Posted on Leave a comment

كلمة عن العشر الأوائل من ذي الحجة

إن لله في أيامه نفحات، اختصها الله تعالى بزيادة فضل، تحقيقا لمقصد الذكر وتعميقاً لمسلك الشكر في حياة عباده المؤمنين، واستنهاضاً لهممهم نحو مزيد من الطاعة وكسب الحسنات، حتى يستقيم المجتمع على منهج الهداية وسبيل الرشاد. والعشر الأوائل من ذي الحجة إحدى هذه النفحات، وهي موسم البركات والمسابقة إلى الخيرات.
روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: “ما من أيام العمل الصالح فيها أفضلُ منه في هذه العشر – يعني العشر الأوائل من ذي الحجة – قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء”.
وقد يخطئ البعض، فهماً أو عملاً، إذ يظن أن العشر الأوائل من ذي الحجة محطة للعمل والانقطاع بعدها! أو أن العمل المطلوب فيها هو العبادة المحضة بمعناها الضيق دون أن يتعدى أثرها إلى الناس ويصل نفعها إلى المجتمع! وهذا خطأ بينٌ تأباه قواعد الإسلام ومقاصد الأحكام.
إذ لا شك أن العمل الصالح وفعل الخير وبذل المعروف مطلب قرآني ومسلك إيماني في وكل وقت وحين، ولكنه في هذه الفترة الزمنية أكثر ثواباً وأعظم منزلة عند الله تعالى من سائر الأيام، فهي فرصة للمسلم، بعد إتيانه بالفرائض وحسن أدائها في أوقاتها وعلى هيئاتها، لكي يستزيد من نوافل العبادات وفضائل العادات والطاعات، كالصدقة وصلة الرحم وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج وكفالة اليتامى وتفريج هموم المكروبين وخدمة القضايا الإسلامية العادلة، وغيرها من الأعمال الجليلة.
تصورْ أن أجر الأعمال الصالحة في هذه الأيام تعدل أجر المجاهد في سبيل الله، وهو صاحب المقام العلي والأجر العظيم عند الله تعالى، وهذا يؤكد أن عشر ذي الحجة فرصة عظيمة للمؤمن يجبر فيها ما انكسر من فروض الطاعة ويتزود منها لسائر الأيام وقابل المحطات.
ويرجع هدا الفضل العظيم لعشر ذي الحجة لما اجتمع فيها من دواعي التفضيل، من حج وصلاة وصيام وأضحية وغيرها.
فهذه الأيام المباركة تأتي في شهر ذي الحجة، أحد الأشهر الحرم التي عظَّمها الله تعالى وشهد لها بالفضل، والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب.
قال الله تعالى: «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلَق السماوات والأرض منها أربعة حرُم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» التوبة: 36
ومن علاماتها الفارقة عرفة، التي شرفها الله زمانا ومكانا ونسكاً، قال رسول الله ﷺ: «الحج عرفة» فجعله ركن الحج الأعظم، فمَن فاته فاتَهُ الحجُّ كله، ويجب عليه قضاؤه، أما غير الحاج فقد جعل له صيام يوم عرفة كفارة لصغائر الذنوب للسنة التي قبله والسنة التي بعده، وفرصة للتذكر والتدبر للتوبة النصوح من الكبائر ورد حقوق العباد.
قال رسول الله ﷺ: “صيام يوم عرفة أحتَسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبلَه والسنة التي بعده” «رواه مسلم»
وهكذا يكون المسلمون كلهم، بحاجّهم وقارّهم، وقوفاً بين يدي الرحمن يرجون رحمته ويخشون عذابه ويستشعرون روح الشريعة وفضل الطاعة ومنحة الجماعة.
قال رسول الله ﷺ: “ما من يوم أكثر من أن يعتِق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء”، «رواه مسلم»، وفي رواية: “إن الله يباهي بأهل عرَفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثًا غُبْرًا.
إن إحياء العشر الأوائل من ذي الحجة والاحتفال بالعيد، يعتبر مناسبة مهمة للمسلمين في الغرب لتجديد الصلة بالإسلام وربط الناشئة بمعالم الدين وشعائره، واغتنامه فرصة لاجتماع المسلمين وتعاونهم وتجديد العهد والميثاق على الثبات على الإسلام والدعوة إلى الخير وبذل المعروف والتواصي بالحق والصبر عليه.
وبخاصة أنهم يعيشون في بيئة خالية من عوامل الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتعترضهم كثير من التحديات المتعلقة بانتمائهم وهوية أبنائهم ومستقبلهم.

Posted on Leave a comment

القيم الحامية للأمم من الفناء – خطبة جمعة

بقلم الدكتور خالد حنفي

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فإن الإسلام دين العدل والإنصاف، فهو يرشد عموم المسلمين إلى الإنصاف بالنظر إلى القيم الإيجابية في الأمم الأخرى وضرورة التعلم منها، وفي هذا الحديث يعدد عمرو بن العاص رضي الله عنه مجموعة من القيم الإيجابية في الأمم الأوروبية، وقد رأينا هذه القيم فيهم كما تجلت وظهرت في أوقات الأزمات والشدائد كأزمة اللاجئين، وجائحة كورونا، فقد كان الْمُسْتَوْرِدُ الْقُرَشِيُّ، عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: فقال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرُّومُ أَكْثَرُ النَّاسِ» فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: أَبْصِرْ مَا تَقُولُ أي: هل أنت متأكد من هذه النبوءة الغريبة ، قَالَ: أَقُولُ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَئِنْ قُلْتَ ذَلِكَ، إِنَّ فِيهِمْ لَخِصَالًا أَرْبَعًا: إِنَّهُمْ لَأَحْلَمُ النَّاسِ عِنْدَ فِتْنَةٍ أي: أنهم لا ينفعلون بسرعة حتى لو كانت الدنيا مشتعلة حولهم، وَأَسْرَعُهُمْ إِفَاقَةً بَعْدَ مُصِيبَةٍ، أي: ينهضون بسرعة من أي كارثة تصيبهم بينما باقي الشعوب تأخذ وقتاً طويلا وَأَوْشَكُهُمْ كَرَّةً بَعْدَ فَرَّةٍ، أي: أنهم يبادرون خصومهم بالهجوم السريع بعد أي هزيمة تلحق بهم، وَخَيْرُهُمْ لِمِسْكِينٍ وَيَتِيمٍ وَضَعِيفٍ، أي: هم أكثر الناس تبرعا لحاجات الضعفاء  وَخَامِسَةٌ حَسَنَةٌ جَمِيلَةٌ: وَأَمْنَعُهُمْ مِنْ ظُلْمِ الْمُلُوكِ، أي: أنهم لا يسمحون لملوكهم أن يستبدوا ويطغوا، بل يواجهونهم ويمنعونهم من أن يظلموا شعوبهم” رواه مسلم : ونظرة سريعة على الأحداث والوقائع التاريخية القديمة والحديثة تؤكد إنطباق هذه الخصال على الأوروبيين التي وردت في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وذلك مثل النهضة الصناعية والتعميرية الكبرى لأوروبا بعد الحرب العالمية، والنهوض الاقتصادي وسرعة معالجة آثار الأزمة المالية العالمية الشهيرة، وظهور الجانب الإنساني للشعوب الأوروبية في أزمة اللاجئين الحديثة، ومنظومة التكافل الاجتماعي في ألمانيا تؤكد على تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعي ورعاية أصحاب الدخول الضعيفة وسد حاجاتهم الضرورية.

رسائل الحديث:

  1. قانون القيم لا يحابي أحداً: فالأمم التي تتمسك بالقيم مثل: العدل، والحرية، والشورى، والإنسانية مع الضعفاء تحمي نفسها من الأفول الحضاري، والتي تفرط فيها تعجل بزوال حضارتها وانتهاء ملكها.
  2. أهمية دراسة طبائع الشعوب وتاريخها لتحقيق الاندماج والتعايش الصالح مع أهلها: وعدم معرفة الطبائع والعادات للشعوب ينتج الإخلال بالتعايش والتواصل الحضاري.
  3. على مسلمي أوروبا الإسهام في حراسة هذه القيم: بالثناء عليها وإظهارها، والانضمام إلى كل مبادرة تدعمها، ورفض كل محاولة للعبث بها، بالمشاركة السياسية الفاعلة لمواجهة خطاب اليمين المتطرف المقوض لتلك القيم.
  4. الاستبداد أصل كل داء والحرية أصل كل دواء: لهذا كانت أهم خصلة توقف عندها عمرو ابن العاص: وأمنعهم من ظلم الملوك، فلا عجب أن نرى انتفاضة الشعوب الأوروبية ضد الظلم المتمثل في العنصرية بعد مقتل جورج فلويد.
  5. التريث وقت الفتن والأزمات: وتلك قيمة مهمة في عصرنا فإن سهولة تداول المعلومات ونشر الشائعات يوجب على العقلاء ضرورة التأمل والنظر فيما ينشر ويتداول، وعدم التعجل في بناء الأحكام والمواقف على معلومات وتصريحات غير موثقة أو مدققة علميا، كما هو الحال في تعاطي مع جائحة كورونا والتهوين من شأنها والتحذير من اللقاحات المضادة لها، مما يعرض حياة الناس للخطر والعدوى والموت وتأخير وقت الخلاص من الفيروس الذي أضر بالعالم كله.
  6. التعلم من السقوط بسرعة النهوض: ليست المصيبة أن ترسب أو تقع أو تهزم وإنما أن تستسلم للسقوط وتبقى فيه ندما وحسرة ولا تنشغل بكيفية النهوض والتعلم من سبب التراجع والهزيمة، فربما كان السقوط هو لحظة تصحيح المسار وبداية النجاح بأفضل مما لو لم يحدث الرسوب.
  7. عموم إنسانية الإسلام: إن المسلمين في الغرب يجب أن يكونوا في طليعة الأمم التي تعمل على إغاثة الفقراء والمعوزين ودعمهم دون نظر إلى دينهم أو عرقهم أو لونهم؛ لأن هذا العمل يعكس الجانب الإنساني في الإسلام، ويتناغم مع الثقافة الغربية والشعوب الأوروبية التي لا تتأخر عن التعاطف مع المنكوبين والمضارين من الكوارث حول العالم.

نسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يرفع الوباء والبلاء عن البشرية جمعاء. والحمد لله رب العالمين.