Posted on Leave a comment

فتوى بخصوص موافقة المرأة في عقود الزواج

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن عقد الزواج من أعظم العقود وأوثقها، قال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا).[].
وهو شراكة حياة بين طرفين يُفترض أن تكون دائمة في حُلوِ الحياة ومُرِّها؛ ولذلك كان أساسه الإيجاب والقبول، وهو موافقة الطرفين واختيارهما من غير إكراه أو إجبار.
والإسلام الذي قرّرت نصوصه عدم الإكراه في الدين لقول تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ).[البقرة:256] أولى به أن نَفهم أنه لا يقرُّ الإكراه في الزواج، وهذا ما أكَّد عليه النبي صلى الله عليه وسلّم؛ حين جاءته فتاة تشتكي إجبار أبيها لها على الزواج من ابن أخيه.. فقد ورد عن بُرَيْدَةَ بن الحصيب قال: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ – يعني ليرفع قدره ومكانته – فَجَعَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَمْرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ. رواه ابن ماجه (1874).
وهنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم ردَّ الأمر كله إلى الفتاة، وأن الفتاة لم يكن لها من اعتراض على الزوج المقترح سوى اعتراضها على عدم مشاورة أبيها لها، وكان احتجاجها وشكواها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليس إلا لبيان المسألة دفاعاً عن حقِّها وعن حقوق النساء عموماً، وللتفريق بين ما هو من عادات الجاهلية وما هو من دين الإسلام.
ومعلوم أنه لم يكن للمرأة في الجاهلية رأيٌ وقولٌ يُعتدّ به، لا في زواجها، ولا في سائر شؤونها، وجاء تصرُّف أبيها بناءً على ما اعتاده قبل الإسلام.
بل كان الأمر كذلك في معظم المجتمعات الإنسانية؛ حيث كانت المرأة تتعرض للاضطهاد والتهميش.. وهنا نجد كيف جاء جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم صارماً وحاسماً، في زمن كان مثل هذا الأمر غريباً على ثقافة الناس وعاداتهم. وبالتالي أصَّل النبي صلى الله عليه وسلم حرية المرأة في اختيار الزوج، ثم أكَّده في أكثر من حديث ومناسبة.
فعن خنساء بنت خدام الأنصارية، أن أباها زوجها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد نكاحه – أي أبطل هذا الزواج -.

ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ). رواه البخاري (6968)، ومسلم (1419).

ويتأكد من هذه الأحاديث وغيرها أنه لا يجوز بحال إجبار البنت على الزواج من شخص لا تريده، ولا يصح عقد دون موافقتها، وهو ما أقرَّه المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث في قرار (4/14)، كما لا يصح إجبار الابن على الزواج بمن لا يرغب بها.. وهذا كله لا يمنع الحق في إبداء الرأي والنصح من قبل الآباء لأبنائهم وبناتهم، حتى يتم التوافق والرضا لدى الجميع لما في ذلك من أثر على استقرار العلاقة وديمومتها.

ونوصي عموم المسلمين أن يجتهدوا في التحرّي في أحكام الإسلام، وعدم الخلط بينها وبين الأعراف والتقاليد.
والله ولي التوفيق

الجمعية الإسلامية الإيطالية للأئمة والمرشدين
فيرونا. إيطاليا
03/06/2021