة، ويمكن أيضا الموازنة بالأضحية عاما بعد عام بين الشرق والغرب وعدم التزام الذبح كل عام خارج موطن إقامة المسلم توكيلاً أو تحويلاً؛ وذلك لما يلي: 

1. الأصل فى الأضحية أن يذبحها المضحى بنفسه وأن لا يوكل غيره بذبحها إلا استثناء، فإن وكل غيره شهد ذبحها، ورغم مشروعية التوكيل إلا أنه يجب أن لا يصار إليه إلا استثناء، وما يحدث في أوروبا الآن هو تحول الاستثناء إلى أصل وقاعدة، وتوكيل مؤسسة بالذبح في أوروبا خير من توكيلها خارجها؛ لأن العائلة تأكل من لحمها وتعيش معانيها، ويهدي الجيران منها مسلمين وغير مسلمين، كما تقوى الروابط الاجتماعية بين المسلمين بالاجتماع على طعامها أو الإهداء منها.   

2. التوسع في التوكيل بذبح الأضاحي خارج البلاد يترتب عليه اختفاء الشعيرة في الجماعة المسلمة، ونشوء أجيال لا تعرف هذه الشعيرة ولا تحرص عليها، بل تتأفف من الذبح وتنفر من الدم، وهو مآل واقع لا متوقع. وقد حدثني عدد من المسلمين في ألمانيا أن أولادهم لا يسمعون عن شعيرة الأضحية، وأضاف بعضهم أنه يحرص على قضاء عيد الأضحى في بلده ليشهد أولاده الأضحية معه رغم إمكان ذلك في الغرب بشىء من حسن التنظيم والتعاون.

3. القصد الأعظم من الأضحية هو إحياء الشعيرة والاقتداء بسيدنا إبراهيم عليه السلام وليس التصدق على الفقراء، ولعل أرجح الأقوال في المسألة رأي الحنفية والمالكية الذين ذهبوا إلى أن التصدق من الأضحية مستحب وليس بواجب. 

4. الاستمرار في التوكيل بالأضحية خارج أوروبا يفوت مقاصد الأضحية وشعيرتها الكلية والجزئية.

5. التوكيل في الأضحية خارج بلد المضحي يفوت مقصد التواصل مع الجيران من المسلمين وغير المسلمين وإعطائهم من الأضحية وإظهار قيم التسامح والتعاون والبر والصلة، ومحو الصور السلبية والأحكام المسبقة عن المسلمين. 

وظني أنه بوسع أغلب المسلمين في أوروبا أن يجمعوا بين الأضحية والصدقة، أو تحقيق الموازنة بين المساهمة في توظيف الأضحية في تخفيف معاناة المحتاجين في البلدان الفقيرة، وبين إحياء الشعيرة حيث يقيمون في الغرب. 

وكل ما ذكرت لا ينفي صحة التوكيل في ذبح الأضحية خارج أوروبا بشرط أن لا يؤدي تكراره كل عام إلى ذهاب الشعيرة وانعدام المضحين في أوروبا رغم يسارهم. 

والله أعلم

وكتبه 

د. خالد حنفي 

رئيس لجنة الفتوى بألمانيا 

الأمين العام المساعد للمجلس الأوربي للإفتاء والبحوث