Posted on

يُنتزع العلم بموت العلماء

يطيب لي بادئ ذي بدء أن أزف إليكم جميعا وإلى من معكم ومن حولكم أطيب الكلام وأحرّ السلام بمناسبة شهر رمضان المعظم 1442ـ2021، سائلا وليّ النعمة الأعظم سبحانه أن يجعله فكاكا للبشرية جمعاء قاطبة من هذا الوباء «كورونا» وأن ينيلنا فيه بما يهدينا إليه من عمل صالح الميدالية الذهبية الأولى عتقا من النار.

طافت بي طائفة في المدة الأخيرة يهذي أصحابها بأن صيام رمضان يسقط على الناس جملة في هذا العام بسبب هذا الوباء. قلت في نفسي: صحيح أنه كلام فارغ لا يحتاج ردّا أصلا ولكنه يعكس شيئًا لعله رديء، هو أن إشعاعات العلماء ربما ذبلت وذكرت الحديث المتفق عليه «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا، من صدور العلماء إنما يقبض العلم بموت العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهّالا سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».

فقدنا في السنوات الأخيرة كوكبة منيرة من العلماء المقاومين الجامعين بين أصالة الشريعة وحاجات العصر ممن لم تلن لهم قناة بين أيدي الجلادين والسفاحين يحيون سنة سلطان العلماء العز ابن عبد السلام عليه الرضوان، فقدنا رجالا كبارا من مثل الدكتور محمد عمارة وغيره.

حاجة الأرض إلى العلماء الجامعين بين دقة الفقه وأدب الدعوة وحرارة المكلوم أشدّ من حاجة الطعام إلى الملح، أنتم ملح الأرض وربّان السفينة ولقد جاء في الأثر أن صلاح الأمة بصلاح طائفتين فيها: طائفة العلماء وطائفة الأمراء، والناس لهم تبع إذ يكون الناس كما يولّى عليهم فهم أشبه بملوكهم. أنتم الرواحل والعدول الذين يبحث عنهم إمام الدعاة محمد عليه السلام «الناس كإبل مئة لا تكاد تجد فيها راحلة» و «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله: ينفون عنه تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين».

كلّ واحد منكم على ثغرة من ثغرات العلم من فوق منبر أو بشريط سمعي أو بصري أو بمقال أو كتاب سيما أن ثورة الاتصال الهائجة المائجة الهادرة لم تدع بيت وبر ولا مدر إلا دخلته وولجته بما تعلمون ولا بدّ لنا جميعا في ذلك من سهم بل سهام ولا يضل الله الناس إلا بالناس ولا يهديهم سبحانه إلا بهم هم.

المعركة فوق الأرض اليوم شرسة طاحنة حول إعادة تشكيل العقل ولا مناص لنا من الضرب في مناكبها تنفيذا لقوله عليه السلام «بلغوا عني ولو آية»، قابل الأيام، إذا كتب الله لها قابلات، هي لصاحب العلم الهادي الذي يعالج مشكلات الناس الحقيقية الواقعية بعيدا عن التمطيطات والتفريعات وما لا يحسنه سوى الفارغون والبطّالون «ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين» و«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» كما فسّرها حبر الأمة حرفا وحدّا معا.

تقبل الله صيامكم وقيامكم.